أعلن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني أن نتنياهو قرّر المشاركة في الاجتماع 79 للجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، ولا ينبغي أن يكون هذا الخبر خبرًا عاديًا أو تقليديًا يمرّ مرور الكرام، فهذا الخبر يجعل المجتمع الدولي أمام اختبار جدّي حول تمسك المنظمة الأممية بأهدافها الأصلية حول الأمن والسِلم العالميين، فكيف تقنع المنظمة العالَم والشعوب بحرصها على السِلم والأمن العالميين، وهي تستقبل مجرم حرب، يقود إبادة جماعية بحق مدنيين عزَّل ونساء وأطفال لما يقرب من العام.

يجسد الاجتماع السنوي للأمم المتحدة أهمَّ ملتقى دولي تتجسد فيه المساواة بين الدول دون اعتبار لحجمها أو قوتها، فجميع الدول لها حق الحديث والمشاركة والتصويت، تستوي في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والدول الصغيرة جدًا، كما يحاول الاجتماع إعادة توجيه البوصلة نحو أهداف المؤسسة الأصلية، مثل: تحقيق الأمن والسِلم الدوليين، التنمية المستدامة، الشراكة الإنسانية، وعدالة توزيع الثروات والمقدرات، علاوة على سعي المؤسسة للتوافق على إستراتيجيات المرحلة القادمة، وهذه الأهداف كلها تقضي بمنع مجرم حرب مثل "نتنياهو" من حضور مثل هذه الجمعية.

فعلى مدار نشأتها منذ تأسيسها عام 1945 نجحت المؤسسة في محطات رئيسية، وفشلت في أخرى في تحقيق أهدافها الأساسية، وفي مقدمتها تحقيق الأمن والسلم الدوليين. المشهد الدولي معقد ومركب وتحقيق هذه الأهداف لم يكن يومًا أمرًا هينًا، والأمم المتحدة كمؤسسة تعبّر عن الإجماع الدولي، لم تكن العامل الأهم أو المركزي في إنجاز أي نجاح أو السقوط في أي فشل، وهذا لأسباب كثيرة، ليس آخرها أن الأمم المتحدة لا تملك أدوات فرض رؤاها إلا في حالات استثنائية، كما أن نظامها الداخلي الذي وضعته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، صُمم بطريقة لخدمة هذه القوى ومصالحها، ويمكن تعطيله إذا تصادم مع مصالحها.

بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان المجتمع الدولي – ممثلًا في الأمم المتحدة – أمام اختبار جدي حول قدرته على فرض الإرادة الدولية بوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وملاحقة مجرمي الحرب، ومنع التدهور الإقليمي وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين، بل تجاوُز ذلك إلى تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية الأصيلة، مثل: حق تقرير المصير، والعودة، وإقامة الدولة، بل وحقه كشعب تحت الاحتلال في المقاومة بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للسابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتنفيذ حملة الإبادة الجماعية ضد شعبنا في القطاع، يمكن القول بشكل قطعي؛ إن أكبر ضحايا هذا العدوان الفاشي بعد الشعب الفلسطيني، هي الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لدرجة أن مسؤولًا أمميًا في أحد الاجتماعات مع الحركة أكد: "إننا في المؤسسات الدولية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لن نستطيع الحديث مع أيٍّ كان حول العالم حول القانون الدولي الإنساني وضرورة الالتزام به".

فبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اجتمعت المؤسسات الأممية عشرات المرات، سواء في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وفي كل مرة كان القرار واضحًا: "المطالبة بوقف العدوان فورًا، اتهام الكيان بارتكاب جرائم حرب، والمطالبة بإغاثة السكان، وتثبيت الحق الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة". وكانت النتيجة الإجمالية بعد عام من العدوان فشل المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في فرض إرادته على العدو الصهيوني، وكانت الإدارة الأميركية هي العامل الأساس في إفشال الإرادة الدولية من خلال استخدامها حق النقض الفيتو 4 مرات في مجلس الأمن، واحتكار العملية التفاوضية، المنحازة.

هذا الفشل الأممي سيتحوّل إلى وصمة عار أبدية تلحق بالأمم المتحدة، إذا قررت المؤسسة الأممية استقبال نتنياهو في أروقتِها ليصعد على منصاتها ويُنَظِّر حول القانون والسلام والتعايش. نتنياهو تتهمه المؤسسات الأممية بارتكاب جرائم حرب، وتلاحقه المحاكم الدولية بمذكّرات الاعتقال، وهذه المؤسسات هي أدوات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي التعبير المؤسسي عن إرادتها القانونية: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، هذا إلى جانب محاكم العديد من الدول حول العالم.

ماذا سيبقى للأمم المتحدة بعدما تستقبل نتنياهو – الغارق في دماء الأطفال والنساء حتى أذنَيه والمدان من محاكم أممية بالإبادة الجماعية – من شرعية وقيمة أخلاقية؟ كيف سينظرُ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش- صاحب المواقف الجريئة لصالح حقوق الشعب الفلسطيني – في عيون آلاف الأطفال والنساء والرجال الذين يتطلعون منه ومن مؤسسته لتنفيذ القانون والاقتصاص من هذا الكيان الفاشي وقيادته العنصرية؟

مشاركة نتنياهو في الأمم المتحدة عار يجب أن يُمنع فورًا قبل أن يلحق ببقايا القانون والعدالة في هذا العالم، ممثلًا بالأمم المتحدة، وإلا فإن قانون الغاب سيكون هو عنوان المرحلة القادمة.

ما أتخيله هو مشهد نتنياهو مكبلًا بالأصفاد بمجرد أن تطأ قدماه أرض الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويرسل إلى لاهاي ليجد جزاءه كمجرم حرب … ليكون درسًا لكل مجرم حرب يعتقد أنه يمكن أن يفلت من العقاب مهما طال الزمن، وبغض النظر عن الجهة التي تدعمه وتمدّه بالحصانة.

إن السجل الإجرامي لنتنياهو وكيانه العنصري يجب أن يكون عنوانًا مركزيًا في أحاديث قادة الدول في الأمم المتحدة، فقصف المستشفيات والمدارس، وتجويع الأطفال، وقتل الصحفيين، وقصف المدنيين، والتنكيل بالأسرى، وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسرقة الأراضي الفلسطينية بالضمّ والاستيطان في الضفة الغربية، كلُّها قضايا إنسانيةٌ، تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ ومنهجي، وتمّ تجريمها بقرارات دولية عديدة على مدار عقود من الصراع، وضرب العدو الصهيوني بها جميعًا عُرض الحائط.

آن الأوان لفرض تطبيق هذه القرارات بكل السبل بما فيها الفصل السابع من نظام مجلس الأمن، ولا أحد فوق القانون وإلا فإن القوة والعربدة هما القانون، وحينها فلننتظر الفوضى والدمار ليس في فلسطين فقط ولكن في كل أصقاع الأرض، وسيدفع الجميع الثمن.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من أکتوبر تشرین الأول فی الأمم المتحدة القانون الدولی للأمم المتحدة السابع من

إقرأ أيضاً:

بدر بن حمد: المشروع الصهيوني ينتهك القانون الدولي.. والشرق الأوسط بات أقل أمنًا

 

 

سلطنة عُمان تؤكد: السلام والأمن الدوليين ركيزتان أساسيتان لاستقرار العالم

◄ يجب التخلص من "عقلية الحرب الباردة" القائمة على "الألعاب الصفرية" وتكريس الانقسامات

 

نيويورك- العُمانية

 

بناءً على التكليف السَّامي لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه اللهُ ورعاه- ترأس معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية وفد سلطنة عُمان في قمة المستقبل التي عُقدت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكّد معاليه في كلمة سلطنة عُمان في افتتاح أعمال القمة على التزامها الراسخ بالعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي باعتباره السبيل لتحقيق الأهداف المشتركة التي تسعى إليها قمة المستقبل، وأن الحوار، والواقعية، والاحترام المتبادل هي المبادئ الأساسية التي تنتهجها سلطنة عُمان في سياستها الخارجية، مشيرًا إلى أنّ هذه القيم هي الأساس الضروري لمعالجة الأزمات العالمية المعقدة والمتشابكة التي يشهدها عالم اليوم. وأضاف معاليه أنّ التحدّيات التي نواجهها لا يمكن معالجتها بالأساليب التقليدية وحدها؛ بل تتطلب منهجيات ترتكز على مفاهيم التنمية المستدامة؛ لذا يجب علينا أن نعمل بحكمة وبصيرة، ونبدأ في تنفيذ سياسات تضع الأجيال القادمة في محور الاهتمام، وما يهيئ لهم مستقبلًا أفضل وأكثر استدامة.

وأشار معاليه إلى أنّ السلام والأمن الدوليين هما الركيزتان الأساسيتان لاستقرار العالم، مؤكدًا على أهمية الدبلوماسية الوقائية من منظور أنها الأداة الأنجع في منع النزاعات وحلها، داعيًا إلى تعزيز أساليب الحوار والوساطة الدولية وضرورة الالتزام الكامل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لضمان تحقيق العدالة والسلام والاستقرار للجميع. وذكر معاليه أنّ التكنولوجيا الحديثة والتعاون الرقمي يشكلان عاملًا حاسمًا في التصدي للتحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها. وأكّد معاليه أنّ سلطنة عُمان تولي أهمية كبيرة لدور الشباب؛ فهم القوة المحركة لبناء المستقبل، وأساس التنمية ومحورها، وقد أطلقت العديد من المبادرات وحاضنات الابتكار في مختلف المجالات العلمية والصناعية والثقافية والرياضية؛ هادفة من ذلك إلى تمكين الشباب، وتنمية قدراتهم الإبداعية، وتهيئة بيئة تلبي تطلعاتهم وطموحاتهم وتدفع بهم نحو الإبداع والنمو المستدام.

من جانب آخر شارك معالي السيّد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في جلسة حوارية بعنوان "الحلول متعددة الأطراف من أجل غدٍ أفضل"، أشار خلالها إلى أنّ منصات الحوار الشاملة - مثل الأمم المتحدة - تؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز تلك القيم. ودعا معاليه إلى ضرورة الانتباه إلى التحدّيات الراهنة في ظل استمرار الحرب في غزّة، والتي تُبرز هشاشة الوضعين الإقليمي والدولي، وأنّ تصاعد العنف ومعاناة المدنيين وفشل جهود السلام تُمثِّل تهديدًا لمبادئ التعددية وسيادة القانون، مؤكدًا أنّ الفشل المستمر في التعلم من الماضي وفهم الحاضر- خاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية- يُعرقل جهود تحقيق السلام الدائم.

ولفت معاليه إلى ضرورة التخلص من التفكير بعقلية الحرب الباردة التي تكرس الانقسامات الثنائية وتُبنَى على مفاهيم الألعاب الصفرية، مشيرًا إلى أنّ تعزيز فاعلية المؤسسات الدولية في حل النزاعات يعتمد بشكل كبير على تبنّي تفكير أكثر انفتاحًا وواقعية، يتناسب مع واقع العالم متعدد الأقطاب اليوم. وأكّد معاليه أنّ القضايا في الشرق الأوسط لن تُحل إلا إذا تمّ فتح قنوات للحوار والتواصل مع كافة الأطراف، بما في ذلك من وصفهم بعض أعضاء المجتمع الدولي بـ"الأعداء".

وأضاف معاليه أنّ الحل المستدام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال معالجة الجذور الأساسية للنزاع، مشيرًا إلى أنّ الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي منذ إنشاء المشروع الصهيوني قد جعلت المنطقة أقل أمانًا، وأنّ الحل العادل والدائم يجب أن يقوم على أساس مبدأ حل الدولتين.

وتطرّق معاليه إلى الدور المحوري للتكنولوجيا والتعاون الرقمي في التصدي للتحدّيات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى أهمية العلم في تحسين كفاءة استخدام الموارد البيئية.

مقالات مشابهة

  • أمين الأمم المتحدة: لبنان يتعين ألا يصبح غزة أخرى
  • أردوغان: ليس الأطفال وحدهم يموتون وإنما نظام الأمم المتحدة يموت في غزة أيضا
  • بمناسبة انعقادها.. 10 معلومات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • الأمم المتحدة: غلق "إسرائيل" مكتب الجزيرة بالضفة جزء من تقييد الإعلام
  • بدر بن حمد: المشروع الصهيوني ينتهك القانون الدولي.. والشرق الأوسط بات أقل أمنًا
  • عضو بـ«الشيوخ»: استضافة مصر للمنتدى الحضري العالمي يؤكد مكانتها الدولية
  • رغم الاعتراض الروسي.. اعتماد خطة إصلاح الأمم المتحدة في "قمة المستقبل"
  • بسبب تصعيد التوترات.. نتنياهو يؤجل رحلته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة
  • “أمين مجلس التعاون” يؤكد أهمية دور المجتمع الدولي في دعم الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها الأممية وخاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية