نتنياهو في الأمم المتحدة… المؤسسة أمام اختبار الشرعية والكفاءة
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
أعلن مكتب رئيس الوزراء الصهيوني أن نتنياهو قرّر المشاركة في الاجتماع 79 للجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، ولا ينبغي أن يكون هذا الخبر خبرًا عاديًا أو تقليديًا يمرّ مرور الكرام، فهذا الخبر يجعل المجتمع الدولي أمام اختبار جدّي حول تمسك المنظمة الأممية بأهدافها الأصلية حول الأمن والسِلم العالميين، فكيف تقنع المنظمة العالَم والشعوب بحرصها على السِلم والأمن العالميين، وهي تستقبل مجرم حرب، يقود إبادة جماعية بحق مدنيين عزَّل ونساء وأطفال لما يقرب من العام.
يجسد الاجتماع السنوي للأمم المتحدة أهمَّ ملتقى دولي تتجسد فيه المساواة بين الدول دون اعتبار لحجمها أو قوتها، فجميع الدول لها حق الحديث والمشاركة والتصويت، تستوي في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والدول الصغيرة جدًا، كما يحاول الاجتماع إعادة توجيه البوصلة نحو أهداف المؤسسة الأصلية، مثل: تحقيق الأمن والسِلم الدوليين، التنمية المستدامة، الشراكة الإنسانية، وعدالة توزيع الثروات والمقدرات، علاوة على سعي المؤسسة للتوافق على إستراتيجيات المرحلة القادمة، وهذه الأهداف كلها تقضي بمنع مجرم حرب مثل "نتنياهو" من حضور مثل هذه الجمعية.
فعلى مدار نشأتها منذ تأسيسها عام 1945 نجحت المؤسسة في محطات رئيسية، وفشلت في أخرى في تحقيق أهدافها الأساسية، وفي مقدمتها تحقيق الأمن والسلم الدوليين. المشهد الدولي معقد ومركب وتحقيق هذه الأهداف لم يكن يومًا أمرًا هينًا، والأمم المتحدة كمؤسسة تعبّر عن الإجماع الدولي، لم تكن العامل الأهم أو المركزي في إنجاز أي نجاح أو السقوط في أي فشل، وهذا لأسباب كثيرة، ليس آخرها أن الأمم المتحدة لا تملك أدوات فرض رؤاها إلا في حالات استثنائية، كما أن نظامها الداخلي الذي وضعته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، صُمم بطريقة لخدمة هذه القوى ومصالحها، ويمكن تعطيله إذا تصادم مع مصالحها.
بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان المجتمع الدولي – ممثلًا في الأمم المتحدة – أمام اختبار جدي حول قدرته على فرض الإرادة الدولية بوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وملاحقة مجرمي الحرب، ومنع التدهور الإقليمي وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين، بل تجاوُز ذلك إلى تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية الأصيلة، مثل: حق تقرير المصير، والعودة، وإقامة الدولة، بل وحقه كشعب تحت الاحتلال في المقاومة بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للسابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتنفيذ حملة الإبادة الجماعية ضد شعبنا في القطاع، يمكن القول بشكل قطعي؛ إن أكبر ضحايا هذا العدوان الفاشي بعد الشعب الفلسطيني، هي الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لدرجة أن مسؤولًا أمميًا في أحد الاجتماعات مع الحركة أكد: "إننا في المؤسسات الدولية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لن نستطيع الحديث مع أيٍّ كان حول العالم حول القانون الدولي الإنساني وضرورة الالتزام به".
فبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اجتمعت المؤسسات الأممية عشرات المرات، سواء في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وفي كل مرة كان القرار واضحًا: "المطالبة بوقف العدوان فورًا، اتهام الكيان بارتكاب جرائم حرب، والمطالبة بإغاثة السكان، وتثبيت الحق الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة". وكانت النتيجة الإجمالية بعد عام من العدوان فشل المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في فرض إرادته على العدو الصهيوني، وكانت الإدارة الأميركية هي العامل الأساس في إفشال الإرادة الدولية من خلال استخدامها حق النقض الفيتو 4 مرات في مجلس الأمن، واحتكار العملية التفاوضية، المنحازة.
هذا الفشل الأممي سيتحوّل إلى وصمة عار أبدية تلحق بالأمم المتحدة، إذا قررت المؤسسة الأممية استقبال نتنياهو في أروقتِها ليصعد على منصاتها ويُنَظِّر حول القانون والسلام والتعايش. نتنياهو تتهمه المؤسسات الأممية بارتكاب جرائم حرب، وتلاحقه المحاكم الدولية بمذكّرات الاعتقال، وهذه المؤسسات هي أدوات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي التعبير المؤسسي عن إرادتها القانونية: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، هذا إلى جانب محاكم العديد من الدول حول العالم.
ماذا سيبقى للأمم المتحدة بعدما تستقبل نتنياهو – الغارق في دماء الأطفال والنساء حتى أذنَيه والمدان من محاكم أممية بالإبادة الجماعية – من شرعية وقيمة أخلاقية؟ كيف سينظرُ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش- صاحب المواقف الجريئة لصالح حقوق الشعب الفلسطيني – في عيون آلاف الأطفال والنساء والرجال الذين يتطلعون منه ومن مؤسسته لتنفيذ القانون والاقتصاص من هذا الكيان الفاشي وقيادته العنصرية؟
مشاركة نتنياهو في الأمم المتحدة عار يجب أن يُمنع فورًا قبل أن يلحق ببقايا القانون والعدالة في هذا العالم، ممثلًا بالأمم المتحدة، وإلا فإن قانون الغاب سيكون هو عنوان المرحلة القادمة.
ما أتخيله هو مشهد نتنياهو مكبلًا بالأصفاد بمجرد أن تطأ قدماه أرض الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويرسل إلى لاهاي ليجد جزاءه كمجرم حرب … ليكون درسًا لكل مجرم حرب يعتقد أنه يمكن أن يفلت من العقاب مهما طال الزمن، وبغض النظر عن الجهة التي تدعمه وتمدّه بالحصانة.
إن السجل الإجرامي لنتنياهو وكيانه العنصري يجب أن يكون عنوانًا مركزيًا في أحاديث قادة الدول في الأمم المتحدة، فقصف المستشفيات والمدارس، وتجويع الأطفال، وقتل الصحفيين، وقصف المدنيين، والتنكيل بالأسرى، وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وسرقة الأراضي الفلسطينية بالضمّ والاستيطان في الضفة الغربية، كلُّها قضايا إنسانيةٌ، تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ ومنهجي، وتمّ تجريمها بقرارات دولية عديدة على مدار عقود من الصراع، وضرب العدو الصهيوني بها جميعًا عُرض الحائط.
آن الأوان لفرض تطبيق هذه القرارات بكل السبل بما فيها الفصل السابع من نظام مجلس الأمن، ولا أحد فوق القانون وإلا فإن القوة والعربدة هما القانون، وحينها فلننتظر الفوضى والدمار ليس في فلسطين فقط ولكن في كل أصقاع الأرض، وسيدفع الجميع الثمن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من أکتوبر تشرین الأول فی الأمم المتحدة القانون الدولی للأمم المتحدة السابع من
إقرأ أيضاً:
قرار للأمم المتحدة بشأن طبيعة عملها في مناطق سيطرة جماعة الحوثي باليمن
قررت الأمم المتحدة تقليص نفقاتها اللوجستية والأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، وذلك ضمن سلسلة من التدابير التي اتخذتها المنظمة الدولية على مدى الأشهر الماضية، بعد موجة جديدة من الاختطافات طالت موظفيها ووفاة أحدهم في سجون الجماعة في محافظة صعدة، أقصى شمال البلاد.
وجاء القرار بعد لقاء بين رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقطاع الأمن والسلامة للأمم المتحدة، مانويل أنطونيو، ووزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، جمال عامر.
وعزت جماعة الحوثيين قرار الأمم المتحدة بتخفيض النفقات اللوجستية والأمنية إلى الأزمة المالية التي تعاني منها المنظمة الدولية، والتي قالت إنها دفعتها أيضًا إلى اتخاذ قرارات مشابهة في كافة مقارها ومكاتبها حول العالم، حسب وكالة سبأ التابعة للحوثيين.
ولم يعرف بعد سبب قرار الأمم المتحدة هذا، وما إذا كان مرتبط بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، أم ردًا على حملة الاختطافات بحق موظفيها.
وأعلنت الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي تعليق جميع عملياتها في محافظة صعدة، بعد وفاة الموظف في برنامج الغذاء العالمي أحمد باعلوي في سجون الحوثيين في ذات المحافظة التي تعد معقلًا لزعيم الجماعة، وقيام الحوثيين باختطاف ثمانية موظفين إضافيين من موظفي المنظمة الدولية خلال ذات الفترة.
وتواصل جماعة الحوثيين اختطاف العشرات من موظفي المنظمات الأممية والدولية والمحلية والبعثات الدبلوماسية منذ يونيو/حزيران 2024، إلى جانب موظفين آخرين يقبعون في سجونها منذ 2021.