كتبت- داليا الظنيني:

أكد الدكتور مصطفى الفقي المفكر السياسى، أن إيران تستغل ما يحدث لمصلحة حوارها مع الغرب، وأن ما يحدث فى المنطقة صراع على النفوذ وليس صراعا من أجل القضية الفلسطينية.

وطالب "الفقي"، خلال حواره لبرنامج "يحدث فى مصر"، الذى يقدمه الإعلامى شريف عامر، على فضائية "إم بي سي مصر"، اليوم الثلاثاء، الطرف العربى أن يراجع وضعه ومواقفه، معقبا: العرب ليسوا على قلب رجل واحد، موضحا أن الخسائر كبيرة لجميع الأطراف بسبب أحداث غزة.

وأوضح أن اجتماعات الأمم المتحدة بمثابة ترمومتر عالمى لمواقف الدول، لافتا إلى أن الأمم المتحدة منبر دولي ولها تأثير أدبي مهم فى الصراعات الدولية والإقليمية.

وأكد أنه عندما تتصارع الفيلة تموت الحشائش وهذا ما يحدث فى لبنان حاليا، موضحا أن الأيام الأخيرة كانت مؤلمة لحزب الله.

وأشار إلى أن العمليات العسكرية أصابت العديد من مواقع حزب الله فى لبنان، مؤكدا أن لبنان ليس لها ذنب أن تدخل طرفا فى هذا الصراع.

واستطرد أن حزب الله يريد أن يخرج من هذا الصراع خاصة فى ظل تراجعه تكنولوجيا، مشيرا إلى أنه مع سرعة التطورات تقترب النهايات، وهذا ما يحدث على الساحة الآن.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: النزلات المعوية في أسوان سعر الدولار الطقس أسعار الذهب الانتخابات الرئاسية الأمريكية الدوري الإنجليزي محور فيلادلفيا التصالح في مخالفات البناء سعر الفائدة فانتازي الدكتور مصطفى الفقي حزب الله الحرب فى لبنان القضية الفلسطينية اجتماعات الأمم المتحدة لبنان ما یحدث

إقرأ أيضاً:

صراع الكونغو ورواندا .. مائة وأربعون عامًا من الحرب برعاية أوروبية

يُطلِق عليها البعض "الحرب اللانهائية"، وتُعد أحد أكثر النزاعات دموية وبشاعة في القارة الأفريقية، إذ تسجل حتى الآن عددا ضخما من الخسائر البشرية. في نظر آخرين، ليست هذه الحرب مجرد صراع دموي، بل زلزال جيوسياسي قد يُعيد تشكيل خارطة شرق القارة السمراء. إنها حرب مفتوحة، ومتشابكة، وتتسع رقعتها باطراد، ويخوضها أكثر من مئة جماعة مسلحة، فيما تزداد تعقيداتها مع دخول جيوش نظامية على خط المواجهة.

حرب الكونغو، مشهدها المتشابك يجعل من الصعب تصنيفها حربا أهلية، خاصة بعد أن تداخلت فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، وتحولت إلى ساحة تتقاطع فيها الأجندات وتتصادم المصالح. فما الجذور العميقة لهذه الأزمة؟ هل وُلدت اليوم أم أن لها امتدادا تاريخيا شكَّل ملامحها الراهنة؟ وكيف يبرر كل طرف في هذا الصراع موقفه ويُصنِّف خصمه؟ في هذا التقرير، نحاول البحث عن إجابات لهذه التساؤلات، متحررين من السرديات الأحادية، ومنفتحين على زوايا تحليل متعددة، في محاولة لفهم أعمق لهذا الصراع المتجذر في قلب أفريقيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محمد أسد المُهتدي اليهودي الذي غيرته سورة التكاثرlist 2 of 2كيف بنى الاتحاد السوفياتي أقوى قنبلة نووية في التاريخ؟end of list الجذور الاستعمارية لأزمة الكونغو

لم تكن أفريقيا، القارة السمراء، أرضا بكرا موحشة قبل أن يصلها المستعمر الأوروبي، كما سعت السرديات الاستعمارية لترويج ذلك، بل كانت قارة نابضة بالحياة، غنية بثقافاتها وممالكها التي تنوعت أنشطتها الاقتصادية بين الزراعة والصيد والتجارة والحِرَف المحلية، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي الذي جعلها حلقة وصل بين أفريقيا وآسيا.

إعلان

ازدهرت الممالك الأفريقية بنظمها الزراعية، واعتمد بعضها على نظام المشاعية في تقسيم العوائد، حيث كانت الثروات تُوزَّع بين الأسر بشكل منظم وتحت إدارات محلية متماسكة نسبيا. ولكن مع وصول الأوروبيين في القرن السادس عشر، بدأت موجة من التغيُّرات قلبت النظام الاجتماعي في القارة. فالقادم من أوروبا، الذي خرج للتو من ظلمات الإقطاع متجها نحو الرأسمالية، لم يرَ في الأفريقي سوى آلة يمكن تسخيرها لاستخراج الثروات.

ثروات أفريقيا جذبت المستعمرين الأوروبيين، في الصورة عمال في منجم كولتان بمقاطعة شمال كيفو في جمهورية الكونغو (رويترز)

كانت البرتغال أولى القوى التي استباحت السواحل الأفريقية، حيث استعبدت سكانها وسخَّرتهم للعمل في مزارع الجزر الأطلسية والبرازيل. في البداية، لجأ البرتغاليون إلى الغارات المسلحة، لكنهم واجهوا مقاومة شرسة، كما حدث عام 1444 حين حاولوا غزو السنغال، حتى فوجئوا بمقاتلين محليين متمكّنين من أساليب القتال التقليدية. دفعهم ذلك إلى تغيير استراتيجيتهم، فانتقلوا من الغزو إلى بناء تحالفات مع ملوك أفارقة ممن باعوا الأسرى والذهب مقابل السلع الأوروبية. ورغم المقاومة التي أبداها بعض الملوك الأفارقة، فإن وجود وسطاء وخونة سهَّل استمرار هذه التجارة، حتى تحوَّلت القارة إلى مسرح لصراعات دموية غذَّتها التحالفات الأوروبية.

وقد عمد المستعمِرون إلى إشعال الحروب بين القبائل، ليصبح الأسرى وقودا لتجارة الرق التي نهشت المجتمعات الأفريقية. وكانت الكونغو وغرب أفريقيا أكثر المناطق تضرُّرا، حيث فقدت نسبة من سكانها تُقدَّر بعُشر إلى ثُلث السكان، وتراجعت أنشطتها الاقتصادية من الزراعة والصيد، في حين تكيَّف بعضها بالاندماج في الشبكات الرأسمالية الجديدة، ومن ثمَّ صار سكان القارة سجناء في دوامة من العبودية والمقاومة. وهكذا، لم يكن وصول الأوروبيين إلى القارة مجرد لقاء حضاري، بل لحظة فاصلة دشَّنت حقبة طويلة من الاستغلال والاستعمار.

إعلان الاستعمار الثقافي والحملات التبشيرية

حين جاء التاجر الأوروبي وروَّج سلعته على حساب الإنسان الأفريقي، كثيرا ما حدث ذلك باسم الدين. ففي عام 1455، أصدر البابا مرسوما اعتبر غير المسيحيين كفارا ينبغي إذلالهم واسترقاقهم، وادّعت الكنيسة أنها تسعى لتنوير الشعوب وتحريرهم، لكنها كانت الأداة الأولى في ترسيخها، إذ أنشأت المدارس والمستشفيات في الأراضي المُستعمَرة. كانت المدارس تُدرِّس الثقافة الأوروبية للشباب المحليين لاستمالتهم، فيما اعتمد المبشرون والأطباء على الترويج للعقيدة المسيحية جنبا إلى جنب مع تقديم المساعدة الطبية.

لكن الكنيسة لم تكتفِ بذلك، بل زرعت الخضوع في نفوس السكان، وأضفت الشرعية على الفقر والحرمان، وعزَّزت التفرقة بين الجماعات الأفريقية، مما عمَّق الصراعات القبلية. لعبت مدارسها دورا في تكريس سردية المستعمِر حول الأصول المتمايزة للقبائل، فكانت العقيدة والدين أداتين لإعادة تشكيل المجتمعات الأفريقية بما يخدم السلطة الاستعمارية.

حمل الألمان إلى شرق القارة خرافة "العِرق الحامي"، وهو تسلسل عنصري يضع التوتسي مباشرة بعد العِرق الأبيض. قبل وصول الأوروبيين، كانت الممالك الأفريقية تجمع مختلف العشائر في وحدة اجتماعية واقتصادية متماسكة. لكنّ الألمان والبلجيكيين كرَّسوا هوية التوتسي والهوتو، وأجروا تجارب عنصرية لإثبات نظريتهم. فقد قام ريتشارد كانت مع باحثين ألمان بسرقة جماجم من رواندا لإجراء قياسات عليها، كما صبُّوا الجبس على وجوه السكان لصنع مجسمات تُستخدم لتحديد الفروق العِرقية المزعومة.

عندما أجرى البلجيكيون لاحقا تعدادا سكانيا، لم يكن المعيار إثنيا، بل اقتصادي: مَن يملك أكثر من عشر بقرات وله أنف طويل صار "توتسي"، ومَن يملك أقل من ذلك صار "هوتو". قد يبدو هذا التصنيف اعتباطيا، لكن تأثيره كان مدمرا. لقد زرعت الكنيسة والمدارس الأوروبية فكرة التفوُّق العِرقي، حتى باتت المجتمعات المحلية تصدقها. فقد سعى المستعمِر، بكل أدواته، إلى محو تكريس تصورات هوياتية تخدم مصالحه، فكلما ضعف النسيج الاجتماعي، سهلت السيطرة على الموارد.

إعلان

قبل مائة وأربعين عامًا، في مؤتمر برلين عام 1884، قُسِّمت أفريقيا بين القوى الاستعمارية الأوروبية، مما أدى إلى تمزق الممالك الأفريقية، بما في ذلك رواندا، والكونغو، وأوغندا، حيث بدأ البلجيكيون في فرض سياسات تمييزية من خلال تحديد "الهوية العِرقية" في الوثائق الرسمية، وتعزيز سلطة التوتسي على حساب الهوتو. وحين حصلت الكونغو على استقلالها، ورثت هذه الشروخ الاجتماعية، مما فاقم الصراعات العِرقية. وفي عام 1981، أصدر موبوتو سيسي سيكو في الكونغو قوانين تقيِّد الجنسية على أساس الانتماء الإثني، مما عمَّق الانقسامات داخل المجتمع، وأعاد إنتاج الصراعات العِرقية التي زرعها الاستعمار الأوروبي قبل قرن.

حرب الإبادة في رواندا

"الإبادة الجماعية ليست شيئا يحدث فجأة، إنها جريمة كراهية يُحضَّر لها، وتُبنى ظروف تسمح بوقوعها. إنها ليست فعل أفراد، بل جريمة ترتكبها دول وحكومات".

-المؤرخ توم نداهيرو في لقاء مع الجزيرة

بدأت كراهية التوتسي قبل عام 1994، وكان للاستعمار البلجيكي دور حاسم في خلق أزمة هوية حقيقية في وسط أفريقيا. فقد عمل علماء الأنثروبولوجيا البلجيكيون على صياغة نظريات حول أصول سكان رواندا، مدّعين أن التوتسي هاجروا من الشمال وأنهم ليسوا سكانا أصليين. وبهذا، تركت بلجيكا عند استقلال رواندا إرثا من الانقسامات العِرقية العميقة التي مهّدت للتوترات العِرقية والإبادة الجماعية لاحقا. ويقول الباحث السياسي غاتيتي نييرينغابو في مقابلة مع الجزيرة: "كرَّست بلجيكا مصالح أقلية أرستقراطية من أثرياء التوتسي، وتركت البقية يغرقون في فقر مدقع، بصرف النظر عن إثنيتهم، وأدى ذلك، منذ عام 1957، إلى أولى موجات العنف ضد التوتسي، بحجة سيطرتهم على مقدرات البلاد وإقصاء الهوتو".

مشهد من مشاهد الإبادة الجماعية في رواندا في مايو/أيار عام 1994. (رويترز)

ووفقا للمؤرخ نداهيرو، فقد أُصدِر "بيان باهوتو"، الذي دعا إلى "انتزاع حق الهوتو في البقاء والوجود وتجريد التوتسي من صلاحيات الحكم"، وصيغ البيان بتحريض من سلطات الاستعمار، وبدعم من رجال الدين الكاثوليك، الذين تحوَّلوا إلى دعاة كراهية، مما أدى إلى تأسيس حركة "بارميهوتو" أو "انعتاق الهوتو". هذه الحركة، التي وصفها المؤرخون بأنها أقرب إلى ميليشيا منها إلى حزب سياسي، كانت أحد المحركات الرئيسية للعنف العِرقي في رواندا.

إعلان

في ظل هذا التوتر العِرقي، اندلعت الحرب الأهلية في رواندا بين القوات المسلحة الرواندية، التي كانت تهيمن عليها أغلبية الهوتو، وبين الجبهة الوطنية الرواندية، وهي حركة تمرد بقيادة التوتسي. لقد بدأت الأزمة منذ نهاية الخمسينيات، وأطاحت بالنظام الملكي التوتسي وأقامت جمهورية بقيادة الهوتو، مما دفع أكثر من 336 ألف من التوتسي إلى الفرار نحو البلدان المجاورة. وفي أوغندا، شكَّل اللاجئون التوتسيون الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة فريد رويجيما وبول كاجامي، وتحولت الجبهة في أواخر الثمانينيات إلى قوة عسكرية منظمة. واستمر القتال رغم اتفاقيات السلام، ومع مرور الوقت، بدأ المتطرفون من الهوتو في التخطيط لإبادة التوتسي بشكل منهجي.

بين عامَيْ 1990-1994، عززت جماعات الهوتو المتطرفة نفوذها في رواندا، وخططت لإبادة التوتسي. وبدأ التنفيذ الفعلي عقب اغتيال الرئيس جوفينال هابياريمانا، فاندلعت الإبادة الجماعية التي قُتل فيها أكثر من 800,000 شخص خلال 100 يوم، أي بمعدل 8,000 قتيل يوميا، مما جعلها واحدة من أبشع المجازر في التاريخ.

هرب العديد من التوتسي إلى الكونغو، لكنهم لم يكونوا وحدهم، تبعهم أيضا المُتَّهمون بالمشاركة في الإبادة، مما جعل المنطقة بؤرة للعنف المستمر، في ظل غياب أي حلول جذرية من الحكومة الرواندية. وقد استمرت النزاعات العِرقية، وبقيت التنظيمات المتورطة في المجازر نشطة، مما جعل مستقبل المنطقة مفتوحا على مزيد من التصعيد والصراعات الدموية.

الحرب الأهلية في الكونغو

في 31 أغسطس/آب 1996، اندلع ما عُرف بتمرد البانيامولينغ بقيادة تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو للإطاحة بالرئيس موبوتو سيسي سيكو، بدعم من رواندا وأوغندا وأنغولا وبوروندي. وبرَّرت رواندا تدخلها بأن الهوتو الفارين إلى شرق الكونغو ارتكبوا إبادة جديدة بحق التوتسي الكونغوليين، واستخدموا إقليم كيفو قاعدة لشن هجمات ضدها، بدعم مباشر من نظام موبوتو.

إعلان

كان عهد موبوتو المديد عهد انهيارات اقتصادية حادة: تضخم مفرط، وديون هائلة، وانخفاض متكرر في قيمة العملة. وعلى مدى ثلاثة عقود، صُنِّفت أوضاع حقوق الإنسان في بلاده من بين الأسوأ في العالم. وفي 1997، تمكَّن المتمردون من الإطاحة بموبوتو، ليصل لوران كابيلا إلى السلطة، وهو الذي سبق أن قاد عدة ثورات ضد نظام موبوتو.

بعد وصوله إلى الحكم، لم يكن لوران كابيلا مختلفا كثيرا عن سلفه. فقد اتُّهم بأنه أصبح أقرب إلى دكتاتورية موبوتو، حيث أعدم آلاف المدنيين العُزّل ومئات الجنود من التوتسي، وضيَّق على الحريات العامة، وازداد تورُّطه في الفساد. كما بدأ في تهيئة ابنه جوزيف لتوريثه السلطة، مما أثار استياء حلفائه السابقين. انقسم التحالف الذي أوصل كابيلا إلى الحكم، وشكَّل التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية، الذي عُرف لاحقا باسم "ماي ماي"، وهو في الحقيقة ميليشيا. بالتوازي مع ذلك، توترت علاقات كابيلا مع رواندا وأوغندا، رغم أنهما كانتا من أكبر داعميه في الحرب الأولى، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية ثانية عام 1998، لكن ضده هذه المرة، وقادتها رواندا بدعم أميركي.

على الجهة الأخرى، حصل كابيلا على دعم كلٍّ من أنغولا وتشاد وناميبيا وزيمبابوي، مما أدى إلى حرب متعددة الأطراف. ورغم تحالفه مع عدة دول، فإن قوات كابيلا تكبَّدت هزائم متكررة، أبرزها في معركة بويتو أواخر عام 2000، حيث خسرت الكونغو مئات الجنود. كادت قوات المتمردين أن تطيح بالحكومة نهائيا، لولا أن 3,000 عسكري كونغولي تمكنوا من الفرار إلى زامبيا، وسط موجات ضخمة من النازحين الذين هربوا من جحيم الحرب.

حركة "إم 23"

تأسست حركة "إم 23" يوم 6 مايو/أيار 2012، وهي تتفرع عن حركة مسلحة أخرى تُعرف باسم "المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب"، وتدافع عن الإثنيات في منطقة كيفو الشمالية شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة قبائل التوتسي. تعتبر الحركة نفسها مزيجا بين العمل السياسي والعسكري، وتهدف إلى معالجة الإخفاقات التي تعاني منها الحكومة الكونغولية، وبالأخص عدم تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في 23 مارس/آذار 2009.

إعلان

بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاقية، اندلعت مواجهات جديدة حين انفصلت مجموعة مسلحة كانت ضمن الجيش بموجب الاتفاقية، وقد كان معظم أفرادها من التوتسي، ليُطلق عليها اسم "إم 23". يرى مؤسسو الحركة أنفسهم حركة مقاومة ضد الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد مجتمعهم من الحكومة الكونغولية والجماعات المسلحة في المنطقة، وهم يُصرّون على أن حمل السلاح كان دفاعا عن النفس، وأن توسعهم في المنطقة كان نتيجة الحاجة إلى الحماية الأمنية، وعدم الالتزام بشروط اتفاقية إدماجهم في الجيش.

استعراض عسكري لقوات إم 23 في شوارع مدينة غوما شرق الكونغو بعد سيطرة المتمردين عليها (الفرنسية)

تشير تقارير عدة من منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" إلى انتهاكات فظيعة في المنطقة، بما في ذلك القتل الجماعي والاغتصاب من قِبَل الجماعات المسلحة مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال القسري. على سبيل المثال، في 2010، قُتل نحو 96 مدنيا في بوسورونغي في إقليم واليكالي، بينما شهد إقليم لوبيرو الجنوبي حالات اغتصاب من قِبَل الجماعات المسلحة.

أظهرت حركة "إم 23" استعدادا للتفاوض أثناء اتفاقية نيروبي الأولى لوقف إطلاق النار، حيث انسحبت من المناطق التي كانت قد سيطرت عليها. لكن القوات الكونغولية عادت إلى تلك المناطق، ما أدى إلى استئناف الصراع. في المقابل، رفضت الحكومة الكونغولية التفاوض مع الحركة واتهمتها بانتهاك الاتفاقية. في لقاء مع الجزيرة، اعتبر ممثل الحركة أن الصراع مع الحكومة الكونغولية هو صراع وجودي بالنسبة لقبائل التوتسي، مشيرا إلى أن جذور الصراع تاريخية، وأن الحكومة تستخدم خطاب الكراهية أداةً للحكم. كما أشار إلى أن قبائل التوتسي أصبحت كبش فداء للحكومة، التي تستخدمها لتشتيت انتباه الشعب عن فشلها في إدارة البلاد.

إعلان موقف الكونغو

تَعتبر حكومة كينشاسا أن الأزمة الأمنية في شرق البلاد انتهاك صارخ من الحكومة الرواندية لسيادتها، حيث اعتبرت التصعيد الأخير بمنزلة "احتلال" من القوات الرواندية. في تصريحات متتالية، وصف المسؤولون في الحكومة الكونغولية ما يحدث في شرق الكونغو بـ"العدوان" على أراضيها، حيث يتجاهلون وجود حركة "إم 23" ويمثلونها فقط بوصفها أداة تحركها القوات الرواندية. كان الرئيس الكونغولي قد صرح سابقا قائلا: "شرق البلاد يشهد تدهورا غير مسبوق في الوضع الأمني، قوات الدفاع الرواندية تدعم دميتها حركة "إم 23″ لتواصل أعمالها الإرهابية على أراضينا".

من جانبها، أكدت وزيرة الخارجية الكونغولية، في لقاء صحفي أثناء اجتماعات مجلس الأمن الدولي، أن "ما يحدث ليس مجرد سيطرة لمتمردي حركة "إم 23″، بل هو احتلال من القوات الرواندية"، وأضافت أن تقريرا للأمم المتحدة قد أكد وجود 4000 جندي رواندي في شرق الكونغو. كما طالبت الكونغو في مجلس الأمن بانسحاب القوات الرواندية وفرض عقوبات على قياداتها، ما يُظهر بوضوح التباين الكبير بين رواية الحكومة الكونغولية ونظيرتها الرواندية.

رغم وجود اتفاقية سلام ووقف إطلاق النار بين الطرفين، فإن الصراع ما زال يتفاقم، خصوصا في ظل تمسك الكونغو بعدم تحييد قوات "FDLR"، التي تعتبرها رواندا تهديدا بعد تورطها في عملية الإبادة الجماعية في 1994. كما رفض الرئيس فيلكس تشيسكيدي الحوار مع حركة "إم 23″، ما زاد تعقيد الوضع. وكانت وزيرة الخارجية الكونغولية تيريز كاييكوامبا فاغن قد بررت موقفها بعدم الحوار مع "إم 23" بأن عملية لواندا للسلام يجب أن تكون بين الدول لا الحركات المسلحة. وبخصوص موقف الكونغو من عملية لواندا، ادعت الوزيرة أن العملية هي المسار الوحيد للتفاوض، لكن رواندا انسحبت منها بسبب عدم التزام الأطراف باتفاقية السلام السابقة، بالإضافة إلى عدم حل قضية قوات "FDLR"، التي تشكل تهديدا للأمن الرواندي.

إعلان الجماعات المسلحة بين أفريقيا والغرب

تشير الإحصائيات إلى أن عدد الجماعات المسلحة في شرق الكونغو تجاوز المئة. ومع تجدد الصراع، انضم بعض هذه الجماعات إلى الجيش الكونغولي النظامي، بينما تواصل أخرى القتال ضد القوات الحكومية أو تنفيذ عمليات عبر الحدود. من بين هذه الجماعات حركة "إم 23" و"تحالف الكونغو"، اللتان تخوضان مواجهات ضد الجيش الكونغولي، إلى جانب جماعات معارضة مسلحة لأوغندا، وكذلك حركات معارضة بروندية تشنّ هجمات على حدود بروندي انطلاقا من الأراضي الكونغولية. كما تضم "الحركة الديمقراطية لتحرير رواندا" أفرادا متورطين في الإبادة الجماعية بحق التوتسي، الذين فرّوا من العدالة في رواندا إلى الكونغو.

يتألف تحالف "نهر الكونغو" وحركة "إم 23" من أعضاء ينتمون إلى مجموعة متنوعة من القبائل الكونغولية، من بينها قبيلة الهوتو من شمال كيفو، والهوند، والباشي، والتوتسي، بالإضافة إلى قبيلة البالوبا التي ينتمي إليها الرئيس الكونغولي نفسه. يشير هذا التكوين المتنوع إلى أن هذه الجماعات لا تمثل فقط أداة لخدمة المصالح الرواندية، بل تعكس أيضا تعقيد الوضع الداخلي في الكونغو الديمقراطية. ويدرك الرئيس تشيسكيدي هذا الواقع، مما يعكس عمق النزاع وأبعاده المحلية التي لا يمكن تجاهلها.

تسعى الأمم المتحدة والإعلام الغربي إلى تصوير الصراع في منطقة شرق الكونغو بوصفه حربا على المعادن والثروات، حيث يُنظر إليه على أنه صراع بين أبناء المنطقة حول السيطرة على المناجم والموارد الطبيعية. تتهم هذه الأطراف رواندا بالتوسع الجائر في المنطقة، متجاهلة بذلك الرواية التي تقدّمها كلٌّ من حركة "إم 23" وحكومة رواندا، التي تعتبر أن هذا الطرح سطحي ولا يعكس الواقع، بل إنه غير قادر على تقديم حلول فعالة للمشكلة.

في بيانها الأخير، الذي جاء تعليقا على تطورات الأحداث الأمنية في المنطقة، أعلنت مجموعة الدول السبع الكبرى (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي) دعمها لرواية الحكومة الكونغولية، مع إلقاء اللوم الكامل على حكومة رواندا، ودعت هذه الدول "إم 23" والقوات الرواندية إلى وقف عدوانهما على الأراضي الكونغولية والجلوس على طاولة الحوار.

عناصر من حركة إم 23 في منطقة غوما التي سيطروا عليها في يناير/كانون الثاني 2025 (رويترز)

رغم اعتراف مجلس الأمن الدولي بتورط ميليشيات "FDLR" في الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا، بالإضافة إلى تورطها في ارتكاب جرائم بحق بعض القبائل في شرق الكونغو، فإن الأمم المتحدة لم تعارض التعاون بين هذه الميليشيات والجيش الكونغولي، بل تجاهلت بوضوح الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في المنطقة. هذه المواقف تجعل الأمم المتحدة عرضة للاتهامات بالتحيز وازدواجية المعايير، ويضاف إلى ذلك تورط بعض الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة في جرائم متعددة بحق المدنيين في المناطق المتوترة، وفقا لتصريحات مسؤول سابق، مما يعزز من الشكوك حول مصداقية التحقيقات التي تُجريها هذه الهيئات.

إعلان

في الوقت نفسه، يزداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، خصوصا مع العلاقات الاقتصادية القوية بين رواندا والصين. ويُشكِّل هذا التنافس تهديدا مباشرا للمصالح الغربية في المنطقة، لا سيما ممر "لوبيتو"، الذي بدأته الصين فعلا عبر شراكات مع ماليزيا. ولهذا السبب، انحازت الدول الغربية إلى الموقف الكونغولي، حمايةً لمصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في المنطقة. يقع ممر لوبيتو في جنوب غرب القارة الأفريقية، وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، زار الرئيس الأميركي جو بايدن أنغولا، وأعلن عن مشروع كبير لتطوير شبكة السكك الحديدية لربط الكونغو وزامبيا وميناء لوبيتو في أنغولا. يهدف المشروع إلى تسهيل نقل المعادن الحيوية مثل النحاس والكوبالت من حزام النحاس في زامبيا والكونغو إلى الأسواق العالمية عبر الساحل الغربي لأفريقيا، لكنه يهدف أيضا إلى منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

موقف رواندا

تواصل رواندا رفضها لادعاءات مجلس الأمن وحكومة الكونغو بشأن تدخلها العسكري في المنطقة، حيث تَعتبر أن الحكومة الكونغولية تتجاهل السبب الحقيقي وراء تجدد الصراع بعد عشرة أعوام، الذي يتمثل في التمييز العنصري الذي تمارسه الحكومة ضد سكان شرق الكونغو، وحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية. وتُؤكد رواندا أن الموقف الدولي كان منحازا بشدة، ما زاد من تعقيد الأزمة بدلا من حلها. وتتهم رواندا الأمم المتحدة بالتقليل من تهديد منظمة "الحركة الديمقراطية لتحرير رواندا"، التي صُنِّفت جماعة إرهابية على خلفية تورطها في الإبادة الجماعية بحق التوتسي الكونغوليين. وتُشير إلى أن هذا التصنيف سمح للحكومة الكونغولية بالتعاون مع هذه المنظمة، ما أسهم في تطبيع العلاقات بين الطرفين.

تنتقد رواندا تدخلات الأمم المتحدة من عدة أوجه. من الناحية الأمنية، ترى أن تدخل "مونوسكو" قد أسهم في تفاقم الوضع، حيث أصبح انتشار الميليشيات أكثر اتساعا، مما أصبح بمنزلة دعم غير مباشر للجيش الكونغولي، الذي يضم في تحالفاته الحركة الديمقراطية لتحرير رواندا ويجند مرتزقة أجانب، وهو ما يخالف القانون الدولي. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن تفعيل المادة 1502 من قانون دود-فرانك الأميركي، الذي يحظر شراء المعادن من الكونغو، أدى إلى انهيار اقتصادي في المجتمعات المحلية، وزيادة الاعتماد على المناجم التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة. كما سمح ذلك بإنشاء طرق جديدة لغسل المعادن عبر رواندا وأوغندا، مما يعقّد جهود مكافحة الفساد.

إعلان

دعت رواندا إلى حل سلمي وضرورة إرساء الحوار بين الأطراف المتنازعة، حيث أكدت أن مطالب حركة "إم 23" بسيطة وتتعلق بحقوق المواطنين الأساسية، وأن الحلول تكمن في الحوار وليس في التدخلات العسكرية أو السياسية. وفي تحول اقتصادي ملحوظ، أصبحت الصين الشريك الاقتصادي الأول لرواندا، حيث صرح الرئيس الرواندي بأن الصين لم تُملِ على رواندا سياساتها، في إشارة إلى السياسة الغربية التي تفرض توجهاتها على الدول الأفريقية. وفي المقابل، تراجعت العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، حيث كان آخر اجتماع رسمي بين الجانبين عام 2019.

كل هذه التحولات تجعل من رواندا عقبة أمام مصالح الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، مما يجعلها دولة غير مرغوب فيها في الساحة الدولية، ولا سيما في إطار الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • أمر أساسي أبقى إسرائيل في لبنان.. معهد في تل أبيب يكشف
  • آلاف المفقودين في السودان بعد عامين من الحرب وخبير أممي يؤكد ضرورة حماية المدنيين
  • رئيس وزراء لبنان: حصر السلاح بيد الدولة سيناقش قريبا
  • صراع الكونغو ورواندا .. مائة وأربعون عامًا من الحرب برعاية أوروبية
  • عمرو سعد ضيف شريف عامر في «يحدث فى مصر» بهذا الموعد
  • الأمم المتحدة: مقتل نحو 13 ألف مدني في أوكرانيا منذ بداية الحرب
  • بمنزل الخطيب.. إبراهيم فايق يكشف كواليس جديدة بشأن توقيع زيزو للأهلي
  • التهديدات لم تعد كافية.. إسرائيل تنتقل للتنفيذ وترسم حربها
  • مناوي يكشف عن اتفاق بين الدعم السريع والأمم المتحدة لتهجير سكان الفاشر
  • واشنطن تحاول دفع لبنان إلى القبول باللجان المدنية... الجنوب ضفة غربية أخرى؟