الرحمة في حياة النبي صلي الله عليه وسلم
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
قال الشيخ أحمد صابر، الواعظ بالأزهر الشريف، إن ما أحوجنا في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشكلات والمنازعات والخصومات سواء بين الأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء وقسوة القلوب إلى أن نطبق خلق الرحمة العظيم المشرق البارز في حياة النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسنا في أرض الواقع.
. الإفتاء ترد
أهمية الرحمة في الإسلام
أوضح صابر، إن للرحمة أهمية كبيرة في الإسلام؛ وقد حثنا الله تبارك وتعالى عليه في القرآن العظيم في مواضع كثيرة ومن هذه المواضع قوله تعالى. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. (الأنبياء: 107). وهو القائلُ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ». (البيهقي والحاكم وصححه).
وتابع الولعظ بالأزهر: لذلك اهتمَّ نبيُّ الرحمةِ ﷺ بذكرِ هذا الخلقِ العظيمِ والتأكيدِ عليهِ في أحاديثَ عدةٍ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص رضي اللهُ عنهما أنَّهُ ﷺ قال: " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" (البخاري)، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ؛ فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ" (البخاري).
وتابع: توعدَ ﷺ أولئكَ الذين لا يرحمونَ أنَّهُم أبعدُ الناسِ عن رحمةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى فقالَ:" لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"(متفق عليه)، وقالَ في أهلِ الجنةِ:" أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ"(مسلم).
وأردف صابر: إنَّها الرحمةُ المتجردةُ عن أيِّ هوَى، والتي ليس مِن ورائِهَا نفعٌ دنيويٌّ أو هدفٌ شخصيٌّ، هكذا كانت حياتُهُ عليه السلامُ رحمةً، ولقد بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ، حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهم مِن كثرةِ العبادةِ!! ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةً: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي"، دلالةً على أنَّه يحبُ الأمرُ، ولكنَّهُ يخشَى الفتنةَ على الأمةِ، فانظرْ كيف كان لا يخرجُ في كلِّ المعاركِ لكي لا يتحرَّجَ الناسُ في الخروجِ في كلِّ مرةٍ، وكيف كان لا يؤخرُ صلاةَ العشاءِ إلى منتصفِ الليلِ، وكيف رفضَ الخروجَ إلى قيامِ الليلِ جماعةً في رمضانَ خشيةَ أنْ يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخرَ في الردِّ على مَن سألَ عن تكرارِ الحجِّ في كلِّ عامٍ خشيةَ فرضهِ بهذه الصورةِ على المسلمين، وهكذا.
وتابع: للأسف الشديد إن كثيراً من الناس في هذا الزمان يظنون ويعتقدون أن الرحمة ضعفاً أو جبناً أو قلة حيلة أو غباء ، أقول لهم إن الرحمة ليست ضعفاً ولا جبناً ولا قلة حيلة ولا غباء بل إن الرحمة خلق من أعظم الأخلاق التي كان سيدنا صلى الله عليه وسلم يتصف بها وجميع الأنبياء والمرسلين من قبله وكذلك وصف الله بها نفسه .
صور مشرقة من الرحمة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - :فكان النبي أعظم من اتصف بهذا الخلق العظيم وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم القمة والدرجة العالية في الرحمة ، كما هو شأنه في كلِّ خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكانت رحمته تشمل الأعداء فضلًا عن الأصدقاء؛ بل جميعَ أطيافِ المجتمعِ حتى غيرِ المسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة فمنها الآتي:
1-رحمتُهُ ﷺ بأمتِهِ: ولا شك في ذلك لأنَّها الهدفُ الذي أُرسلَ بهِ ولهُ، قالَ تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ؟}(التوبة: 128).
ومن مظاهر رحمته بأمته ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص :" أن النبي ﷺ تلَا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي" ( إبراهيم: 36) وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاةُ والسلامُ: "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ( المائدة: 118)؛ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟" فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ:"يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"[ مسلم ]فهل بعد ذلك من رحمة؟!!
2- رحمتُهُ ﷺ بالكفارِ: فالرحمةُ في الإسلامِ لم تقتصرْ على المسلمينَ فحسب، فعندمَا قِيلَ له ﷺ ادعُ على المشركين قال: "إنِّي لم أبعثْ لعانًا، وإنّما بعثتُ رحمةً" (مسلم).
وقال في أهلِ مكةَ – لما جاءَهُ ملكُ الجبالِ ليأمرَهُ بمَا شاءَ-:" بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " (البخاري ومسلم).
ولمَّا أُصيبَ في أُحدٍ قال له الصحابةُ الكرامُ ادعُ على المشركين فقالً:" إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانًا وَلَا لَعَّانًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةً وَرَحْمَةً، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (شعب الإيمان للبيهقي).
3- رحمتُهُ ﷺ بالأطفالِ والصبيانِ: فقد كان ﷺ رحيمًا بالأطفالِ، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ” (متفق عليه).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ :" مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا فَكَانَ يَأْتِيهِ وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيُدَّخَنُ فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ".(مسلم).
وهذه بعض صور الرحمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، لنأخذ منها العظة والعبرة ؛ ولنطبقها على أنفسنا ، في أرض الواقع.
وقال واعظ الأزهر الشريف، إن حاجتنا في هذا الزمان إلى خلق الرحمة:
ما أحوج الأمة الإسلامية في هذا الزمان الذي كثرت فيه المشكلات والمنازعات والخصومات سواء بين الأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء وقست القلوب إلى أن نطبق هذا الخلق العظيم المشرق البارز في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنفسنا في أرض الواقع ؛ ولعل الله أن يرحمنا في الدنيا والآخرة بسبب الاتصاف بهذا الخلق الجميل البازر في حياة النبي ؛ ويجبُ على رؤساءِ المصالحِ ومديرِي المؤسساتِ وأصحابِ المصانعِ والشركاتِ في كلِّ مكانٍ: أنْ يلبسُوا ثيابَ الرحمةِ ويتقُوا اللهَ في الأجراءِ والعاملين، ولا يذيقونَهُم الذلَّ والهوانَ والقهرَ والاستبدادَ، مستغلينَ ضعفَهُم وحاجتَهُم للمالِ، فاللهُ أقدرُ عليكُم منهُم، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: "كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ" (مسلم).
كما يجبُ على كلِّ مَن يملكُ البهائمَ والدوابَّ والطيورَ، ولا سيَّما في ريفِ مصرَ، فعن صورِ التعذيبِ والضربِ والفجيعةِ حدثْ ولا حرج، فيستغلونَ عدمَ قدرتِهِم على الكلامِ أو الدفاعِ عن النفسِ، ولكنّهَا بلسانِ حالِهَا تشكُو إلى ربِّهَا.
ويجبُ على كلِّ مَن رأَى أحدًا مِن ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ: أنْ يقضِي حاجتَهُ ويرفقَ بهِ، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه: أنَّ امرأةً كان في عقلِهَا شيءٌ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ إنّ لي إليكَ حاجةً! فَقَالَ: "يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظرِي أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (مسلم).
ويجبُ على كلِّ الآباءِ والقائمين على المساجدِ: أنْ لا تطردُوا الصبيانَ مِن المساجدِ أو تعنفوهُم أو تسبوهُم، إنَّهُم فلذاتُ أكبادِكُم فعاملوهُم برفقٍ ورحمةٍ، وعلموهُم واحتضنوهُم، وليكنْ قدوتكُم نبيُّنَا في ذلك، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا» "(البخاري). فأينَ نحن مِن ذلك؟! قارنْ بمَا يحدثُ الآن!
واختتم حديثه قائلًا: فعلينا جميعاً - أمة الإسلام- بالرحمةٌ بالكبيرِ، والرحمةٌ بالصغيرِ، والرحمةٌ بالنساءِ، والرحمةٌ بالضعفاءِ، والرحمةٌ بالحيوانِ، والرحمةٌ بالناسِ في قضاءِ مصالحِهِم ولا سيّمَا في المؤسساتِ والمصالحِ الحكوميةِ، وتيسيرِ حاجاتِهِم، فيعيشُ الجميعُ في توادٍّ وتراحمٍ وتعاطفٍ، حتى يتحققَ فيهم قولُهُ ﷺ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (البخاري ومسلم).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الرحمة النبي صلى الله عليه وسلم الشيخ أحمد صابر الأزهر الشريف صلى الله علیه وسلم فی هذا الزمان فی حیاة النبی هذا الخلق على أن
إقرأ أيضاً:
الوقف.. «الصدقة الجارية»
حثّ الإسلام على الصدقة، والصدقة الجارية، ووعد بالمثوبة لفاعلها، واستمرار الأجر له بعد رحيله عن الدنيا، وإن الوقف يُعد من الصدقات الجارية، فأصله ثابت، وعطاؤه مستمر لا ينقطع، ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، ذلك أن الوقف تبرع دائم بعقار أو مال، والتنازل عن ملكيته لله تعالى، فلا يجوز بيع العين الموقوفة ولا هبتها ولا التصرف بها، بل يحبس أصلها وينفق من ريعها وعائداتها في المصارف الشرعية التي حددها الواقف.
يسهم الوقف في أعمال البر والخير والإحسان، وخدمة المجتمع وتنميته، كالوقف لبناء المساجد وصيانتها والعناية بها، ووقف الأيتام والفقراء، ورعاية المرضى، وطلبة العلم، وكبار السن، وأصحاب الهمم، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، ونحو ذلك من وجوه الخير والإحسان.
ولبيان الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، يقول الله - عز وجل- في محكم تنزيله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْر وَأَعْظَمَ أَجْراً)، «سورة المزمل: الآية 20»، وقال الله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة آل عمران: الآية 92». وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، (صحيح مسلم 1631).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، «صحيح البخاري 2756».
ويحظى الوقف داخل دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، وتحرص الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف دائماً على إحياء سنة الوقف والدعوة له وتنميته، والتبصير بأهدافه وفق أساليب معاصرة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تقوية ينابيع الخير في النفوس، وتجسيد مبادئ التكافل الاجتماعي، ويفتح آفاقاً تنموية للعمل الخيري بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
ونحن مدعوون للمساهمة في إحياء سنة الوقف لنحقق التعاون على البر الذي أمرنا الله تعالى به، فقال عز من قائل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...)، «سورة المائدة: الآية 2»، ولنحرص أشد الحرص على المشاركة في تنمية الوقف الخيري لنحقق قول الله تعالى: (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». ومما سبق يتبين لنا أن الوقف من أعمال البر التي حثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصدقات الجارية أصلها ثابت، وثوابها دائم لا ينقطع، فهي تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أن أعمال البر تتفاضل بحسب حاجة الناس وعموم النفع، حيث يتميز الوقف بأنه يحافظ على أصل المال وينميه، ويرسخ قيم الإسلام ومبادئه في التصدق والبر والإحسان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المبادرة بالإنفاق وعدم التسويف، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
وحثّ الإسلام على الإنفاق وجعل ثوابه عظيماً، ووعد الله من تصدق وأنفق بالخلف والعوض، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».