الاستقالة الهادئة
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
عائشة بنت محمد الكندية
من خلال متابعتي لبرنامج "على الطاولة" والذي يُعرض على إحدى الإذاعات الخليجية، ويتميز بتنوع مواضيعه واستضافته لأشخاص ملهمين ومبدعين، فقد لفت انتباهي بشكل خاص حلقة تناولت موضوع "الاستقالة الهادئة".
وقد دفعني هذا الموضوع إلى الرغبة في مشاركة بعض الأفكار حول هذا المصطلح الذي قد يبدو غريبًا في البداية، ولكنه يعكس تحوّلًا مُهمًا في مفاهيم العمل والوظيفة التي نعيشها اليوم.
في الحقيقة، تُعد "الاستقالة الهادئة" ظاهرة شائعة بين عدد من الأفراد في بيئات العمل المختلفة. وهنا، لا يعني هذا المصطلح التخلي عن الوظيفة بالمفهوم التقليدي، بل هو حالة نفسية وسلوكية يمر بها الموظف عندما يشعر بالإرهاق أو الاستنزاف المستمر في بيئة عمله. وبالتالي، يجد الموظف نفسه عاجزًا عن تقديم المزيد من الجهد، ويتوقف عن السعي لتحقيق الأهداف المهنية التي كان يسعى إليها في السابق. وبدلاً من ذلك، يكتفي بالحد الأدنى من المهام المطلوبة دون مبادرة أو شغف كما كان في بداية مسيرته المهنية.
ومن ناحية الأسباب، يُعد الاحتراق الوظيفي أحد أبرز العوامل التي تؤدي إلى هذا السلوك. كما سبق وأن تطرقتُ إلى هذا الموضوع في مقالي السابق، فإن الاحتراق الوظيفي يجعل الموظف يشعر بالإرهاق المستمر، مما يؤدي إلى فقدانه القدرة على الموازنة بين العمل والحياة الشخصية. وهذا الشعور بالإرهاق يضعف من قدرة الموظف على التحمل ويجعله أقل قدرة على الاستمرار في تقديم الأداء العالي الذي كان يقوم به سابقًا.
إضافةً إلى ذلك، نجد أن غياب التقدير أو المكافآت المناسبة للجهد المبذول هو عامل رئيسي في ظهور الاستقالة الهادئة. وعندما لا يشعر الموظف بأن هناك تقديرًا ملموسًا لجهوده، سواء كان ذلك من خلال ترقية وظيفية أو مكافأة مالية أو حتى مجرد تشجيع معنوي، فإن الرغبة في تقديم المزيد من الجهد تتضاءل تدريجيًا. كما أن بيئة العمل السامة تلعب دورًا كبيرًا في دفع الموظف إلى التراجع عن المشاركة الفعالة في مهام العمل. وعندما يشعر الفرد بأن مكان العمل مليء بالتوترات والصراعات، يصبح من الصعب عليه الحفاظ على الدافع والشغف.
بالطبع، بالرغم من وجود هذه الأسباب التي تؤدي إلى الاستقالة الهادئة، فإنَّ تأثيراتها لا تقتصر على الموظف وحده. بل إنَّ المؤسسة نفسها تتأثر بشكل كبير. ففي الواقع، من أبرز التأثيرات التي تواجهها المؤسسة هو تراجع الإنتاجية والإبداع. إذ يفقد الموظف الدافع لتقديم أفكار جديدة أو حلول مبتكرة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء العام للمؤسسة. كما أن هذا التراجع قد ينتقل كعدوى بين الموظفين، حيث يؤدي انتشار الاستقالة الهادئة بين الأفراد إلى انخفاض المعنويات في بيئة العمل.
علاوة على ذلك، للتصدي لهذه الظاهرة والحد من آثارها، يجب على المؤسسات أن تتبنى استراتيجيات تُعزز بيئة العمل الإيجابية. ومن الضروري أن تكون هناك منصات حوار مفتوحة تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم ومشاكلهم بشكلٍ مريح. وأيضًا، ينبغي توفير فرص للتطوير المهني والتدريبات المستمرة التي تُسهم في تحسين مهارات الموظفين وتعزيز شعورهم بالتقدير. كذلك، توفير برامج تدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية يُعد أمرًا بالغ الأهمية. وعندما يشعر الموظف بأن لديه القدرة على إدارة حياته بشكل متوازن، فإنه سيكون أكثر قدرة على الاستمرار في تقديم أداء عالٍ دون الشعور بالإرهاق أو الاستنزاف.
ومن جهة أخرى، من الحلول التي يمكن أن تساهم في تحسين بيئة العمل وتجنب الاستقالة الهادئة هو تعزيز نظام المكافآت للأداء الجيِّد. فسواء كانت المكافآت مالية أو تقديرية، فإنَّ شعور الموظف بالتقدير يحفزه على الاستمرار في بذل المزيد من الجهد والإبداع. كما أنه من المهم أن تتيح المؤسسات الفرص للترقية والتطور المهني، حتى يشعر الموظف بأنَّ هناك مجالًا للتقدم والنمو في مسيرته المهنية.
وفي ختام المقال، يجب أن ندرك أن "الاستقالة الهادئة" ليست مجرد مشكلة يمكن تجاهلها، بل هي ظاهرة تعكس تغيرًا عميقًا في علاقة الموظف بعمله. ولذلك، تحتاج المؤسسات إلى إعادة التفكير في سياساتها تجاه الموظفين، والعمل على خلق بيئة عمل تدعم النمو الشخصي والمهني. كما أنَّ تحقيق الأداء المستدام يتطلب دعمًا نفسيًا ومهنيًا للموظفين، مما يسهم في بناء بيئة عمل مثمرة تحقق النجاح لكل الأطراف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة والنقابات يتفقان على ضمان مركزية المناصب المالية وصفة الموظف العمومي
زنقة 20 ا الرباط
وصل وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، إلى اتفاق يوم أمس مع مكونات التنسيق النقابي في قطاع الصحة، على التزام الجميع بالحفاظ على مركزية المناصب المالية والأجور وصفة موظف عمومي.كما اتفق الطرفان على التنزيل السريع لكل نقط الاتفاق الموقّع مع الحكومة خلال الأيام القادمة.
وجاء الاجتماع عقب التصعيد الاحتجاجي الذي كان قد أعلن عنه التنسيق النقابي الوطني في قطاع الصحة، بسبب ما جاء به مشروع قانون المالية من مقتضيات مخالفة للاتفاق مع الحكومة والمتعلقة بمركزية المناصب المالية والأجور والتأكيد على صفة موظف عمومي لمهنيي الصحة.
وأوضح التنسيق النقابي في بلاغ له إنه “وبعد المستجدات والتطورات المتتالية والمتسارعة والمراسلات العاجلة والعديدة للتنسيق النقابي على مدار ستة أيام من النقاش والتفاعل مع صيغ التعديلات المقترحة لحماية مركزية المناصب المالية وصفة الموظف العمومي، وبعد صياغة التنسيق النقابي لمذكرة جديدة مستعجلة وإرسالها للوزير، تتضمن جوابنا على مقترحات الوزارة بخصوص المقتضيات الواردة في مشروع قانون المالية وكذا تأكيدنا على التنزيل السريع والكامل والسليم لاتفاق 23 يوليوز الموقّع مع الحكومة، تم اليوم الأحد 10 نوفمبر على الساعة 12h30 بعد الزوال عقد اجتماع طارئ وعاجل بين السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية ومساعديه والتنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة”.
وأضاف التنسيق النقابي: “ تم التطرق خلال اجتماع العمل مع السيد الوزير، إلى آخر ما تم القيام به من طرف وزارة الصحة وباقي القطاعات الحكومية لضمان مركزية المناصب المالية وصفة الموظف العمومي، حيث أكد السيد الوزير أن الوزارة مع باقي المتدخلين كانت منكبة طيلة الأيام الماضية على البحث عن الحلول القانونية التي تضمن مركزية المناصب المالية والأجور وتؤكد صفة الموظف العمومي، و التي ستعرض يوم الثلاثاء 12 نوفمبر على مسطرة المصادقة في مجلس النواب، وهو ما اعتبره أعضاء التنسيق مؤشرا ايجابيا في اتجاه التنزيل الفعلي لأهم نقطة باتفاق 23 يوليوز 2024، والذي سيترجم فعليا في مقتضى نصوص قانونية واضحة، خلافا للصيغة الواردة في مشروع قانون المالية”.
وبخصوص التنزيل السريع والكامل والسليم لاتفاق 23 يوليوز 2024 ، أكد الوزير على التزامه بالاستمرار في تنفيذ كل نقط الاتفاق الموقّع مع الحكومة وبسرعة خلال الأيام القادمة.
وأكد التنسيق النقابي في بلاغه على “تشبته بالنقطة الأساسية الأولى في اتفاق 23 يوليوز وهي صفة موظف عمومي ومركزية المناصب المالية والتي يعتبرها خطا أحمر”.
وأشار إلى أنه “يتابع عن قرب المسار التشريعي بمجلس النواب في لجنة المالية بعد يومين أي يوم الثلاثاء 12 نوفمبر 2024 الذي يجب أن يقوم بتصحيح الوضع والترجمة الفعلية والقانونية الضامنة لمركزية المناصب المالية لكل العاملين بقطاع الصحة بكل المؤسسات الصحية والمراكز الاستشفائية الجامعية والوكالتين”.