جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-25@23:31:47 GMT

الاستقالة الهادئة

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

الاستقالة الهادئة

 

عائشة بنت محمد الكندية

من خلال متابعتي لبرنامج "على الطاولة" والذي يُعرض على إحدى الإذاعات الخليجية، ويتميز بتنوع مواضيعه واستضافته لأشخاص ملهمين ومبدعين، فقد لفت انتباهي بشكل خاص حلقة تناولت موضوع "الاستقالة الهادئة".

وقد دفعني هذا الموضوع إلى الرغبة في مشاركة بعض الأفكار حول هذا المصطلح الذي قد يبدو غريبًا في البداية، ولكنه يعكس تحوّلًا مُهمًا في مفاهيم العمل والوظيفة التي نعيشها اليوم.

في الحقيقة، تُعد "الاستقالة الهادئة" ظاهرة شائعة بين عدد من الأفراد في بيئات العمل المختلفة. وهنا، لا يعني هذا المصطلح التخلي عن الوظيفة بالمفهوم التقليدي، بل هو حالة نفسية وسلوكية يمر بها الموظف عندما يشعر بالإرهاق أو الاستنزاف المستمر في بيئة عمله. وبالتالي، يجد الموظف نفسه عاجزًا عن تقديم المزيد من الجهد، ويتوقف عن السعي لتحقيق الأهداف المهنية التي كان يسعى إليها في السابق. وبدلاً من ذلك، يكتفي بالحد الأدنى من المهام المطلوبة دون مبادرة أو شغف كما كان في بداية مسيرته المهنية.

ومن ناحية الأسباب، يُعد الاحتراق الوظيفي أحد أبرز العوامل التي تؤدي إلى هذا السلوك. كما سبق وأن تطرقتُ إلى هذا الموضوع في مقالي السابق، فإن الاحتراق الوظيفي يجعل الموظف يشعر بالإرهاق المستمر، مما يؤدي إلى فقدانه القدرة على الموازنة بين العمل والحياة الشخصية. وهذا الشعور بالإرهاق يضعف من قدرة الموظف على التحمل ويجعله أقل قدرة على الاستمرار في تقديم الأداء العالي الذي كان يقوم به سابقًا.

إضافةً إلى ذلك، نجد أن غياب التقدير أو المكافآت المناسبة للجهد المبذول هو عامل رئيسي في ظهور الاستقالة الهادئة. وعندما لا يشعر الموظف بأن هناك تقديرًا ملموسًا لجهوده، سواء كان ذلك من خلال ترقية وظيفية أو مكافأة مالية أو حتى مجرد تشجيع معنوي، فإن الرغبة في تقديم المزيد من الجهد تتضاءل تدريجيًا. كما أن بيئة العمل السامة تلعب دورًا كبيرًا في دفع الموظف إلى التراجع عن المشاركة الفعالة في مهام العمل. وعندما يشعر الفرد بأن مكان العمل مليء بالتوترات والصراعات، يصبح من الصعب عليه الحفاظ على الدافع والشغف.

بالطبع، بالرغم من وجود هذه الأسباب التي تؤدي إلى الاستقالة الهادئة، فإنَّ تأثيراتها لا تقتصر على الموظف وحده. بل إنَّ المؤسسة نفسها تتأثر بشكل كبير. ففي الواقع، من أبرز التأثيرات التي تواجهها المؤسسة هو تراجع الإنتاجية والإبداع. إذ يفقد الموظف الدافع لتقديم أفكار جديدة أو حلول مبتكرة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء العام للمؤسسة. كما أن هذا التراجع قد ينتقل كعدوى بين الموظفين، حيث يؤدي انتشار الاستقالة الهادئة بين الأفراد إلى انخفاض المعنويات في بيئة العمل.

علاوة على ذلك، للتصدي لهذه الظاهرة والحد من آثارها، يجب على المؤسسات أن تتبنى استراتيجيات تُعزز بيئة العمل الإيجابية. ومن الضروري أن تكون هناك منصات حوار مفتوحة تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم ومشاكلهم بشكلٍ مريح. وأيضًا، ينبغي توفير فرص للتطوير المهني والتدريبات المستمرة التي تُسهم في تحسين مهارات الموظفين وتعزيز شعورهم بالتقدير. كذلك، توفير برامج تدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية يُعد أمرًا بالغ الأهمية. وعندما يشعر الموظف بأن لديه القدرة على إدارة حياته بشكل متوازن، فإنه سيكون أكثر قدرة على الاستمرار في تقديم أداء عالٍ دون الشعور بالإرهاق أو الاستنزاف.

ومن جهة أخرى، من الحلول التي يمكن أن تساهم في تحسين بيئة العمل وتجنب الاستقالة الهادئة هو تعزيز نظام المكافآت للأداء الجيِّد. فسواء كانت المكافآت مالية أو تقديرية، فإنَّ شعور الموظف بالتقدير يحفزه على الاستمرار في بذل المزيد من الجهد والإبداع. كما أنه من المهم أن تتيح المؤسسات الفرص للترقية والتطور المهني، حتى يشعر الموظف بأنَّ هناك مجالًا للتقدم والنمو في مسيرته المهنية.

وفي ختام المقال، يجب أن ندرك أن "الاستقالة الهادئة" ليست مجرد مشكلة يمكن تجاهلها، بل هي ظاهرة تعكس تغيرًا عميقًا في علاقة الموظف بعمله. ولذلك، تحتاج المؤسسات إلى إعادة التفكير في سياساتها تجاه الموظفين، والعمل على خلق بيئة عمل تدعم النمو الشخصي والمهني. كما أنَّ تحقيق الأداء المستدام يتطلب دعمًا نفسيًا ومهنيًا للموظفين، مما يسهم في بناء بيئة عمل مثمرة تحقق النجاح لكل الأطراف.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير العدل يستعرض أهم مستجدات مدونة الأسرة بعد جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك

زنقة20ا الرباط

قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إن مضامين مراجعة مدونة الأسرة، تهْدف إلى تجاوز بعض النقائص والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، ومواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي وديناميته، وما تفرضه متطلبات التنمية المستدامة، وكذا ملاءمتها مع التطورات التشريعية، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا.

وأضاف وهبي، صباح اليوم الثلاثاء في لقاء تواصلي مع وسائل الإعلام الوطنية بحضور رذيس الحكومة عزيز اخنوش وعدد من الوزراء والمسؤولين، خصص لعرض المضامين الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط “نحن اليوم، أمام مراجعة جوهرية لنص مدونة الأسرة، تستجيب للمبادئ والمرجعيات، كما حددتها الرسالة الملكية السامية، ووفق الضوابط والحدود التي وَضَعتها؛ غايتها إنجاز صيغة جديدة لمدونة الأسرة تُناسب مغرب اليوم، قادرة على الاستجابة للتطورات المجتمعية التي يشهدها، في حِرص شديد على أن تكفل مقتضياتها، في الآن ذاته، تعزيز مكانة المرأة وحقوقها، وحماية حقوق الأطفال، والمُحافظة على كرامة الرجل”.

وهكذا، يشير وهبي، فإن من بين ما تم اعتماده، تأسيسا على مقترحات الهيئة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، يمكن الإشارة، على الخصوص، إلى إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج”.

 

كما تم اعتماد، يضيف وهبي، إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك؛ بالإضافة إلى تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة “الاستثناء”؛

وأوضح وهبي انه تم اعتماد إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط؛وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن “المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، سيُصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

واكد وهبي أنه تم الإعتماد على إحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار؛

وتم أيضا، يشير وهبي، جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق؛

كما تم وفق وهبي، تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية؛ واعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة.

وتابع أنه تم  اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به؛ وعدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها؛

وحسب وهبي تم وضع معايير مرجعية وقيمية تُراعى في تقدير النفقة، وكذا آليات إجرائية تساهم في تسريع وتيرة تبليغ وتنفيذ أحكامها؛

وقال المتحدث ذاته انه تم الاعتماد على جعل “النيابة القانونية” مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون.

واضاف أنه تم تحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه؛

وتم إقرار. ووفق وهبي حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون.

وتم الإعتماد على تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية. يقول وهبي.

وأشار إلى أنه تم الاعتماد على فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين، في حال اختلاف الدين.

وبالنظر إلى أن الأمر يتعلق بمراجعة عميقة لمدونة الأسرة، أكد وزير العدل، أنه سيتم تبني صياغة بعبارات حديثة، من خلال استبدال بعض المصطلحات سيما إذا تَوقف العمل بها في منظومتنا القانونية والقضائية.

 

مقالات مشابهة

  • وزير العدل يستعرض أهم مستجدات مدونة الأسرة بعد جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك
  • إستقالة مفاجئة تغير “موازين القوى داخل البرلمان التركي”
  • المسئولية الطبية بين الرفض والقبول بعد موافقة «صحة الشيوخ» على القانون.. النقابة ترفض حبس الطبيب في القضايا المهنية.. و«الصحة» ترى أنه يسعى إلى تحسين بيئة العمل للفريق الصحي
  • المسلمي: القوة الناعمة تؤثر في الشعوب مثل الدبلوماسية الهادئة والفن والرياضة (فيديو)
  • جبران: نواب الشعب شركاء في صناعة بيئة لائقة تُشجع على الاستثمار وتحقق الأمان الوظيفي
  • وزير العمل: نعمل على تعزيز العلاقات وصناعة بيئة لائقة تُشجع على الاستثمار
  • وزير العمل بالبرلمان: تعزيز علاقات العمل وصناعة "بيئة لائقة" تشجع على الاستثمار
  • جبران: نعمل على تعزيز علاقات العمل وصناعة بيئة لائقة تشجع على الاستثمار
  • حصاد 2024.. تشريعات عززت بيئة العمل والسلامة المرورية في الإمارات
  • مجلس الدولة: المُشرع حدد ساعات العمل وفقًا لمصلحة الجهة وحظر الانقطاع