«فورين بوليسي»: تمرد «فاجنر» فرصة سانحة للغرب لبناء شراكات مهمة مع إفريقيا
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن التصعيد الدراماتيكي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية "يفجيني بريجوجين"، خلال شهر يونيو الماضي، سلط الضوء على تحديات الاعتماد بشكل كبير على كيان لا يمكن التنبؤ بأفعاله، حيث بدت الدول الشريكة لفاجنر في قارة إفريقيا، بين عشية وضحاها، تحت رحمة لعبة قوة غامضة داخل الكرملين.
واعتبرت المجلة الأمريكية أن أنشطة فاجنر عبر قارة إفريقيا مثيرة للقلق.. فمنذ عام 2017، تعمل المجموعة شبه العسكرية على توسيع نطاق وجودها في القارة السمراء، حيث تشير التقديرات إلى وجود حوالي 2000 "مدرب عسكري" تابعين لفاجنر في جمهورية إفريقيا الوسطى و1000 في مالي على الرغم من تأكيد المراقبين أن هذه الأرقام أقل من الأعداد الحقيقية.. منبهة إلى ضرورة ملاحظة أنه في بلدان مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، توفر فاجنر الدعم السياسي والضمانات الأمنية مقابل امتيازات التعدين المربحة إضافة إلى تأمين ميزة جيوسياسية لروسيا.
وترى المجلة الأمريكية أن الأحداث الأخيرة والتطورات بين روسيا وفاجنر تمثل فرصة فريدة للقادة الأفارقة لتنويع شراكاتهم العالمية، كما أنها تمثل فرصة للحكومات الغربية لتكثيف وتعزيز هذه الشراكات مع إفريقيا.
ولفتت المجلة إلى أنه فيما يتعلق بسد الفراغ الأمني في بعض الدول الإفريقية، فإن البدائل ربما تكون محدودة هناك بالفعل، كما أن الحكومات الغربية لا تقدم نموذجا لمعالجة التحديات السياسية والأمنية المعقدة في بعض دول القارة.. وعليه، فإذا كان الغرب يتطلع إلى أن تنظر الدول الإفريقية إلى الحلول وتبني الشراكات التي تعطي الأولوية للاستقرار والنمو الاقتصادي وتمكين شعوبها، فيجب على الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الناشئة كاليابان والهند تقديم بديل جرئ وعملي (نموذج شراكة جديد) لدول القارة ويراعي أيضا خصوصية بعض الحكومات، مثل تلك الموجودة في مالي، التي صورت نفسها على أنها معارضة للقوى الاستعمارية.
وترى المجلة أيضا أنه مع ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، ستتاح للقادة الإفارقة فرصة جديدة لتنويع شراكاتهم، الأمر الذي يستدعي بالضرورة من قادة الغرب مراعاة أهمية وجود تعديل عند تشكيل التحالفات الأمنية وإجراء الدبلوماسية لتلائم المصالح المتنامية للدول الإفريقية على أفضل وجه.
وحول نموذج الشراكة الجديد، أكدت "فورين بوليسي" أن أساس هذا النموذج يجب أن يقوم على عدة اعتبارات: أولا، على المنفعة المتبادلة وسياسة عدم التدخل، وأن يسبقه الارتباط الدبلوماسي الذي يعزز العلاقات ويأخذ في الاعتبار كلا من احتياجات وتطلعات الدول الإفريقية.. ويمكن للحوار الثنائي والقنوات الدبلوماسية الموسعة أن تساعد في التغلب على التحدي الأول المتمثل في تقديم استراتيجية خروج للحكومات من الاعتماد على روسيا أو الكيانات العسكرية الخاصة الأخرى.
ثانيا، يجب تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمار في القطاعات الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، مع التركيز على الطاقة والبنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا، والتنمية البشرية، حيث يمكن أن يساعد تقديم حوافز تجارية واستثمارية جذابة، وتوفير الخبرة الفنية، وتسهيل الشراكات التجارية على إقامة علاقات اقتصادية مستدامة. ويجب هنا مراعاة الاستفادة من المزايا النسبية للغرب، خاصة فيما يتعلق بتوفير نافذة للتجارة مع الأسواق المربحة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع نظر الشركاء الغربيين بشأن كيفية دعم الدول الأفريقية في تطوير قدرات تصنيع الموارد الطبيعية والارتقاء في سلسلة القيمة.
ثالثا، بناء القدرات المستهدفة، حيث يوفر نموذج فاجنر الدعم للحفاظ على النظام لقادة بعض الدول (الإفريقية) في مواجهة التحديات أمام شعوبهم، ولكن يمكن للغرب أن يقدم برامج بناء القدرات لمساعدة البلدان الإفريقية على مواجهة التحديات الرئيسية بشكل مستقل.. ويمكن أن يشمل ذلك دعم التعليم والرعاية الصحية والتطوير المؤسسي ومشاريع التنمية المستدامة التي تتماشى مع أولويات الدول الإفريقية.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن مجموعة فاجنر شبه العسكرية هي نتاج نظام بناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا يمكن تفكيكها دون تقويض نفوذ موسكو العالمي.. لذا، يجب أن يهدف نموذج الشراكة الجديد إلى تسخير النوايا الحسنة للمجتمعات الإفريقية تجاه الغرب، حيث وجد استطلاع رأي عام لمؤسسة Afrobarometer، أنه في بوركينا فاسو، يرى أكثر من 70% أن تأثير الولايات المتحدة إيجابي، مقابل 55% قالوا الشيء نفسه عن روسيا.. وفي مالي، كان 60% ممن شملهم الاستطلاع ينظرون إلى نفوذ الولايات المتحدة على أنه إيجابي.
وبناء عليه ولمكافحة إرث القوة الناعمة الروسية ومدى وحجم تأثير فاجنر، يجب الاستثمار في الدبلوماسية العامة والتبادلات الشعبية، خاصة فيما يتعلق بالمنح الدراسية والفعاليات الثقافية ووسائل الإعلام (بما في ذلك مصادر الأخبار الموثوقة التي يمكنها مكافحة المعلومات المضللة) ومنصات التعليم المحلي التي يمكن الوصول إليها رقميا وشخصيا، مع دعم مرونة المجتمع وتماسكه خاصة في الدول التي يكون فيها وجود فاجنر بارزا.
وأخيرا، ترى "فورين بوليسي" أن الوقت الحالي هو اللحظة المناسبة للغرب لتقديم بديل أكثر موثوقية واستقرارا ومفيدا للطرفين (الغربي والإفريقي).. كما أنه يجب على القادة والدول الإفريقية بالتوازي مع ذلك إدراك هذه الفرصة السانحة، وتوجيه قراراتهم نحو مسار إيجابي لتحقيق التنمية المستدامة بما يخدم بلادهم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فاجنر أفريقيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولایات المتحدة الدول الإفریقیة فورین بولیسی
إقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن المحكمة الجنائية الدولية التي عاقبها ترامب؟
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات تستهدف الأفراد الذين يساعدون في تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تتعلق بمواطني الولايات المتحدة أو حلفاء لها مثل إسرائيل، ليكرر بذلك إجراء سبق أن اتخذه خلال ولايته الأولى.
وأعلن البيت الأبيض أن ترامب وقّع أمس الخميس أمرا تنفيذيا لفرض عقوبات على الجنائية الدولية، منتقدا إصدارها أوامر اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
ويتيح ذلك فرض عقوبات مالية وعقوبات على التأشيرات تستهدف الأفراد الذين يساعدون في التحقيقات فضلا عن استهداف أفراد أسرهم.
متى أُسست المحكمة ولماذا؟أُسست المحكمة عام 2002 لمحاكمة المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة شن عمل عدائي؛ عندما تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك بنفسها.
ويمكنها نظر القضايا المتعلقة بجرائم يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو على أراضي الدول الأعضاء من قبل أطراف أخرى، في حين يبلغ عدد الدول الأعضاء 125 دولة. وتبلغ ميزانية المحكمة لعام 2025 نحو 195 مليون يورو (202 مليون دولار).
ما الذي تحقق فيه؟تجري المحكمة الجنائية الدولية، بحسب موقعها الإلكتروني، تحقيقات تتعلق بمناطق مختلفة مثل الأراضي الفلسطينية وأوكرانيا ودول أفريقية مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وفنزويلا في أميركا اللاتينية وميانمار والفلبين في آسيا.
إعلانوتقول المحكمة إن هناك 32 قضية أمامها، بعضها يضم أكثر من مشتبه به واحد، في حين أصدر قضاة المحكمة ما لا يقل عن 60 مذكرة اعتقال.
كم عدد الذين أدانتهم؟أصدر قضاة المحكمة 11 حكما بالإدانة و4 أحكام بالبراءة، في حين احتُجز 21 شخصا في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة بلاهاي ومثلوا أمام المحكمة، ولا يزال 31 متهما فارا. كما أسقطت التهم عن 7 أشخاص بسبب وفاتهم.
ومن بين الإدانات الـ11، كانت 6 فقط منها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بينما كانت الإدانات الأخرى تتعلق بارتكاب جرائم مثل التأثير على الشهود.
وجميع الأشخاص الستة المدانون من قادة المليشيات الأفريقية في دول جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وأوغندا.
وتراوح الأحكام بين 9 أعوام و30 عاما في السجن، وأقصى عقوبة سجن ممكنة هي السجن مدى الحياة، وفق رويترز.
من على قائمة مذكرات الاعتقال؟أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، المتهم بالمسؤولية الجنائية عن أعمال تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاح حرب في غزة، في حين رفض نتنياهو القرار ووصفه بأنه "معاد للسامية".
كذلك أصدرت مذكرة اعتقال بحق وزير دفاعه السابق يوآف غالانت ومحمد دياب المصري المعروف بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسّام الذي أعلنت الكتائب لاحقا استشهاده.
وقد رفض نتنياهو القرار ووصفه بأنه "معاد للسامية"، ووصف الاتهامات بأنها سخيفة وكاذبة، في حين شنت إسرائيل حملات عدة على المحكمة.
وتضم القائمة كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتهم بارتكاب جريمة حرب تتمثل في نقل مئات الأطفال من أوكرانيا بشكل غير قانوني، في حين نفت موسكو مرارا الاتهامات.
وفي الأشهر الماضية، طلب المدّعي العام للمحكمة إصدار أوامر اعتقال لقادة كبار من أفغانستان وميانمار، لكن القضاة لم يوافقوا عليها رسميا.
ما الدول التي ليست أعضاء فيها؟رغم أن المحكمة تحظى بدعم العديد من أعضاء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا ليست أعضاء بها وترى أن المحكمة "يمكن أن تُستغل في ملاحقات قضائية بدوافع سياسية".
ورغم أن ميانمار ليست عضوا في المحكمة، قال القضاة في عامي 2018 و2019 إن المحكمة لديها سلطة قضائية لنظر الجرائم المزعومة عبر الحدود والتي وقع بعضها في الجارة بنغلاديش العضو في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الترحيل والاضطهاد.
وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بسلطتها القضائية لكن تم قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في المحكمة في عام 2015.
ويعني هذا، إلى جانب حكم أصدره قضاة، أن المحكمة يمكنها النظر في جرائم الحرب في قطاع غزة الذي تعرض لحرب إسرائيلية -بدعم عسكري أميركي- منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلّفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وسط دمار هائل ومجاعة متفاقمة.