أصدرت مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) بيانًا عاجلاً أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة بالمصرف المركزي الليبي.

وجاء في البيان دعوة صريحة للأطراف الليبية المعنية إلى الإسراع في التوصل إلى حلول توافقية لاستعادة نزاهة المصرف ومكانته على الساحة المالية الدولية.

وحث البيان السياسيين الليبيين على تجنب اتخاذ أي خطوات أحادية قد تؤدي إلى تصاعد التوتر السياسي، مؤكدًا على ضرورة إطلاق عملية سياسية يقودها الليبيون وتحت رعاية الأمم المتحدة، تمهد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

كما دعت مجموعة G7 الأمين العام للأمم المتحدة إلى الإسراع بتعيين ممثل خاص جديد لليبيا دون تأخير، لدعم هذه الجهود وتحقيق الاستقرار في البلاد.

المصدر: صحيفة الساعة 24

إقرأ أيضاً:

أزمة الاقتصاد الليبي.. إشكالية المصرف المركزي هي العرض وليس المرض!

إن حالة الاقتصاد السياسي الليبي تصلح نموذجاً يدرّس في الجامعات لتتبع أثر العوامل السياسية على اقتصاد الشعب وتدني مستواه المعيشي، وأن الشعب يدفع اقتصادياً ثمن الترهل السياسي، وبينما ليبيا تتمتع بمساحة جغرافية هائلة وغنية بالثروات طبيعية، وموقع استرتيجي بالغ الأهمية، إلا أن الوضع الاقتصادي للشعب الليبي تتدهور حالته ويدفع ثمن الفشل السياسي والاستقطاب الدولي، فيكون كما قال شاعرنا طرفة بن العبد:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما… والماء فوق ظهورها محمول

لا يمكن فهم واقع الاقتصاد الليبي دون توضيح صورة الواقع الجيوسياسي والحوكمي، حيث أنه في أعقاب ثورة 2011 التي أنهت 41 عامًا من حكم الرئيس القذافي، أدت الحرب الأهلية التي اندلعت منذ عام 2014 إلى تقسيم البلاد بين الشرق والغرب على خلفية صراعات القوة مع القوى الأجنبية، وكذلك الجنوب الأقصى الذي هو عرضة لانتشار الاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات والعداء بين الطوارق والتوبوس والعرب.

باتت سمة الدولة الليبية الحالية هي حالة الازدواجية السياسية والمؤسسية والفساد وانعدام الأمن وضعف الخدمات العامة البنية التحتية للطرق والمياه والصرف الصحي والتعليم والكهرباء وانخفاض مستوى الاستثمار المحلي والعربي والدولي.

لقد أدت الطبيعة الثنائية للحكومة الليبية إلى عدد من العواقب، بما في ذلك استغلال الهيدروكربونات وتوزيع الإيرادات المرتبطة بها من القضايا الحساسة، خاصة وأن الغالبية العظمى من الآبار تقع تحت سيطرة الحكومة في الشرق، ولعل حصار العديد من آبار النفط من قبل الجماعات المسلحة المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي أدت إلى اتفاق في عام 2023 بين الدبيبة والمشير حفتر بشأن تقاسم الإيرادات، وبناء على ذلك تم إنشاء اللجنة العليا للرقابة المالية التي تضم ممثلين من الشرق والغرب لتخصيص الموارد الميزانية..لكن هل هذا الاتفاق وغيره ستلتزم به كل الأطراف ؟ وهل سيحمي ليبيا من واقع التدهور الاقتصادي المستقبلي؟.

هناك جهود ايجابية تبذل في هذا الاتجاه من مثل اتفاق إعادة توحيد البنك المركزي الليبي في أغسطس 2023، الذي يمثل تحسنًا جزئياً في البيئة الأمنية ودليلاً على التقدم المحرز في الإدارة الاقتصادية، ولكنه تقدم محفوف بالمخاطر.

هذا الواقع السياسي- العسكري يفسر واقع ناتج الدخل القومي الليبي عام 2023- الذي هو نفس ناتج عام 2005 – بحدود 50 مليار دولار، ووصل الناتج أعلى مستوى له عام 2012 بقيمة 92 مليار دولار، وهو قريب لما كان عليه عام 2008 أي 87 مليار دولار، بمعنى أن مرور أكثر من عقد على الثورة الليبية وحال الدخل القومي والنشاط الاقتصادي ومستويات المعيشة ليست بأفضل بل أسوأ مما كانت عليه عام 2011!

البيئة السياسية والأمنية في ليبيا هشة، ولكن الأكثر هشاشة هو هيكلية الاقتصاد الليبي الذي يعتمد بشكل كبيرعلى قطاع النفط والغاز وعرضة لتغير المناخ يعتمد اقتصاد ليبيا بشكل كبير على النفط والغاز، اللذين يشكلان حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي، و90% من إيرادات الموازنة، و95% من قيمة الصادرات (2023) بمعنى أنه لو انخفض سعر النفط تأذت الموازنة العامة بشكل خطي.

حقيقة الانتاج النفطي الليبي وصل إلى 1.1 مليون برميل /يوميا عام 2023، بينما وصل الانتاج ل1.75 مليون برميل عام 2006  ولم تتحسن من يومها! والخشية من أنه في حال استمرار الأزمة السياسية قد ينخفض انتاج النفط إلى 389 ألف برميل كما حدث في عامي 2016 و 2020، والأثر سيكون كارثياً بسبب الاعتماد الهائل على النفط في دعم الموازنة العامة وناتج الدخل القومي.

على سبيل المثال اليوم تنتج ليبيا 1.1 مليون برميل يومياً بسعر البرميل 70 دولار بمعنى أن الخزانة الليبية يدخلها 77 مليون دولار يومياً بمعنى 28 مليار دولار سنوياً ، لكن لو انخفض سعر البرميل إلى 40دولار كما حدث في نوفمبر 2022 فإن الدخل سنزل إلى 16 مليار دولار، وإذا انخفض إلى 12 دولار كما حدث في أبريل 2020 فإن الدخل سينخفض إلى 13 مليار دولار بمعنى أن الدولة ستعلن إفلاسها! -هذا إذا افترضنا أن الانتاج لم ينخفض كما حدث عام 2016 و 2020- وسيؤدي هذا إلى اضطرابات قاتلة، وثورة أقرب إلى ثورة الجياع لأن هذه المرة منشأها الفشل الاقتصادي وضنك العيش وعدم قدرة الحكومة على دفع مصاريفها وتأمين قطع أجنبي لأن ليبيا تقريبا تستورد كل شيء!.

لذا من الخطر الداهم أن يكون المصدر الوحيد تقريبا للدخل القومي هو النفط الذي يحاول العالم الابتعاد عن استخدامه والتوجه لانتاج السيارات الكهربائية، بل هناك توجه عام 2030 أن يتم انتاج السيارات الكهربائية فقط..فهل ليبيا مستعدة لصدمة هائلة – لاقدر الله – جراء اعتمادها على مصدر وحيد كالنفط؟.

هذا يتطلب مراجعة سريعة لهيكلية الاقتصاد الليبي ، حيث لاتشكل مساهمة قطاع الزراعة سوى 2.7% (معدل النمو 1.5%) حيث تراجعت مساحة الأراضي الزراعية من 1.8 مليون هكتار إلى 866 ألف هكتار، وجزء من المشكلة أن الاستهلاك المائي في ليبيا 4.98 مليار متر مكعب في السنة وهناك عجز مائي أكثر من 3000 مليون متر كعب يجب العمل على تداركه بسرعة.

مساهمة قطاع الصناعة التحويلية 2.2% فقط ( معدل النمو 0.4%)، وأما قطاع الخدمة العامة وصلت 22.5% (معدل نمو 4%).

وفي عام 2023، ومع تعافي البلاد من ركود عام 2022، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12.6%، وذلك بفضل الإنتاج النفطي المستدام الذي أصبح ممكناً بفضل تحسن الوضع الأمني. وعلى جانب الطلب، ظل النمو مدفوعاً بالاستهلاك الخاص والصادرات، وانخفض معدل التضخم إلى 2.4% في عام 2023 مع تحسن سلاسل التوريد المحلية.

هنالك غياب لميزانية موحدة للدولة في شرق وغرب البلاد، ولا تزال رواتب الموظفين العموميين ونفقات التشغيل والدعم تحظى بالأولوية على حساب الاستثمار العام وتأهيل البنية التحتية.

أعلن البنك المركزي في أغسطس/آب 2023، عن إعادة توحيده مع فرعه الشرقي، لكن نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي القروض مرتفعة، وتقدر بنحو 23.1% في الربع الثالث من عام 2023.

أما على صعيد المواطن الليبي فقد انخفض عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية من 1.5 مليون في عام 2021 إلى 803 آلاف في عام 2022 مع تحسن الوضع الأمني، وأما معدل البطالة فقد وصل  19.3% في عام 2022 (51.4% للشباب) ولكنه وصل أحياناً إلى 33% ، وهو ما يعزى إلى سوق العمل الذي يهيمن عليه القطاع العام والعمالة غير الرسمية.

هناك مشكلة كبيرة في التوزع السكاني على مساحة الوطن الليبي يتركز سكان ليبيا في شريط شمالي ضيق فقط دون بقية الدولة، حيث أن مساحة ليبيا الإجمالية 1.77 مليون كيلومتر مربع (685000 ميل مربع) وهذا يجعل ليبيا الدولة رقم 17 من حيث المساحة على وجه الأرض، وكثافتها السكانية هي واحدة من أدنى المعدلات في العالم، حيث يعيش 3.6 شخص فقط في كل كيلومتر مربع من الأراضي الليبية (9.4 شخص لكل ميل مربع)،وتعد ليبيا الدولة رقم 185 الأكثر كثافة سكانية في العالم (من بين 192 دولة في المجموع).

وضع الحوكمة في ليبيا مؤسف حيث أنه على مؤشر الشفافية (الفساد) تعد ليبيا أسوأ 10 دول في العالم، بينما كانت عام 2010 الدولة 154 من 178!(أسوأ 24 دولة) بمعنى أن الفساد بات أسوأ مما كان قبل الثورة!.

هنالك خلل في إدارة البنك المركزي حيث تسيطر إدارة حفتر على الفرع السابق للبنك لمركزي الليبي في مدينة البيضاء الشرقية بين عامي 2016 و2020، وقد قام بالتعاقد البنك المركزي في البيضاء مع شركة “جوينت ستوك – غوزناك” التي تملكها الدولة الروسية لطباعة نسخته الخاصّة من الدينار الليبي وتقاضت “غوزناك” مبلغاً ضخماً وصل إلى 121 مليون دولار مقابل الطباعة وخدمات الشحن.

وتتوالى الأخبار التي تسيء لسمعة الاقتصاد الليبي حيث أنه في 13 يوليو 2024 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على شركة «غوزناك» الروسية لدورها في طباعة أكثر من مليار دولار من العملة الليبية «المزيفة»، وذلك ضمن حزمة عقوبات جديدة أقرتها ضد عدد من الأفراد والكيانات الروسية، وهي تذكرنا بماحدث في عام 2012  عندما اختفت ما قيمته 4.8 مليار دولار من الأوراق النقدية المحلّية بالدينار من شركة طباعة بريطانية دو لا رو!.

مما اضطر مصرف ليبيا المركزي عن سحب أوراق نقدية من فئة الخمسين دينارا من التداول بسبب وجود عملة مزورة تسببت في عدم استقرار الأسواق وزيادة الطلب على النقد الأجنبي.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن السيولة المتداولة خارج القطاع المصرفي تبلغ 43.15 مليار دينار (الدولار 4.8 دنانير) حتى نهاية الربع الرابع من عام 2024.

مشكلة الدولة الليبية أنها إلى الآن لم تحدد هويتها هل هي دولة مركزية أم دولة فيدرالية؟ علماً أن الدول الفيدرالية لها مصرف مركزي واحد وحاكم مصرف مركزي وصانع قرارواحد، لكن الواقع الحقيقي إلى الآن أنها أشبه بدولتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، وهذا الواقع المسيء للدولة الليبية ينبغي العمل على حسمه حتى تستقر سياسياً واقتصادياً.

إن حل أزمة البنك المركزي الليبي الحالية يبدأ من الاتفاق على حاكم محايد تتفق عليه القوى في الشرق والغرب، ويمكن الاستعانة بالأمم المتحدة لتعيين حاكم البنك المركزي الليبي ولو كانت جنسيته غير ليبي إلى أن تحل الأزمة السياسية بشكل نهائي.

من خلال التوصيف الدقيق لحالة الاقتصاد الليبي يتبين أن إشكالية المصرف المركزي هي العرَض وليس المرض الأصلي، لأن هنالك إشكاليات بنيوية اقتصادية يجب حلّها والتعامل الدقيق مع حالة التدويل للإشكاليات بمبضع جرّاح اقتصادي لديه رؤية تنوية ونهضوية لكل ليبيا، ويعرف كيف تتموضع ليبيا على خريطة العولمة الاقتصادية ويكون استقرارها جزء من الاستقرار الدولي الذي سيقطف الجميع ثمرته بما فيها الشعب الليبي الطيب.

إن هناك بعض التوصيات السريعة التي تحتاج ورشات عمل وتفصيل كبير، لعل أهمها ضرورة التحكم الكامل بالمصرف المركزي للدولة الليبية، وسحب كل العملات القديمة وطباعة عملة جديدة غير قابلة للتزوير، كذلك وضع رؤية نهضوية للتعليم والصحة، وعمل برامج من أجل تشجيع الصناعة (2.2%!) والزراعة (2.7% !) والاستفادة من الخبرات المصرية والسودانية والتونسية التي تجمعها حدود مع ليبيا.

وكذلك الارتقاء بالخدمات ونشجيع الدخول في عالم المعلومات والتكنولوجيا، ولعله يمكن الاستعانة باحتياطيات النقد الأجنبي التي بلغت 82 مليار دولار في نهاية عام 2023 (أكثر من 4 سنوات من تغطية الواردات).

ينبغي أن يكون هناك رؤية استراتيجية لجعل مساهمة النفط لاتتجاوز ثلث ناتج الدخل القومي، وتنويع الهيكل الاقتصادي من زراعة وصناعة وخدمات لوجستية وترانزيت.

يجب العمل على خفض معدلات الفساد بحيث يكون هنالك خفض سنوي عشرين نقطة على الأقل حتى ينخفض ترتيب ليبيا من الدولة 170 من أصل 180 إلى مرتبة تليق بالشعب الليبي العريق.

ينبغي العمل على بناء شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية والشركات الدولية بعيدا عن النفط،، ولعله من المفيد الاستفادة من التجربة الفيتنامية التي تعد ثاني أكبر شريك للولايات المتحدة بعد الصين بفضل عمالتها الرخيصة والمؤهلة ولديها حد مقبول من الحكم الرشيد .

وكذلك العمل على أن تكون ليبيا واحدة من أهم ممرات سلاسل التوريد العالمية من خلال الموانئ والمطارات.

وكذلك العمل الحثيث على إزالة العقوبات الدولية التي جمدت معظم (80٪) أصول صندوق الثروة السيادية الليبية منذ عام 2011.

التشجيع على استخدام الدفع الالكتروني من خلال الحسابات البنكية  ونقديم حوافز لمن يدفع الكترونيا (مثلا: تخفيض فاتورة الكهرباء والماء 5% لمن يدفع الكترونيا عبر حسابه البنكي) حتى يتم الاستغناء عن الأوراق النقدية التي هي عرضة للتزوير، وتقل كمية الأوراق المالية التي هي خارج سيطرة البنك المركزي.

التركيز على تطوير حقول الغاز التي تحتاجها أوربا، وبناء بنية تحتية لانتاج الغاز الطبيعي بحيث لاتستفيد فقط من الغاز الحالي الليبي بل يمكن أن تكون خياراً دولياً لمرور الغاز النيجيري عبر النيجر إلى ليبيا ثم إلى أوربا ويستفيد الليبيون من مرور الغاز.

بسبب شح المياه في ليبيا والعجز المائي بأكثر من 3000 مليون متر كعب لعله من المفيد الاستعانة بخبرات سنغافورة حول تحلية المياه من أجل تنشيط القطاع الزراعي، وكذلك الصناعي، ولعل ذلك يساعد على إحياء مساحات أكبر من الجغرافيا الليبية وتعمل بذلك على تخفيف الكثافة السكانية في الشريط الشمالي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • الدول السبع: قلقون إزاء أزمة المركزي والأعلى للدولة
  • الضراط: أزمة المركزي رفعت الأسعار 300% وشلّت المنظومة الاقتصادية
  • “مفوضية حقوق الإنسان” تعرب عن قلقها إزاء التصعيد في جنوب لبنان
  • العقوري يبحث مع السفير السويسري أزمة المصرف المركزي
  • أزمة الاقتصاد الليبي.. إشكالية المصرف المركزي هي العرض وليس المرض!
  • العرفي: من المتوقع حل أزمة “المركزي” عبر اختيار لجنة مؤقتة لإدارته
  • الدينار الليبي يتراجع بالسوق السوداء وسط أزمة المصرف المركزي
  • الرئاسة الروسية تعرب عن قلقها إزاء تدهور الوضع في الشرق الأوسط
  • الأمم المتحدة تعبر عن قلقها إزاء إغلاق مكتب وسيلة اعلام عربية في رام الله