نظم المكتب الوطني للإعلام ملتقى "الإعلام والمسؤولية الوطنية" للتنسيق والتعاون بين أعضاء المنظومة الإعلامية الإماراتية في وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل خطاب ومحتوى هادف مسؤول يراعي مصالح الوطن، وأمنه واستقراره، ويكشف كل دعاوى الزيف والتضليل، والشائعات والحملات المشبوهة التي تؤججها كتائب الذباب الإلكتروني.

وحضر الملتقى عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، والدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، وخالد مبارك المدحاني، رئيس النيابة الاتحادية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، ونخبة من رؤساء التحرير والإعلاميين والصحافيين وصانعي المحتوى والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد عبدالله آل حامد خلال الكلمة الرئيسية للملتقى، حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، على ترسيخ الإرث الإنساني والميراث الأخلاقي والقيمي للوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بين أبناء دولة الإمارات، منوهاً بأن حفاظ مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الإماراتية الأصيلة محل اهتمام كبير من قِبل قيادتنا الرشيدة.
وقال إن مواقع التواصل الاجتماعي تمتلك حضوراً قوياً وتأثيراً هائلاً على مجالات وقطاعات كثيرة، ويتابعها الملايين في الدولة وخارجها، ما يستدعي اليقظة والوعي لنشر صورة صحيحة عن المجتمع الإماراتي وإنجازات الدولة، وتقديم محتوى موضوعي يستند إلى الحقائق والمعلومات والبيانات الصحيحة، والبعد عن الشائعات والحملات المضللة والأجندات المشبوهة التي تسعى لتدمير المجتمعات وتخريب العلاقات بين الدول والشعوب.

مسؤولية الجميع

ولفت رئيس المكتب الوطني للإعلام إلى أن الحفاظ على السمعة الإيجابية لدولة الإمارات مسؤولية الجميع وخاصة الشباب، وقال أن هذا ما أكده رئيس الدولة خلال أحد لقاءاته، منوهاً بأنه شدد على ضرورة الالتزام بالردود الإيجابية المنهجية والعلمية ضد محاولات المساس بالوطن والمجتمع الإماراتي من دون أي تجاوز، واصفاً  أبناء الوطن بالسفراء الذين تقع عليهم مسؤولية تعزيز سمعة دولة الإمارات الطيبة.
واستعرض عبدالله آل حامد خلال كلمته، الأطر المميزة للشخصية الإماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حددها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تتمثل في التحلي بأخلاق المؤسس والباني الشيخ زايد، والبعد عن السباب والشتائم وكل ما يخدش الحياء، والتحلي بالثقافة والتحضر الذي وصلته الإمارات والثقة والتواضع، واستخدام الحجة والمنطق في الحوار، والتفاعل الإيجابي مع أفكار وثقافات ومجتمعات العالم، ونشر الأفكار والمبادرات المجتمعية التي يزخر بها الوطن.
وأضاف: "كل إماراتي على مواقع التواصل الاجتماعي هو سفير لبلاده، وجزء مهم من قوتها الناعمة، وينبغي أن يشكل إضافة لإنجازات دولة الإمارات بالحديث الموضوعي ومحاربة الشائعات وعدم التورط في حملات مشبوهة والتحلي بأخلاق أبناء الإمارات".

المحتوى الإيجابي 

وأشار رئيس المكتب الوطني للإعلام إلى أن حملة "تبليك بدون تعليق" التي أطلقها بمبادرة شخصية منه لحظر "الذباب الإلكتروني" وأصحاب الحملات المشبوهة الذين يحاولون إثارة الفتنة بين الدول والشعوب، تنطلق من الثوابت الوطنية التي رسختها القيادات الرشيدة لدول مجلس التعاون والتي ترفض الانجرار وراء الفتن والفوضى التي يحدثها بعض ضعاف النفوس ممن يسعون إلى زيادة حصيلة المتابعين، ولو على حساب استقرار وأمن الأوطان، حيث يعمل هؤلاء على جر رواد الفضاء الإلكتروني نحو معارك وهمية تتناثر فيها الاتهامات وينتشر فيها الباطل.
وأشار إلى أن الحملة لاقت تفاعلاً من قبل وزراء ومسؤولين وإعلاميين وفنانين وأكاديميين وجمهور منصات التواصل الاجتماعي من مختلف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فضلاً عن أبناء الدول العربية الأخرى، حيث بلغ حجم التفاعل أكثر من 90 مليون تفاعل، لافتاً إلى أن الحملة نجحت في أربعة أيام فقط في تحقيق تراجع في حجم المحتوى المسيء بنسبة تزيد على 95 في المئة، فيما حقق المحتوى الإيجابي ارتفاعاً بنسبة تزيد على 85 في المئة.

مسؤولية أخلاقية

وأوضح عبدالله آل حامد  أن السبب الرئيسي لنجاح الحملة يرجع إلى المسؤولية الكبيرة التي وضعها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة على عاتق كل إماراتي مسؤول، واستناداً إلى تلك الأمانة، فإن الحملة تؤكد ضرورة التحلي بضوابط أخلاقية وقانونية تكفل عدم نشر معلومات مضللة، أو تهديد خصوصية المواطنين، أو التشهير بالأبرياء أو نشر معلومات أو آراء قد تؤثر على الأمن العام أو تؤثر سلبياً على علاقات الدولة مع الدول والكيانات الدولية الأخرى.
وأكد أن النشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يفرض مسؤولية أخلاقية على الإعلاميين والمؤثرين وصناع المحتوى لتقديم خطاب متزن ينبذ التطرف والعنصرية والتهديد والكراهية، وينأى عن حملات توجيه الاتهامات ونشر الشائعات، منوهاً بضرورة احترام قوانين النشر والملكية الفكرية واستخدام وسائل الإعلام بطريقة إيجابية لبناء العلاقات، ومشاركة الأفكار والترويج لنهضة وإنجازات الإمارات.
وشدد على ضرورة أن يتسم المحتوى المنشور بالدقة والصدق والموضوعية بالتحقق من صحة المعلومات والاستشهاد بمصادر موثوقة، والشفافية والاستقلالية والنزاهة والعدالة في نشر وجهات النظر المختلفة، وتقديم وجهة نظر متوازنة للأحداث وعدم انتهاك الخصوصية.
وقال:  "نريد إعلاماً يعكس واقع قيم دولة الإمارات، ويتناول القضايا بموضوعية وشفافية من دون تجريح أو تجاوزات أو مبالغات، إعلاماً يساهم في بناء الوعي العام ويخدم مصالح الوطن والمواطن، إعلاماً يكون منبراً للتواصل الفعّال بين فئات المجتمع".

رؤية القيادة

وأكد رئيس المكتب الوطني للإعلام أن استراتيجية دولة الإمارات الإعلامية ترتكز على تحقيق الريادة في قطاع الإعلام عبر منظومة إعلامية شاملة تكون نموذجاً ملهما على المستويين الإقليمي والعالمي، معتمدين في ذلك على رؤية قيادتنا الرشيدة التي تضع دوماً الابتكار على رأس أولوياتها، لإيمانها بأن الإعلام القوي هو أحد أهم ركائز القوة الناعمة التي تعتمد عليها الدول التي تبحث عن حجز مقعد دائم لها في المراكز الأولى على مؤشرات التنافسية العالمية.
واختتم كلمته بالتوجه إلى شباب المؤثرين وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، مؤكداً أن على رواد مواقع التواصل الاجتماعي التخلق بالأخلاق السامية لقيادتنا الرشيدة التي تعطي نموذجاً ملهماً في التواضع والأخلاق العالية، مشيراً إلى أن السلوكيات الفردية لكافة مستخدمي "سوشيال ميديا" من أبناء دولة الإمارات يجب أن تتسق مع رؤية القيادة الحكيمة الهادفة إلى التمسك بقيمنا وعاداتنا الأصيلة.

النبض السيبراني

من جانبه أكد الدكتور محمد حمد الكويتي، في كلمته، حرص المجلس على إطلاق حملات توعية والتواصل مع الجمهور من مختلف الفئات وعبر كافة قنوات التواصل بهدف زيادة الوعي وتعزيز فهم المجتمع لطبيعة التهديدات الإلكترونية، وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى تزويدهم بالمعرفة والأدوات اللازمة لاكتشاف هذه الهجمات والحماية منها، وتعزيز السلوك الآمن على مواقع التواصل الاجتماعي بأفضل الممارسات والإجراءات الوقائية.
وأضاف أن مجلس الأمن السيبراني أطلق مبادرة بعنوان "النبض السيبراني"، تهدف في المقام الأول إلى تعزيز مشاركة جميع فئات المجتمع في مجال الأمن السيبراني، وتأهيلهم للمساهمة في نشر التوعية الرقمية في المجتمع، وذلك بغرض الحفاظ على المكتسبات المجتمعية وصون الهوية والنشء من السموم المنتشرة في الفضاءات الإلكترونية.
وأشار الدكتور محمد الكويتي إلى أن دولة الإمارات فازت، وللعام الثاني على التوالي، بجائزة عالمية مرموقة ضمن جوائز منتدى القمة العالمية السنوية لمجتمع المعلومات "2024 WSIS 24" الذي ينظمه الاتحاد الدولي للاتصالات "ITU" وذلك عن مبادرة النبض السيبراني، متفوقة على مشاريع ومبادرات مقدمة من أكثر من 193 دولة.
ولفت  إلى أن الذباب الإلكتروني يحاول استغلال كافة الثغرات من أجل التسلل وإحداث الوقيعة بين أبناء الشعوب، وذلك من خلال نشر الأخبار المضللة والمعلومات الزائفة التي تستهدف زعزعة الثقة ونشر الفتنة، مؤكداً أهمية التوعية وتعزيز الأمن السيبراني لصد مثل هذه المحاولات الخبيثة، ومنوهاً بأن دولة الإمارات تعمل جاهدة على تعزيز بنيتها التحتية المتطورة في مجال الأمن السيبراني وترسيخ التعاون الدولي للتصدي لهذه التحديات المتزايدة في الفضاء الإلكتروني.
وذكر الكويتي أن دور المؤسسات الإعلامية في هذا الشأن محوري ومهم للغاية، حيث يمكنها إيصال رسائل توعوية لمختلف شرائح الجمهور، بخطورة الاستخدام الخاطئ لمنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، كما تسهم أيضاً في توجيه النشء والشباب لتجنب الثغرات التقنية التي قد توقعهم فريسة للاحتيال والتصيد الإلكتروني.

الوحدة الوطنية

من جانبه أكد خالد مبارك المدحاني، رئيس النيابة الاتحادية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، خلال كلمته في الملتقى ضرورة الالتزام بمعايير المحتوى الإعلامي المعمول بها داخل الدولة ، والابتعاد عن نشر أي محتوى مخالف لقيم ومبادئ الإمارات، وما يمس سمعتها، منوهاً بأن على صناع المحتوى احترام توجهات وسياسة الدولة على المستوى الداخلي والدولي والموروث الثقافي والحضاري والهوية الوطنية والقيم السائدة في المجتمع.
وأشار إلى أن حكومة الإمارات أصدرت العام الماضي مرسوماً بقانون اتحادي في شأن تنظيم الإعلام بهدف تنظيم الأنشطة الإعلامية بمختلف أنواعها، بما يُعزز مكانة الدولة كمركز إعلامي عالمي، ويُرسخ بيئة محفزة لنمو وازدهار القطاع الإعلامي، ويسهم في تطوير بيئة تشريعية واستثمارية إعلامية تنافسية تواكب المتغيرات العالمية في قطاع الإعلام.
ولف إلى أن المرسوم بقانون يلزم كل من يُمارس نشاطاً أو مهنة في مجال الإعلام الالتزام بمعايير المحتوى الإعلامي في الدولة، وأهمها، احترام الذات الإلهية والمعتقدات الإسلامية والأديان السماوية والمعتقدات الأخرى وعدم الإساءة لأي منها، واحترام نظام الحكم في الدولة ورموزه ومؤسساته والمصالح العليا للدولة والمجتمع، واحترام توجهات وسياسة الدولة على المستويين الداخلي والدولي، وعدم التعرض لكل ما من شأنه الإساءة إلى علاقات الدولة الخارجية، واحترام الموروث الثقافي والحضاري والهوية الوطنية والقيم السائدة في المجتمع، علاوة على عدم نشر أو تداول ما يُسيء إلى الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.
ودعا رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى تجنب نشر أو تداول ما يُسيء إلى الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، والابتعاد عن التحريض على العنف والكراهية، وعدم إثارة البغضاء وبث روح الشقاق في المجتمع، وعدم نشر أو بث أو تداول الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة وما من شأنه التحريض على ارتكاب الجرائم.

دعم الهوية الوطنية

وفي نهاية اللقاء، فتح ملتقى “الإعلام والمسؤولية الوطنية” باب النقاش والحوار مع الحضور، حيث تلقى عبد الله آل حامد، والدكتور محمد حمد الكويتي، وخالد مبارك المدحاني، أسئلة الحضور من الإعلاميين وصانعي المحتوى والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تمحورت حول استراتيجية الإمارات الإعلامية وتوجهات الإعلام المستقبلية، بالإضافة إلى الحوكمة والسياسات والاستراتيجيات التنظيمية للإعلام الوطني.
كما دارت النقاشات حول أهمية تعزيز دور الإعلام في دعم الهوية الوطنية ونشر الوعي المجتمعي ومساندة الحملات الوطنية التي تستهدف حماية أفراد المجتمع من خطر الحسابات الوهمية على منصات التواصل المختلفة، فضلاً عن كيفية التعامل مع التحديات الرقمية المتزايدة، وآليات الحفاظ على المصداقية والشفافية في الإعلام وسط التحولات التكنولوجية السريعة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات الإمارات عبدالله آل حامد على مواقع التواصل الاجتماعی رئیس المکتب الوطنی للإعلام الأمن السیبرانی عبدالله آل حامد دولة الإمارات رئیس الدولة فی المجتمع الحفاظ على محمد بن إلى أن

إقرأ أيضاً:

خبراء يستعرضون تجارب توثيق الذاكرة الجماعية بين التاريخ الشفوي والمكتوب • تجارب عربية ودولية تُبرز دور الرواية الشفوية في الحفاظ على الهوية الثقافية د.حمد الضوياني: التاريخ الشفوي أضحى مصدرًا من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة د. بثينة شعبان: توثيق ال

تتواصل لليوم الثاني على التوالي فعاليات المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي "المفهوم والتجربة عربياً" والذي تستضيفه سلطنة عمان ممثلة بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ويستمر حتى الغد بالتعاون مع مؤسسة وثيقة وطن بالجمهورية العربية السورية في قاعة كريستال بفندق جراند ميلينيوم بمشاركة مراكز التأريخ الشفوي من مختلف دول العالم لمناقشة أحداث الماضي ومجريات الحاضر وتطلعات المستقبل عبر ثلاثة محاور الأول "المحور النظري" ويناقش مفهوم التاريخ الشفوي عربيا، و"المحور العملي" ويناقش التجارب العربية الإقليمية والعالمية (المنهج والمنتج)، و"المحور المستقبلي" الذي يناقش آفاق التجربة العربية في التأريخ الشفوي، ويهدف المؤتمر إلى دراسة إشكالية وتحديات التأريخ الشفوي ضمن خصوصية المجتمعات العربية، وتعميق الوعي بأهمية الوثيقة الشفوية في الكتابة التاريخية العربية المعاصرة، والاطلاع على تجارب التأريخ الشفوي في العالم العربي وبحث سبل التعاون وتفعيل العمل المشترك في المشاريع والدراسات المتخصصة، وبحث إمكانيات استثمار منهجية التأريخ الشفوي ضمن المناهج الدراسية، وبحث سبل تطوير التجربة العربية في التأريخ الشفوي.

وتقام غدا جلسة نقاشية ضمن المحور العملي بعنوان "تجارب عربية وعربية إقليمية وعالمية"، برئاسة الدكتور محمد الطاغوس، حيث ستتناول عدة تجارب بارزة في مجال التاريخ الشفوي. من بين هذه التجارب، سيتم استعراض تجربة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عمان، بالإضافة إلى تجربة مؤسسة وثيقة وطن في الجمهورية العربية السورية، وتجربة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية في توثيق الرواية التاريخية الليبية. كما سيتم عرض تجربة الشهادات الشفوية بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، وتجربة الأمانة السورية للتنمية، إلى جانب دور مركز التاريخ الشفوي والتراث الفلسطيني في الجامعة الإسلامية بغزة. في الجلسة الثانية التي يترأسها الأستاذ الدكتور مأمون وجيه، سيتم استعراض تجارب دولية وإقليمية هامة. من ضمنها تجربة قسم التاريخ الشفوي في جامعة لومونوسوف الحكومية في روسيا، وتجربة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عمان في جمع وتوثيق التاريخ المروي، إضافة إلى تجربة وزارة الثقافة السورية. كما سيتم تسليط الضوء على تجربة جمعية التاريخ الشفوي الإيرانية بجامعة أصفهان، وتجربة مركز التاريخ الشفوي بجامعة الاتصالات الصينية، وأخيراً تجربة وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال التاريخ الشفوي.

توثيق التجربة الإنسانية العمانية

انطلقت فعاليات المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي "المفهوم والتجربة عربياً" بحفل افتتاحي رعاه معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي، محافظ مسقط. وفي كلمته خلال الحفل، قال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أن "الهيئة":دأبت في التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والفكريةِ لسلطنة عُمان وتاريخها التليد الذي أنجزه الإنسان العُماني على مر العصور والدهور وأضحى سجلاً حافلاً قائماً على تجربة إنسانية عُمانية امتدت إلى الأجيال الحاضرة التي يتوجب استمرارها من خلال بناء أجيال متعاقبة من أبناء عُمان يتسلحون بالعلم والمعرفة ومواكبة التقدم العلمي والحضاري ليبقى الأثر المشرف للعطاء متواصلاً ، والإسهامات العلمية تمضي نحو تحقيق مزيدٍ من الإنجازات العلمية والفكرية والتقنية وغيرها من العلوم ، وإن إدراكنا بأهمية الوثائق بكافة أنواعها تؤول في حفظ ذاكرة الوطن والدفاع عن حقوقه وإبراز إنتاج وإبداع المواطنين في ضمان استمرارية مؤسسات المجتمع ، وتمكين أفراده من الوقوف والتعرف على كيانات ومقدرات الوطن من خلال ما تقدمه الوثائق من معلومات ومعارف متعددة حول الأنماط المعيشية والأوضاع الاجتماعية والإنجازات الاقتصادية والسياسية وغيرها وما يحفظ منها سيمكن الأجيال من قراءة الواقع الراهن واستغلال الوثائق في تشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري في كافة المعارف العلمية والإنسانية ولهذا يقودنا الحديث إلى جانب مهم من جوانب التوثيق التاريخي ، إنها الوثيقة الشفوية فقد أضحى التاريخ الشفوي يعتمد عليه في كتابة التاريخ ومصدراً من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة من بين مصادر المؤرخ وزادت خصوصيته في زمننا الراهن لإسهامه في تفسير التاريخ المباشر بوصفه تاريخاً عاشه المؤرخ أو شهوده الرئيسين التي يجب أن تخضع إلى تقنين صارم في النقد التاريخي وإجراء الحوارات وتسجيلها وتدوينها وكتابتها في إطار استعمالها من قبل المؤرخين والباحثين تتبعاً لمسارات التاريخ والتوثيق الذي استند إلى أقوال الشاهدين مما جعل المؤرخين يعتمدون على الرواة والمشاهد العينية للأحداث ومن خلال الرحلات والملاحظات الشخصية والوصفية للأحداث التي عاصروها فضلاً عن الاعتماد على مذكراتهم الشخصية ، ومع مرور الزمن شكلت الوثائق المكتوبة مصدراً مهماً وأصبح الاعتماد عليها أساساً في كتابة التاريخ وأضحت تشكل جدلاً قائماً بين المؤرخين حول قيمة التاريخ الشفوي ومدى استيعابه لمنجزات البحث العلمي الدقيق وتراكماته وبنظرة خاصة نجد أن المؤرخين في القرون الماضية اعتمدوا بشكل واسع على المادة الشفوية بل أن جزءاً من التراث العربي المدون في ميادين عديدة كان تراثاً شفوياً قوامه التداول والرواية الشفوية واعتد به مؤرخون كبار في البلاد الإسلامية حيث استفادوا من المصادر الشفوية مثل البلاذري والطبري والمسعودي وابن خلدون وهؤلاء من أوائل المؤرخين الذين اعتمدوا اعتماداً كبيراً على الروايات الشفوية عند تأليف كتبهم وقد وضعوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات حتى أصبحت تلك القواعد بعدئذ مستقلة .

وأوضح "الضوياني" في ختام كلمته: أن الوثائق، سواء المكتوبة أو الشفوية، تلعب دوراً محورياً في حفظ ذاكرة الوطن والدفاع عن حقوقه، مشيراً إلى أن التعاون بين هيئة الوثائق ومؤسسة "وثيقة وطن" بالجمهورية العربية السورية جاء لتعزيز الجهود في هذا المجال.

توثيق الذاكرة السورية الحية

من جانبها ألقت الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية، كلمة استهلتها بالترحيب بالحضور وأكدت على أهمية المؤتمر في توثيق الذاكرة الحية للشعوب. وأشارت إلى أن المشاركة السورية تأتي من خلال وفد يضم باحثين من وزارة الثقافة وجامعة دمشق ووزارة الإعلام، ما يعكس اهتمام الجمهورية العربية السورية بتوثيق التجارب الشفوية وتأريخها.

وتحدثت الدكتورة بثينة شعبان عن أهمية التاريخ الشفوي منذ العصور القديمة، مشيرة إلى أن هذا النهج بدأ في أوروبا وأمريكا في القرن العشرين، حيث انتشرت مراكز التأريخ الشفوي، وأكدت على ضرورة تعزيز الاهتمام بالتاريخ الشفوي في العالم العربي، حيث لم يُستكشف بعد كل إمكانات هذا النوع من التوثيق بشكل مؤسساتي شامل. وأوضحت أن بعض البلدان العربية مثل فلسطين وليبيا وسلطنة عمان بدأت جهودها في هذا المجال، ولكن ما زال هناك حاجة لتطوير هذا العمل.

كما تناولت تجربتها في تأسيس مؤسسة "وثيقة وطن" في عام 2016، التي تهدف إلى توثيق الذاكرة السورية الحية، وخاصة في ظل ما شهدته البلاد من حرب إرهابية استهدفت التراث والهوية الوطنية. وأشارت إلى أن المؤسسة عملت على توثيق قصص السوريين الذين عاشوا فصول الحرب، بالإضافة إلى مشاريع أخرى مثل توثيق دور المرأة في زمن الحرب، ودور الفن في الصمود، وأهمية التراث الثقافي مثل المونة السورية والحرف اليدوية.

وأكدت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية أن "وثيقة وطن" تسعى لنشر ثقافة التأريخ الشفوي وتمكين الباحثين والمهتمين بهذا المجال عبر تدريب فرق بحثية مدربة. وأعربت عن تقديرها للتعاون المثمر بين هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عمان و"وثيقة وطن"، والذي تم توقيعه في مذكرة تفاهم عام 2023، مشيرة إلى أن هذا التعاون يسعى لتعزيز التجربة العربية في مجال التأريخ الشفوي.

واختتمت كلمتها بالتأكيد على أهمية توثيق التاريخ بأيدٍ عربية لحماية الهوية الوطنية من التشويه والتحريف، وأشادت بالتعاون مع تجارب عالمية مثل الصين وروسيا وإيران لتعزيز المقاربة العربية في هذا المجال.

حول التأريخ الشفوي عربياً

وكان قد انطلقت الجلسة بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين من مختلف دول العالم العربي، الذين تناولوا محاور متعددة تتعلق بمفهوم التأريخ الشفوي وأهميته في توثيق الذاكرة الجماعية للمجتمعات. افتتح المؤتمر بمحور حول التأريخ الشفوي عربياً، حيث ركز المشاركون على تقديم دراسات وأبحاث علمية شاملة عن تاريخ هذا المجال في الثقافة العربية، وقد ترأس الجلسة الدكتور طالب بن سيف الخضوري. وفي البداية وحول "التأريخ اللغوي بين الرواية الشفهية والتدوين" قدم الأستاذ الدكتور مأمون وجيه* الأستاذ المتفرغ بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم جمهورية مصر العربية ورقة تناول فيها تطور نقل المعرفة اللغوية من الرواية الشفهية إلى التدوين. أوضح فيها أن المجتمعات العربية اعتمدت في بداياتها على القصص والروايات الشفهية لحفظ تراثها اللغوي، قبل أن تنتقل إلى الكتابة والتدوين، مما ساهم في حفظ التراث بشكل أدق واستمراري. وناقش أهمية توثيق هذه التحولات في ظل خصوصية المجتمعات العربية، مشدداً على دور العلماء العرب في توثيق التراث الشفهي.

من جانبه تحدث الدكتور سامي مبيّض (كاتب ومؤرخ، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق بالجمهورية العربية السورية) في ورقته بعنوان "محاولات تدوين التاريخ الشفهي في سورية" تطرق فيها إلى محاولات تدوين التاريخ الشفهي في سورية من خلال تجربتين منفصلتين: تجربة الفنان مصطفى هلال عام 1948، الذي وثّق التراث الموسيقي الشفهي، وتجربة المؤرخ يوسف أبيش في الجامعة الأمريكية ببيروت في ستينيات القرن العشرين. حيث أشار "مبيّض" إلى التحديات التي واجهت هذه المحاولات، مثل الصعوبات في توثيق الأغنيات بلهجات مختلفة، والمقاومة من المؤرخين التقليديين.

وحول "خصوصية الثقافة الشفوية في التاريخ العربي في ظل مفهوم التأريخ الشفوي المعاصر ـ دراسة تاريخية تحليلة" تناول فيها الاستاذ الدكتور حسين المناصيري (دكتور طرائق تدريس التاريخ بكلية التربية بجامعة القادسية بجمهورية العراق) خصوصية الثقافة الشفوية في التاريخ العربي، مسلطاً الضوء على دور النقل الشفاهي في حفظ التراث العربي عبر الأجيال، حيث "أشار" إلى أن التاريخ العربي اعتمد بشكل كبير على الذاكرة الجماعية والروايات المنقولة شفهياً. وناقشت الورقة أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الثقافة الشفوية ومفهوم التأريخ الشفوي المعاصر، وكيف ساهم العرب المسلمون في نشر هذه الثقافة.

وحول "التأريخ الشفوي في الهيستوريوغرافيا العربية: رهانات نقل المعرفة وتوطينها" قدم الأستاذ الدكتور مأمون وجيه أستاذ متفرغ بكلية دار العلوم، جامعة الفيوم، بجمهورية مصر العربية أوضح في ورقته أن التأريخ الشفوي في العالم العربي ما زال يواجه تحديات في مجال الكتابة التاريخية، مقارنة بالتجارب الأوروبية. تناولت الورقة كيفية نقل المعرفة الشفهية في السياق العربي، وأهمية التوفيق بين السرد الشفوي والتدوين التاريخي العربي المعاصر.

وأختتمت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضو مجلس الدولة الجلسة برقتها حول "الاستثمار في التراث الثقافي" ركزت دراستها على أهمية استثمار التراث الثقافي والتأريخ الشفوي في التنمية الثقافية، مستعرضة تجارب عُمانية في مجال الاستثمار في التراث. وأوضحت "الدرمكية" أن التراث الشفوي يشكل أساساً مهماً للحفاظ على الهوية الثقافية، ومصدراً للإبداع في الصناعات الثقافية والإبداعية.

وفي الختام ناقش المتداخلين بأسئلتهم وأفكارهم الباحثين المشاركين في الجلسة حول دور التأريخ الشفوي في حفظ التراث العربي وتوثيقه، مع تسليط الضوء على التحديات والفرص في هذا المجال، بما يساهم في تعميق الفهم التاريخي وتوثيق الذاكرة العربية.

تجدر الإشارة إلى ان التأريخ الشفوي في العالم العربي لا يزال في طور النمو ولم يصل بعد إلى مستوى التكامل مع الدراسات التاريخية والاجتماعية للمجتمعات العربية. فعلى الرغم من دوره الحيوي، لا تزال الشهادات الشفوية مهملة إلى حد كبير في الأوساط الأكاديمية والبحثية. ورغم وجود مبادرات واعدة في هذا المجال، إلا أن تأثيرها ما زال محدودًا ولم يتم تعميمها بالشكل المطلوب. هذه المبادرات، رغم أهميتها، بحاجة إلى مزيد من الدعم والتطوير لترسيخ التأريخ الشفوي كجزء أساسي من الذاكرة الجماعية. إن تعميق الوعي حول هذا المجال وتعزيز مساهمات المجتمع في توثيق التاريخ غير الرسمي، إلى جانب تطوير أساليب علمية موثوقة لجمع الشهادات وتوثيقها، يعتبر ضرورياً لإدماجه في المناهج الأكاديمية والبحثية. هذه الجهود ستسهم في إثراء الدراسات التاريخية والاجتماعية بالمنطقة والحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • بحضور عبدالله آل حامد.. «الوطني للإعلام» ينظم ملتقى «الإعلام والمسؤولية الوطنية»
  • بحضور عبدالله آل حامد.. الوطني للإعلام ينظم ملتقى الإعلام والمسؤولية الوطنية
  • عبدالله آل حامد: رجال يؤمنون بمسؤولية الكلمة ويعرفون قيمة ومكانة بلدهم ويخدمونه بمحبة
  • بحضور عبدالله آل حامد.. المكتب الوطني للإعلام ينظم ملتقى “الإعلام والمسؤولية الوطنية”
  • محمد بن زايد: الإمارات تؤمن بأن السلام يصب في مصلحة الجميع
  • خبراء يستعرضون تجارب توثيق الذاكرة الجماعية بين التاريخ الشفوي والمكتوب • تجارب عربية ودولية تُبرز دور الرواية الشفوية في الحفاظ على الهوية الثقافية د.حمد الضوياني: التاريخ الشفوي أضحى مصدرًا من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة د. بثينة شعبان: توثيق ال
  • مهلة تعديل الأوضاع تعزّز الأمن الاجتماعي والاقتصادي
  • مرحبا الساع..احتفاء واسع بزيارة محمد بن زايد للولايات المتحدة عبر التواصل الاجتماعي
  • عبدالله آل حامد: الإماراتي يتحدث من خلال الفعل وليس القول فقط