أكد عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، اليوم الثلاثاء،24 سبتمبر 2024 ، أن حجم الفظائع الإسرائيلية "غير المسبوق" في قطاع غزة "لا يمكن تبريره".

وقال خلال كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "خلال ربع القرن الماضي، لطالما وقفت على هذا المنبر والصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الإنسانية تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره".

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،

السيد الأمين العام،

أصحاب الفخامة،

خلال ربع القرن الماضي، لطالما وقفت على هذا المنبر والصراعات الإقليمية، والاضطرابات العالمية، والأزمات الإنسانية تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره.

وغالبا لم تمر لحظة على عالمنا دون اضطرابات، إلا أنني لا أذكر وقتا أخطر مما نمر به الآن.

تواجه أممنا المتحدة أزمة تضرب في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية. إن الأمم المتحدة تتعرض للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضا.

فمنذ قرابة العام، وعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي.

وتقف شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينيين يتضورون جوعا، كما يتم استهداف ومهاجمة عمال الإغاثة الإنسانية الذين يحملون شعار هذه المؤسسة بكل فخر، ويتم تحدي قرارات محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وتجاهل آرائها.

لذلك، فإنه لا عجب أن الثقة بالمبادئ والقيم الأساسية للأمم المتحدة قد بدأت بالانهيار، سواء داخل هذه القاعة أو خارجها. فالواقع الأليم الذي يتجلى أمام الكثيرين هو أن بعض الشعوب هي فعليا فوق القانون الدولي، وأن العدالة الدولية تنصاع للقوة، وأن حقوق الإنسان انتقائية؛ فهي امتياز يمنح للبعض ويحرم البعض الآخر منه حسب الأهواء.

لا يمكننا القبول بذلك، بل علينا أن ندرك أن تقويض مؤسساتنا الدولية والأطر العالمية هو أكبر تهديد يواجه أمننا العالمي اليوم.

اسألوا أنفسكم: إذا لم نكن أمما متحدة بالقناعة والإيمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة، وأن جميع الدول متساوية أمام القانون، فما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟

أصحاب الفخامة،

أدانت دول العالم أجمع العام الماضي، ومن ضمنها الأردن، هجمات 7 تشرين الأول على مدنيين إسرائيليين، لكن حجم الفظائع غير المسبوق الذي تم إطلاقه على غزة منذ ذلك اليوم لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.

لقد تسبب العدوان الإسرائيلي بأحد أسرع معدلات الوفيات مقارنة بالصراعات الأخيرة، وأسفر عن أسرع معدلات المجاعة بسبب الحروب، وأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف، ومستويات غير مسبوقة من الدمار.

لقد قتلت الحكومة الإسرائيلية في هذه الحرب أطفالا وصحفيين وعمال إغاثة إنسانية وطواقم طبية أكثر من أي حرب في التاريخ الحديث.

وعلينا ألا ننسى الهجمات على الضفة الغربية. فمنذ 7 تشرين الأول، قتلت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 700 فلسطيني، منهم 160 طفلا، وتجاوز عدد الفلسطينيين المحتجزين في مراكز الاعتقال الإسرائيلية 10 آلاف و700 معتقل، منهم 400 امرأة و730 طفلا ... 730 طفلا! وتم تهجير أكثر من 4 آلاف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، كما تصاعد العنف المسلح الذي يمارسه المستوطنون بشكل كبير، وتم تهجير قرى بأكملها.

وفي القدس الشريف، لا تزال الانتهاكات الصارخة للوضع التاريخي والقانوني القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية مستمرة بلا توقف، بحماية وتشجيع أعضاء في الحكومة الإسرائيلية.

وللتوضيح، كل ما سبق يحدث في الضفة الغربية، ليس في غزة.

استشهد نحو 42 ألف فلسطيني منذ 7 تشرين الأول [في غزة والضفة الغربية].

هل من الغريب أن يتساءل كثيرون: كيف يمكن لهذه الحرب ألا تعد استهدافا متعمدا للفلسطينيين؟

لا يمكن تبرير هذا المستوى من المعاناة الإنسانية الكبيرة للمدنيين، كضرر جانبي لا يمكن تجنبه.

لقد نشأت جنديا في منطقة أصبحت فيها الصراعات أمرا مألوفا، ولكن ما من شيء مألوف في هذه الحرب وهذا العنف، الذي بدأ منذ 7 تشرين الأول.

وفي ظل غياب المساءلة الدولية، تصبح هذه الفظائع أمرا معتادا، الأمر الذي يهدد بمستقبل يسمح فيه ارتكاب مختلف الجرائم في أي مكان في العالم. هل هذا ما نريده؟

لا بد من ضمان حماية الشعب الفلسطيني، ويحتم الواجب الأخلاقي على المجتمع الدولي، أن يتبنى آلية لحمايتهم في جميع الأراضي المحتلة، ومن شأن ذلك توفير الحماية للفلسطينيين والإسرائيليين من المتطرفين الذين يدفعون بمنطقتنا إلى حافة حرب شاملة.

ويشمل هؤلاء المتطرفون، الذين يروجون باستمرار لفكرة الأردن كوطن بديل. لذا دعوني أكون واضحا تماما: هذا لن يحدث أبدا. ولن نقبل أبدا بالتهجير القسري للفلسطينيين، فهو جريمة حرب.

التصعيد ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية. يجب أن يتوقف هذا التصعيد.

ولسنوات، مد العالم العربي يده لإسرائيل عبر مبادرة السلام العربية، مستعدا للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها.

وفي غياب الرادع، ازدادت هذه الحصانة شيئا فشيئا.

لقد تحمل الفلسطينيون أكثر من 57 عاما من الاحتلال والظلم والاضطهاد، وخلال هذه السنوات، سُمح للحكومة الإسرائيلية بأن تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر.

لكن الآن، غدت حصانة إسرائيل التي امتدت لعقود، أسوأ عدو لها، وباتت العواقب واضحة في كل مكان. فقد تم اتهام هذه الحكومة الإسرائيلية في محكمة العدل الدولية، بارتكاب الإبادة الجماعية، وتتردد أصداء الغضب تجاه الإجراءات الإسرائيلية حول العالم، كما شهدت المدن في كل مكان احتجاجات حاشدة، وارتفعت الأصوات المطالبة بفرض العقوبات على إسرائيل.

وكان الإحباط الدولي من إسرائيل قد بدأ بالتزايد منذ زمن، ولكنه لم يكن أوضح مما هو عليه الآن.

فعلى مدار عدة عقود، حرصت إسرائيل على أن تقدم صورتها للعالم كنموذج مزدهر للديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط.

لكن وحشية الحرب على غزة أجبرت العالم على النظر عن كثب ورؤية الحقيقة. والآن، بات كثيرون ينظرون إلى إسرائيل بعيون ضحاياها، وبات التناقض بين تلك الصورتين واضحا بشدة لا يمكن التغاضي عنها، فلا يمكن لإسرائيل الحديثة والمتطورة التي نالت إعجاب الكثيرين أن تتعايش مع إسرائيل التي يعرفها الفلسطينيون. فلا بد أن تصبح إسرائيل بنهاية المطاف إحدى هاتين الصورتين بشكل كلي.

وهذا هو الخيار الذي يتعين على قادة إسرائيل وشعبها اتخاذه، فإما أن يعيشوا وفقا للقيم الديمقراطية المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة للجميع، أو أن يخاطروا بالتعرض للمزيد من العزلة والرفض.

لقد شهدنا مرارا وتكرارا إسرائيل وهي تحاول تحقيق الأمن باستخدام الوسائل العسكرية، وكل تصعيد يتبعه هدوء مؤقت، وسرعان ما يبدأ تصعيد جديد أكثر فتكا.

ولسنوات، اختار المجتمع الدولي الطريق الأسهل واكتفى بقبول الوضع القائم المتمثل في استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي للفلسطينيين، مقدما الدعم لحل الدولتين من خلال تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولكنه بات واضحا اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الوضع القائم الحالي غير مجد ولا يمكن أن يستمر. ووفقا للقرار غير الملزم الصادر عن محكمة العدل الدولية قبل شهرين، فإن هذا الوضع القائم مخالف للقانون دون لبس.

إن رأي المحكمة يحمل ثقلا أخلاقيا علينا جميعا، كما أن الالتزام الذي يحتمه هو التزام لا يمكن لبلداننا أن تتجاهله، من أجل مصلحة عالمنا، ومن أجل مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، لأن كلا الشعبين يستحقان العيش بكرامة، بعيدا عن العنف والخوف. والحل الوحيد لتحقيق ذلك هو السلام العادل، السلام الذي يرتكز على القانون الدولي والعدالة والحقوق المتساوية والاعتراف المتبادل.

وعلينا جميعا كدول وشعوب في كل مكان أن نتوحد من أجل العمل على تحقيق ذلك.

أصحاب الفخامة،

إن العالم يراقبنا، وسيحكم التاريخ على مدى شجاعتنا، ولن يحاسبنا المستقبل فقط، بل شعوب هذا الزمن أيضا، وسيحكمون علينا كأمم متحدة، إن اخترنا أن نستسلم للتقاعس، أو قررنا أن نقاتل من أجل الحفاظ على المبادئ التي تستند إليها هذه المنظمة ويستند إليها عالمنا.

وهم يتساءلون الآن عما إذا كنا سنقف متفرجين، بينما يفقد الآباء والأمهات أطفالهم، وبينما يشاهد الأطباء مرضاهم يموتون بسبب نقص الإمدادات الطبية الأساسية، وبينما تزهق المزيد من الأرواح البريئة، لأن العالم فشل في مساعدتهم.

يجب أن تنتهي هذه الحرب، وأن يعود الرهائن والأسرى إلى بيوتهم. وكل يوم إضافي نستمر فيه بالانتظار، هو يوم إضافي لا يمكن أن يتحمله الضحايا.

لذا فإنني أدعو جميع الدول للانضمام إلى الأردن في فرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها. يجب ألا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبدا.

ومهما اختلفنا سياسيا، هنالك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، وهي أنه لا ينبغي لأي شعب أن يتحمل مثل هذه المعاناة غير المسبوقة، وحيدا. علينا ألا نترك المستقبل رهينة بيد من يزدهرون بتعميق الفرقة والصراع.

وأحث جميع الدول ذات الضمير أن تتحد مع الأردن في هذه المهمة خلال الأسابيع القادمة الحرجة. فبعد مضي عام تقريبا على هذه الحرب، أثبت عالمنا فشله سياسيا، ولكنّ هذا لا يستوجب أن تخذل إنسانيتنا أهل غزة بعد الآن.

دعوني أستذكر كلمات والدي قبل 64 عاما في الدورة الخامسة عشرة للهيئة العامة: "أدعو الله أن يتحلى مجتمع الأمم هذا بالشجاعة لاتخاذ القرار بحكمة وجرأة، وأن يتخذ الإجراءات العاجلة بالحزم الذي تتطلبه هذه الأزمة، والذي تمليه علينا ضمائرنا".

لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام.

شكرا لكم.

المصدر : وكالة سوا

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة للأمم المتحدة تشرین الأول هذه الحرب لا یمکن أکثر من فی غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

وكالات أممية ودولية تدعو قادة العالم للعمل على إنهاء الجرائم الإسرائيلية في فلسطين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

جدد رؤساء العديد من الوكالات الأممية والدولية دعوتهم ومطالبهم إلى قادة العالم للعمل على إنهاء الجرائم الإسرائيلية في فلسطين والمعاناة الإنسانية المروعة والكارثة الإنسانية في غزة، وذلك خلال اجتماع قادة وزعماء العالم في نيويورك لحضور المناقشة العامة رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة وسط خطر تصعيد إقليمي يلوح بالشرق الأوسط.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، دعا رؤساء "اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات" بشكل عاجل إلى وقف إطلاق نار مستدام وفوري وغير مشروط باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء معاناة المدنيين وإنقاذ الأرواح. 
وأشاروا إلى أن أكثر من 41 ألف فلسطيني قُتلوا في غزة غالبيتهم من المدنيين، وفي بعض الأحيان تقتل أسر بأكملها، بينما أصيب أكثر من 95 ألف شخص، سيحتاج ربعهم إلى إعادة تأهيل ورعاية متخصصة مدى الحياة. 
وقال مديرو الوكالات إن أكثر من مليوني فلسطيني يفتقرون إلى الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، في حين يحوم خطر المجاعة على غزة، كما تم تقليص الرعاية الصحية في القطاع، وتعرضت كرامة النساء والفتيات وسلامتهن وصحتهن وحقوقهن للخطر بشكل كبير، وتم تأخير عمل العاملين في المجال الإنساني ومنعهم من الوصول وقتلهم "بأعداد غير مسبوقة".. وفي الوقت نفسه، تم استخدام القوة بشكل غير ضروري وغير متناسب في الضفة الغربية، إلى جانب تصاعد عنف المستوطنين والنزوح القسري والقيود التمييزية على الحركة. 
وأضافوا: "أن سلوك إسرائيل على مدار العام الماضي يزدري ادعاءها بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني والمعايير الدنيا للإنسانية"، وحثوا زعماء العالم على استخدام نفوذهم لضمان احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي وأحكام مـحكمة العدل الدولية من خلال الضغط الدبلوماسي على إسرائيل والتعاون في إنهاء الإفلات من العقاب. 
ودعا رؤساء الوكالات إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين وكل المعتقلين تعسفيا على الفور ودون قيد أو شرط.. مشددين على ضرورة أن يتمتع العاملون في المجال الإنساني بالوصول الآمن وغير المقيد إلى المحتاجين. 
وأشاروا إلى نجاح الجولة الأولى من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال باعتباره مثلا لما يمكنهم القيام به إذا ما أتيحت لهم إمكانية الوصول، وشددوا على ضرورة تنفيذ الجولة الثانية لضمان الوصول إلى جميع الأطفال في غزة.
جدير بالذكر أن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات أنشأتها الجمعية العامة، وهي المنتدى الأقدم والأعلى مستوى لتنسيق الشؤون الإنسانية في منظومة الأمم المتحدة، حيث تجمع الرؤساء التنفيذيين لـ 19 منظمة وائتلافا، ويرأسها منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ.
 

مقالات مشابهة

  • ملك الأردن: حجم الفظائع غير المسبوق في غزة لا يمكن تبريره
  • الأمم المتحدة : كفى حروبا .. الإفلات من العقاب لا يمكن تبريره سياسيا والتسامح معه أخلاقيا
  • الملك عبدالله: الأردن لن يكون أبدًا وطنًا بديلا للفلسطينيين
  • العاهل الأردني: حجم الفظائع غير المسبوق بغزة "لا يمكن تبريره"
  • الملك عبدالله: إسرائيل لم تتورع عن استهداف موظفي وعمال الإغاثة الإنسانية
  • الرئيس الإيراني: لا يمكن لحزب الله أن يواجه إسرائيل بمفرده
  • وكالات أممية ودولية تدعو قادة العالم للعمل على إنهاء الجرائم الإسرائيلية في فلسطين
  • الجندل يُقصي الأهلي من بطولة كأس الملك
  • نيابة عن الملك.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في افتتاح قمة المستقبل بنيويورك