لجريدة عمان:
2024-09-24@19:24:38 GMT

الصين وأمريكا- صراع دولي من أجل القوة والنفوذ

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

ترجمة: قاسم مكي

أحيانا تبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكأنها صورة مِرْآوية (نسخة طبق الأصل) للسياسة الخارجية الصينية. فالأمريكيون مهووسون باحتواء النفوذ الصيني والصينيون مهووسون باحتواء النفوذ الأمريكي. لكن التطابق بينهما ينتهي عندما يتعلق الأمر بالكيفـية التي يتم بها تنفـيذ هذه السياسات. فواشنطن وبكين تأتيان بقوى مختلفة لمعركتهما من أجل القوة والنفوذ.

نتيجة لذلك تتَّبعان استراتيجيات مختلفة.

القوة الفريدة التي تمتلكها الولايات المتحدة هي قدرتها العسكرية واستعدادها لتقديم ضمانات أمنية إلى حلفائها. فالولايات المتحدة لديها اتفاقيات دفاعية جماعية مع 56 بلدا حول العالم وتحديدا فـي أوروبا وآسيا والأمريكيتين. كما تقدم عونا عسكريا حاسما فـي أهميته لبلدان أخرى ليست حليفة بموجب معاهدات رسمية كإسرائيل وأوكرانيا.

الصين بالمقارنة لديها معاهدة دفاع مشتركة مع بلد واحد فقط هو كوريا الشمالية. وخلافا للولايات المتحدة لها أيضا نزاعات حول أراضٍ مع العديد من جيرانها. وهو وضع ينحو إلى الدفع بهم فـي اتجاه الولايات المتحدة.

لكن الصين هي التي تملك الأفضلية والميزة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية. فوفقا لحسابات معهد لوي الأسترالي هنالك حوالي 128 بلدا تزيد معاملاته التجارية مع الصين عن معاملاته مع الولايات المتحدة. وخلال العقد الماضي أنفقت الصين أكثر من تريليون دولار فـي أكثر من 140 بلدا على استثمارات البنية التحتية. وصارت بذلك أكبر بلد دائن فـي العالم وأكبر قوة تجارية فـي العالم. نتائج ذلك واضحة للعيان فـي كل أرجاء المعمورة سواء كانت خط سكة حديد عالي السرعة فـي إندونيسيا أو موانئ وجسور فـي إفريقيا أو طريقا عابرا للقارات يخترق آسيا الوسطي.

يمكن للبلدان الغربية الإشارة إلى عيوب مبادرة الحزام والطريق الصينية. وهي تفعل ذلك. فهذه البلدان تشير تحديدا إلى الديون الضخمة المُستحَقَّة للمقرِضين الصينيين التي تثقل كاهل بلدان مثل باكستان وسريلانكا وزامبيا. لكن بالنسبة للبلدان النامية التي تسعى إلى تحقيق تقدم اقتصادي سريع يظل العرض الصيني جذابا.

فكما أبلغ دانييل رندي وهو مسؤول سابق بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الكونجرس هذا العام بأن «الصين بداية بتحديد المشروع وإلى التوقيع عليه والشروع فـي تنفـيذه وإكماله أسرع وأرخص كثيرا من الولايات المتحدة فـي كل مرحلة من هذه المراحل تقريبا.»

تحاول الولايات المتحدة الحدَّ من تمدد الصين. ففـي العام الماضي وقَّع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي اتفاقية لتمويل مشروعات نقل وطاقة بأكثر من بليون دولار فـي أنجولا. لكن مع اتساع عجز الموازنة الأمريكية وعدم تضمين اتفاقيات تجارية جديدة فـي أجندة مداولات الكونجرس سيستحيل على أمريكا منافسة الصين فـي عروضها الاقتصادية.

بدلا عن ذلك يركِّز الأمريكيون على أفضل ما يجيدونه. فنظرا إلى أن إدارة بايدن تسعى لاحتواء القوة الصينية فـي منطقة المحيطين الهندي والصيني عززت الولايات المتحدة روابطها المتعلقة بالأمن الإقليمي «وسجلت أهدافا كثيرة،» بحسب عبارة أحد كبار المسؤولين. وخلال سنوات بايدن يمكن للولايات المتحدة الإشارة إلى تقوية المعاهدة الأمنية اليابانية الأمريكية وتدشين معاهدة «أوكوس» الأمنية مع استراليا وبريطانيا وتمتين الروابط الأمنية مع الفلبين والهند والتقارب بين حليفتين رئيسيتين للولايات المتحدة هما كوريا الجنوبية واليابان.

لكن استراتيجية الولايات المتحدة المرتكزة على الأمن من أجل بسط نفوذها ربما تصل الى حدودها القصوى. فالصين حاليا تستعرض عضلاتها فـي بحر الصين الجنوبي. وتهدد الصداماتُ العنيفة بين السفن الصينية والفلبينية باختبار صلابة تعهدات واشنطن الأمنية.

وفـي مسعى لاحتواء النفوذ الصيني فـي الشرق الأوسط تفكر الولايات المتحدة فـي تأمين اتفاقية سلام إقليمية وأيضا تقديم ضمانات إقليمية. لكن مثل هذا التحرك إشكالي فـي واشنطن. كما سيعني مزيدا من العبء على القوات الأمريكية المُثقَلة سلفا بالتزاماتها فـي أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.

لكن مع بلوغ الولايات المتحدة حدود دبلوماسيتها المرتكزة على الأمن، تدخل استراتيجية الصين المرتكزة على التجارة والاستثمار فـي متاعب أيضا. فجهود الرئيس الصيني شي لإحياء الاقتصاد المحلي من خلال الاتجاه مجددا إلى التصدير تثير قلق بلدان نامية عديدة تخشى من تقويض صناعاتها المحلية. لقد زادت مؤخرا كل من إندونيسيا والمكسيك والبرازيل والهند وشيلي رسومها الجمركية على السلع الصينية. وهذا يؤكد ما يدعوه المؤلف جيمس كرابتري «المعضلة الإستراتيجية الكبرى للصين.» فهو يرى أن السياسات التي صاغتها الصين لإنعاش اقتصادها المحلي «تهدد بنسف روابطها مع جنوب العالم».

صحيح، الدعمُ الأمريكي لإسرائيل أضرَّ بالولايات المتحدة فـي جنوب العالم وخصوصا فـي البلدان المسلمة. لكن الصين دفعت ثمنا باهظا من سمعتها فـي أوروبا لموقفها المنحاز فـي حرب أوكرانيا.

التنافس بين الولايات المتحدة والصين ليس سيئا كله لأطراف عديدة أخرى. فبلدان مثل جنوب إفريقيا والفلبين والبرازيل تشعر بامتلاكها مزيدا من الحرية لتحدي واشنطن أو بكين فـي عالم ثنائي القطبية.

لكن حتى بالنسبة للبلدان غير المنحازة هنالك جوانب سلبية كبيرة للتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.

فالحمائية وانشطار اقتصاد العالم سيضرُّ فـي نهاية المطاف بالنمو الاقتصادي لأي بلد. وانطلاق سباق تسلح جديد يشكل إهدارا للموارد ويزيد من خطر نشوب حرب كارثية.

أيضا التنافس بين الصين والولايات المتحدة يُضعِف من احتمال تعاون البلدين لمواجهة التحديات العالمية التي تهدد كل أحد مثل الذكاء الاصطناعي غير المنظَّم والاحترار المنفلت لكوكب الأرض. واقع الحال، الاحتفاء بحرب باردة جديدة شطَطٌ كبير وتجاوزٌ للحدّ.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.

ترجمة خاصة لـ عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: للولایات المتحدة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

الإمارات وأمريكا..تحالف استراتيجي متين لخير المنطقة

بحث صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة، خلال لقائهما، أمس الاثنين، في البيت الأبيض، العلاقات الاستراتيجية التي تجمع دولة الإمارات والولايات المتحدة، والعمل المشترك على تعزيز هذه العلاقات في مختلف المجالات، بما يحقق مصالحهما المشتركة، إضافة إلى القضايا، الإقليمية والدولية، محل الاهتمام المشترك.
ورحّب الرئيس الأمريكي بسموّه، مؤكداً أهمية الزيارة في تعزيز علاقات التعاون الاستراتيجي بين البلدين، على جميع المستويات.
وأكّد سموه، أهمية مواصلة الجهود المبذولة تجاه وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بوصفها خطوة أولى في الطريق نحو استئناف المسار السياسي لتحقيق السلام الشامل، والعادل، والدائم، الذي يقوم على أساس «حلّ الدولتين»، ما يضمن الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة كافة.
وأكّد صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية تجمعهما علاقات صداقة وتحالف استراتيجي متين، تقوم على أسس راسخة من الثقة والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إضافة إلى ارتكازها على تاريخ طويل من التعاون في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية، وغيرها.
وكان سموّه قد كتب كلمة في سجل الزوار لدى وصوله البيت الأبيض قال فيها: «سعدت بهذه الزيارة ولقاء فخامة الرئيس جو بايدن. العلاقات الإماراتية - الأمريكية استراتيجية راسخة، ونواصل العمل معاً على تعزيزها بما يخدم التنمية المشتركة للبلدين. أتمنى للولايات المتحدة وشعبها مزيداً من التقدم والازدهار».

مقالات مشابهة

  • تعثر الاقتصاد فزاد الاستياء.. صراع طبقي يلوح في الصين
  • تعثر الاقتصاد فزاد الاستياء.. خريطة صراع طبقي يلوح في الصين
  • غادة عجمي: مشاركة منتدى شباب العالم بقمة المستقبل بنيويورك اعتراف دولي بجهود الدولة مع الشباب
  • التبادل السياحي بين الإمارات وأمريكا.. أداء استثنائي يعزز العلاقات
  • عبدالعاطي: الأزمات التي تواجه العالم تحتاج للبحث عن رؤية واضحة لإنقاذ البشرية
  • الخارجية: الأزمات التي تواجه العالم تحتاج للبحث عن رؤية واضحة لإنقاذ البشرية
  • الإمارات وأمريكا..تحالف استراتيجي متين لخير المنطقة
  • بكين: على الولايات المتحدة إنهاء انشغالها باحتواء الصين
  • الإمارات وأمريكا تمضيان معاً نحو المستقبل