الصين وأمريكا- صراع دولي من أجل القوة والنفوذ
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي
أحيانا تبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكأنها صورة مِرْآوية (نسخة طبق الأصل) للسياسة الخارجية الصينية. فالأمريكيون مهووسون باحتواء النفوذ الصيني والصينيون مهووسون باحتواء النفوذ الأمريكي. لكن التطابق بينهما ينتهي عندما يتعلق الأمر بالكيفـية التي يتم بها تنفـيذ هذه السياسات. فواشنطن وبكين تأتيان بقوى مختلفة لمعركتهما من أجل القوة والنفوذ.
القوة الفريدة التي تمتلكها الولايات المتحدة هي قدرتها العسكرية واستعدادها لتقديم ضمانات أمنية إلى حلفائها. فالولايات المتحدة لديها اتفاقيات دفاعية جماعية مع 56 بلدا حول العالم وتحديدا فـي أوروبا وآسيا والأمريكيتين. كما تقدم عونا عسكريا حاسما فـي أهميته لبلدان أخرى ليست حليفة بموجب معاهدات رسمية كإسرائيل وأوكرانيا.
الصين بالمقارنة لديها معاهدة دفاع مشتركة مع بلد واحد فقط هو كوريا الشمالية. وخلافا للولايات المتحدة لها أيضا نزاعات حول أراضٍ مع العديد من جيرانها. وهو وضع ينحو إلى الدفع بهم فـي اتجاه الولايات المتحدة.
لكن الصين هي التي تملك الأفضلية والميزة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية. فوفقا لحسابات معهد لوي الأسترالي هنالك حوالي 128 بلدا تزيد معاملاته التجارية مع الصين عن معاملاته مع الولايات المتحدة. وخلال العقد الماضي أنفقت الصين أكثر من تريليون دولار فـي أكثر من 140 بلدا على استثمارات البنية التحتية. وصارت بذلك أكبر بلد دائن فـي العالم وأكبر قوة تجارية فـي العالم. نتائج ذلك واضحة للعيان فـي كل أرجاء المعمورة سواء كانت خط سكة حديد عالي السرعة فـي إندونيسيا أو موانئ وجسور فـي إفريقيا أو طريقا عابرا للقارات يخترق آسيا الوسطي.
يمكن للبلدان الغربية الإشارة إلى عيوب مبادرة الحزام والطريق الصينية. وهي تفعل ذلك. فهذه البلدان تشير تحديدا إلى الديون الضخمة المُستحَقَّة للمقرِضين الصينيين التي تثقل كاهل بلدان مثل باكستان وسريلانكا وزامبيا. لكن بالنسبة للبلدان النامية التي تسعى إلى تحقيق تقدم اقتصادي سريع يظل العرض الصيني جذابا.
فكما أبلغ دانييل رندي وهو مسؤول سابق بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الكونجرس هذا العام بأن «الصين بداية بتحديد المشروع وإلى التوقيع عليه والشروع فـي تنفـيذه وإكماله أسرع وأرخص كثيرا من الولايات المتحدة فـي كل مرحلة من هذه المراحل تقريبا.»
تحاول الولايات المتحدة الحدَّ من تمدد الصين. ففـي العام الماضي وقَّع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي اتفاقية لتمويل مشروعات نقل وطاقة بأكثر من بليون دولار فـي أنجولا. لكن مع اتساع عجز الموازنة الأمريكية وعدم تضمين اتفاقيات تجارية جديدة فـي أجندة مداولات الكونجرس سيستحيل على أمريكا منافسة الصين فـي عروضها الاقتصادية.
بدلا عن ذلك يركِّز الأمريكيون على أفضل ما يجيدونه. فنظرا إلى أن إدارة بايدن تسعى لاحتواء القوة الصينية فـي منطقة المحيطين الهندي والصيني عززت الولايات المتحدة روابطها المتعلقة بالأمن الإقليمي «وسجلت أهدافا كثيرة،» بحسب عبارة أحد كبار المسؤولين. وخلال سنوات بايدن يمكن للولايات المتحدة الإشارة إلى تقوية المعاهدة الأمنية اليابانية الأمريكية وتدشين معاهدة «أوكوس» الأمنية مع استراليا وبريطانيا وتمتين الروابط الأمنية مع الفلبين والهند والتقارب بين حليفتين رئيسيتين للولايات المتحدة هما كوريا الجنوبية واليابان.
لكن استراتيجية الولايات المتحدة المرتكزة على الأمن من أجل بسط نفوذها ربما تصل الى حدودها القصوى. فالصين حاليا تستعرض عضلاتها فـي بحر الصين الجنوبي. وتهدد الصداماتُ العنيفة بين السفن الصينية والفلبينية باختبار صلابة تعهدات واشنطن الأمنية.
وفـي مسعى لاحتواء النفوذ الصيني فـي الشرق الأوسط تفكر الولايات المتحدة فـي تأمين اتفاقية سلام إقليمية وأيضا تقديم ضمانات إقليمية. لكن مثل هذا التحرك إشكالي فـي واشنطن. كما سيعني مزيدا من العبء على القوات الأمريكية المُثقَلة سلفا بالتزاماتها فـي أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
لكن مع بلوغ الولايات المتحدة حدود دبلوماسيتها المرتكزة على الأمن، تدخل استراتيجية الصين المرتكزة على التجارة والاستثمار فـي متاعب أيضا. فجهود الرئيس الصيني شي لإحياء الاقتصاد المحلي من خلال الاتجاه مجددا إلى التصدير تثير قلق بلدان نامية عديدة تخشى من تقويض صناعاتها المحلية. لقد زادت مؤخرا كل من إندونيسيا والمكسيك والبرازيل والهند وشيلي رسومها الجمركية على السلع الصينية. وهذا يؤكد ما يدعوه المؤلف جيمس كرابتري «المعضلة الإستراتيجية الكبرى للصين.» فهو يرى أن السياسات التي صاغتها الصين لإنعاش اقتصادها المحلي «تهدد بنسف روابطها مع جنوب العالم».
صحيح، الدعمُ الأمريكي لإسرائيل أضرَّ بالولايات المتحدة فـي جنوب العالم وخصوصا فـي البلدان المسلمة. لكن الصين دفعت ثمنا باهظا من سمعتها فـي أوروبا لموقفها المنحاز فـي حرب أوكرانيا.
التنافس بين الولايات المتحدة والصين ليس سيئا كله لأطراف عديدة أخرى. فبلدان مثل جنوب إفريقيا والفلبين والبرازيل تشعر بامتلاكها مزيدا من الحرية لتحدي واشنطن أو بكين فـي عالم ثنائي القطبية.
لكن حتى بالنسبة للبلدان غير المنحازة هنالك جوانب سلبية كبيرة للتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.
فالحمائية وانشطار اقتصاد العالم سيضرُّ فـي نهاية المطاف بالنمو الاقتصادي لأي بلد. وانطلاق سباق تسلح جديد يشكل إهدارا للموارد ويزيد من خطر نشوب حرب كارثية.
أيضا التنافس بين الصين والولايات المتحدة يُضعِف من احتمال تعاون البلدين لمواجهة التحديات العالمية التي تهدد كل أحد مثل الذكاء الاصطناعي غير المنظَّم والاحترار المنفلت لكوكب الأرض. واقع الحال، الاحتفاء بحرب باردة جديدة شطَطٌ كبير وتجاوزٌ للحدّ.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
ترجمة خاصة لـ عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: للولایات المتحدة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
قانون القوة وعدالة الإجرام
حينما أعادت بريطانيا احتلال جزر فوكلاند الواقعة في المياه الإقليمية لدولة الأرجنتين والبعيدة كل البعد عن المياه الإقليمية للإمبراطورية التي غابت عنها الشمس فتلك في قارة أوروبا وتلك في قارة أمريكا الجنوبية لكنها تعطي بريطانيا أهمية استراتيجية في تنفيذ سياستها وإثبات جدارتها في القرار السياسي العالمي، أرسلت قواتها وطردت قوات الأرجنتين فيما سمي بحرب فوكلاند وذلك بسبب الفارق الكمي والنوعي والتكنولوجي بين الدولتين .
رفعت الأرجنتين شكوى إلى مجلس الأمن ولما سُئلت رئيسه وزراء بريطانيا آنذاك –مارجريت تاتشر-لماذا لم تعرضوا أو تقدموا شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
قالت: لسنا عربا حتى نشكو إلى مجلس الأمن، وعندما أرادت السيطرة على عدن أغرق ربان السفينة –هانس-سفينته وادعى ان القوات اليمنية أغرقتها، واستولت على الجنوب تحت ذريعة التعدي على بريطانيا ومكثت اكثر من مائة سنة.
جميع الذرائع والحجج والمبررات التي يسوقها الاستعمار لتحقيق سياساته ومصالحه كاذبة وأحيانا مصطنعة لكنه يعتمد على إعلام لا أخلاق له ولا مبادئ ولا قيم وهي ذاتها التي يعتمدها سياسيو الاستعمار ومثقفوه الا قليلا ممن يلتزمون الحياد والأقل منهم من يتحدثون بصدق ولا يكتمون الحقيقة.
في مداخله رائعة للمرحوم محمد المقرمي -رحمه الله- عن تجربته في كوكب اليابان أراد ان يقنع إحدى تلميذاته بوجود الله استدل بترتيب مكونات الفصل الدراسي التي غادرها الجميع بالأمس وهي غير مرتبة، فقال لها لقد رتبت الصدفة الفصل فأنكرت ذلك بشدة؟ فقال لها، وهل يمكن القول ان هذا الكون العظيم بشمسه وكواكبه ونجومه رتبته الصدفة؟ فأجابت لا، وسألته من رتبه ونظمه عظيم لا يقارن؟ لكن السؤال من هو؟ فقال لها انه الله .
وهنا ردت عليه أنتم تعبدون هذا الإله العظيم البديع فلماذا انتم كمسلمين وعرب غير منظمين؟
والسؤال المشروع هل الواقع العربي والإسلامي نتاج سياسة داخلية أم مفروض أم تكاملت في أحداثه عوامل الداخل والخارج؟
المعروف تاريخيا ان الاستعمار هو الذي صنع واخرج الواقع العربي المشوه لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافه، حتى وقد غادر بجيوشه وسياسته وآلته العسكرية.
فقبل مجيئه استعان بمن يمهدون له وأغراهم بالمناصب والأموال واستعمل أسلوب الترغيب والترهيب، وحينما غادر سلم لهم مقاليد الحكم ليواصلوا المشوار.
الكيان المحتل أنشأته القوة ومكنته من الاستيطان على ارض فلسطين، واما قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة -181-فلا يعني شيئا لمن لا يمتلك القوة؛ القرار نص على إنشاء دولتين فلسطينية ويهودية وأعطى المساحة الأكبر لليهود والذين لم يكن يتجاوز عددهم 175-الفا عام 1931م، وحرمت غالبية السكان من أرضهم وأعطت القدس للإشراف الدولي .
القوة وحدها مكنت اليهود من إقامة كيانهم المحتل على ارض ليست له، وحولت الشعب الفلسطيني إلى لاجئين ومشردين ومقتولين داخل أرضهم ووطنهم وفي بلدان العالم، وأيضا مكنت كيان الاحتلال من الاستيلاء على مساحة تزيد على ثلاثة أضعاف الأرض التي استولوا عليها ومازالت في التوسع والاستيلاء منذ ذلك التأريخ حتى الآن، فالجولان التي قال رئيس مصر السادات انه تم تسليمها من قياده سوريا مقابل المال استكمل سيطرته عليها ولم يواجه بطلقه واحدة.
الأمة العربية التي تحتكم إلى القانون ووعود الاستعمار خسرت فلسطين والعراق ولبنان وسيناء والجولان والضفة الغربية، رغم ان قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن تؤكد على عدم شرعية احتلال الأراضي بالقوة وعلى حق فلسطين في تقرير المصير، القرارات لم تنفذ وتم تصفية رجال المقاومة والجهاد والنضال لصالح رجال وفرسان المفاوضات الذين يفرض الاستعمار أسماءهم وصفاتهم لأن من يشترطهم هي ذاتها الدول التي أوجدت كيان الاحتلال أو بالأصح صهاينة العرب وصهاينة الغرب .
قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تصدر بالإجماع لصالح قضايا الأمة العربية والإسلامية، لكن لم يُنفذ منها أي قرار لكن الصادرة ضده يتم تنفيذها لغياب القوة وبسبب العمالة والخيانة.
كيان الاحتلال منذ قامه وحتى الآن لم يطبق ولا قرارا للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن، لان قوى الاستعمار تحميه وتدافع عنه .
الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن اللذان أقرا التقسيم لأرض فلسطين أرادا ان يحولا القضية إلى جدل قانوني بدلاً من التمسك بالقرارات الصادرة عنهما لأنهما أوجدا أساس النزاع ولذلك فقد طلبوا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي أصدرته في 19يوليو 2024م ونص على الاتي:
1 -عدم قانونية استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بعد قرار التقسيم وهي الأراضي المحتلة منذ عام 1967م).
2 -انها-اسرائيل-كدولة احتلال ملزمة بإنها وجودها في الأراضي المحتلة بأسرع وقت ممكن.
3 -وملزمة بالوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية واجلاء جميع المستوطنين من الأراضي المحتلة.
4 -ملزمة بدفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت جميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين في تلك الأراضي.
5 -جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لها في الأراضي المحتلة وعدم تقديم العون والمساعدة للحفاظ على الوضع الناشئ عن الوجود المستمر فيها.
6 -الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني للكيان المحتل في الأراضي الفلسطينية.
7 -ينبغي للأمم المتحدة -وخاصة الجمعية العامة التي طلبت الرأي ومجلس الأمن- سرعة النظر في الطرائق اللازمة لوضع حد للوجود غير القانوني لدولة (الإمارات العربية المتحدة) إسرائيل-هكذا ورد في ترجمة القرار- في الأراضي المحتلة، حيث راعت الصياغة جانب الاحتلال مع أن القرار242و338 صدرا استنادا إلى سلطات مجلس الأمن الفصل السابع التي تمنحه استخدام القوة ضد الاحتلال.
القرار هذا وكل القرارات السابقة، صدرت لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فماذا فعلت الأنظمة العربية حاصروا غزة وتعاونوا مع الحلف الصهيوني الصليبي ودعموا الإجرام الصهيوني من أجل ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وشنوا الحملات الإجرامية على المقاومة ووصفوهم بالإرهاب والتطرف وأباحوا دماء المقاومين المعتدى عليهم لأنهم ضعفاء لا يمتلكون القوة، وقدموا جسور الدعم بكل أشكاله وأنواعه للحلف الإجرامي، لأنه يستطيع ان يزيلهم من كراسي الحكم .
القوة لا القانون فصل جنوب السودان عن شماله وتيمور الشرقية عن إندونيسيا لوجود غالبية مسيحية ليس لأنهم يريدون ذلك لكن لأنه يريد ولأنه يكتنز العداوة والبغضاء للإسلام والمسلمين .
افغانستان استعمرت من قبل حلف وارسو الاشتراكي لم تنتظر قرارات الأمم المتحدة بل قاومت وتحررت، واستعمرت من قبل الحلف الأطلسي، فلم تنتظر قرارات الأمم المتحدة، بدأت بوسائل بسيطة في كل مرة وأنهت الاحتلال واستعادت حريتها واستقلالها.
فلسطين ولبنان والجولان والضفة الغربية وكشمير اعتمدت على الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والمفاوضات .
الاستعمار في توسع، والمقاومة تحولت من عمل مشروع إلى إرهاب وإجرام، فقد تآمر صهاينة العرب والغرب على سفك دماء الأحرار والشرفاء الذين يريدون الاستقلال.
عمر المختار قاد النضال من أجل التحرر من الاستعمار الإيطالي في صحراء ليبيا وترك أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فتحررت ليبيا، ورحل الاستعمار، وقادة منظمة التحرير يناضلون في عواصم المفاوضات وفنادقها لذلك يتعاونون مع الاحتلال في القضاء على المجاهدين، وحينما زارهم وفد المقاومة الفيتنامية إلى فنادقهم قالها، لن تتحرر فلسطين بمثل هؤلاء، لأن الحرية تروى بالدماء.