كيف تقرأ واشنطن العدوان الإسرائيلي على لبنان؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
واشنطن- منذ تصنيف الولايات المتحدة حزب الله عام 1997 "منظمة إرهابية أجنبية"، تذبذبت العلاقات اللبنانية الأميركية صعودا ونزولا، في الوقت الذي انتقدت فيه واشنطن مرارا علاقة الحزب بإيران ومشاركته في الحكومة اللبنانية.
مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، سارعت واشنطن للتأكيد أنها "تبذل قصارى جهدها لمنع التصعيد واتساع دائرة القتال"، رغم تزامن ذلك مع إرسال إدارة الرئيس جو بايدن مزيدا من القطع البحرية العسكرية لشرق البحر المتوسط، بينما يكرر مسؤولون كبار أن مقتل قادة حزب الله "يجب ألا تُذرَف عليه أي دموع".
لا يرفض المسؤولون الأميركيون منطق "خفض التصعيد من خلال التصعيد" الإسرائيلي ويتفقون معه، لكنهم يؤكدون أن هذه معادلة صعبة للغاية، ويمكن أن تخرج بسهولة عن السيطرة وتؤدي إلى حرب شاملة.
موقف داعم
ويُجري مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وبريت ماكغورك مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط، والمبعوث الأميركي للبنان آموس هوكشتاين، عدة مكالمات يوميا مع نظرائهم الإسرائيليين لتأكيد موقف واشنطن الداعم لبلادهم، ولحثهم على إبقاء الطريق مفتوحا لحل دبلوماسي، على الرغم من تأكيدهم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وعقب صدور دعوة الجيش الإسرائيلي للمدنيين اللبنانيين إلى مغادرة المناطق التي ادعى أن حزب الله يخفي فيها أسلحته، خرج عدد من المعلقين المعروفين بتبني وجهة النظر الإسرائيلية يدافعون عن تل أبيب ويلقون باللوم على الحزب.
وقال الخبير بمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" سيث فرانتزمان إن "الجيش الإسرائيلي يزيد بشكل منهجي الهجمات على البنية التحتية الإرهابية الضخمة لحزب الله في لبنان، وذلك بعد 11 شهرا من هجماته على إسرائيل أطلقت خلالها المنظمة المدعومة من إيران 8 آلاف صاروخ، ويشجعهم على إخلاء المناطق التي سعى الحزب إلى إخفاء أسلحته فيها. هذه خطوة مهمة في إنهاء تهديده لإسرائيل والمنطقة" على حد قوله.
وفي حديث مع شبكة "سي إن إن"، قالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد: "كنا واضحين منذ اليوم الأول أننا لا نريد أن نرى هذه الحرب تتصاعد، وهذه رسالة وجهناها إلى كلا الجانبين".
وتابعت "لكن دعونا لا ننسى أنه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما هاجمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسرائيل، بدأ حزب الله -دعما لها- في إرسال الصواريخ عبر الحدود. نحن نؤيد حق تل أبيب في الدفاع عن النفس. لكن لا نريد أن نرى هذه الحرب تتصاعد. هذه هي الرسالة التي يوجهها الرئيس بايدن إلى طرفي هذا الصراع".
تصاعد الدخان في إحدى مناطق جنوب لبنان جراء غارة إسرائيلية (رويترز) خلافاتوعلق روبرت ساتلوف، رئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بقربه من تبني المواقف الإسرائيلية، على منصة إكس، وقال "قد يكون الذعر داخل حزب الله كافيا لإقناع أمينه العام حسن نصر الله بأن الجلاء عن الحزام الأمني في شمال إسرائيل هو ثمن معقول يجب دفعه لتجنب المفاجأة القاتلة التالية، كما أن الآن هو الوقت المناسب للدبلوماسية الأميركية الهادئة لاختبار هذا الاقتراح".
وقبل يومين، تحدث كبير مساعدي بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، أمام مؤتمر المجلس الأميركي الإسرائيلي، وقال "لا نعتقد أن الحرب في لبنان هي السبيل لتحقيق هدف إعادة الناس إلى ديارهم. هناك خلافات مع إسرائيل حول كيفية قياس مخاطر التصعيد، لكنني واثق جدا أنه عبر الدبلوماسية والردع والوسائل الأخرى سنشق طريقنا للخروج منها".
وأكد "نحن أيضا نقف بشكل كامل مع إسرائيل في دفاعها عن شعبها وأراضيها ضد حزب الله". وقال ماكغورك معلقا على مقتل القيادي الكبير في الحزب إبراهيم عقيل، "لا أحد يذرف دمعة من أجله".
في حين قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إنه قلق من التصعيد بين إسرائيل ولبنان، وزعم أن قتل قيادي كبير في حزب الله وغيره من كبار القادة "حقق العدالة".
ووصف سوليفان اغتيال عقيل بأنه "نتيجة جيدة"، مضيفا أن "هذا شخص يداه ملطختان بدماء أميركية، وكان ضمن قائمة المطلوبين للعدالة، ووعدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأننا سنفعل كل ما في وسعنا لتقديمه للعدالة"، معتبرا أن أنباء اغتياله "كانت ذات مغزى أيضا بالنسبة لعائلات الضحايا الأميركيين".
أقوى تعليقمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظر المسؤولون الأميركيون إلى خطابات نصر الله بوصفها مؤشرا على "شهية الحزب للحرب مع إسرائيل". والخميس الماضي، قدم نصر الله ما وصفه بعض المسؤولين بأنه أقوى تعليقاته حتى الآن، قائلا إن هجمات تل أبيب على أجهزة النداء والاتصال اللاسلكي قد ترقى إلى "إعلان حرب".
وأعلنت واشنطن إرسالها عددا صغيرا من القوات الإضافية إلى الشرق الأوسط، وسط زيادة المخاوف من سيناريو نشوب صراع إقليمي أوسع.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) بات رايدر، أمس الاثنين، "لا أعتقد أننا وصلنا إلى هناك بعد، لكنه وضع خطير وفي ضوء التوتر المتزايد في الشرق الأوسط، نرسل عددا صغيرا من الأفراد العسكريين الإضافيين إلى الأمام لزيادة قواتنا الموجودة بالفعل في المنطقة، وسنواصل العمل لتعزيز وإيجاد طريقة دبلوماسية للمضي قدما".
في حين احتفت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بما وصفتها بـ "إستراتيجية حزب الله الإسرائيلية الجديدة"، وقالت الصحيفة القريبة من الحزب الجمهوري إن "حربا شاملة يمكن أن تدمر لبنان وتحمل مخاطر لإسرائيل أيضا".
وأضافت أن هذه الحرب يمكن أن تضر نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس سياسيا وتساعد حملة منافسها الجمهوري دونالد ترامب. وقد ينتهي الأمر بنصر الله في مواجهة ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعدة سنوات أخرى، و"هذا احتمال لا يريده هو ولا رؤساؤه الإيرانيون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشرق الأوسط حزب الله
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.