لماذا يخفي الاحتلال خسائره في الحروب؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
سرايا - لا يخفي الإسرائيليون في أدبياتهم العسكرية أنهم يخفون خسائرهم في المعارك والحروب، ويحاولون تبرير ذلك بأن إطلاع الجمهور على حجم الخسائر البشرية والمادية قد يعرقل أهداف الحرب بسبب تذمر البيئة المحيطة بالجيش، وبالتالي يجب التأثير على هذه البيئة بتكتيكات إعلامية تمنع حالة الذعر والخوف وكذلك السخط والتذمر.
والتكتيكات الإعلامية بالضرورة تنطوي على عمليات خداع للجمهور، بل لجمهورين؛ جمهور الخصم والجمهور المحلي، وهذا يعني أن التضليل الممارس من خلال إخفاء الخسائر يهدف أيضا إلى خلق إحباط لدى الخصم أو العدو وجمهوره بأن فعله وقتاله لم يحدث شيئا ولم يسبب ضررا كبيرا وهو ما يدفعه للتراجع في النهاية.
واحدة من أهم أدوات التضليل الإسرائيلية في المعارك والحروب هي ما يعرف بالرقابة العسكرية، والتي تدار من قبل شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، ويرأسها "الرقيب العسكري الرئيسي"، وتفرض على وسائل الإعلام الإسرائيلية والمستوطنين نمطا معينا من التغطية، ومعلومات محددة، وتتدخل في المعلومات المنشورة وتحجب بعضها.
تشير التقارير التي نشرتها مؤسسات إسرائيلية تعنى بحرية الحصول على المعلومات، من بينها "حركة حرية المعلومات"، أن الرقابة العسكرية تنشط في أوقات المعارك والحروب، إذ تدخلت في عام 2014 خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 3222 مادة إعلامية، بينما منعت من النشر بشكل نهائي 597 مادة بحجة الإضرار بالأمن ومعنويات الجمهور.
ويكشف موقع "العين السابعة" المختص في الرقابة على الإعلام الإسرائيلي وتحليل مضامينه، أن الرقابة العسكرية تدخلت في 10 آلاف مادة إعلامية منذ عام 2016 وحتى شهر آيار 2021 وهو الشهر الذي شهد معركة سيف القدس، حيث تبنى الاحتلال أسلوبا جديدا في الرقابة العسكرية تضمن تنشيط مجموعات شبابية ونشطاء لتحذير المستوطنين من نشر ما يتعارض مع تعليمات الجيش وبيانته، بما في ذلك صور الدمار وأماكن سقوط الصواريخ وعدد القتلى والإصابات إلى درجة منع أهالي القتلى من نعي قتلاهم.
يدرج الاحتلال هذه التكتيكات في إطار ما يعرف بـ"معركة الوعي" مع العدو، رغم أنها تصطدم مع تعريفه لنفسه كـدولة ديمقراطية يُحظر عليها تضليل جمهورها وحجب المعلومات عنه. لكن الاحتلال يعترف فعليا بأنه يحظر ويحجب، ويبرر الأمر بذريعة الحفاظ على الروح المعنوية للجنود والجمهور وخلق شعور بضرورة استمرار الحرب، وقد اعتبر بعض الخبراء الإسرائيليين أن انفتاح الجنود على المعلومات بدون الحواجز التقليدية أدى لضعف معنوياتهم في عدة معارك مع المقاومة الفلسطينية وهو ما دفع بعض الخبراء لاقتراح منع وجود هواتف ذكية مع الجنود خلال المعارك.
أسباب عدة غير السالفة الذكر تدفع الاحتلال لإخفاء خسائره، من بينها الخشية من عزوف المستوطنين عن الالتحاق بالجيش، وهي ظاهرة عانى منها الاحتلال في العقود الأخيرة بشكل كبير، حيث يشير استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في تشرين الثاني 2021 أن 10% فقط من المستوطنين الشباب يؤيدون الالتحاق بالجيش في إطار الخدمة الإلزامية، بينما يفضلون العمل في القطاع الخاص بعيدا عن تبعات هذه الخدمة التي قد تؤدي إلى الموت أو الإصابة.
وكذلك لدى الاحتلال ونخبه ومؤسستيه العسكرية والسياسية هوس شديد في إظهار صورة الجيش القادر على حماية مستوطنيه وتقليل الخسائر في صفوفهم في أوقات الحروب سواء بالوسائل التكنولوجية أو البشرية، وهي خشية نابعة من ظاهرة الهجرة العكسية التي تزداد وتيرتها في ضوء الحروب والمعارك التي تشكل كذلك عائقا أمام تسمين كيان الاحتلال بمستوطنين جدد.
وهناك سبب آخر ومهم هو أن الخسائر تحدد مفهوم النصر لدى الجمهور، وبالتالي فإن الخسائر الكبيرة تعيق تمرير خدعة النصر على الجمهور الذي سوف يقارن بين الثمن المدفوع والنتيجة الفعلية للحرب، خاصة وأن حروب ومعارك الاحتلال في قطاع غزة ولبنان لم تزل التهديد الذي تشكله حركات المقاومة هناك، ولذلك فإن إقناع جمهور الاحتلال بتحقيق النصر سوف يصطدم بالحقائق المتعلقة بالخسائر.
بناء على ما سبق، يمكن تفسير تكتم الاحتلال على نتائج الضربات التي توجهها له المقاومتين الفلسطينية واللبنانية في ضوء التصعيد الكبير الذي تشهده الجبهة الشمالية، والذي تمثل بتوسيع حزب الله دائرة الاستهداف في الأراضي الفلسطينية المحتلة من حيث نوعية الضربات وكميتها.
وبين صورة من هنا لزجاج مكسور ومشهد من هناك لسيارة متضررة، ينحصر مصدر المعلومات الواردة من "إسرائيل" عن أضرار صواريخ حزب الله ومنها الصواريخ الثقيلة التي أطلقها في اليومين الماضيين، من مواقع التواصل الاجتماعي، وهي بطبيعة الحال أقل خضوعا للتقييد.
كذلك، فإنه لم يرد منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، أي صورة عبر وسائل الإعلام لأي مصاب إسرائيلي، وهذه الحال انسحبت حتى هذه الأيام مع تصعيد الوضع في جبهة الشمال.
وعندما يفصح الإعلام الإسرائيلي عن أي معلومة، تكون مشذبة ومقولبة ومختصرة من دون تفاصيل كافية
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الرقابة العسکریة
إقرأ أيضاً:
داخلياً وخارجياً.. تعرّف على مظاهر الفوضى السياسية التي يشهدها الاحتلال
في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي تورّطه في حرب لا تتوقف على غزة؛ هناك ورطة أخرى يتواصل الاعتراف الاسرائيلي بها، وتتمثّل في الهزيمة الكاسحة بمعركة الوعي، في ظل وجود حكومة يمينية قد فشلت في كل قراراتها بشكل عام.
وبحسب مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21"، فإنه: "فيما يتعلق بهجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من حرب غزة بشكل خاص، لاسيما عقب فشلها في تحقيق وعدها بتوفير الأمن للإسرائيليين؛ في خضمّ استمرار الحرب الجارية دون نهاية، وما يعنيه ذلك من مواصلة الخسائر في صفوف الجنود والمستوطنين في غزة والضفة معاً".
ونقل المقال عن أستاذ العلوم السياسية والمدير السابق لموقع صوت إسرائيل، مايكل ميرو، تأكيده: "أننا أمام فشل ذريع في معركة الوعي التي بدأت صباح السابع من أكتوبر في هجوم حماس الذي دفع ثمنه عدد كبير من رجال المخابرات والجيش".
وأوضح ميرو: "مع أن هذا الهجوم كان يمكن تجنبه لو كانت العيون والعقل مفتوحين، ما أسفر في النهاية عن انعدام الأمن، وتدهور أداء الجيش الذي بدأ حربه بضربة يصعب استيعابها، إثر الثّمن الباهظ الذي لا يطاق للقتلى والجرحى والمخطوفين".
وأضاف أنه: "بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرا، يبدو أن الكارثة أصبحت في طي النسيان، وبات كثير من الإسرائيليين يزعمون أن ما تلا السابع من أكتوبر شكّل تحولا في قدرة الحكومة وزعيمها على قلب المعادلة، وأن الاحتلال الآن في وضع أفضل بكثير مما كان عليه من قبل".
"مع أن هناك عدد مماثل منهم يقفون قبالتهم، ويبعثون عبر استطلاعات الرأي برسائل مختلفة، صحيح أن الجيش والأمن ربما نجحا بتغيير المعادلة، لكن الحكومة التي تدير الدولة ما زالت فاشلة" استطرد ميرو، بحسب المقال نفسه.
وأبرز أن: "الجيش الذي فقد المئات من جنوده في معارك غزة، قد يكون استعاد صورته النمطية في عيون غالبية الإسرائيليين، بعكس السياسيين الذين فشلوا، ويتكشف فشلهم من نقطة البداية حتى اليوم، الأمر الذي يفسر شعور الائتلاف اليميني بحالة جنون وخوف من الانهيار الوشيك".
وأردف: "يمكن أن نفهم لماذا يشعر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لديه حكومة وائتلاف مستقر، بالقلق، والقلق الشديد أيضاً، في ضوء ما تظهره استطلاعات الرأي من زيادة قوة معارضي الحكومة التي تتمسّك بالمسار الذي اتبعته قبل السابع من أكتوبر".
وأشار إلى أن: "الحكومة التي يخوض جيشها معركة وجودية تواصل الانشغال بسنّ القوانين الانقلابية، وتخصخص الإذاعة العامة، وتنفذ حملة ضد المستشار القانوني والمحكمة العليا، لإضعافها، وتثبيت نفسها في الميدان خلال حرب الصراع على السلطة".
واسترسل: "فيما تسعى الحكومة لتعزيز سيطرتها على السلطة التشريعية بيد حازمة، واستهداف النظام القانوني باستمرار، ما يجعل الإسرائيليين المؤيدين للحكومة يعتقدون أن كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية نتيجة النظام القانوني وسببها المستشارة القانونية".
واستدرك بالقول إنّ: "الحراكات الاحتجاجية في دولة الاحتلال التي تملك أموالاً لا بأس بها، لكنها غير قادرة على تغيير المعادلة، سواء في التصدّي للانقلاب القانوني، أو حتى في قضية المختطفين، التي كان من المفترض أن تكون قضية شاملة تتقاطع بين اليمين واليسار".
إلى ذلك بيّن أنه "إذا حاولنا تحليل نتائج حرب الوعي التي يخوضها الاحتلال منذ أربعة عشر شهرا، فيمكن القول إنه تلقى ضربة قاسية، صحيح أنه عاد وردّ عليها بضربات قاسية على سبع جبهات؛ لكن طريقة فتح تلك الجبهات جاء بسبب سلوك غير صحيح".
وختم بالقول: "لذلك فإن الحرب المستمرة في غزة طيلة هذه الفترة، تأتي خلافاً لكل المنطق الاستراتيجي، الذي لا يخدم المصلحة الأمنية للدولة، بل للحفاظ على التحالف الحكومي، والسيطرة الكاملة على غزة، وقوة اليمين الحاكم".