لجريدة عمان:
2025-03-17@23:09:57 GMT

مفاتيح النجاح في الابتكارات التكنولوجية

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

عندما يأتي الحديث عن الشركات الابتكارية الناجحة فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان تلك الصورة المثالية للشركات التي تمتلك مختبرات التطوير العملاقة وعددا كبيرا من المهندسين والفنيين وعددا مماثلا من الروبوتات الذكية، والأنظمة المتطورة التي تغذي الإدارة واتخاذ القرار، وهذه الصورة النمطية والسائدة للنجاح العلمي هي سبب إحجام الكثيرين من المبتكرين الناشئين عن الولوج لعالم الأعمال، والتوسع فـي الابتكارات وخوض تجربة ريادة الأعمال العلمية، فالمكون الأساسي للتفوق فـي عالم الابتكارات مختلف تماما عن مفهومنا التقليدي، إذن ماذا تحتاج شركات الابتكار العلمية الناشئة لتصل إلى الأداء التنافسي؟ وهل يمكن أن يكون مفهوم النجاح فـي الابتكار نسبيا؟

فـي البدء يجب أن نتوقف عند أهم منطلقات الحديث عن مقومات النجاح لشركات الابتكار العلمية، وهي المهارات الاجتماعية فـي فهم التفوق العلمي خارج المحيط الأكاديمي، وهي مهارة ليست سهلة المنال، حيث إن معظم الانتصارات التشغيلية العظيمة فـي التجارب التطويرية، وكذلك التحسينات الرائعة التي يحققها الفريق التقني إنما تحدث داخل المختبرات ووحدات البحث والتطوير، ولكن المستثمرين فـي ريادة الأعمال العلمية والتكنولوجية يبحثون عن منتجات منافسة من حيث التكلفة والكفاءة، وأما الرحلة من التصميم إلى التصنيع فهي ليست ضمن سلم أولوياتهم، فهي رحلة شاقة ومعقدة وتكتنفها الكثير من عدم الوضوح، فمخاطر تقادم التكنولوجيا هي دائما حاضرة، وعملية اتخاذ القرار تتطلب السرعة والكفاءة، ولذلك تواجه شركات الابتكار فـي المجالات الصناعية الجديدة نسبيا تحديات مصيرية ومستمرة حتى بعد الوصول للمنتج النهائي، فهناك تحديات أخرى تتعلق بالمحافظة على الحصة السوقية، وضمان استمرار التميز والتنافسية، وكيفـية البناء على النجاحات الأولى لبناء استدامة السمعة العلمية، وقبل هذا وذاك فإن التحدي الأزلي هو الإلمام بتعريف النجاح العلمي، وإدراك أبعاد ومؤشرات هذا التفوق للإمساك بزمام الجوانب التي يمكن السيطرة عليها وتوجيهها، والتخطيط السليم بشأن المحاور التي لا يمكن التنبؤ بها.

وهذا يقودنا إلى حقيقة أن الدراسة الأكاديمية لم تلتفت بشكلٍ كافٍ إلى أهمية تعليم مهارات اتخاذ القرار كوسيلة للنجاح فـي الحقول العلمية، وغيرها من المجالات المعرفـية الأخرى، ومع ذلك، فإن العديد من شركات الابتكار اليوم تسعى إلى بناء القيادات العلمية المؤهلة بمهارات اتخاذ القرار، وتساندها الشركات الاستشارية عبر تصميم الأنظمة الإلكترونية فائقة الأداء فـي جمع وتحليل البيانات، واستشراف المستقبل ، ولكن شركات الابتكار بطبيعتها المتميزة قد لا يفـيدها هذا الكم الهائل من البرامج والتطبيقات والأنظمة ، فالقرارات الصائبة فـي عالم ريادة الأعمال العلمية تحتاج إلى ما هو أبعد من سيناريوهات الخيارات الاستراتيجية، وهو محور تنظيم الابتكار وإعادة اكتشاف النجاح فـي كل مرة، ويتطلب ذلك تقمص عدة أدوار، إذ ليس على القادة فقط القيام بالتخطيط والتفكير ثم اتخاذ القرار، وإنما يجب عليهم تحقيق التوازن بين المتطلبات الإدارية والعلمية، إذ عليهم وضع قبعة المبتكرين والتفكير بطريقتهم العلمية الصرفة، وفـي المقابل على الفنيين والتقنيين أن يضعوا قبعة القادة وتفهم مواقفهم وقراراتهم، ويعد هذا التوازن أمرا حيويًا لإعادة فهم واكتشاف مكامن القوة التي بها يتم صناعة النجاح، وبذلك يمكن عبور حالات اتخاذ القرارات الكبرى بأقل درجة من المقاومة، وهنا يمكن للشركة الابتكارية أن تجد المتسع من الوقت لبناء السمعة الخارجية وتحقيق التنافسية، فأهم أسباب تخلف الشركات عن تحقيق التميز هو انشغالها فـي تمكين عملية التوافق الداخلي بين وجهات النظر العلمية والقرارات الإدارية والاستثمارية، والتي دائماً ما تكون محل نقاش دائم.

ولا يتوقف التحدي عند عملية اتخاذ القرارات، ولكنه يتعدى ذلك ليصل إلى الثقافة المؤسسية، والبعد الاجتماعي للعملية الابتكارية، إذ يكتسب الاستثمار فـي الابتكارات التكنولوجية صبغة أكثر خطورة مقارنةً بالاستثمار فـي القطاعات الاقتصادية والتجارية الأخرى، ولذلك فإن مفهوم النجاح لا يعني التعريف ذاته لدى جميع فرق العمل، أو لنقل لدى المستويات المتباينة لفرق العمل، وغالباً ما يلجأ القادة إلى تصنيف المؤشرات إلى فئتين إحداها تقنية والأخرى استثمارية، وهذا فـي حد ذاته أحد أسباب تعميق التحدي، وإذا نظرنا إلى تجارب الشركات الابتكارية العملاقة سنجدها على النقيض تماما، فجميع الشركات الناجحة تنتهج مسارات تكاملية فـي تنظيم العملية الابتكارية من حيث الموارد والعمليات والثقافة المؤسسية، فلا توجد لديهم خطوط فاصلة بين الفرق التطويرية وبين مستويات القيادة واتخاذ القرار، كما سعت هذه الشركات إلى تجسير المسافات بين المستويين بتوظيف هذه الفروقات وليس بالقضاء عليها نهائيا، إذ أمكنهم توجيه الفضول العلمي المحض إلى سلوكيات إبداعية موجهة، وتشجيع الفهم والإدراك بأهمية تحقيق العوائد المالية من الابتكار من أجل استدامة سلسلة القيمة فـي الابتكار، وغيرها من المفاهيم التي تتطلب الوعي العقلاني بعيداً عن المثالية المفرطة.

إن نجاح الشركات العلمية لا يكمن فـي تفوقها العلمي التخصصي، ولكنه ينبع بشكل أساسي من قدرتها على تنظيم الابتكار التكنولوجي، وتحويله من مجرد ضربة عبقرية عَرَضية إلى ممارسة والتزام بالمحافظة على الصدارة العلمية والتكنولوجية، ويتطلب ذلك توجيه الموارد للاستثمار نحو تطوير قدرة جميع فرق العمل على الابتكار والتحسين المستمر للعمليات، والسعي إلى توليد نتائج أسرع وأفضل باستخدام الموارد المتاحة ذاتها، وانتهاج مسارات فـي المحافظة على التميز، وذلك بالبحث عن المشكلات المحتملة ووضع الحلول الاستباقية لها وليس الانتظار لحين وقوعها والتعاطي معها، والتركيز على تحويل نقاط الضعف إلى مصادر القوة والميزة التنافسية، وجميع هذه العوامل بحاجة على توثيق ونشر المعرفة المكتسبة من حل التحديات السابقة، وإتاحة هذه المعرفة عبر تأسيس ممارسات وثقافة «الاكتشاف الديناميكي» لعوامل النجاح، لأن مفهوم ومعايير التفوق فـي الابتكارات العلمية هي فـي الأصل ذات طبيعة ديناميكية، فمع التحولات السريعة للتكنولوجيا وعالم الأعمال لا يمكن وضع مؤشرات جامدة للنجاح، ولكن فـي المقابل يجب البحث عن فهم معاصر وعملي، ثم إعادة تعريف هذا النجاح حسب متطلبات عالم الأعمال، وبالتوافق مع المستجدات العلمية والتقنية، مع مراعاة الانفتاح على نجاحات الآخرين والتعلم منها، واكتساب مهارات اجتماعية وثقافة عصرية عن النجاح فـي الابتكارات التكنولوجية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی الابتکارات شرکات الابتکار فـی الابتکار اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.

يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.

ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.

نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانية

حدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.

ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم". 

وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".

نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائق

تناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".

وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".

رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.

أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشرية

وفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.

نصار عبدالله: عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين موقف شجاع تنتصر فيه بلادنا.. لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلكردع إسرائيل وترسانة إيران

أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.

وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.

وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.

شجاعة الموقف المصري

وصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.

تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوة

شدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم. 

وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.

ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.

جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟

لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.

وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.

وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.

وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.

نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديد

بسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.

وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.

الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله

مقالات مشابهة

  • النماذج اللغوية الكبيرة تدعم الابتكار بالشركات الناشئة
  • الشركات الأمريكية وسيادة حُكْم القانون
  • مفاتيح السعادة في رمضان.. كيف تخفف العبء عن زوجتك دون جهد كبير؟
  • في يوم الغابات.. أربيل تبحث الحلول العلمية لحماية البيئة
  • التعليم العالي: دعم الابتكار وريادة الأعمال في الصناعات النسيجية لتعزيز التصنيع المحلي
  • وزيرة التنمية المحلية توجه بعدم نقل الموظفين العاملين بالمراكز التكنولوجية
  • د. أحمد علي سليمان يحدد مفاتيح بناء أمة قوية.. ويحذر:
  • بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
  • تسارع الثورة التكنولوجية.. الصين تدرج الذكاء الاصطناعي بالمناهج الدراسية
  • المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي