لجريدة عمان:
2024-12-23@00:54:42 GMT

مفاتيح النجاح في الابتكارات التكنولوجية

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

عندما يأتي الحديث عن الشركات الابتكارية الناجحة فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان تلك الصورة المثالية للشركات التي تمتلك مختبرات التطوير العملاقة وعددا كبيرا من المهندسين والفنيين وعددا مماثلا من الروبوتات الذكية، والأنظمة المتطورة التي تغذي الإدارة واتخاذ القرار، وهذه الصورة النمطية والسائدة للنجاح العلمي هي سبب إحجام الكثيرين من المبتكرين الناشئين عن الولوج لعالم الأعمال، والتوسع فـي الابتكارات وخوض تجربة ريادة الأعمال العلمية، فالمكون الأساسي للتفوق فـي عالم الابتكارات مختلف تماما عن مفهومنا التقليدي، إذن ماذا تحتاج شركات الابتكار العلمية الناشئة لتصل إلى الأداء التنافسي؟ وهل يمكن أن يكون مفهوم النجاح فـي الابتكار نسبيا؟

فـي البدء يجب أن نتوقف عند أهم منطلقات الحديث عن مقومات النجاح لشركات الابتكار العلمية، وهي المهارات الاجتماعية فـي فهم التفوق العلمي خارج المحيط الأكاديمي، وهي مهارة ليست سهلة المنال، حيث إن معظم الانتصارات التشغيلية العظيمة فـي التجارب التطويرية، وكذلك التحسينات الرائعة التي يحققها الفريق التقني إنما تحدث داخل المختبرات ووحدات البحث والتطوير، ولكن المستثمرين فـي ريادة الأعمال العلمية والتكنولوجية يبحثون عن منتجات منافسة من حيث التكلفة والكفاءة، وأما الرحلة من التصميم إلى التصنيع فهي ليست ضمن سلم أولوياتهم، فهي رحلة شاقة ومعقدة وتكتنفها الكثير من عدم الوضوح، فمخاطر تقادم التكنولوجيا هي دائما حاضرة، وعملية اتخاذ القرار تتطلب السرعة والكفاءة، ولذلك تواجه شركات الابتكار فـي المجالات الصناعية الجديدة نسبيا تحديات مصيرية ومستمرة حتى بعد الوصول للمنتج النهائي، فهناك تحديات أخرى تتعلق بالمحافظة على الحصة السوقية، وضمان استمرار التميز والتنافسية، وكيفـية البناء على النجاحات الأولى لبناء استدامة السمعة العلمية، وقبل هذا وذاك فإن التحدي الأزلي هو الإلمام بتعريف النجاح العلمي، وإدراك أبعاد ومؤشرات هذا التفوق للإمساك بزمام الجوانب التي يمكن السيطرة عليها وتوجيهها، والتخطيط السليم بشأن المحاور التي لا يمكن التنبؤ بها.

وهذا يقودنا إلى حقيقة أن الدراسة الأكاديمية لم تلتفت بشكلٍ كافٍ إلى أهمية تعليم مهارات اتخاذ القرار كوسيلة للنجاح فـي الحقول العلمية، وغيرها من المجالات المعرفـية الأخرى، ومع ذلك، فإن العديد من شركات الابتكار اليوم تسعى إلى بناء القيادات العلمية المؤهلة بمهارات اتخاذ القرار، وتساندها الشركات الاستشارية عبر تصميم الأنظمة الإلكترونية فائقة الأداء فـي جمع وتحليل البيانات، واستشراف المستقبل ، ولكن شركات الابتكار بطبيعتها المتميزة قد لا يفـيدها هذا الكم الهائل من البرامج والتطبيقات والأنظمة ، فالقرارات الصائبة فـي عالم ريادة الأعمال العلمية تحتاج إلى ما هو أبعد من سيناريوهات الخيارات الاستراتيجية، وهو محور تنظيم الابتكار وإعادة اكتشاف النجاح فـي كل مرة، ويتطلب ذلك تقمص عدة أدوار، إذ ليس على القادة فقط القيام بالتخطيط والتفكير ثم اتخاذ القرار، وإنما يجب عليهم تحقيق التوازن بين المتطلبات الإدارية والعلمية، إذ عليهم وضع قبعة المبتكرين والتفكير بطريقتهم العلمية الصرفة، وفـي المقابل على الفنيين والتقنيين أن يضعوا قبعة القادة وتفهم مواقفهم وقراراتهم، ويعد هذا التوازن أمرا حيويًا لإعادة فهم واكتشاف مكامن القوة التي بها يتم صناعة النجاح، وبذلك يمكن عبور حالات اتخاذ القرارات الكبرى بأقل درجة من المقاومة، وهنا يمكن للشركة الابتكارية أن تجد المتسع من الوقت لبناء السمعة الخارجية وتحقيق التنافسية، فأهم أسباب تخلف الشركات عن تحقيق التميز هو انشغالها فـي تمكين عملية التوافق الداخلي بين وجهات النظر العلمية والقرارات الإدارية والاستثمارية، والتي دائماً ما تكون محل نقاش دائم.

ولا يتوقف التحدي عند عملية اتخاذ القرارات، ولكنه يتعدى ذلك ليصل إلى الثقافة المؤسسية، والبعد الاجتماعي للعملية الابتكارية، إذ يكتسب الاستثمار فـي الابتكارات التكنولوجية صبغة أكثر خطورة مقارنةً بالاستثمار فـي القطاعات الاقتصادية والتجارية الأخرى، ولذلك فإن مفهوم النجاح لا يعني التعريف ذاته لدى جميع فرق العمل، أو لنقل لدى المستويات المتباينة لفرق العمل، وغالباً ما يلجأ القادة إلى تصنيف المؤشرات إلى فئتين إحداها تقنية والأخرى استثمارية، وهذا فـي حد ذاته أحد أسباب تعميق التحدي، وإذا نظرنا إلى تجارب الشركات الابتكارية العملاقة سنجدها على النقيض تماما، فجميع الشركات الناجحة تنتهج مسارات تكاملية فـي تنظيم العملية الابتكارية من حيث الموارد والعمليات والثقافة المؤسسية، فلا توجد لديهم خطوط فاصلة بين الفرق التطويرية وبين مستويات القيادة واتخاذ القرار، كما سعت هذه الشركات إلى تجسير المسافات بين المستويين بتوظيف هذه الفروقات وليس بالقضاء عليها نهائيا، إذ أمكنهم توجيه الفضول العلمي المحض إلى سلوكيات إبداعية موجهة، وتشجيع الفهم والإدراك بأهمية تحقيق العوائد المالية من الابتكار من أجل استدامة سلسلة القيمة فـي الابتكار، وغيرها من المفاهيم التي تتطلب الوعي العقلاني بعيداً عن المثالية المفرطة.

إن نجاح الشركات العلمية لا يكمن فـي تفوقها العلمي التخصصي، ولكنه ينبع بشكل أساسي من قدرتها على تنظيم الابتكار التكنولوجي، وتحويله من مجرد ضربة عبقرية عَرَضية إلى ممارسة والتزام بالمحافظة على الصدارة العلمية والتكنولوجية، ويتطلب ذلك توجيه الموارد للاستثمار نحو تطوير قدرة جميع فرق العمل على الابتكار والتحسين المستمر للعمليات، والسعي إلى توليد نتائج أسرع وأفضل باستخدام الموارد المتاحة ذاتها، وانتهاج مسارات فـي المحافظة على التميز، وذلك بالبحث عن المشكلات المحتملة ووضع الحلول الاستباقية لها وليس الانتظار لحين وقوعها والتعاطي معها، والتركيز على تحويل نقاط الضعف إلى مصادر القوة والميزة التنافسية، وجميع هذه العوامل بحاجة على توثيق ونشر المعرفة المكتسبة من حل التحديات السابقة، وإتاحة هذه المعرفة عبر تأسيس ممارسات وثقافة «الاكتشاف الديناميكي» لعوامل النجاح، لأن مفهوم ومعايير التفوق فـي الابتكارات العلمية هي فـي الأصل ذات طبيعة ديناميكية، فمع التحولات السريعة للتكنولوجيا وعالم الأعمال لا يمكن وضع مؤشرات جامدة للنجاح، ولكن فـي المقابل يجب البحث عن فهم معاصر وعملي، ثم إعادة تعريف هذا النجاح حسب متطلبات عالم الأعمال، وبالتوافق مع المستجدات العلمية والتقنية، مع مراعاة الانفتاح على نجاحات الآخرين والتعلم منها، واكتساب مهارات اجتماعية وثقافة عصرية عن النجاح فـي الابتكارات التكنولوجية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی الابتکارات شرکات الابتکار فـی الابتکار اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

«الشارقة للتراث» يعرف بالجوانب العلمية للبوابة الإلكترونية لـ «مكنز التراث الثقافي غير المادي»

الشارقة (وام)
نظم معهد الشارقة للتراث الورشة الأولى الخاصة بالبوابة الإلكترونية لمكنز التراث الثقافي غير المادي في العالم العربي، بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، بمقر مركز التراث العربي التابع للمعهد.
تناولت الورشة، التي حضرها عدد من الباحثين الأكاديميين والمختصين، الجوانب العلمية والمعرفية المتعلقة بمكنز التراث الثقافي غير المادي، وركزت على القوالب الرقمية المستخدمة في تطوير النسخة الإلكترونية من المكنز، وآليات التنفيذ التي تضمن الوصول إلى محتوى دقيق ومنظم، واستعرضت كيفية تصفح البوابة الإلكترونية بسلاسة ويسر إضافة إلى عرض التصميم العام للبوابة ومكوناتها التقنية بما يضمن توفير أداة مرجعية متطورة تسهم في حفظ التراث الثقافي غير المادي ونشره.
يهدف المشروع إلى إنشاء منصة رقمية شاملة تُعنى بتوثيق التراث الثقافي غير المادي في العالم العربي عبر تقديم بيانات وتصنيفات دقيقة تتوافق مع المعايير العالمية، حيث تسعى البوابة إلى تعزيز الأبحاث الأكاديمية وتوفير قاعدة بيانات متكاملة تسهم في صون التراث الثقافي وربطه بمختلف الجهات والمؤسسات الثقافية.
يعمل المعهد على استكمال تطوير البوابة الإلكترونية بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والخبراء لضمان جاهزيتها في أقرب وقت حيث سيتم الإعلان قريباً عن مراحل جديدة من المشروع تشمل ورش عمل إضافية واختبارات تشغيلية للبوابة.
يعكس هذا الإنجاز التزام معهد الشارقة للتراث بدوره الريادي في الحفاظ على التراث الثقافي العربي وتجديده بما يتماشى مع تطورات العصر الرقمي لتعزيز مكانة الشارقة كمركز عالمي للتراث والثقافة.
وأثنى المشاركون على الجهود التي يبذلها معهد الشارقة للتراث في تطوير هذا المشروع الرائد، مؤكدين أهمية مثل هذه المبادرات في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه.

أخبار ذات صلة مؤتمر «مدائن التراث» يوصي بالحفاظ على الهوية الحضارية للمدن العربية مؤتمر "مدائن التراث في العالم العربي" يحتفي بمرور عقد على تأسيس "معهد الشارقة للتراث"

مقالات مشابهة

  • انطلاق فعاليات مؤتمر كريتيفا السنوي لدعم الابتكار وريادة الأعمال بمحافظة قنا
  • الانقطاعات التكنولوجية.. هل نحن مستعدون لمواجهة المستقبل؟
  • تكريم 119 طالبا بجائزة «أوميفكو» للإجادة العلمية
  • «المالية»: التطورات التكنولوجية تُثري قدراتنا في مسيرة التكامل الاقتصادي
  • تكريم الفائزين في ختام "هاكاثون عُمران" وسط مشاركة واسعة لتعزيز الابتكار
  • تتويج "خدمة" بجائزة "الابتكار المتنوع في التكنولوجيا"
  • جامعة برج العرب التكنولوجية تعلن إنشاء كلية جديدة
  • قرارات حاسمة لوزير الإسكان خلال جولته بالقاهرة.. متابعة جدول التنفيذ وتحذير لإحدى الشركات
  • ما هي عقوبة تزوير الشهادات العلمية في الإمارات؟
  • «الشارقة للتراث» يعرف بالجوانب العلمية للبوابة الإلكترونية لـ «مكنز التراث الثقافي غير المادي»