لجريدة عمان:
2025-01-23@13:07:51 GMT

السمّ في العسل

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

لم أكن وأنا أكتب مقالة الأسبوع الماضي حول موضوع ثقافة الأصداء، وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، وحلول النصّ الإلكتروني بدل النصّ الورقيّ وسيادة ثقافة العبور البصريّ وتعميم المعلومات في بحر النت دون حسيب أو رقيب على وعي بأنّ الأجهزة الحاملة لهذه المعرفة يُمكن أن تتحوّل إلى أسلحة تدمير للبشريّة، واقعة لبنان وما فعله الكيان الإسرائيليّ بعناصر حزب اللّه إذ حوّل آلاف البشر في لحظة إلى مشاريع متفجِّرة بسبب ما يحملونه في جنباتهم من أجهزة تواصل "ذكيّة"واقعةٌ مفزعةٌ، مُرعبةٌ، دافعةٌ البشريّة إلى ما نادى به الرومانسيّون والطبيعيّون من ضرورة العودة إلى حياة البدايات الأولى، إلى حياة الانفصال عن مدنيَّة تتوجّه إلى قتل البشر، أكثر من توجّهها إلى تيسير حياة النّاس.

واقعةُ لبنان في تفجير أجهزة "البيجر" في وجوه مستعمليها، والقضاء على عدد منهم وإصابة الشقّ الأكبر بالعمى أو بإصابات مؤذيَة هي واقعةٌ تحملنا على التدبُّر والتفكير، بصرْف النظر عن طبيعة الصراع بين المتحاربين، وبصرْف النظر بين أحقيّة فعل ذلك من عدمه، فهذه الواقعة لها دلالة سيميائيّة عميقة، ولها أبعاد تدفعنا إلى التفكير في هذه الأجهزة الذكيّة التي صارت تُلازمنا وتحتوي حياتنا، ولا نقدر أن نعيش بدونها، في هذا الجهاز المحمول الذي أكتب عليه نصوصي، وفي أجهزة الاتّصالات التي تغمر بيوتنا، وفي طبيعة علاقتنا الوجوديّة بها. تذكّرتُ صديقًا أضاع يومًا هاتفه المحمول في المطار، فدخل في حالة هستيريّة رهيبة، وعلّة ذلك أنّ هاتفه المحمول فيه كلّ حياته، فيه تاريخ صور أبنائه، فيه بطاقاته البنكيّة، فيه رسائله الإلكترونية، يقول إنّه أصبح معزولا عن العالم، وأصبح غير قادر على التعامل مع النّاس، وعلى دفع مشترياته، ويحتاج وقتًا حتى بستعيد حياته، في هاتف جديد، السؤال الذي نكَّد على النّاس خلال هذا الأسبوع، هل أنّ هواتفنا الذكيّة ولوحاتنا الفطنة، وحواسيبنا العمليّة هي أجهزةٌ يُمكن أن تُستَعمل قنابل متفجّرة ضدّنا في كلّ لحظة؟ الإحساسُ بعدم الأمان هيمن على المفكِّرين والمثقّفين خلال هذا الأسبوع، وانتقلنا من مرحلة أن هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على سريّة المعلومات، إلى مرحلة أنّ هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على الحياة نفسها! هل نحمل في جيوبنا وبين أيدينا قنابل قابلة بضغط زرّ أن تنفجر في بيوتنا وفي وجوهنا؟ عبّر المفكّرون عن رعبهم من خطر التكنولوجيا الرقميّة، ومن شدّة أذيّتها، ومن قدرتها على التحوّل إلى أجهزة تدمير شامل، حيرةٌ كبرى على المستوى الفكري والتنظيريّ في التفاعل مع موضوع الساعة، وفي إبداء الرأي في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وبأجهزة التواصل الرقميّة والذكيّة. لقد توجّه الذكاء البشريّ عبر التاريخ إلى تدمير الإنسانيّة أكثر من توجّهه إلى تجويد حياة الإنسان، وإن قارنّا بين تطوّر علوم مقاومة الأمراض والأوبئة وتطوّر أدوات الحرب والقتل في العالم لوجدنا بونا شاسعا. لقد اعتبر خبراء أمميّون أنَّ ما فعلته إسرائيل من تفجير لأجهزة التواصل في وجوه آلاف النّاس جريمة حرب، وقلّة أدب، غير أنّ ما يعنينا نحن البشر لا الخبراء أنّنا أمام خيالٍ علميٍّ صار واقعا، كنّا نشاهد أفلام الخيال العلمي التي تصوّر أشخاصا وُضعت شرائح في أجسامهم وهم قابلون للتفجير دوما وللتخلّص منهم بالضغط على زرّ، صرنا هذا الأسبوع نحيا هذا الخيال، وفي اعتقادي فإنّ الفكر البشريّ سيعيد التفكير في علاقته بالتكنولوجيا الرقميّة، ففي حين كانت تُطرَح مسألة اغتراب الإنسان، وفقدانه لهويّته وتحوّله إلى الرقمنة، دور التقنية في الدفع إلى فقدان الإنسان لكينونته (هايدجر)، وبيان الدور الإيديولوجي للرقميّات والتقنيات (هابرماز)، سيطرَح مستقبلا أمن الإنسان في استعماله للتكنولوجيا. تجاوزنا إشكاليّة "هيمنة العلم والتكنولوجيا" على العقل البشريّ، وتحوّلها إلى يقين صارم، وإلى سلطةٍ فاعلة، إلى إشكاليّة "العلوم القاتلة"، تجاوزنا الصراع بين العقل المفكِّر المحلِّل والعقل العلميّ، ورصد الانتقال من عالم "يحكمه الفلاسفة" (أفلاطون) إلى عالم يحكمه "المهندسون". لقد تركّز الفكر الفلسفيّ في مباشرته لصلة الإنسان بالتكنولوجيا على بيان "فقدان الجوهر الإنسانيّ"، وعلى بيان تألية الإنسان، وتكريس الفكر العلمي الدوغمائي، في عالم يسيطر فيه العلم، ويدَّعي أنّه الأقدر على فهم العالم وتقديم أجوبة على كلّ أسئلته، يتحوّل العلم إلى عقيدة صارمة، وهو ما تلفظه الفلسفة وترفضه، بقول سالم يفوت "تعتبر الوضعانية، في نظر هابرماس، تعبيرا عن ذلك الجنوح إلى تحنيط العلم لدرجة يتحوّل معها إلى إيمان جديد واثق من قدرته الهائلـة على تقديم أجوبة لكل الأسئلة المطروحة واقتراح حلول ناجعة لكل القضايـا"، العلم والتكنولوجيا يجتهدان في السيطرة على الطبيعة، وعلى فرض معقوليّة علميّة، عقديّة، إيمانيّة، و"معقولية من هذا القبيل، لن تخدم سوى علاقات التسيير والتحكم التقني؛ إنها تفترض نوعا من السيطرة على الطبيعة أو على المجتمع". والحال أنَّ حادث الوضع في صلة الإنسان بعوالم الرقمنة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعيّ، تثير مسألة القدرة على قتل الإنسان، ونحن في عالم شرسٍ، لا عقل فيه، لا قِيَم تحكمه، سوى قيم القويّ المسيطر، والقويّ يدسّ السمّ في العسل، ونحن نأكل العسَل ونستلذّ سمّه!.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فيه شفاء للناس ويقوم مقام الفياغرا أو هكذا قال مروّجوه.. فرنسا تشن حربا على "عسل الانتصاب"

تدق سلطات الجمارك الفرنسية ناقوس الخطر حول مادة غير قانونية تغزو الأسواق بكميات قياسية تحت غطاء البراءة، وهو ما يُعرف بـ"عسل الانتصاب". مادة تبدو في ظاهرها غير ضارة، إلا أنها تحمل في طياتها مزيجًا خطيرًا من العسل ومواد شبيهة بعقاقير علاج ضعف الانتصاب مثل السيلدينافيل والتادالافيل.

اعلان

ويتم تقديم هذا العسل في عبوات على شكل أعواد أو حقن، ويُباع في السوق السوداء داخل بعض المحلات الليلية بأسعار زهيدة. ورغم تسويقه على أنه "منتج احتفالي"، حذرت وكالة الجمارك الفرنسية من أن هذه المادة تشكل خطرًا كبيرًا على صحة المستهلكين، خصوصًا عند خلطها بالكحول أو أدوية مثل تلك الخاصة بضغط الدم.

السلطات الفرنسية تحقق ضبطًا قياسيًا في عام 2024 بمصادرة 13 طنًا من العسل الممزوج بأدوية لعلاج ضعف الانتصاب.

وقد أكد المسؤولون أن هذه الأعواد، التي تبدو بريئة وجديرة بالثقة، قد تتسبب في آثار جانبية خطيرة، ما يثير القلق بشأن توسع استخدامها بين المستهلكين غير المدركين لمخاطرها. ويبدو أن الشعبية المتزايدة لهذا المنتج غير القانوني تعكس تحديًا كبيرًا للسلطات في ظل الإقبال المتزايد عليه.

في عام 2023، سجلت السلطات الفرنسية 131 حالة ضبط لهذه المادة، مقارنة بـ18 حالة فقط في عام 2019. إلا أن الضبطية الأخيرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 في مارسيليا حققت رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث تم العثور على حوالي 860 ألف عودًا، أي ما يعادل 13 طنًا.

السلطات الفرنسية تحتجز كمية 13 طنا من عسل الانتصاب

وأشارت السلطات إلى أن التحقيقات كشفت أن هذا "العسل" يتم تهريبه من دول مثل ماليزيا، تركيا، تونس، وتايلاند. كما تم العثور على هذه المادة منتشرة في جميع أنحاء فرنسا، مع عمليات ضبط كبيرة في ليون وكليرمون فيران، حيث تم اكتشاف حوالي 25 ألف عودًا في يونيو /حزيران 2024.

Relatedلعلاج ضعف الانتصاب.. علماء برازيليون يطورون مرهمًا من سم عنكبوت الموز دراسة جديدة تكشف أن "ضعف الانتصاب وتساقط الشعر" من أعراض كوفيد طويلة الأمدما علاقة أدوية علاج ضعف الانتصاب مثل الفياغرا بمرض ألزهايمر..؟ دراسة تجيب

وتسلط هذه الأحداث الضوء على خطورة انتشار هذه المادة في الأسواق، ما يتطلب تكثيف الجهود لمكافحة هذا النوع من التهريب. ويبقى التحدي الأكبر في رفع وعي الجمهور بمخاطر هذه المنتجات التي قد تبدو بريئة، لكنها تحمل أضرارًا لا يُستهان بها.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية المرأة كمحاربة وملكة وزوجة: دراسة جينية تكشف عن الدور المحوري للنساء في العصر الحديدي دراسة: باحثون يحددون عوامل خطر وراثية جديدة للاكتئاب.. ماذا يعني ذلك وماذا نعرف عنها؟ 42 حالة طوارئ صحية تهدد حياة 305 مليون شخص حول العالم في 2025 مخدرات وعقاقيرطبتقليد بضائع- تزييففرنساتهريب المخدراتاعلاناخترنا لكيعرض الآنNextعاجل. الجيش يواصل هجومه على جنين ويخرق الاتفاق بغزة وحواجزه الأمنية تعرقل وصول مريضة للمستشفى فتلقى حتفها يعرض الآنNext إندونيسيا: استئناف البحث عن مفقودين جراء الانهيارات الطينية وارتفاع عدد القتلى إلى 19 يعرض الآنNext "حدثت أمور مدهشة".. تقارير تزعم أن غوغل زودت الجيش الإسرائيلي بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في حربه يعرض الآنNext الاتحاد الأوروبي يوسع شراكاته التجارية لمواجهة تهديدات ترامب الجمركية يعرض الآنNext ترامب: "بوتين لا يُبلي بلاءً حسنًا".. الرئيس يهدد زعيم الكرملين بالعقوبات ويمازحه "علينا أن ننجز!" اعلانالاكثر قراءة تركيا: حصيلة ضحايا حريق منتجع التزلج ترتفع إلى 76 قتيلاً وأردوغان يتوعد بمحاسبة من كان السبب الحرائق تكتسح شمال سان دييغو.. إجلاء طارئ للمنطقة بسبب النيران المدمرة عدة إصابات في حادثة طعن بتل أبيب أحدهم جندي خدم في غزة والمشتبه به سائح أمريكي من أصل مغربي وعد ولم يُخلف.. ترامب يعفو عن 1500 شخص مدان في أحداث الكابيتول ويلغي 78 قرارا لسلفه بايدن مغالطات دُسّت في خطاب التنصيب.. ما صحة ما ذهب إليه ترامب في كلمته؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبإسرائيلضحاياغزةحركة حماسالصراع الإسرائيلي الفلسطيني روسيابنيامين نتنياهوكوارث طبيعيةقطاع غزةفلاديمير بوتينالحرب في أوكرانيا الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • تفاصيل زواج نسرين طافش.. من شهر العسل إلى جوي أوورد
  • طرق علاج تجاعيد البشرة بمكونات طبيعية
  • طريقة عمل صينية قرع العسل بالبشاميل
  • فيه شفاء للناس ويقوم مقام الفياغرا أو هكذا قال مروّجوه.. فرنسا تشن حربا على "عسل الانتصاب"
  • قوات الجيش والقوات المساندة له بسطت سيطرتها الكاملة على منطقة حجر العسل
  • طريقة عمل قرع العسل بالبشاميل بطريقة سهلة وبسيطة
  • المؤتمر: الإفراج عن 4466 يعزز اهتمام مصر بملف حقوق الإنسان وضمان حياة كريمة للمواطنين
  • غزة.. هكذا يرفع العلم الفلسطيني فوق الركام
  • أمر يزيد طمأنينة النفس .. عالم بالأوقاف يكشف عنه
  • مُنتجو العسل في تونس يتجرعون مرارة تأثير التغيرات المُناخيّة