لجريدة عمان:
2024-09-24@17:16:16 GMT

السمّ في العسل

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

لم أكن وأنا أكتب مقالة الأسبوع الماضي حول موضوع ثقافة الأصداء، وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، وحلول النصّ الإلكتروني بدل النصّ الورقيّ وسيادة ثقافة العبور البصريّ وتعميم المعلومات في بحر النت دون حسيب أو رقيب على وعي بأنّ الأجهزة الحاملة لهذه المعرفة يُمكن أن تتحوّل إلى أسلحة تدمير للبشريّة، واقعة لبنان وما فعله الكيان الإسرائيليّ بعناصر حزب اللّه إذ حوّل آلاف البشر في لحظة إلى مشاريع متفجِّرة بسبب ما يحملونه في جنباتهم من أجهزة تواصل "ذكيّة"واقعةٌ مفزعةٌ، مُرعبةٌ، دافعةٌ البشريّة إلى ما نادى به الرومانسيّون والطبيعيّون من ضرورة العودة إلى حياة البدايات الأولى، إلى حياة الانفصال عن مدنيَّة تتوجّه إلى قتل البشر، أكثر من توجّهها إلى تيسير حياة النّاس.

واقعةُ لبنان في تفجير أجهزة "البيجر" في وجوه مستعمليها، والقضاء على عدد منهم وإصابة الشقّ الأكبر بالعمى أو بإصابات مؤذيَة هي واقعةٌ تحملنا على التدبُّر والتفكير، بصرْف النظر عن طبيعة الصراع بين المتحاربين، وبصرْف النظر بين أحقيّة فعل ذلك من عدمه، فهذه الواقعة لها دلالة سيميائيّة عميقة، ولها أبعاد تدفعنا إلى التفكير في هذه الأجهزة الذكيّة التي صارت تُلازمنا وتحتوي حياتنا، ولا نقدر أن نعيش بدونها، في هذا الجهاز المحمول الذي أكتب عليه نصوصي، وفي أجهزة الاتّصالات التي تغمر بيوتنا، وفي طبيعة علاقتنا الوجوديّة بها. تذكّرتُ صديقًا أضاع يومًا هاتفه المحمول في المطار، فدخل في حالة هستيريّة رهيبة، وعلّة ذلك أنّ هاتفه المحمول فيه كلّ حياته، فيه تاريخ صور أبنائه، فيه بطاقاته البنكيّة، فيه رسائله الإلكترونية، يقول إنّه أصبح معزولا عن العالم، وأصبح غير قادر على التعامل مع النّاس، وعلى دفع مشترياته، ويحتاج وقتًا حتى بستعيد حياته، في هاتف جديد، السؤال الذي نكَّد على النّاس خلال هذا الأسبوع، هل أنّ هواتفنا الذكيّة ولوحاتنا الفطنة، وحواسيبنا العمليّة هي أجهزةٌ يُمكن أن تُستَعمل قنابل متفجّرة ضدّنا في كلّ لحظة؟ الإحساسُ بعدم الأمان هيمن على المفكِّرين والمثقّفين خلال هذا الأسبوع، وانتقلنا من مرحلة أن هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على سريّة المعلومات، إلى مرحلة أنّ هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على الحياة نفسها! هل نحمل في جيوبنا وبين أيدينا قنابل قابلة بضغط زرّ أن تنفجر في بيوتنا وفي وجوهنا؟ عبّر المفكّرون عن رعبهم من خطر التكنولوجيا الرقميّة، ومن شدّة أذيّتها، ومن قدرتها على التحوّل إلى أجهزة تدمير شامل، حيرةٌ كبرى على المستوى الفكري والتنظيريّ في التفاعل مع موضوع الساعة، وفي إبداء الرأي في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وبأجهزة التواصل الرقميّة والذكيّة. لقد توجّه الذكاء البشريّ عبر التاريخ إلى تدمير الإنسانيّة أكثر من توجّهه إلى تجويد حياة الإنسان، وإن قارنّا بين تطوّر علوم مقاومة الأمراض والأوبئة وتطوّر أدوات الحرب والقتل في العالم لوجدنا بونا شاسعا. لقد اعتبر خبراء أمميّون أنَّ ما فعلته إسرائيل من تفجير لأجهزة التواصل في وجوه آلاف النّاس جريمة حرب، وقلّة أدب، غير أنّ ما يعنينا نحن البشر لا الخبراء أنّنا أمام خيالٍ علميٍّ صار واقعا، كنّا نشاهد أفلام الخيال العلمي التي تصوّر أشخاصا وُضعت شرائح في أجسامهم وهم قابلون للتفجير دوما وللتخلّص منهم بالضغط على زرّ، صرنا هذا الأسبوع نحيا هذا الخيال، وفي اعتقادي فإنّ الفكر البشريّ سيعيد التفكير في علاقته بالتكنولوجيا الرقميّة، ففي حين كانت تُطرَح مسألة اغتراب الإنسان، وفقدانه لهويّته وتحوّله إلى الرقمنة، دور التقنية في الدفع إلى فقدان الإنسان لكينونته (هايدجر)، وبيان الدور الإيديولوجي للرقميّات والتقنيات (هابرماز)، سيطرَح مستقبلا أمن الإنسان في استعماله للتكنولوجيا. تجاوزنا إشكاليّة "هيمنة العلم والتكنولوجيا" على العقل البشريّ، وتحوّلها إلى يقين صارم، وإلى سلطةٍ فاعلة، إلى إشكاليّة "العلوم القاتلة"، تجاوزنا الصراع بين العقل المفكِّر المحلِّل والعقل العلميّ، ورصد الانتقال من عالم "يحكمه الفلاسفة" (أفلاطون) إلى عالم يحكمه "المهندسون". لقد تركّز الفكر الفلسفيّ في مباشرته لصلة الإنسان بالتكنولوجيا على بيان "فقدان الجوهر الإنسانيّ"، وعلى بيان تألية الإنسان، وتكريس الفكر العلمي الدوغمائي، في عالم يسيطر فيه العلم، ويدَّعي أنّه الأقدر على فهم العالم وتقديم أجوبة على كلّ أسئلته، يتحوّل العلم إلى عقيدة صارمة، وهو ما تلفظه الفلسفة وترفضه، بقول سالم يفوت "تعتبر الوضعانية، في نظر هابرماس، تعبيرا عن ذلك الجنوح إلى تحنيط العلم لدرجة يتحوّل معها إلى إيمان جديد واثق من قدرته الهائلـة على تقديم أجوبة لكل الأسئلة المطروحة واقتراح حلول ناجعة لكل القضايـا"، العلم والتكنولوجيا يجتهدان في السيطرة على الطبيعة، وعلى فرض معقوليّة علميّة، عقديّة، إيمانيّة، و"معقولية من هذا القبيل، لن تخدم سوى علاقات التسيير والتحكم التقني؛ إنها تفترض نوعا من السيطرة على الطبيعة أو على المجتمع". والحال أنَّ حادث الوضع في صلة الإنسان بعوالم الرقمنة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعيّ، تثير مسألة القدرة على قتل الإنسان، ونحن في عالم شرسٍ، لا عقل فيه، لا قِيَم تحكمه، سوى قيم القويّ المسيطر، والقويّ يدسّ السمّ في العسل، ونحن نأكل العسَل ونستلذّ سمّه!.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«اقتباس» علامة تجارية تجمع المنتجات العمانية تحت سقف واحد

بدأ محمد بن سليمان الصبحي رحلته في ريادة الأعمال بتأسيس شركة «ندرة للأعمال» في عام 2020م، حيث كانت الشركة في بدايتها عبارة عن محل متخصص في بيع العسل العُماني. وبعد 4 سنوات من العمل الدؤوب وفهم احتياجات السوق، قرر الصبحي توسيع نشاطه من خلال تدشين شركة «اقتباس»، والتي تجمع تحت سقف واحد أربع علامات تجارية عُمانية، وهي: نوادر العسل، وحلوى الصبحي، وريما روز، ولبان كهرمان.

وحول التحديات التي واجهته، قال الصبحي: «عدم خبرتي الكافية في مجال ريادة الأعمال في بداية مشواري كان أكبر تحدٍ واجهني، حيث كلفني ذلك إنفاق الكثير من الأموال لتغطية المصاريف؛ ولكن مع مرور الوقت تعلمت كيفية التعامل مع التحديات، وركزت على جودة المنتجات وتلبية متطلبات الزبائن».

وأشار الصبحي إلى المنتجات التي تقدمها الشركة، وأهمها: اللبان الذي لا يحترق، العسل العُماني المفحوص مخبريًا، تمرية الضيافة الفاخرة، والحلوى العُمانية الساخنة.

ويخطط الصبحي للتوسع في زيادة المبيعات بطرق مختلفة، مثل فتح متجر إلكتروني احترافي والدخول بقوة إلى منصات التواصل الاجتماعي، وقال: «الإنجازات التي حققناها تشمل التوسع في المبيعات وفتح فرع جديد».

وأكّد الصبحي في ختام حديثه قائلًا: «اقتباس» فكرة جديدة مرت بمراحل متعددة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، وهي نموذج عمل مختلف عن النماذج التقليدية، حيث إننا لا نشتري البضائع من شركائنا، بل نقوم بأخذ نسبة من المبيعات. كما أن «اقتباس» يُعد مولًا مصغرًا للمنتجات العمانية التقليدية المتخصصة في الحلوى والعسل والتمرية واللبان.

مقالات مشابهة

  • «اقتباس» علامة تجارية تجمع المنتجات العمانية تحت سقف واحد
  • الدكتور القس جرجس عوض يكتب.. حياة كريمة لخدمة الإنسان
  • أهمية المياه في حياة الإنسان والبيئة
  • أهمية الغذاء الصحي في حياة الإنسان
  • "التسمم".. الأعراض والأسباب وكيفية التعامل معه
  • أهمية الرياضة في حياة الإنسان
  • جرائم حرب تستدعي المحاسبة.. منظمة العفو الدولية تطالب بتحقيق دولي في تفجيرات البيجر
  • العفو الدولية تتحدث عن تحقيق حتمي بهجوم أجهزة الاتصالات في لبنان
  • منظمة العفو الدولية تتحدث عن حتمية التحقيق بهجوم أجهزة الاتصالات في لبنان