بيروت.. بين نيران الموساد والاستهداف المنهجي للمقاومة
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
في يوم مشؤوم، هزّ انفجار مدوٍّ العاصمة اللبنانية بيروت، مخلفا وراءه دمارا هائلا، وأثار تساؤلات عديدة حول الفاعل والمستفيد من هذا الحدث المأساوي. بينما لجأ البعض إلى تفسير الحدث من خلال العرافين والخرافات التي تتحدث عن "نبوءات" كارثية، فإن هذا المنظور يعتم على الأبعاد الحقيقية للواقعة، ويبعدنا عن التحليل السياسي العميق الذي يرتكز على فهم القوى المتصارعة في المنطقة، وخاصة دور جهاز الموساد الإسرائيلي في استهداف بيروت كجزء من حربه المستمرة ضد جبهة المقاومة.
بيروت، العاصمة التي كانت شاهدة على صراعات إقليمية ودولية عديدة، أضحت مجددا في قلب المواجهة، لكن بأدوات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر. لم يعد الصراع يعتمد على العمليات العسكرية التقليدية فحسب، بل أصبح المجال السيبراني والتكنولوجي جزءا من حروب الهيمنة والسيطرة. جهاز الموساد الإسرائيلي، المعروف بخبثه واحترافية أساليبه في تنفيذ العمليات السرية واستهداف قوى المقاومة، هو لاعب محوري في هذا السياق، حيث يلجأ إلى التفجيرات، والاختراقات الإلكترونية، والتلاعب الإعلامي كوسائل لزعزعة الاستقرار وإضعاف البنية التحتية للمقاومة.
الترويج للنبوءات والأساطير بعد هذا التفجير ليس مجرد صدفة عابرة، بل هو جزء من الحرب النفسية التي تُشن ضد شعوب المنطقة. حين يتم إغراق الجماهير بخرافات العرافين، يصبح من السهل صرف الأنظار عن الحقائق السياسية التي تكشف عن تورط القوى المعادية للمقاومة. الموساد، الذي يمتلك سجلا طويلا من العمليات السرية في لبنان وسوريا وفلسطين، يتميز بقدرته على استغلال الأزمات وإثارة الفوضى لتحقيق أهدافه الاستراتيجية.
منذ اللحظات الأولى للتفجير، ظهرت موجة من النظريات التي ربطت الحدث بـ"نبوءات" قديمة، مما خلق جوا من الضبابية والتشويش حول طبيعة الحادث وأسبابه الحقيقية. هذه التفسيرات الخرافية ليست بجديدة على المنطقة؛ بل هي أداة قديمة لطالما استخدمتها القوى الاستعمارية في محاولاتها لتمرير أجنداتها بعيدا عن الوعي السياسي الحقيقي. الموساد، الذي يمتلك خبرة واسعة في إدارة الأزمات وزرع الشكوك حول المسؤولين عن الأحداث الكبرى، يسعى دوما إلى خلق بيئة ضبابية تربك الشعوب وتبعدها عن التحليل العلمي للأحداث.
التفجير في بيروت لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من العمليات الاستخباراتية التي استهدفت المقاومة اللبنانية والفلسطينية. على مدار عقود، سعى الموساد دوما إلى استهداف العناصر الأساسية في المقاومة، سواء عبر الاغتيالات المباشرة أو التلاعب بالاقتصاد والسياسة اللبنانية. المقاومة، التي تعتبر بيروت إحدى معاقلها الرئيسية، ظلت على مرمى نيران العدو الإسرائيلي وأدواته الاستخباراتية.
ما حدث في بيروت يمكن تفسيره في إطار الصراع المستمر بين جبهة المقاومة وقوى الاستعمار، التي يمثلها الكيان الصهيوني وأطراف الإمبريالية العالمية. تفجير بهذا الحجم لا يمكن أن يكون وليد الصدفة أو نتيجة إهمال داخلي فحسب؛ بل هو جزء من استراتيجية متكاملة تستهدف ضرب البنية التحتية للمقاومة وتفكيك الروابط الوطنية التي تدعمها. العدو الصهيوني يدرك تماما أن استهداف بيروت، بوصفها عاصمة المقاومة الثقافية والسياسية، يمكن أن يشكل ضربة معنوية كبيرة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
على الرغم من المحاولات المستمرة لتقديم التفسيرات الخرافية لما حدث، فإن الحقائق تشير إلى وجود خطة مدروسة تستهدف لبنان كجزء من الصراع الإقليمي الأوسع. التفجير، الذي جاء في ظل أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، يتماشى مع المحاولات الصهيونية والإمبريالية لإضعاف لبنان وتحويله إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية. الموساد، الذي له باع طويل في التلاعب بالملفات الأمنية في لبنان، ليس بعيدا عن هذا السياق.
هذه المحاولات لضرب لبنان ليست جديدة. في الماضي، شهدت بيروت سلسلة من العمليات الاستخباراتية والاغتيالات التي نفذها الموساد بهدف إضعاف المقاومة اللبنانية وضرب القيادات التي تشكل تهديدا مباشرا لمشروع الاحتلال الإسرائيلي. العدو الصهيوني يدرك أن قوة المقاومة في لبنان تشكل تهديدا استراتيجيا لمشروعه التوسعي، ولهذا السبب يستخدم كافة الوسائل لتفكيك تلك القوة، سواء عبر التفجيرات أو الحصار الاقتصادي والإعلامي.
لكن المقاومة اللبنانية والفلسطينية، التي خاضت عقودا من الصراع ضد الاحتلال، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات. فقد ركزت المقاومة في السنوات الأخيرة على تطوير قدراتها الأمنية والتكنولوجية لمواجهة العمليات الاستخباراتية التي تستهدفها. المقاومة تدرك تماما أن العدو لا يعتمد فقط على الأسلحة التقليدية، بل يستغل التكنولوجيا الحديثة لاختراق صفوفها وضرب بنيتها.
من هنا، يتضح أن تفجير بيروت ليس مجرد حادث عابر، بل هو جزء من حرب طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف جبهة المقاومة وزعزعة استقرار المنطقة. لكن المقاومة، بفضل وعيها السياسي واستثمارها في التكنولوجيا، قادرة على مواجهة تلك التحديات وكشف المخططات التي تستهدفها. التفجير لن يحقق أهدافه طالما أن المقاومة تمتلك الوعي والإرادة الصلبة لمواجهة كافة المحاولات الصهيونية والإمبريالية لتقويض دورها.
العدو الإسرائيلي، الذي طالما سعى إلى ضرب المقاومة اللبنانية والفلسطينية عبر الموساد، يعلم أن عملياته الاستخباراتية لن تمر دون مقاومة. تجربة المقاومة الطويلة في التصدي لأساليب العدو واستراتيجياته جعلتها أكثر يقظة وقدرة على مواجهة التحديات. الالتزام بحماية الشعوب والدفاع عن حقوقها في التحرر والسيادة يشكل ركيزة أساسية في استراتيجية المقاومة.
في الختام، يشكل تفجير بيروت حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الصهيونية لإضعاف المقاومة وزعزعة استقرار المنطقة. لكن هذه المحاولات ستظل تصطدم بجبهة مقاومة واعية وصلبة، تملك من القوة والإرادة ما يكفي للتصدي لكل المؤامرات التي تستهدفها. المقاومة، التي تتسلح بالوعي السياسي العميق، تدرك أن معركتها مع العدو لن تُحسم إلا بالتفوق في ميدان الحرب السيبرانية والتكنولوجية، إلى جانب الصمود العسكري.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات اللبنانية الإسرائيلي المقاومة لبنان إسرائيل المقاومة بيروت تفجير مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة اللبنانیة فی لبنان
إقرأ أيضاً:
اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل
كتب يوسف دياب في" الشرق الاوسط": أكثر من 40 اتفاقية تعاون موقّعة بين لبنان وسوريا، باتت رهن الإلغاء أو التعديل مع سقوط النظام السوري الذي صاغ كلّ تلك الاتفاقيات، إلا أن هذه الخطوة رهن إرادة الطرفين.
ويرى خبراء لبنانيون أن تعديل هذه الاتفاقيات يشكّل حاجة ماسّة للبلدين، ولا بد من إدخال تعديلات عليها، بينما يرى آخرون أنها غير متوازنة ومكّنت النظام السوري من استباحة السيادة اللبنانية.
ووقع لبنان مع سوريا 42 اتفاقية أغلبها بعد عام 1990، لكن لم تأخذ طريقها إلى التطبيق، وما طبّق منها صبّ في المصلحة السورية.
ويرى وزير العدل السابق المحامي الدكتور إبراهيم نجّار، أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد «كان يرغب دائماً في تطمين الرؤساء اللبنانيين من أن سوريا تتعامل مع لبنان بوصفه دولة مستقلة ذات سيادة، إلّا أن هذه الاتفاقيات كانت مجرّد نصوص منمّقة لا تطبّق، وواجهة لوضع اليد على سياسة لبنان وإدارته».
وأشار نجار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «أهم ما في هذه الاتفاقيات إنشاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري برئاسة اللبناني نصري الخوري، على الرغم من إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين بيروت ودمشق، لكن المجلس الأعلى تولّى إدارة الأعمال التي تقع في صلب صلاحيات السفارتين».
وذكّر نجّار بأنه «شارك في صياغة وتوقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين، بينها اتفاقية نقل السجناء، إلّا أنها لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ».
وتنصّ المبادئ الدولية على وجوب احترام الاتفاقيات المعقودة بين الدول، انطلاقاً من قاعدة «الاتفاقيات ملزمة وتقيّد أطرافها»، لكن لا يمكن القفز فوق بعض الاستثناءات. ويقول نجّار: «صحيح أن اتفاقية فيينا ترعى الاتفاقيات الدولية، إلّا أنها تنظّم تعديلها أيضاً»، مشيراً إلى «وجود 5 حالات تجيز نقض تلك الاتفاقيات وتأتي في خانة الاستثناءات؛ أهمها: استحالة التنفيذ، واستقواء فريق على آخر، وتبدّل الحالات، ووجود أسباب قاهرة ونقض الاتفاقية من أحد الطرفين»، مذكراً بالقاعدة الشرعية التي تؤكد أنه «لا يُنكر تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان»، مجدداً تأكيده أن «المجلس الأعلى اللبناني السوري بات من دون ضرورة، ويشكل عبئاً على البلدين، ويجب اعتماد القنوات الدبلوماسية ما دامت سوريا تعترف بسيادة لبنان».
و«يبدو أن التحوّل الاستراتيجي في سوريا أنهى حقبة غير صحّية وملتبسة وكارثية وظلامية من العلاقات اللبنانية - السورية»، على حدّ تعبير الباحث في السياسات العامة زياد الصائغ، الذي أشار إلى أن «نظام الأسد تحكّم في لبنان بتغطية من حلفائه وأتباعه في لبنان وبغطاء دولي، كما تحكّم بميزان هذه العلاقات حتى أصبح الحاكم الفعلي على كل المستويات السياسية والدستورية والقانونية والسيادية (العسكرية - الأمنية) والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التربوية، حتى إنه نخر عظام كثير من المؤسسات الدينية ومرجعياتها».
وشدد الصائغ في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على الحاجة إلى «تطهير وتنزيه من كل موبقات تلك المرحلة السوداء مع مصارحة ومصالحة مع الذات اللبنانية، وبعدها مع الذات السورية حين توضّح صورة المرحلة الانتقالية». أما عن الاتفاقيات اللبنانية - السورية والمجلس الأعلى اللبناني - السوري الذي يشكل أحد تجلياتها، فيجزم الصائغ بأنه «لم يكن يوماً هناك مجلس أعلى لبناني - سوري، بل منصّة استتباع واستزلام وفرض، وبالتالي هذه المنصّة ساقطة أصلاً بفعل الفلسفة والتركيبة التي حكمت قيامها، عدا عن أنها وكما نقول بالعامية تنفيعة».
وفي مؤشر واضح على أن معظم تلك الاتفاقيات بقي حبراً على ورق، يتحدث الوزير نجّار عن تجربة عايشها مع هذه الاتفاقيات، ويضيف: «كنت معنياً بمتابعة موضوع المفقودين قسراً في سوريا، وشكلنا في عام 2009 لجنة لبنانية تضم قاضيين وضابطين أمنيين، وهذه اللجنة عقدت 35 اجتماعاً في جديدة يابوس، ونفى النظام السوري وجود معتقلين لبنانيين لأسباب سياسية وأمنية، لكنه اعترف بوجود سجناء محكومين بقضايا جنائية». وكشف نجار عن
إبرام اتفاق يقضي بنقل الأشخاص اللبنانيين المحكوم عليهم في سوريا لقضاء محكوميتهم بلبنان، «وكان همّنا بالدرجة الأولى إخراجهم من السجون السورية، لكن للأسف بقيت الاتفاقية من دون تنفيذ ورفض النظام السوري تسليمنا السجناء رغم المراجعات المتكررة»، لافتاً إلى «أهمية تمسك لبنان بهذه الاتفاقية كما غيرها من الاتفاقيات الواجب استمرارها، وآخرها واجب تعديلها أو إلغاؤها».