في يوم مشؤوم، هزّ انفجار مدوٍّ العاصمة اللبنانية بيروت، مخلفا وراءه دمارا هائلا، وأثار تساؤلات عديدة حول الفاعل والمستفيد من هذا الحدث المأساوي. بينما لجأ البعض إلى تفسير الحدث من خلال العرافين والخرافات التي تتحدث عن "نبوءات" كارثية، فإن هذا المنظور يعتم على الأبعاد الحقيقية للواقعة، ويبعدنا عن التحليل السياسي العميق الذي يرتكز على فهم القوى المتصارعة في المنطقة، وخاصة دور جهاز الموساد الإسرائيلي في استهداف بيروت كجزء من حربه المستمرة ضد جبهة المقاومة.



بيروت، العاصمة التي كانت شاهدة على صراعات إقليمية ودولية عديدة، أضحت مجددا في قلب المواجهة، لكن بأدوات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر. لم يعد الصراع يعتمد على العمليات العسكرية التقليدية فحسب، بل أصبح المجال السيبراني والتكنولوجي جزءا من حروب الهيمنة والسيطرة. جهاز الموساد الإسرائيلي، المعروف بخبثه واحترافية أساليبه في تنفيذ العمليات السرية واستهداف قوى المقاومة، هو لاعب محوري في هذا السياق، حيث يلجأ إلى التفجيرات، والاختراقات الإلكترونية، والتلاعب الإعلامي كوسائل لزعزعة الاستقرار وإضعاف البنية التحتية للمقاومة.

الترويج للنبوءات والأساطير بعد هذا التفجير ليس مجرد صدفة عابرة، بل هو جزء من الحرب النفسية التي تُشن ضد شعوب المنطقة. حين يتم إغراق الجماهير بخرافات العرافين، يصبح من السهل صرف الأنظار عن الحقائق السياسية التي تكشف عن تورط القوى المعادية للمقاومة. الموساد، الذي يمتلك سجلا طويلا من العمليات السرية في لبنان وسوريا وفلسطين، يتميز بقدرته على استغلال الأزمات وإثارة الفوضى لتحقيق أهدافه الاستراتيجية.

منذ اللحظات الأولى للتفجير، ظهرت موجة من النظريات التي ربطت الحدث بـ"نبوءات" قديمة، مما خلق جوا من الضبابية والتشويش حول طبيعة الحادث وأسبابه الحقيقية. هذه التفسيرات الخرافية ليست بجديدة على المنطقة؛ بل هي أداة قديمة لطالما استخدمتها القوى الاستعمارية في محاولاتها لتمرير أجنداتها بعيدا عن الوعي السياسي الحقيقي. الموساد، الذي يمتلك خبرة واسعة في إدارة الأزمات وزرع الشكوك حول المسؤولين عن الأحداث الكبرى، يسعى دوما إلى خلق بيئة ضبابية تربك الشعوب وتبعدها عن التحليل العلمي للأحداث.

التفجير في بيروت لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من العمليات الاستخباراتية التي استهدفت المقاومة اللبنانية والفلسطينية. على مدار عقود، سعى الموساد دوما إلى استهداف العناصر الأساسية في المقاومة، سواء عبر الاغتيالات المباشرة أو التلاعب بالاقتصاد والسياسة اللبنانية. المقاومة، التي تعتبر بيروت إحدى معاقلها الرئيسية، ظلت على مرمى نيران العدو الإسرائيلي وأدواته الاستخباراتية.

ما حدث في بيروت يمكن تفسيره في إطار الصراع المستمر بين جبهة المقاومة وقوى الاستعمار، التي يمثلها الكيان الصهيوني وأطراف الإمبريالية العالمية. تفجير بهذا الحجم لا يمكن أن يكون وليد الصدفة أو نتيجة إهمال داخلي فحسب؛ بل هو جزء من استراتيجية متكاملة تستهدف ضرب البنية التحتية للمقاومة وتفكيك الروابط الوطنية التي تدعمها. العدو الصهيوني يدرك تماما أن استهداف بيروت، بوصفها عاصمة المقاومة الثقافية والسياسية، يمكن أن يشكل ضربة معنوية كبيرة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.

على الرغم من المحاولات المستمرة لتقديم التفسيرات الخرافية لما حدث، فإن الحقائق تشير إلى وجود خطة مدروسة تستهدف لبنان كجزء من الصراع الإقليمي الأوسع. التفجير، الذي جاء في ظل أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، يتماشى مع المحاولات الصهيونية والإمبريالية لإضعاف لبنان وتحويله إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية. الموساد، الذي له باع طويل في التلاعب بالملفات الأمنية في لبنان، ليس بعيدا عن هذا السياق.

هذه المحاولات لضرب لبنان ليست جديدة. في الماضي، شهدت بيروت سلسلة من العمليات الاستخباراتية والاغتيالات التي نفذها الموساد بهدف إضعاف المقاومة اللبنانية وضرب القيادات التي تشكل تهديدا مباشرا لمشروع الاحتلال الإسرائيلي. العدو الصهيوني يدرك أن قوة المقاومة في لبنان تشكل تهديدا استراتيجيا لمشروعه التوسعي، ولهذا السبب يستخدم كافة الوسائل لتفكيك تلك القوة، سواء عبر التفجيرات أو الحصار الاقتصادي والإعلامي.

لكن المقاومة اللبنانية والفلسطينية، التي خاضت عقودا من الصراع ضد الاحتلال، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات. فقد ركزت المقاومة في السنوات الأخيرة على تطوير قدراتها الأمنية والتكنولوجية لمواجهة العمليات الاستخباراتية التي تستهدفها. المقاومة تدرك تماما أن العدو لا يعتمد فقط على الأسلحة التقليدية، بل يستغل التكنولوجيا الحديثة لاختراق صفوفها وضرب بنيتها.

من هنا، يتضح أن تفجير بيروت ليس مجرد حادث عابر، بل هو جزء من حرب طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف جبهة المقاومة وزعزعة استقرار المنطقة. لكن المقاومة، بفضل وعيها السياسي واستثمارها في التكنولوجيا، قادرة على مواجهة تلك التحديات وكشف المخططات التي تستهدفها. التفجير لن يحقق أهدافه طالما أن المقاومة تمتلك الوعي والإرادة الصلبة لمواجهة كافة المحاولات الصهيونية والإمبريالية لتقويض دورها.

العدو الإسرائيلي، الذي طالما سعى إلى ضرب المقاومة اللبنانية والفلسطينية عبر الموساد، يعلم أن عملياته الاستخباراتية لن تمر دون مقاومة. تجربة المقاومة الطويلة في التصدي لأساليب العدو واستراتيجياته جعلتها أكثر يقظة وقدرة على مواجهة التحديات. الالتزام بحماية الشعوب والدفاع عن حقوقها في التحرر والسيادة يشكل ركيزة أساسية في استراتيجية المقاومة.

في الختام، يشكل تفجير بيروت حلقة جديدة في سلسلة المحاولات الصهيونية لإضعاف المقاومة وزعزعة استقرار المنطقة. لكن هذه المحاولات ستظل تصطدم بجبهة مقاومة واعية وصلبة، تملك من القوة والإرادة ما يكفي للتصدي لكل المؤامرات التي تستهدفها. المقاومة، التي تتسلح بالوعي السياسي العميق، تدرك أن معركتها مع العدو لن تُحسم إلا بالتفوق في ميدان الحرب السيبرانية والتكنولوجية، إلى جانب الصمود العسكري.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات اللبنانية الإسرائيلي المقاومة لبنان إسرائيل المقاومة بيروت تفجير مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة اللبنانیة فی لبنان

إقرأ أيضاً:

هل يفجر نتنياهو صفقة التبادل‎؟

كان لا بد أن يتنازل العدو لإتمام الصفقة على الأقل في مرحلتها الأولى لأنه لم يذهب إليها إرضاء ترامب!! ولا حتى إرضاء لأسر الأسرى لدى المقاومة!! فهؤلاء ظلوا يتظاهرون لمدة 14 شهرا دون أن يأبه لهم أحد؛ في البداية كان التظاهر مسموحا لهم فقط دون غيرهم وكان نتنياهو يتهرب منهم ويرفض أن يقابلهم رغم إلحاحهم المستمر، ثم بدأ يشكل مجموعات مناهضة لهم من أسر الجنود القتلى ليبدو الأمر أن هناك مجموعتين إحداهما تريد استمرار الحرب والأخرى تطالب بوقفها، ولا مانع من افتعال شجار بين المجموعتين.

ويبقى السؤال: لماذا وافق على الصفقة إذن؟ ولماذا يحاول تخريبها الآن؟

وافق نتنياهو على الصفقة لأنه أدرك أن جيشه لن يستطيع الحسم وأن خسائره تزداد، وكان الشهر الأخير برهانا على ذلك حيث كانت الخسائر الأكبر في بيت لاهيا وبيت حانون المجاورتين للسياج الفاصل بين غزة والعدو، وهي المناطق التي دخلها في اليوم الأول للحرب البرية.

استطاعت المقاومة أن تضع العدو في حالة استنزاف مستمر ولهذا تنازل نتنياهو عن كل شروطه المسبقة ولحفظ ماء وجهه رفض أن تكون الصفقة على مرحلة واحدة، وهذا ما استثمرته المقاومة في عمليات التبادل الخمس لينتظر الفلسطينيون والعرب والمسلمون بل وكل العالم كل يوم سبت ليروا ماذا ستقدم الكتائب من جديد.

أما لماذا يحاول تخريبها الآن؟ فلهذا أسبابه: جريا على طبيعة العدو من الغدر وعدم الوفاء والتملص من العهود وليعلن لأتباعه أنه ما زال قويا، وليجس نبض المقاومة. وهناك سبب أساسي آخر لكي ينشغل الجميع بإتمام الصفقة وتنصرف الأنظار عن الضفة والإجرام الذي يمارسه فيها جيشه وقطعان المستوطنين.

ولكن الضفة الغربية قادرة كما غزة على الوقوف والصمود، بل وكشف ضعف هذا الجيش الذي لا يدخل جنوده أي معركة إلا من أجل الهدم والتخريب ثم من أجل عدم الوقوع في الأسر.

ولهذا نردد دائما قول الله تعالى: "وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون".

مقالات مشابهة

  • هل يفجر نتنياهو صفقة التبادل‎؟
  • فيّاض: نرفض وندين السياسات المشبوهة التي ترضخ لإملاءات الخارج
  • حزب الله يطالب الدولة اللبنانية بالتراجع عن منع الطائرات الايرانية من الهبوط في مطار بيروت    
  • حزب الله يدعو الحكومة اللبنانية لإلغاء قرار منع الطائرات الإيرانية في بيروت
  • المملكة تعرب عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن مواطنيها
  • رئيس الحكومة اللبنانية: سلامة مطار بيروت فوق كل اعتبار والأجهزة الأمنية ستتصدى لأي محاولة لغلق الطرق
  • شاهد | الحكومة اللبنانية تخضع لإملاءات العدو الصهيوني
  • رئيس الحكومة اللبنانية: لن نتسامح في الإخلال بأمن مطار بيروت
  • تظاهرة حاشدة في بيروت استنكاراً للتدخل الإسرائيلي واستباحة السيادة اللبنانية
  • ما هي رسائل المقاومة التي ظهرت على منصة التسليم ؟