واحدة من 3 مدن تشكل مجتمعة العاصمة السودانية، وتطل على النيل، وتعد من أهم المراكز الحضرية في السودان، وارتبطت نشأتها وتطورها بالدولة المهدية التي حكمت البلاد في نهاية القرن 19، وشكلت مركزا رمزيا وثقافيا للسودان، وشهدت انبعاث الحركات السياسية المناهضة للاستعمار.

الموقع والمناخ

مدينة أم درمان -وقد تكتب "أمدرمان"، وتسمى أحيانا اختصارا "أم در"- تقع على الشاطئ الغربي لنهر النيل (وسط السودان)، وهي أحد 3 أقطاب عمرانية: أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، وتشكل جميعها العاصمة القومية للسودان، وأكبر تجمع حضري وسكاني في البلاد.

تقع المدينة على سهل رسوبي تتخلله وديان وخيران (جمع خور) عديدة تصب في النهر، وتتميز أراضيه بالانبساط مع انحدار إلى الشرق مما يوفر تصريفا جيدا، مع وجود مرتفعات محدودة.

يسود المدينة مناخ صحراوي يتميز بصيف حار وجاف مع أجواء غائمة جزئيا، وبشتاء قصير ودافئ وجاف يتخلله هبوب الرياح، وتكون السماء فيه صافية في أغلب الأوقات.

ويناهز المعدل السنوي لدرجة الحرارة 29 درجة مئوية، ويبلغ معدل درجة الحرارة الدنيا 23 مئوية والقصوى 35 مئوية، وفق البيانات المناخية المسجلة بين 1991 و2021، ونادرا ما ترتفع درجات الحرارة على 43 أو تقل عن 13 درجة مئوية.

وتهطل الأمطار قليلا على المدينة، ويناهز معدلها السنوي 60 مليمترا، لا سيما في أغسطس/آب؛ إذ يصل معدلها في هذا الشهر إلى 24 مليمترا.

الشيخ حامد النيل كان في القرن 19 زعيما صوفيا للطريقة القادرية المنتشرة بمناطق السودان وبينها أم درمان (غيتي) السكان

ناهز عدد سكان أم درمان 2.52 مليون نسمة عام 2007، وفقا لمعطيات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، في حين أشار باحثون من جامعة النيلين والمركز القومي للبحوث في دراسة عام 2014 إلى أن عدد سكان المدينة بلغ 3.1 ملايين نسمة.

ويكشف تتبع البيانات الإحصائية عن تقلبات عديدة في أعداد السكان التي لم تكن تتعدى 150 ألفا عام 1890. وأثرت في المدينة عوامل مختلفة؛ مثل دورات الجفاف وأحداث المجاعة والسياسات الاستعمارية والهجرات التي أعقبت الاستقلال، لكن الثابت فيها كان النمو المضطرد لأعداد السكان.

وتحولت المدينة في نهاية القرن 19 من قرية صغيرة إلى مركز قومي، بسبب الأهمية الرمزية التي اكتسبتها والهجرات التي وصلت إليها من الأرياف، إضافة إلى النمو السكاني.

واتبعت الدولة المهدية سياسة نشطة لتوطين السكان من مختلف ربوع السودان في المدينة بدافع "الهجرة" وتقديم البيعة، وأسهم ذلك في انصهار مختلف مكونات السودان فيها واحتضانها ظهور القومية السودانية وانطلاق شرارة الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال منها.

التاريخ

تشير بعض الدلائل الأركيولوجية إلى وجود آثار لعمليات استيطان بشري في موقع أم درمان تعود إلى العصر الحجري الحديث (9000 إلى 4500 قبل الميلاد).

وتتداول بعض المرويات الشفهية أن موقع المدينة كان موطنا لشعب العنج، كما يقول شعب الدينقا إن أسلافهم سكنوا في المنطقة ذاتها في عصور سحيقة.

مشهد جوي لمدينة أم درمان التقط في 21 أبريل/نيسان 2023 (رويترز)

أما أول استقرار بشري حديث فيتمثل في المدرسة القرآنية التي أقامها الشيخ حمد ود أم مريوم المتوفى عام 1730، الذي انتقل إلى المنطقة من جزيرة توتي وأنشأ خلوة (مدرسة قرآنية) ضمت طلابه واستقطبت عددا من السكان حولها، ضمن نمط عمراني شائع في القرى حول النيل.

وورد ذكر المدينة على أقلام الرحالة في القرنين 18 و19، حيث يرجح أنها كانت مأهولة في النصف الثاني من القرن 19، وتضم سوقا وعددا من نقاط المياه التي تجذب ملاك الإبل في المنطقة للتزود بالمياه.

لكن أول منشأة كبيرة في المدينة تعود إلى عام 1883 حين أقام البريطانيون معسكرا ضم قوات حملتهم الاستعمارية التي تزعمها وليام هيك باشا، التي أبادها الثوار المهديون نهاية العام نفسه في معركة الأُبيّض في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 1883.

وضمت أم درمان كذلك حامية مهمة للبريطانيين مع وصول الجنرال تشارلز غردون عام 1884، الذي أراد أن يجعل منها نقطة لحماية الخرطوم من الغرب. وسيطر الثوار المهديون مطلع يناير/كانون الثاني 1885 على هذه الحامية بعد استسلامها، وذلك قبيل السيطرة على الخرطوم نفسها، بعد حصار خانق، في 26 من الشهر نفسه.

وشكل انتصار الحركة المهدية بداية تحول المدينة من قرية على ضفة النيل إلى مدينة، حيث أطلق عليها زعيم الثورة المهدية محمد أحمد بن السيد عبد الله اسم "البُقعة" واستقرت فيها قيادة الثورة، لكن من دون تحول عمراني يذكر في البداية.

وبعد وفاة المهدي المفاجئة منتصف 1885 دفن فيها، مما أكسبها رمزية روحية وأهمية خاصة لدى أتباعه.

اختار خليفة المهدي عبد الله بن محمد التعايشي أم درمان عاصمة للدولة المهدية، حيث توسعت بسرعة وكانت أبنيتها من الطين، لتصبح خلال عامين أكبر مدينة في السودان مع تشجيع الدولة على الهجرة إليها.

كان موقع المدينة يوفر ميزات أفضل من حيث المناخ ونقل البضائع بسبب إطلالتها على النيلين، إضافة إلى مزايا عسكرية، مثل توفرها على عمق بري غرب النيل يسمح بالانحياز إليه عند الحاجة. لكن العامل الذي كان حاسما في اختيارها -على الأغلب- ارتباطها بقائد الأنصار (لفظ يطلق على أتباع الطريقة المهدية) وضريحه الذي تضمه.

وبحلول عام 1898، سيطرت القوات الإنجليزية والمصرية على أم درمان بقيادة الجنرال هربرت كيتشنر، لكن المدينة حافظت -بعد انفراط عقد الدولة المهدية- على مكانتها بصفتها مركزا روحيا وتجاريا وثقافيا للسودان.

وكما أثرت المدينة في السودان، تأثرت بدورها بمختلف الأحداث والاضطرابات التي مرت بها البلاد. وتعرضت المدينة لدمار واسع، وشهدت حركة نزوح بسبب القتال الذي اندلع في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

الاقتصاد

شكلت أم درمان نقطة وصل على الطرق التجارية بين ملتقى النيلين الأبيض والأزرق ومناطق الأُبيّض ودارفور في الغرب وسنار في الشرق ودنقلا في الشمال، وشهدت ازدهارا اقتصاديا في فترات عديدة، لا سيما التجارة التقليدية والحرف اليدوية.

عمال يغسلون الأسماك على ضفة نهر النيل قبل نقلها للبيع في سوق الموردة في أم درمان (رويترز)

ويضم سوقها -الذي يعد من أكبر الأسواق وأقدمها في البلاد- مختلف المصنوعات التقليدية واليدوية والتحف والهدايا، ويعد السوق نفسه من معالم المدينة ويضم سوقا خاصا بالنساء، ويحافظ على مكونات تاريخية فيه، كسوق الأقباط وشارعي الهنود والشوام.

أما اليوم فتضم المدينة عددا من الصناعات الحديثة، ويوجد بها المئات من المصانع في مختلف الصناعات، وفق بيانات رسمية تعود لعام 2017.

وتتصدر هذه الأنشطة الصناعات الغذائية ومواد البناء والتغليف والصناعة الكيميائية وصناعات الجلود، إضافة إلى النسيج والصناعات الخشبية والأثاث المنزلي، وصناعات أخف كالمواد الاستهلاكية من صابون وزيوت وحلويات.

المعالم

تضم المدينة عددا من المعالم ذات الأهمية التاريخية، ومن أبرزها منزل الخليفة عبد الله التعايشي، ويضم متحفا يعرض فيه نحو 2000 قطعة من المقتنيات النادرة التي تعود لفترات مختلفة من تاريخ السودان، لا سيما في عهد الدولة المهدية، إضافة إلى مقتنيات تركية ومصرية وإنجليزية.

ويوجد في المدينة جامع الخليفة وساحته، ويعد موقعا أثريا مهما، رغم تعثر محاولات تحديثه وتطويره. وكانت ساحة الجامع تشهد إقامة الصلوات وتحتضن التجمعات الكبرى، وتمثل شاهدا على الحياة الاجتماعية والدينية النشطة في المدينة.

وتمثل قبة المهدي أحد أبرز المعالم التاريخية، وبها ضريح مؤسس الدولة المهدية، الذي دُفن إلى جانبه عدد من أحفاده، ومنهم زعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي. كما تحتضن المدينة مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون والمسرح القومي ودار اتحاد الفنانين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی السودان فی المدینة إضافة إلى أم درمان

إقرأ أيضاً:

سيرة مسيرة نضال للمناضل القومي غازي مرار

طفل بين يديّ ملك يستمع له واقفا في وسط الخيمة، بحنان الأب، وهو يضع يديه على كتف الطفل المنشد لأبيات من الشعر، الذي اختير من ضمن محفوظاته، حيث تم اختيار أبيات "ذات مغزى سياسي". كان ذلك في شتاء عام 1948، أو قبل ذلك بعام.

ترى كيف كان قلب ذلك الطفل وهو من يرقص قلبه للقاء معلميه؟ لربما كان اللقاء أحد مفاتيح التكوين لهذه الشخصية التي عرفها الكثيرون فلسطينيين وعربا وغير عرب أيضا من المناضلين الأمميين.

كانت للطفل فرصة لمرافقة والده أحد قادة العمل الوطني في القدس، الذي من خلال وعيه كوّن علاقات طيبة مع ضباط من الجيش العربي الأردني، فكان الطفل يستمع لتلك الأحاديث السياسية على جبال القدس المطلة على الساحل، فبدأ الوعي الوطني والقومي يتسرب إليه، لا ليؤثر على شخصيته فقط، بل على مصيره كونه ارتبط في حياته الخاصة مع حياة وطنه وأمته.

طفل يبدأ حياته بلقاء ملك منفردين في خيمة أعلى جبال القدس، فيكتسب الحضور، والوقوف أمام جماهير قرى القدس الغربية، ثم ليقف أمام جماهير متنوعة في أماكن أخرة وأزمنة أخرى، ما يدل على وجود طاقة داخله عززتها الظروف التي وجد نفسه فيها.

يجتاز الطفل عقد الأربعينيات بمأساة حرب عام 1948، التي تكون نكبة شعبه نتيجتها، ليصير فتى في الخمسينيات، خلال ذلك ينتمي الفتى للأحزاب القرمية في القدس، ثم ليدخل رحلة جديدة من خلال سفره الى مصر آخر الخمسينيات، التي يكون زعيمها في ذلك الوقت قد ألهم الفني والملايين، فيواصل الشاب حياته ولكن هذه المرة من القاهرة عن قرب، فيكون أحد هؤلاء الشباب الذين عاشوا فترة المد القومي، منذ أول الشباب مع العدوان الثلاثي على مصر، فتكون حقبة الستينيات غنية، ولا ينتهي وهجها لا بهزيمة عام 1967، ولا برحيل ناصر بعد ذلك بثلاث سنوات.

تلك مسيرته، في كتابه الذي حمل "مسيرة نضال" الصادر حديثا، والتي شكلت سيرته ثلثي الكتاب، بتركيز على المسيرة النضالية الوطنية بامتداداتها القومية، ومسيرة الحياة الشخصية والاجتماعية.

ولربما يجذبنا هنا، في ظل هكذا سيرة، الحياة الشخصية للكاتب، تلك الحياة الممتزجة بالوطن، بالاستناد الى مراحل عمره، ومراحل القضية الفلسطينية والقضايا القومية. لقد كان الحديث عن تكوينه الأول كطفل وفتى وشاب، في قريته مسقط رأسه، بيت دقو، شمال غرب القدس، وانتقاله إلى شعفاط وبيت حنينا للدراسة الإعدادية والثانوية، في ظروف حياة صعبة، حيث سنجد أنفسنا نرافقه في رحلته راكبا على الدابة في يوم شتوي من القرية الى بيت حنينا قرب القدس. في حديثه عن قريته يستعيد أجمل ما عاشه في قريته، التي اضطر أن يبتعد عنها في سنوات النضال بعد هزيمة عام 1967، والتحاقه بالعمل الوطني المقاوم.

يخصص الكاتب صفحات عن الحياة السياسية في الضفة الغربية، التي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، فنقرا عما كان يضطرب فيها من حراكات قومية، ومظاهرات، ويلفت نظرنا حادثة استشهاد رجاء أبو عماشة في المظاهرات التي انطلقت ضد حلف بغداد.

تقوده خطاه الى سوريا، ليتعرض للاعتقال السياسي، ولكن يفلح في الحصول على جواز سفر، ليسافر من مطار القدس، الى القاهرة، تبدأ هناك رحلة الدراسة الجامعية، ليواصل نشاطه القومي باللقاء مع شخصيات فلسطينية في القاهرة مثل عبد الله الريماوي، الذي يكون أحد أهم الشخصيات المؤثرة في حياته. والذي يفرد له ولعدد من الشخصيات صفحات خاصة لهم من بينهم عبد الجبار الأشقر، الذي تخفى في زي ريفيّ في بيت حنينا مطاردا سياسيا.

وبالرغم من تناوله عدة شخصيات مؤثرة، مثل والده المناضل فخري إسماعيل مرار، ومعلمه زهدي الخطيب، والدكتور أحمد صدقي الدجاني، إلا أن الشخصية الأكثر تأثيرا عليه كانت، شخصية عبد الناصر، الذي كان له حضور كبير في الكتاب من البداية الى النهاية.

شكلت شخصية جمال عبد الناصر، قائد ثورة يوليو عام 1952، والتي سمع بها طفلا، ابن 14 عاما، أحد أهم الشخصيات التي تشكلت حياته الفكرية والوطنية والقومية من خلالها وعلى ضوء وجودها الفاعل، مثله مثل الملايين، باختلاف أنه ظل متأثرا بها وهو في ثمانينيات العمر.

يبدو أن مصاحبة الطفل لوالده وهو يتفقد المناضلين القرويين على خط التماس مع مراكز عصابات الصهاينة، واستماعه لعدد من الضباط الأردنيين الوطنيين، عمقت لديه ما نعلمه من مشاعر قومية، خاصة فيما يتعلق بالمسؤولية العربية والتضامن العربي مع فلسطين التي تعرضت للاحتلال البريطاني والهجرات الصهيونية، التي خلقت لها عصابات مسلحة قوية صارت تغير على الفلسطينيين. في هذا السياق، ومع هزيمة عام 1948، واتحاد الضفة الغربية، مع الأردن الشقيق، بدءا من عام 1950، أصبحت المملكة مركزا لعدد من الحركات القومية شبه المعارضة، خاصة حزب البعث العربي، الذي انتمى له غازي فخري، وواصل نشاطه فيه حين التحق بالجامعات المصرية بدءا من عام 1960. لقد تكونت لدى الشاب قناعة بأن تحرير فلسطين هي مسؤولية قومية، يشكل الفلسطينيون فيه رأس الحربة. وهذا ما يفسّر ارتباط العمل الوطني في حياته بالعمل القومي، الذي استمر تنظيميا حتى عام 1978، حيث أصبح بعد ذلك من خلال نشاطاته القومية.

يستعرض الكاتب عودته الى القدس، عامي 1964 حيث يكون ضمن طاقم أحمد الشقيري، فيساهم وهو في مقتبل العمر في تأسيس منظمة التحرير، ليصبح عضوا في المجلس الوطني بعد عام، كذلك حين يكون ضمن ندوة فلسطين العالمية عام 1966، حيث يستقبل جلالة الملك حسين هذا الحشد في أحد فنادق القدس، في هذا السياق لا تتم مساءلته سياسيا، حيث تم غض البصر عنه وعن مناضلين آخرين. إن إيراد لأسماء مناضلين عالميين يدل على الذاكرة من جهة، وعلى العمل الثوري الذي ضم مناصرين فلسطين من طلبة العالم.

لعل من المهم هنا، وبعد 6 عقود من العمل الوطني-القومي، هو عن مكونات وظواهر الحركة القومية ومآلاتها.

كان الكاتب أمينا في توثيق اختلافات القوميين وخلافات الفصائل الوطنية، والعمل في الطليعة العربية، منذ أواسط الستينات إلى آخر السبعينات، ثم خفوتها في الثمانينيات. تحدث الكاتب هنا كشاهد قريب ومشارك في الحركة القومية التي اتخذت من مصر مقرا لها. والحقيقة أننا هنا أمام محاججة لم يقف الكاتب عندها بالتفسير والتوضيح، وهي ما تعلق بالحركة القومية من ناحية، والحركة القومية المرتبطة بالمد القومي في مصر، ما أثار خلافات جاء على ذكرها الكاتب عند حديثه عن تنظيمات فلسطينية ذات امتداد قومي، قوبلت بعدم رضا من فصائل عمل وطني، كفتح والجبهة الشعبية، حيث سرعان ما خفتت وانتهت، بالرغم من وجود فرص لالتحاق القوميين العرب بها بعد عام 1967,

في تلك الأنحاء، كان قد تم ترتيب لقاء لقادة قوميين فلسطينيين للقاء الرئيس عبد الناصر في اليوم الذي رحل فيه، والذي كان يمكن أن يشكل دائرة مهمة من لقاء ملك طفلا الى لقاء أكبر زعيم عربي، متذكرين لقاءه مع الرئيس العراقي عبد السلام عارف في بغداد ضمن وفد وطني.

بالرغم من المآلات التي وجدت الحركة القومية فيها، من المد الى الجزر، فقد وضع الكاتب هنا نتائج المد القومي، مثل وجود أحزاب قومية في مصر ولبنان وسوريا واليمن والسودان والعراق وموريتانيا، كما يشير الى نتاج الحركة القومية، مثل تأسيس مؤسسات سياسية وبحثية وثقافية، مثل رابطة الطلبة العرب، مركز دراسات الوحدة العربية، المؤتمر القومي، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمنتدى العربي في الأردن.

لقد اختار الكاتب التفرغ للعمل الوطني، حيث عاد الى منظمة التحرير، مديرا للمجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم، ومستشارا ثقافيا، كذلك تم تكليفه للعمل في هيئات عربية مثل الطاقة العربية، وكان له علاقة مع الرئيس عرفات من خلال الاتصال بشخصيات وطنية من فلسطين المحتلة.

لقد شدنا الكتاب في توثيق العمل الوطني حتى قيام السلطة الوطنية، حيث دخلت فلسطين تحولات جديدة، ساهم فيها المناضل في العمل الثقافي والتعليمي من خلال وجوده في سفارة فلسطين في القاهرة. ولنا أن نذكر له عمله المميز في تسهيل التحاق طلاب فلسطين في الجامعات المصرية على مدار عقود.

من الدوائر الجميلة لقاؤه بشخصيات وطنية التقاها وهو طفل، مثل "سعيد شقير" رفيق والده الذي التقاه طفلا ثم التقاه في أمريكا للاتينية. كذلك "أبو فراس" الذي كان مجايله يلعبان معا في القدس، لما كان بين والديهما من علاقة. كذلك مشاركته في ندوة فلسطين العالمية 1965، حيث راح يتذكر إقامته في البلدة القديمة بالقدس وبالطبع دراسته في بيت حنينا، والتي حين مرّ منها زائرا بيت دقو، قريتاه، مع زوجته المصرية، مرّ عنه شريط ذكرياته، وهو أسرته يعيشون هناك أيام المدرسة، ولربما تذكر رحلة التنقل الصعبة شتاء بين القدس والقرية.

وحين عاد بعد "اتفاقية أوسلو" إلى فلسطين، ومر من بدو، القرية القريبة، لعله تذكر لقاءه طفلا مع الملك عبد الله بن الحسين. يتذكر الطفل الذي كأنه حين خرج من خيمة الملك في يوم شتويّ بارد برياح قوية، ليجد الضباط خارج الخيمة ينتظرون رد فعل الملك على ما سمع من شعر، ليخبرهم بجملة الملك: "قول لمعلمك "بكفي ضرب كرابيج". الآن، لربما يفكر الستيني بعبارة الملك العقلانية التي حملت عمقا لم نكن جميعا قد فهمناه.

260 صفحة، مثلت السيرة حوالي 155 صفحة، فيما اشتمل الجزء الأخير على معلومات ومواقف وآراء، ربما كان من الممكن جعلها في كتاب آخر، كونها تشكل هوية كتابية أخرى تختلف عما تضمنه ثلثا الكتاب لقد كان للصور العائلية والعامة دور جميل في التعريف بشخصيات الكتاب، والتي اشتملت شخصيات الأقرباء والعائلة وشخصيات وطنية وقومية عامة، شكلت 30 صفحة.

شكلت السيرة الشخصية جذبا للقارئ، وإن يمكن أن تتسع أكثر من ذلك، لتربط المصير الشخصي بالمصيرين الوطني والقومي.

وأخيرا شكل الكتاب وثيقة وطنية وقومية أوفى فيها كل ذي حق حقه بلغة مهذبة تعكس شخصيته الجميلة، بدون تجن أو تصفية حسابات.

طفلا كان بين يدي ملك، وشابا كان يمكن أن يكون بين يدي زعيم العروبة الذي رحل في موعد اللقاء، والذي كان يمكن أن يضم صفحات لم تكتب.

* صدر الكتاب عن دار الكتابة تجمعنا-الإسكندرية 2024.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يحدث في العالم ؟
  • التجارة الداخلية: إنشاء مركز متميز لخدمات السجل التجاري بالبحر الأحمر
  • سيرة مسيرة نضال للمناضل القومي غازي مرار
  • الكثير من الفظاعات التي مارسها الجنجويد في السودان مارسها اهل الخليج ضد اقرب الاقربين (1)
  • السودان الجديد الذي يسوق له “دقلو” هو ارض جدباء بلا سكان ولا بنى تحتية
  • ما أهمية معسكر طيبة الذي استعاده الجيش السوداني من الدعم السريع؟
  • المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان
  • شبكة أطباء السودان: مقتل أكثر من 100 ألف شخص في قرى الجموعية جنوب أم درمان
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان
  • قنصل السودان بأسوان: الأعداد الكبيرة وراء تأخر حافلات عودة السودانيين