ماذا وراء المشروع العائلي لترامب للعملات المشفرة؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
ناقشت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية ما وراء إعلان عائلة ترامب الدخول إلى عالم العملات المشفرة، من خلال مشروع خاص بهم، أطلقوا عليه "وورلد ليبرتي فاينانشال".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن هذا المشروع يدعمه أبناء ترامب الثلاثة، حيث أن بارون، البالغ من العمر 18 سنة، يُعتبر "صاحب الرؤية" للمشروع، إلا أن التركيز الأكبر يقع على الجهود التسويقية التي يقوم بها الأخوان الأكبر من دونالد جونيور وإريك.
ووصف دونالد جونيور المشروع، في بث مباشر على شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" ليلة الاثنين، بأنه "بداية ثورة مالية". بينما أشار إريك إلى أن المشروع سيتحدي قوة البنوك التقليدية الكبرى من خلال جعل العملات الرقمية أكثر سهولة وملاءمة للأمريكيين العاديين، مثل تجربة الإقامة في أحد فنادق عائلة ترامب الشهيرة.
وقال إريك: "إذا كان هناك شيء واحد أود أن أقدمه لعالم العملات الرقمية، فهو جعلها سهلة الاستخدام. إن من الأفضل لنا أن نتبنى [العملات الرقمية] كدولة، لأنها قادمة. أما الأشخاص الذين يتجاهلونها - أولئك الذين لا يرغبون في اكتشافها أو بذل الجهد - فسيتخلفون عن الركب".
وأوضحت الصحيفة أن خبراء التشفير متشككون في أن عائلة ترامب ستحمي مستخدميها من المحتالين والقراصنة الموجودين بكثرة في عالم العملات الرقمية، ويأتي ذلك في وقت يواجه فيه دونالد ترامب وأبناؤه الأكبر سناً دعوى مدنية في نيويورك تطالبهم بدفع 454 مليون دولار في قضايا تتعلق بالاحتيال المالي.
يقول زاك هاميلتون، وهو رأسمالي مغامر في مجال العملات الرقمية ومؤسس شركة "كاش ليغل" لتخزين المستندات التي تعمل بالعملات الرقمية: "هناك عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جمعوا مليارات الدولارات، وجميعهم يحاولون حل مشكلة جعل معاملات العملات الرقمية بنفس سهولة معاملات بطاقات الائتمان".
وأضاف: "إنها مشكلة يصعب حلها... لا أريد التكهن بشأن نجاحهم من عدمه، لأن المشروع لم يتحقق بعد. ربما لديهم خلطة سرية؛ لكنني أشك في ذلك".
نظام لامركزي
تتابع الصحيفة أن دونالد الابن قرر دخول عالم العملات الرقمية و"التمويل اللامركزي" عندما سحبت البنوك التقليدية تمويلها من عائلة ترامب بسبب المشاكل السياسية.
وقال دونالد جونيور في هذا السياق: "لقد تحولنا من كوننا النخبة في هذا العالم إلى مرحلة إلغاء العملة تمامًا، وقد غيّر ذلك منظورنا كثيرًا. وعندما تنظر حقًا إلى الطريقة التي أسس بها آباؤنا المؤسسون كل شيء، أعتقد أن "التمويل اللامركزي" هو ما كانوا يتصورونه - وليس نظامًا بيروقراطيًا معطلا، حيث يحصل مجموعة من الوسطاء على حصص مقابل عدم القيام بأي شيء".
واعتبرت الصحيفة أن هذه التصريحات وغيرها من تصريحات المشاركين في مشروع "وورلد ليبرتي فاينانشال"، ومسودة الوثائق المسربة التي حصل عليها موقع "كوين ديسك" المختص في أخبار العملات الرقمية، تشير إلى أن "وورلد ليبرتي فاينانشال" تريد بناء نظام لامركزي للاقتراض والإقراض بالعملات الرقمية.
في نظام التمويل التقليدي، يتم تنفيذ المعاملات والتحقق منها بواسطة عدد محدود من المؤسسات القوية، مثل البنوك وشركات بطاقات الائتمان. فعندما تقوم بإرسال أموال تقليدية، عبر الحدود، لا يحدث فعليًا نقل للعملة، بل تتفق المؤسسات المرسلة والمستقبلة على تعديل سجلاتها لتعكس ما تملكه كل منها وأين توجد تلك الأرصدة.
أما العملات الرقمية، مثل البيتكوين والإيثيريوم، فهي تتميز بأنها تعمل من خلال شبكات برمجيات منتشرة على العديد من أجهزة الكمبيوتر حول العالم، وهذه الشبكات تعمل معًا بشكل جماعي لتنفيذ المعاملات، حيث تقوم كل منها بالتحقق من هوية الأخرى ومراجعة حساباتها.
هذا يعني، من الناحية النظرية، أنه لا يمكن لأي وكيل حكومي أو موظف بنكي إلغاء أو منع أي معاملة تتعلق بالعملات الرقمية. والاستثناء الرئيسي هي بورصات العملات الرقمية مثل كوين بيز وبايننس، التي تسمح بتحويل الأموال الورقية إلى عملات رقمية والعكس، والتي يتعين عليها الالتزام بالقوانين المصرفية في معظم الاقتصادات الكبرى.
وفقًا لزاك هاميلتون، فإن شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" قد لا تتجه نحو إنشاء بورصة، لأن ذلك يعد أمرًا مكلفًا وصعبًا. بدلاً من ذلك، يعتقد هاميلتون أنهم قد يقومون بتعديل بروتوكول إقراض العملات الرقمية الحالي، مثل "آفي"، الذي يعتمد على "عقود ذكية" ذاتية التنفيذ لإجراء القروض وتحصيلها دون الحاجة إلى أي إشراف بشري.
ويقول غاريث رودس، المحامي المالي ومنظم السوق السابق في نيويورك، والذي يقدم حاليًا المشورة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية: "هناك العديد من منصات الاقتراض والإقراض في مجال "التمويل اللامركزي" التي تعمل منذ سنوات في مجال العملات الرقمية، والتي أنشأتها فرق محترمة للغاية، حيث أثبتت العقود الذكية والتكنولوجيا قوتها وشعبيتها". ويضيف: "السؤال المفتوح هو ما الذي ستضيفه وورلد ليبرتي فاينانشال من حيث تجربة المستخدم أو القدرات التكنولوجية".
بوادر غير مشجعة
ترى الصحيفة أن سجل فريق "وورلد ليبرتي فاينانشال" لا يبدو مشجعًا، فرغم أن ترامب وأبناءه الثلاثة حصلوا على مسميات وظيفية في المسودة التي حصلت عليها "كوين ديسك"، إلا أن أنهم لن يمتلكوا أو يديروا "وورلد ليبرتي فاينانشال"، لكن قد يحصلون على منافع مالية منها فحسب.
يبدو أن المديرين الحقيقيين هما هيرو ورجل أعمال آخر يُدعى زاكاري فولكمان، وكلاهما مدرج في القائمة، وهما معروفان بنظام إقراض سابق لشركة "دي فاي" يُطلق عليه "دوف فاينانس"، والذي تم اختراقه بعد جذب بضعة ملايين من الدولارات من المعاملات في تموز/ يوليو الماضي.
ووفقًا لملف شخصي نشرته بلومبرغ نيوز، فإن هيرو جنى أمواله من خلال سلسلة من مخططات التسويق والتدريب عبر الإنترنت، والتي يبدو أن بعضها ينتهك قواعد الإعلانات على فيسبوك، في حين أن فولكمان يعمل في مجال "الإغراء" حيث كان يدير سلسلة ندوات بعنوان "مواعدة الفتيات الأكثر إثارة".
ويقول هاميلتون إن شركة وورلد ليبرتي فاينانشال لديها ميزة واحدة جيدة، وهو أن إنشاء بروتوكول إقراض مثل "آيف" هو الجزء السهل؛ حيث يمكن القيام بذلك في فترة وجيزة من أي مكان حول العالم. لكن الشيء الأصعب حسب رأيه هو جلب عدد كافٍ من الناس والأموال لتوفير مستوى السيولة.
مخاطر القرصنة
يتابع هاميلتون: "الشيء الوحيد الذي تمتلكه منظمة ترامب هو صيتها في العالم، وأي شيء يفعله هؤلاء الأشخاص سيتم تغطيته بشكل مكثف من قبل وسائل الإعلام. عليك أن تلفت أنظار الناس إلى ما تفعله، وعليك إقناعهم بنقل الأموال".
لكن هذا لا يمثل -وفقا للصحيفة- نصف التحدي الذي تواجهه شركة وورلد ليبرتي فاينانشال، فبعد أقل من 24 ساعة من البث المباشر الذي ظهر فيه دونالد جونيور، نشر محامي التشفير والخبير الأمني ألكسندر أوربليس قائمة بما لا يقل عن 41 نطاقًا مزيفًا على شبكة الإنترنت تحاكي عنوان وورلد ليبرتي فاينانشال.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم اختراق حسابات ابنة دونالد ترامب تيفاني، وزوجة ابنه إريك، من قبل قراصنة الإنترنت الذين يروجون لمجموعة وهمية على تيليغرام لشركة وورلد ليبرتي فاينانشال؛ حيث عرضوا ما يصل إلى 15,000 دولار من العملات الرقمية الوهمية لأي شخص يربط محفظة عملات رقمية بخدمتهم.
تؤكد هذه الخدع على مدى تفشي عمليات الاحتيال والسرقة في نظام العملات الرقمية، وقد تضخمت الخسائر التي تم الإبلاغ عنها لمكتب التحقيقات الفيدرالي من حوالي 4 مليارات دولار إلى ما يقرب من 6 مليارات دولار بين سنتي 2022 و2023.
وبحسب ريتش ساندرز، وهو محقق مستقل في جرائم التشفير، فإن صناعة العملات المشفرة ليست صادقة، سواء مع الحكومة أو عامة الناس، بشأن حجم الجرائم الإلكترونية.
وتؤكد الصحيفة أن القراصنة يفضلون العملات الرقمية لأنها تتخطى الوسطاء التقليديين، فالمعاملات غير قابلة للإلغاء، وعادةً ما تكون غير قابلة للحظر، وغالباً ما يتطلب التداول الآمن دهاءً تقنيًا كبيرًا، وباستثناء خدمات "الحفظ الأمين" التي تحتفظ بالعملات الرقمية نيابةً عنك مثل البنوك التقليدية، لن ينقذك أحد إذا ارتكبت خطأ أو وقعت في عملية احتيال.
وقال مستشار وورلد ليبرتي فاينانشال كوري كابلان يوم الاثنين: "لا يمكنك أبدًا أن تكون مثاليًا في تأمين المعاملات.. لذا فمن المهم حقًا أن نتصرف بسرعة، وأن نتكيف، وأن نستمر في امتصاص المعلومات الجديدة مثل الإسفنجة".
ومع ذلك، يرى كل من ساندرز وهاميلتون أن تأثير عمليات القرصنة سيكون محدودًا لأنه من غير المرجح أن تجذب وورلد ليبرتي فاينانشال العديد من المبتدئين، لأن أي شخص يختار استخدام بروتوكول الإقراض اللامركزي الذي لا يمكنه مبادلة الأموال الورقية بالعملات المشفرة سيكون بالضرورة خبيرا في هذا المجال.
من أجل الأصوات الانتخابية
يعتقد ساندرز أن المشروع بأكمله مجرد حيلة من دونالد ترامب لكسب تأييد المتعاملين بالعملات الرقمية، ويؤكد أن وورلد ليبرتي فاينانشال هي مثال على التكنولوجيا الوهمية التي لا وجود لها، وليس لديها رؤية أو خطة، ولا حاجة لوجودها.
وحسب الصحيفة، فإن ذلك ليس أمرا غريبا، فعندما زار ترامب مقهى بتكوين في مدينة نيويورك وتحدث إلى عشاق العملات الرقمية عن السياسة النقدية الأمريكية، كان ذلك يمثل بوضوح محطة أخرى من محطات الحملة الانتخابية.
لكن هذا لا يعني -وفقا للصحيفة- أنه لا يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، فقد ناشد نيك كارتر، وهو رائد أعمال مشهور مؤيد لترامب، المجتمع لإيجاد طريقة ما لإيقاف إطلاق وورلد ليبرتي فاينانشال، بحجة أن أي اختراق أو تحقيق حكومي قد يضر بالحملة الانتخابية للرئيس السابق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي ترامب العملات المشفرة الاقتصادات اقتصاد انتخابات ترامب عملات مشفرة المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالعملات الرقمیة العملات الرقمیة دونالد جونیور عائلة ترامب الصحیفة أن فی مجال من خلال
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء التصعيد في حضرموت شرقي اليمن؟.. احتقان ينذر بانفجار عسكري
تعيش محافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن، حراكا سياسيا واحتقانا شديدا ينذر بتفجره عسكريا بين أقوى التكتلات القبلية بالمحافظة والتشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات.
ومنذ أشهر، تتصاعد الأحداث في المحافظة الغنية بالنفط وتتشابك، بعد رفع رئيس حلف قبائل حضرموت، الزعيم القبلي، عمرو بن حبريش العليي، مطالب عدة من بينها "تمكين هذه المحافظة من إدارة شؤونها"، حيث قامت القوى المنضوية في هذا التحالف القبلي بالانتشار في منطقة الهضبة بالمحافظة، قبل أن يعلن بن حبريش بعد ذلك البدء بتشكيل قوة مسلحة تحت مسمى "حماية حضرموت".
بن حبريش، الزعيم القبلي الذي يتصدر مشهد الصراع في حضرموت مع السلطة المحلية رغم أنه يشغل منصب وكيل أول بالمحافظة، سبق وأن وجه اتهامات مباشرة لدولة الإمارات الذي باتت تتمتع بوجود عسكري في مطار الريان وميناء الضبة النفطي إضافة إلى تشكيلات مسلحة موالية لها من بينها لواء بارشيد الذي ينتشر في منطقة الساحل، حيث مدينة المكلا، المركز الإداري لحضرموت.
ومع بلوغ التصعيد ذروته، أعلن المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي عن إقامة فعالية جماهيرية، دعا أنصاره للاحتشاد إلى مدينة المكلا، وذلك إحياء لذكرى استعادته من عناصر تنظيم القاعدة 2016.
ويرى مراقبون أن التصعيد الذي تشهده حضرموت، لا يعدو عنه كونه جولة جديدة من صراع النفوذ بين الرياض وأبوظبي في هذه المحافظة الاستراتيجية تتصدره أدوات محلية وبعناوين مختلفة.
"تحول وإعادة تموضع"
وفي السياق، قال الباحث اليمني في القانون الدولي والعلاقات الدولية، عبد الله محمد الهندي، إن حضرموت تشهد حراكا سياسيا نشطا منذ أشهر، تصاعد مؤخرا إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، يتمثل في التصعيد الذي يقوده رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، الذي يتأسس على مطالب تمكين حضرموت من إدارة شؤونها بعيدا عن الوصاية، ورفضًا لما يُنظر إليه كتهميش ممنهج لقرارها السياسي والإداري.
وأضاف الهندي في حديث خاص لـ"عربي21"، أن هذا الحراك لا يمضي دون منغصات، إذ تبرز في مواجهته تحركات محلية مضادة من كيانات أخرى، بعضها على صلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ما يجعل المشهد ضبابيا ومفتوحا على احتمالات متعددة.
وأشار إلى أن "هذا التصعيد ليس مجرد خلاف نخبوي أو مطالب خدمية، بل يعكس تحولا في المزاج الحضرمي نحو إعادة التموضع، عبر البحث عن صيغة تمثيل سياسي شاملة ومستقلة تعبر عن الخصوصية الثقافية والتاريخية للمحافظة".
كما أنه يكشف عن حجم الفراغ السياسي التمثيلي الذي تعانيه حضرموت، حيث لم تنجح القوى المحلية الحضرمية حتى الآن في "بلورة مشروع سياسي موحد يعبر عن مصالحها، بعيدا عن أدوات الفعل السياسي التقليدية أو تلك التي أنتجتها الحرب بعد العام 2016 "، وفق للباحث اليمني.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية، أن هذا المسار يترافق مع "تصاعد في الترميز الهوياتي المحلي"، حيث تُطرح الهوية الحضرمية اليوم ليس كمجرد تعبير ثقافي، بل كمدخل لرؤية جديدة للدولة، قائمة على الندية مع المركز مع تعدد الروافد المكونة للنسيج الوطني، وتستند إلى نموذج متقدم من الحكم المحلي أو ما يشبه الحكم الذاتي.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن هذا التصعيد هو "نتاج تراكم طويل من التفاعلات، جاءت نتيجة لضعف الدولة المركزية في تقديم الخدمات وتفكك المشروع الوطني الجامع" ما أدى إلى انكفاء الفاعل الحضرمي داخل حدوده الجغرافية والاجتماعية، وتراجعه عن الانخراط الفاعل في الدولة كمشروع سياسي جامع.
كما أن هذا التصعيد لا يمكن فصله عن إشكاليات النشأة المتعثرة للدولة الوطنية الحديثة في اليمن، والتي أفرزت نمطًا من التمثيل السياسي الهش، خسر الحضارمة بموجبه حضورهم كجماعة فاعلة ومؤثرة في مسار القرار الوطني، فتم تهميشهم لصالح نخب لا تعبّر بالضرورة عن الإرادة الجمعية للمجتمع الحضرمي.
ورأى الباحث السياسي اليمني، أن ما نشهده اليوم هو تحول في طبيعة الفعل السياسي الحضرمي من فعل نخبوي محدود التأثير إلى ما يشبه حالة الاستنفار المجتمعي الواسع، بما يُنذر بتحولات مقبلة قد تطال شكل السلطة المحلية في علاقتها بالمركز، ومركزية القرار الأمني والعسكري في المحافظة.
وحول الأدوار السعودية والإماراتية في هذا الصراع، قال الهندي إنه "رغم شيوع التفسير الذي يعزو الحراك الحضرمي الأخير إلى صراع نفوذ بين السعودية والإمارات، إلا أن هذا التحليل يظل منقوصًا ما لم يُقرأ في ضوء الخصوصية الحضرمية التاريخية، التي صنعت هوية متفردة لهذه المحافظة، وشكلت علاقتها المتوترة – لا العدائية – مع الدولة اليمنية المركزية".
وتابع : "تظل السعودية والإمارات فاعلين حاضرين في المشهد، لا كمحرّكين أساسيين، بل كأطراف تنظر إلى حضرموت من زاوية خصوصيتها وموقعها الاستراتيجي وأهمية امنها واستقرارها".
وأوضح أن ما نشهده اليوم هو استثمار ذكي للحظة سياسية مواتية، في ظل تصدع مركزية القرار وتعدد مراكز النفوذ، بعد الانتقال السياسي الأخير، مما يتيح لحضرموت إعادة رسم موقعها في المعادلة الوطنية.
لكن هذا التحول لن يكون تلقائيا، حسب الباحث اليمني في القانون الدولي، بل يتطلب "بلورة خطاب سياسي عقلاني ومتماسك وبناء مؤسسات تمثيلية تعبّر عن الإرادة الجمعية والتفاوض باسم حضرموت ككتلة سياسية، لا كجغرافيا فقط".
وقال أيضا، إن "التحدي الأكبر يبقى ماثلا في هشاشة البنى المجتمعية، وضعف المجتمع المدني، وغياب الأطر السياسية المنظمة.. وهو ما يجعل الحراك مهددًا إما بالتفكك الداخلي أو بالاختطاف من قبل نخب تقليدية أو أدوات خارجية".
"صراع ناعم بين الرياض وأبوظبي"
من جانبه، قال الصحفي والكاتب اليمني، مأرب الورد، إن "ما يجري في حضرموت وإن كان يعكس في طابعه العام طموحاته الشخصية لبن حبريش الذي يحاول أن يفرض نفسه كزعيم محلي أو أن يكون رقما قويا في المعادلة بالمحافظة تمكنه من التأثير في قراراتها، إلا أن ما يرفع من مطالب معيشية وخدمية تبقى مشروعة".
وأضاف الورد لـ"عربي21"، "لكن هذه المطالب وإن كانت محقة، لكن عادة كما خبرنا في تجارب سابقة ـ أن أي طرف يريد تشكيل مكونا أو تحالفا معينا "يستخدم مثل هذه العناوين المعيشية والخدمية التي يمكن أن تجمع له الناس بالتالي تبرر تصعيده في خطوة مقبلة".
وأشار إلى أن هذه المطالب وإن كانت مشروعة في بعضها إلا أنها من جهة "تكشف عن جانب من الصراع بين الزعيم القبلي وحاكم حضرموت"، ومن جهة أخرى تتعلق "بفشل الحكومة والمجلس الرئاسي في معالجة أوضاع الناس الخدمية هناك".
وقال، إنها من جهة أوسع "تعكس الصراع الناعم بين السعودية والإمارات، اللذان يتحكمان بالمشهد السياسي في الجزء الذي يسيطر عليه المجلس الرئاسي (جنوب وشرق البلاد)".
وتابع بأن هذا الصراع يتم إدارته عن طريق وكلاء محليين، والأهم من ذلك، أن الدولتين الخليجيتين يديران الصراع بأدوات ناعمة من قبيل "تشكيلات سياسية أو اعتصامات أو مظاهرات" أكثر من اللجوء إلى الأدوات الخشنة.
وأوضح الكاتب اليمني، أن محافظة حضرموت تشكل أهمية كبيرة ليس فقط لليمن كدولة مركزية، إنما في أي تسوية مستقبلية قد تقرر مصير البلد.
وأردف قائلا: "وفيما يخص مشروع الانفصال والتمزيق الذي يتبناه المجلس الانتقالي فلا يمكن أن يتم أو ينجح بعيدا عن حضرموت أو بدونها".
وبحسب الصحفي الورد، فإن "حضرموت ما تزال الآن ضمن النفوذ السعودي في ظل الوجود الإماراتي في ميناء الضبة النفطي أو عن طريق التشكيلات العسكرية مثل لواء بارشيد وبعض وحدات من قوات النخبة الحضرمية".
وتوقع أن "يبقى المشهد في حضرموت بين مد وجزر وربما نشهد ظهور تشكيلات وصعود شخصيات جديدة للواجهة وربما إجراء تغييرات في القيادات العسكرية في الساحل والوادي".
وختم حديثه قائلا: "إن الرياض وأبوظبي تحاول أن ترتب خارطة نفوذهما قبل أي تسوية محتملة للصراع في البلاد".
وكان "مؤتمر حضرموت الجامع" ( تكتل سياسي وقبلي واجتماعي تأسس عام 2017)، قد حذر منتصف نيسان /إبريل الجاري من مخطط "إدخال حضرموت في أتون صراع وحالة عدم الاستقرار".
وقال في بيان له، إن هناك جهات لم يسمها، تسعى لخلط الأوراق في حضرموت في ظل ما تشهده من التفاف وإجماع شعبي نحو "الحكم الذاتي" للمحافظة، ودفعت بآلاف المسلحين منذ أيام إليها.
وأضاف مؤتمر حضرموت الجامع الذي يرأسه، الزعيم القبلي، عمرو بن حبريش، وكيل أول محافظة حضرموت، أنه جرى "إدخال مسلحين من محافظات عدن ولحج والضالع ( واقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا) إلى ساحل حضرموت، مشيرا إلى أنه منذ يوم الجمعة 11 إبريل وحتى يوم الاثنين 14 إبريل الجاري، وصل 2500 مسلحا إلى منطقة الساحل، حيث مدينة المكلا، عاصمة المحافظة.
وبحسب البيان، فإن هذه التحركات تعكس "بوضوح توجهات نحو تفجير الصراع بهدف مصادرة إرادة أبناء حضرموت وفرض توجه سياسي معروف بقوة السلاح ".
وتنقسم حضرموت إلى جزأين إداريين هما الساحل وأبرز مدنه المكلا، مركز المحافظة، والآخر هو الوادي والصحراء وأبرز مدنه سيئون.
كما تنقسم المحافظة عسكريا إلى المنطقة الأولى (مركزها سيئون وتنتشر فيها قوات من الجيش اليمني التقليدي حافظت على تماسكها)، والمنطقة الثانية ( مقرها المكلا ومحيطها حيث تنتشر قوات النخبة الحضرمية، التي تشكلت 2016 من مجندين وعسكريين من أبناء محافظة حضرموت ذاتها قبل أن يضم إليها تشكيلات من خارجها).