مع اقتراب الحرب على غزة من إكمال عامها الأول لما تزال المقاومة مستمرة والأسرى الصهاينة في قبضتها، والعدو يتكبد الخسائر كل يوم وهو لا يدري كيف يخرج من هذا المستنقع الذي أوجد نفسه فيه، فلا هو حقق أهدافه المعلنة ولا هو يعرف طريقة يعلن بها انسحابه، ولا هو قادر على الجهر بالقول بأن حماس انتهت أو هُزمت، مما وضع العدو ورفاقه ومؤيديه في المنطقة وخارجها في حرج كبير وموقف صعب للغاية، فكان الحل هو التوجه صوب الشمال.
لكن التوجه شمالا يستدعي تحديد أهداف جديدة قابلة للتحقق حتى لا تتحول الحرب على لبنان إلى ورطة تضاف الى سجل الورطات التي وقع ويقع فيها المشروع الصهيوني، لذا بادر نتنياهو بتحديد الهدف بإعادة المهجرين من سكان شمال فلسطين المحتلة الذين يزيد عددهم عددهم عن 60 ألف مستوطن فروا خوفا وهلعا من صواريخ حزب الله؛ التي انطلقت لإسناد المقاومة في غزة بعد حرب الكيان عليها.
الناظر إلى تاريخ الاشتباكات والمناوشات التي وقعت بين حزب الله والعدو الصهيوني سيجد أنها متكررة ومتصاعدة من حيث القوة والمدى الزمني أيضا، ويرى أيضا أن أطماع الكيان الصهيوني في لبنان ليست محصورة في الجنوب الذي احتلته قوات الكيان المحاربة في عام 1979 ثم دخولها إلى قلب العاصمة اللبنانية بيروت، التوجه شمالا يستدعي تحديد أهداف جديدة قابلة للتحقق حتى لا تتحول الحرب على لبنان إلى ورطة تضاف الى سجل الورطات التي وقع ويقع فيها المشروع الصهيوني، لذا بادر نتنياهو بتحديد الهدف بإعادة المهجرين من سكان شمال فلسطين المحتلة الذين يزيد عددهم عددهم عن 60 ألف مستوطن فروا خوفا وهلعا من صواريخ حزب اللهوهي أول عاصمة عربية تدخلها قوات الكيان الصهيوني عبر تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فدولة الاحتلال ترغب دوما في أن تكون محاطة بمناطق عازلة داخل الأراضي العربية بعيدا عن فلسطين التي احتلتها بالكامل تقريبا، لو استثنينا من ذلك غزة والضفة الغربية التي يتقاسم الاحتلال والسلطة الفلسطينية فيها الحكم والسيطرة منذ أوسلو 1993.
لو نظرت إلى مصر فسوف تجد أن سيناء البالغة مساحتها أكثر من 60 ألف كم مربع تكاد تكون منطقة عازلة بالكامل، فعداد الجيش المصري وعتاده في سيناء تم تحديده في اتفاقية كامب ديفيد 1979، ضمن أربع مناطق؛ أولها المنطقة(أ) وهي الأكثر تسليحا، ثم المنطقة (ب) وهي منطقة يسمح فيها بأربع كتائب بأسلحة خفيفة وقوام القوة لا يزيد عن أربعة ألاف جندي، ويحق لمصر تركيب أجهزة إنذار ساحلية على أن تكون قصيرة المدى، ثم المنطقة (ج) وهي بلا تسليح تقريبا سوى تسليح الأفراد المنتمين للشرطة، ثم المنطقة (د) الحدودية وهي منطقة يسمح فيها للعدو بأربعة آلاف جندي وأربع كتائب عسكرية.
وهكذا يتضح أن دولة الكيان حصنت نفسها بما يسمى السلام بعزل سيناء تقريبا عن مصر حال دون أي عدوان على الأراضي المصرية، وهذا ما لم يتحقق مع لبنان بعد أن غزت الجنوب ثم العاصمة ثم خرجت من الجنوب دون أن تحصل على منطقة عازلة؛ لأنها لم توقع اتفاق سلام مشابه لما جرى مع مصر والأردن.
هنا تبرز أهمية الحرب الحالية التي يشنها الكيان ضد لبنان، وليس ضد حزب الله، فالعدو يسعى للوصول إلى اتفاق سلام يحصل من خلاله على مميزات لم ولن يحصل عليها بالغزو أو الاشتباكات المتكررة عبر أربعين عاما تقريبا.
يسعى نتنياهو إلى تأمين جبهة الشمال باتفاقية مكتوبة، على عكس معظم المرات السابقة بينه وبين حزب الله، إذ كانت هناك اتفاقيات شفهية وأخرى عبارة عن ورقة ضمانات لتجنيب المدنيين، ولكن بعد طوفان الأقصى استطاع حزب الله أن يحول بين الكيان وبين شماله الذي أصبح صداعا في رأس أي حكومة منذ إنشاء دولة الكيان.
خيارات العدو الصهيوني في حربه التي بدأها قبل أيام على لبنان ليست خيارات مفضلة، بل محاولات للهروب من جحيم غزة واستحقاقاتها إلى فضاء أوسع سياسيا يرغب العدو من خلاله بالضغط السياسي على حزب الله ولبنان، للوصول إلى اتفاق سلام يضمن عودة نازحي الشمال وإقامة منطقة عازلة خالية من سلاح حزب الله في الجنوب، وبالتالي يحصل على مبتغاه بالسلام لأنه يعلم استحالة الحصول على ذلك بالحرب، فما شكل الحرب التي يريدها؟
يعلم العدو الحالة الاقتصادية المتردية للبنان سواء بسبب الفساد السياسي والمالي للنخب الحاكمة أو بسبب الحصار الخليجي التي تقوده السعودية، من أجل إخراج حزب الله من المعادلة السياسية اللبنانية تماما، وبالتالي فإن الضربات الجوية التي تستهدف المنشآت الاقتصادية والمدنيين تسبب ضغطا هائلا على الحزب وعلى مسلحيه وعلى عملياته في جنوب لبنان، بالتوازي مع الضغوط المتزايدة على إيران كي لا تتورط في دعم مباشر للحزب فتصبح هي الأخرى هدفا لضربات صهيونية؛ قد تطال مشروعها النووي أو تحدث هزة اجتماعية وسياسية كبيرة تظهر معها ضعف الدولة الفارسية في مواجهة العدوان الصهيوني واختراقاته الأمنية المتكررة، على غرار اغتيال الشهيد إسماعيل هنية قبل شهرين تقريبا.
رغم كل المحاذير التي قد تعيق من شن حرب برية ضد لبنان لكن نتنياهو ورفاقه المجرمين قد لا يتورعون عن خوض تلك الحرب بشكل أو بآخر، باعتبارها لازمة وحتمية لاستعادة زمام المبادرة وإخضاع كافة القوى العسكرية سواء نظامية أو غير نظامية في المنطقة للتفوق الصهيوني المزعوم، وبالتالي إجبار ما تبقى من حكومات عربية على توقيع اتفاقيات سلام
الحرب الشاملة بمعنى الغزو ليست أمرا هينا بناء على تصريحات وتعليقات الخبراء العسكريين وعلى رأسهم الجنرالات السابقون في جيش الاحتلال، فالجيش منهك بسبب غزة وقدرته على فتح جبهات عدة بعد عام من حرب شرسة لم تنته بالنصر في غزة يجعل من عملية الغزو مغامرة كبرى، خصوصا إذا ما تم استدعاء العنصر البشري (الشيعي) من الدول العربية أو التفكير في عميات "استشهادية"، أو استهداف مصالح أمريكية على غرار ما جرى في عام 1983 حين استُهدفت السفارة الأمريكية ثم مقر المارينز الأمريكان في بيروت.
ورغم كل المحاذير التي قد تعيق من شن حرب برية ضد لبنان لكن نتنياهو ورفاقه المجرمين قد لا يتورعون عن خوض تلك الحرب بشكل أو بآخر، باعتبارها لازمة وحتمية لاستعادة زمام المبادرة وإخضاع كافة القوى العسكرية سواء نظامية أو غير نظامية في المنطقة للتفوق الصهيوني المزعوم، وبالتالي إجبار ما تبقى من حكومات عربية على توقيع اتفاقيات سلام وطي ملف فلسطين وبقية الأراضي المحتلة في المنطقة، وعلى رأسها الجولان الذي يبدو أن بشار لا يقيم له وزنا ويعتبره جزءا من الأراضي السورية التي يتعين الدفاع عنها.
الخيار المتاح للكيان حاليا ولحين فترة من الوقت هو الضربات القوية التي لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين منشآت اقتصادية أو مواقع عسكرية مع استهداف محكم لقادة الحزب العسكريين، بحيث تنال من معنويات الحزب والحضانة الشعبية وتجعل من تدخل إيران لدعم الحزب مغامرة غير محمودة العواقب، لكن من يعرف تاريخ الحزب وآلية تسليحه وقدراته العسكرية يدرك أن فكرة هزيمته عبر الاستهداف الجوي وحده لن يكتب لها النجاح؛ لأن مخزون الحزب من الصواريخ يمثل كابوسا للكيان وسكان المستوطنات في الشمال، فما بالك إن صدقت تهديدات نصر الله وقام باستهداف تل أبيب؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان فلسطين حزب الله الاحتلال لبنان فلسطين حزب الله الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة حزب الله
إقرأ أيضاً:
ميقاتي استقبل وفدا من اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء العراقي للاشراف على تقديم مساعدات عاجلة الى اللبنانيين
استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفدا من اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء العراقي بهدف الاشراف على تقديم مساعدات عاجلة الى الشعب اللبناني في السرايا اليوم.
وقال رئيس اللجنة وكيل وزارة التجارة السيد ستار جبار عباس الجابري بعد اللقاء:"كان لنا اليوم لقاء مع الرئيس ميقاتي استعرضنا ما قدمه العراق من منح ومساعدات وموقف العراق المبدئي والثابت تجاه الشعب اللبناني خلال الفترة الحرب الظالمة، حيث قدم العراق الكثير من الدعم السياسي والمالي واللوجستي ، وهذا الدعم تضمن آلاف الأطنان من المواد الغذائية والإغاثية وسائر المستلزمات. كذلك قدم العراق خلال فترة الحرب التي شنت على الشعب اللبناني مساعدات في المجال الطبي والغذائي ، مثلا هناك 320,000 طن مساعدات قدم من الشعب العراقي إلى الشعب اللبناني."
اضاف:" خلال هذه الزيارة تم عرض ما تم تقديمه في الفترة السابقة ، وأيضا خطة ما بعد الحرب التي وقعت على الشعب اللبناني، واليوم هذه اللجنة مكلفة بمهمتين ، الأولى تقديم المساعدات الآنية والإغاثية إلى المتضررين من الشعب اللبناني، وكذلك الى النازحين من الشعب السوري ، وقد جهزت هذه اللجنة ما يقارب ٣٠ الف سلة غذائية سوف تنطلق يوم غد إلى مختلف المناطق في لبنان، لتقديمها إلى المحتاجين والمتضررين من الحرب الظالمة. كذلك أيضا سوف تقوم هذه اللجنة بإعداد تقرير بالمناطق المنكوبة والمتضررة،وستقوم اللجنة برفع تقريرها الى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهناك توجه للحكومة العراقية لتقديم ما يمكن تقديمه لمساندة الشعب اللبناني، من خلال تبني قطاع معين، سواء كان قطاعا صحيا أو تربويا ، أو تبني منطقة معينة للمساهمة في الاعمار، و لا شك ان هناك بعض الدول سوف تكون مساهمة ومشاركة في إعمار لبنان، لكن العراق سوف يكون حاضرا وفاعلا إن شاء الله بهذه الحملة، والعراق علاقته مع الدولة اللبنانية ومع الشعب اللبناني علاقة موروثة وتاريخية، وهناك الكثير من المساعدات التي قدمت في الفترة الماضية، وأيضا هناك توجه، إن شاء الله، وتبنّ واضح وصريح وحقيقي من قبل الحكومة العراقية وكل أطياف الدولة العراقية ومكوناتها لدعم الشعب اللبناني والاستمرار في هذا الدعم بإذن الله تعالى."
وختم بالقول: ان دولة الرئيس ميقاتي اثنى على مواقف العراق الداعمة، وذكر كل تلك المواقف التاريخية وما قدمه العراق وإن شاء الله سيستمر العراقي بدعمه للشعب اللبناني."