عربي21:
2025-03-16@20:55:30 GMT

شماتة التحبب بجريمة المحتل والطاغية لا تحمي أحدا

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

شغلت قضية العدوان الإسرائيلي على غزة وجرائم الإبادة الجماعية هناك، حيزا من الجدل العقيم والمدروس بين الشماتة بالمقاومة الفلسطينية هناك والسخرية منها ومن ضحايا العدوان، وتقزيم فعل الرد الفلسطيني لحدود عدم الفائدة والجدوى من أي فعلٍ يرد على جرائم الاحتلال في كل فلسطين. تواصل هذا النقاش حتى بلغ ذروته في واقعة مذبحتي الاتصالات والضاحية الجنوبية في بيروت، وربط ذلك باستعادة مواقف لشيطنة حركة "حماس" والمقاومة، ومواقف لحزب الله من الثورة السورية وبقية الثورات العربية.



وذهاب جزء من حملة هذا الجدل إلى خلط بعض المسائل وتشويهها يطرح تحديا أخلاقيا كبيرا أمام نخب كثيرة، خاصة بعدما تبين أن حالة الانتشاء الإعلامي من تدمير الاحتلال لغزة سوف تفضي للخلاص ظاهريا من "حماس" كما يتمنى كثيرون وعلى رأسهم المؤسسة الصهيونية، وفي الجوهر الخلاص من المقاومة بانتزاع كل مخلب للشعب الفلسطيني، إن كان في غزة أو في القدس وجنين والخليل أو بقية أماكن صموده فوق أرضه.

طوال الوقت، وفي كل المراحل التي مر بها المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، اقترنت خطط المواجهة لهذا المشروع بجملة من أدبيات وبديهيات تشير لفعل التحرر الإنساني من الاستبداد والظلم والقهر، للوصول للحرية المنشودة لأوطان وشعوب عربية، تنشد المشاركة في صناعة القرار والتاريخ. وطوال الوقت اقترنت فلسطين وقضيتها كرمزٍ للعدالة والحق بالأحلام الممكنة لرغبة عربية شعبية ورسمية بامتلاك دور ووظيفة تتعلق بمستقبلها، بحيث أصبحت مسألة الخلاص من الاستبداد العربي ثابتا من ثوابت تحقيق المشاركة الفعلية العربية بمعركة دحر الاحتلال، وثابتا فكريا وثقافيا وأخلاقيا.

ولنذكر في هذا المقام عشية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956؛ مقولة مناحيم بيغن التي أوردها المؤرخ فرانز شايدل في كتابه "الإرهاب اليهودي": "ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبدا عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية".

وزعزعة مكانة فلسطين ومقاومتها لاحتلال استعماري استيطاني بدأت منذ زمن بعيد بخطط ومشاريع مختلفة، من كامب ديفيد وصولا لأوسلو ووادي عربة وليس انتهاء باتفاقات "أبراهام"، مرورا بالمؤامرات على الثورات العربية التي تناسخت الأهداف الجوهرية فيها لحماية المحتل والمستبد، لتصبح (الحماية) جزءا لا يتجزأ من أيديولوجية عربية صهيونية تحتكم لنظرية الأمن ومكافحة الإرهاب لتعزيز المكانة الثنائية بوجود احتلال مستقر وقوي من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقطب عربي جاهز ومستمر في ضمان هذا الاستقرار بتوجيه أمريكي وغربي. لذلك كان إقدام الاحتلال الصهيوني على الدخول الواسع لمسلسل جرائم الحرب والإبادة في غزة بمثابة المفتاح الذهبي للبوابة الصهيونية المنفتحة على جرأة استنساخها في لبنان، في ظل صمت عربي رسمي ودولي منافق في لجمها في غزة.

كشف فعل المذبحة الصهيونية في غزة، وصداها في بيروت، عن أسى متجدد لازم ضحايا المحتل الصهيوني والمستبد العربي، واستباحة الدم العربي وسفكه فلسطينيا، وتقطيع أوصاله واقتلاع زيتونه وتهويد أرضه ومقدساته وتهجيره.. هل هي بسبب مقاومة الفلسطيني أم بسبب الطبيعة الفاشية للمؤسسة الصهيونية وسياساتها؟ أم بسبب برامجها العقائدية التي يكون عناصرها تراث تلمودي توراتي؟ واستباحة الاستبداد قهر العربي وظلمه وقتله وسلبه من أبسط حقوقه في الكرامة والحقوق والمواطنة؛ لا تلغي وصف الفعل المساند بالإجرام ولا تسقط قضيته الأخلاقية ومعاناته.

هنا يجب التفريق بين لغة التقريظ التي يسبغها بعض ضحايا الاستبداد العربي على مجازر المحتل الصهيوني والمديح اللامتناهي لها؛ الذي صدر من بعض الشامتين بالضحايا وبالمقاومة، الأمر لا يدور فقط حول التشفي بقتل مدنيين وضحايا إرهاب صهيوني منظم، بل عن لذة اللغة المستعملة في تحبب فعل الإجرام بذريعة الخلاص من انحطاط قهر شامل، وسيكون التبرير قابلا للتصديق لو أن الفاشية لا تأخذ طابع الشراكة بين المستبد وأعوانه والمحتل وحلفائه.

وهنا لا بد من تسجيل بعض النقاط الخطيرة على ضوء العدوان الإسرائيلي المتسع على جبهتي غزة ولبنان، فالملاذ الأخير لبعض الشامتين بالضحايا بلغة التحبب لفعل الإجرام الصهيوني في هذا العالم العربي الغارق في هزائمه أمام جبروت الغطرسة الصهيونية والمكسور، والمنهار في تمزقه بين عسكر الاستبداد وحراسه وعسسه وبين أنظمة التصهين وإعلامها الشامت والشاتم لكل نهوض مرتبط بحرية وكرامة ومواطنة، هو امتهان للعقل والضمير بضم كل مساوئ وموبقات الأنظمة المستبدة والمحتل، لأن الأماني الفلسطينية والعربية بأن يكون لديها سند للتخلص من المستبد ولمواجهة جرائم العدوان والإبادة؛ من مواقف دولية تساند حقوقها في الشوارع والمحافل الدولية، رغم الحزن الأكيد على حالة الخذلان والتشفي والشماتة التي لحقت بهذه الأماني في ثوراتها ومقاومتها التي تفضي منطقا حتميا إلى ما يأمر العقل والمنطق والضمير بالوصول إليه، بعيدا عن الانفعال الفردي والشماتة التي تخذل معاناتها وغيرها.

وإلا، ستبقى الحالة المرضية ملازمة لمن يسعى للاستشفاء من إجرام واحد والتخلص من آثاره في وحدة الاحتلال والاستبداد، وهو شرط لمن يحسن قراءة السيرة الذاتية لجوهر المؤسسة الصهيونية، والولاء غير المشروط للحرية والكرامة والمواطنة بمعيارها الوطني والأخلاقي والمعرفي الذي يمنع الشماتة بشعبٍ يقاوم محتله الصهيوني، وآخر يصارع طاغيته العربي، وبدون ذلك لا ينجو أحد وهو يعتمد عن جهل وقصد تدميرَ ثقافة عربية تقاوم المحتل والمستبد.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال المقاومة غزة حزب الله الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا بعد الصهيونية؟

مع نهاية الفترة المتبقية لرئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو»، أطلق تصريحا أكد فيه أنه لا يخجل أن يصف نفسه «صهيونيا»، وسبق «ترودو» رؤساءُ دولٍ أخرى مثل الرئيس الأمريكي السابق «بايدن» الذي صرّح علانية أنه «صهيوني» وداعم للصهيونية، ولعلّ هناك المزيد من أمثال هؤلاء الذين لم تسبق ألسنتهم خبايا صدورهم؛ فيكفي ما تكشفه أعمالهم المنافية للعدالة والأخلاق الإنسانية ذات الطابع الصهيوني. لا أسابق الأحداثَ حال طرحي تساؤلا مفاده: «ماذا بعد الصهيونية؟»؛ إذ تشير الأحداث وفوح روائحها غير المعهودة بأن العالم يعبر عنق زجاجة مزعج ومتعب، ولا يستبعد أن يستمر مخاضه لبضع سنوات قادمة؛ فجنون الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي في أقصى حالات التهور وعدم الاستقرار السياسي، وفاقت جرائم الإبادة والعبث الإجرامي حدود المعقول؛ مما جعل العالم يستيقظ على صدمة لم يكن ليتخيل أحداثها القاسية في القرن الواحد والعشرين حيث تلمع الحضارة الإنسانية ببريقها الرقمي وسموها الحضاري وفق سرديات العلماء والفلاسفة، ولكنها مقتضيات حتمية وبداية لنهاية -كما نستعيرها من أديبنا الكبير نجيب محفوظ-.

لم يكن تأسس الصهيونية محل صدفة وبلا أدوات تحضير ومطبخ إعداد، ولكنها ظاهرة أخذت في نموها التدريجي بداية مع فكرة نمت في عقول مجموعات نصرانية آمنت بمعتقدات تتجاوز حدود الخيال؛ فتداخلت في فترات زمنية لاحقة مع رغبات غربية تطمح إلى التخلص من اليهود ووجودهم في غربها المسيحي؛ فكانت بداية مع ولادة «الأرض الموعودة» وفكرتها المخترعة، وتفاعلت معها توجهات اقتصادية ومالية تزاوجت مع مشروعات الاستعمار والتعطّش لنهب ثروات الأمم؛ فتشكلت تكتلات اقتصادية عالمية خاضعة لمبادئ الصهيونية؛ لتخترق صفوف المؤسسات السياسية وتقيدها بشروطها الجديدة؛ فكانت الولادة غير الشرعية -كما يصفها المفكّر وضاح خنفر- للكيان الصهيوني عقب تشكّل العالم الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وكون أن هذا الكيان مدرك لفقدانه الشرعية الجغرافية والتاريخية؛ فإنه يعيش قلقا وجوديا يتمثّل في إدراكه بتزعزعه السياسي المستمر الذي سيقوده عاجلا أم آجلا إلى نهاية وجوده الجغرافي في المنطقة العربية التي لا يتصل بها بأي صلة؛ إذ يتكون المجتمع الإسرائيلي في أصله من مجموعات مهاجرة أغلبها من الدول الغربية وأوروبا الشرقية وأقليات من دول أفريقية وغيرها من الأعراق، ومنهم رئيس الكيان المجرم «نتنياهو» ذو الأصول البولندية.

يؤكد لنا التاريخ أن للحضارات والأمم دورتها الزمنية التي تقضي بقانون البداية والنهاية والاستبدال، ومع كل بداية، تتأسس الأفكار وتنشأ في ظل غفلة الخصم الضعيف المشتغل بتوافه الحياة وأمورها، وهكذا كان الحال مع هذه الأفكار الصهيونية التي وجدت طريقها إلى التنفيذ إبان اشتغال العالم الإسلامي بقيادة الدولة العثمانية في صراعاته الداخلية التي عاشت منذ بداية القرن العشرين أحلك ظلمات مراحلها الحضارية -وإن كان ذلك نتيجة تراكمات سياسية وثقافية واقتصادية راكدة-؛ فزادت فجوة الانفصال السياسي في العالم العربي وقطيعته مع تفاعلات السياسة العالمية ومجرياتها التي لم يكن فيها سوى متأثرٍ لا مؤثرٍ، وهذا ما يُعزى سببه إلى نقص خبرته السياسية وعدم امتلاكه الأدوات المعرفية اللازمة التي كانت في معظمها بقبضة العنصر العثماني؛ فأورث ذلك هزالا حضاريا غير مسبوق منذ الغزو المغولي بان مع تهاوي أركان الدولة العثمانية؛ لتكون كثيرٌ من الجغرافيا العربية وأمصارها عرضة للاستعمار الغربي ومنها أرض فلسطين التي وهبت -لاحقا- إلى غير أهلها.

بجانب ما يمكن أن نقرأه ونستعرضه من سرديات كثيرة عن أسباب هذه الهزيمة وعن نشأة الصهيونية العالمية وامتلاكها زمام التحكّم العالمي وعناصره السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ فإننا نعود إلى قانون الحضارة الذي ذكرناه آنفا في السطور السابقة؛ لنستيقن أن للباطل دورةً لابد لها من منتهى، وتوجهنا مؤشرات القلق الوجودي الصهيوني إلى قرب هذه النهاية التي تسبقها مظاهر التخبط السياسي والعسكري، ولا نستبعد أن المعادلة الحضارية لا تشمل الكيان الصهيوني وحسب، ولكنها تشمل كل الحاضنات التي تفرض نفسها زعيمة للحضارة الإنسانية في عالمنا الحالي؛ ففاق التخبط الأمريكي بقيادة الرئيس الأمريكي الحالي كل الخطوط الأخلاقية الحمراء؛ فتأتي في أشكال كثيرة منها الدعم العسكري اللامحدود للكيان المجرم، ومنحه صلاحية القتل والإبادة الجماعية، والتهديد الأمريكي المباشر والصريح بامتلاك «غزة» وتخيير أهلها بين التهجير أو الموت الجماعي. لا تعكس كل هذه الأحداث إلا اقتراب العالم وقطبيته الصهيونية من النهاية الوشيكة، ويبقى السؤال المهم: ماذا بعد الصهيونية؟ وتأتي الإجابة في ضوء القراءة العامة للأحداث التي تشير -بجانب التخبط الأمريكي ومعاركه التجارية مع الغرب والصين- بأن مركزية العالم الجديد القادم وثقله السياسي والعسكري والاقتصادي سيكون صينيا بامتياز، ويخوض هذا المشهد الجديد للعالم مخاضه الحضاري الحتمي الذي يسبق تشكّله؛ فنراه في صوره القاسية الحالية من حروب ومعارك اقتصادية وتجارية، ولعلّه يقترب من نهايته المحتومة التي ستنتج عنها ولادة جديدة بزعامة صينية بجانب أقطاب أخرى حليفة، ولا أعتقد وجودا فعّالا للصهيونية التي فقدت كل شرعيتها وتهاوت كثيرٌ من حواضنها ومقومات وجودها، وبات ضعفها الداخلي وتشققها جليّا. لا يمكن التكهّن بأسلوب العالم الجديد، ولكن بانفصاله -المحتمل- عن الصهيونية وتأثيرها العميق؛ فإنه ذو طابع تقني وصناعي واقتصادي، وأبعد أن يكون ذا أهداف استعمارية تستهدف ثقافة الشعوب وهوياتهم؛ فالنزعة في تأسيسها أقرب إلى الفلسفة الاقتصادية.

نحن أمام متغيرات عالمية جديدة، ومن المؤسف أن لا نرى للأمة العربية نصيبا في هذه المتغيرات؛ فما تزال الدول العربية غارقة في صراعاتها الداخلية التقليدية التي لم تعد ضرورة في عالم رقمي متسارع؛ فلم تسعَ أن تجد حلولا لمشكلاتها المعرفية والصناعية والاقتصادية والسياسية، ولم تتبنَّ رأيا عربيا موحدا تفك ارتباطها من القيود الأمريكية والغربية المرهقة، وتبدأ مشروعا عربيا وحدويًّا فاعلا يضمن لها وجودا مؤثرا في العالم الجديد الآخذ في التشكّل كما تفعل الصين والهند وروسيا؛ فلا سبيل إلى ثقل عربي يمكن أن يصطف مستقبلا مع دول مثل الصين والهند إلا بوحدة صناعية واقتصادية وسياسية وعسكرية عربية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتحديد بوصلة واضحة المعالم للبناء الحضاري وفلسفته بمكوناتها الرئيسة التي تعبّر عن الهوية (الدين واللغة) وتعبّر عن محركات الاقتصاد (الصناعة والتجارة) وتعبّر عن القوة (الصناعات العسكرية والدفاع المشترك).

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • مفتي عُمان يدين العدوان الصهيوني وحلفاءه على غزة واليمن
  • العدوان الصهيوني على مدينة جنين ومخيمها يدخل يومه الـ55
  • قوات العدو الصهيوني تقتحم بلدة سلواد قرب رام الله
  • حركة الجهاد: العدوان الأمريكي على اليمن يأتي في إطار الدعم العلني للعدو الصهيوني
  • ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 48,543 شهيدا
  • الجهاد الإسلامي: العدوان الأمريكي على اليمن دعم وقح للكيان الصهيوني وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني
  • رسميا: صنعاء تكشف عن الخسائر التي خلفتها الغارات الأمريكية اليوم
  • ماذا بعد الصهيونية؟
  • تواصل العدوان الصهيوني على طولكرم لليوم الـ 48
  • وفد حماس يتوجه للقاهرة لبحث تطورات مفاوضات وقف الحرب: الاحتلال الصهيوني يتنصل عن اتفاق وقف إطلاق النار والمقاومة تدعو الوسطاء للضغط عليه