شماتة التحبب بجريمة المحتل والطاغية لا تحمي أحدا
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
شغلت قضية العدوان الإسرائيلي على غزة وجرائم الإبادة الجماعية هناك، حيزا من الجدل العقيم والمدروس بين الشماتة بالمقاومة الفلسطينية هناك والسخرية منها ومن ضحايا العدوان، وتقزيم فعل الرد الفلسطيني لحدود عدم الفائدة والجدوى من أي فعلٍ يرد على جرائم الاحتلال في كل فلسطين. تواصل هذا النقاش حتى بلغ ذروته في واقعة مذبحتي الاتصالات والضاحية الجنوبية في بيروت، وربط ذلك باستعادة مواقف لشيطنة حركة "حماس" والمقاومة، ومواقف لحزب الله من الثورة السورية وبقية الثورات العربية.
وذهاب جزء من حملة هذا الجدل إلى خلط بعض المسائل وتشويهها يطرح تحديا أخلاقيا كبيرا أمام نخب كثيرة، خاصة بعدما تبين أن حالة الانتشاء الإعلامي من تدمير الاحتلال لغزة سوف تفضي للخلاص ظاهريا من "حماس" كما يتمنى كثيرون وعلى رأسهم المؤسسة الصهيونية، وفي الجوهر الخلاص من المقاومة بانتزاع كل مخلب للشعب الفلسطيني، إن كان في غزة أو في القدس وجنين والخليل أو بقية أماكن صموده فوق أرضه.
طوال الوقت، وفي كل المراحل التي مر بها المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، اقترنت خطط المواجهة لهذا المشروع بجملة من أدبيات وبديهيات تشير لفعل التحرر الإنساني من الاستبداد والظلم والقهر، للوصول للحرية المنشودة لأوطان وشعوب عربية، تنشد المشاركة في صناعة القرار والتاريخ. وطوال الوقت اقترنت فلسطين وقضيتها كرمزٍ للعدالة والحق بالأحلام الممكنة لرغبة عربية شعبية ورسمية بامتلاك دور ووظيفة تتعلق بمستقبلها، بحيث أصبحت مسألة الخلاص من الاستبداد العربي ثابتا من ثوابت تحقيق المشاركة الفعلية العربية بمعركة دحر الاحتلال، وثابتا فكريا وثقافيا وأخلاقيا.
ولنذكر في هذا المقام عشية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956؛ مقولة مناحيم بيغن التي أوردها المؤرخ فرانز شايدل في كتابه "الإرهاب اليهودي": "ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبدا عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية".
وزعزعة مكانة فلسطين ومقاومتها لاحتلال استعماري استيطاني بدأت منذ زمن بعيد بخطط ومشاريع مختلفة، من كامب ديفيد وصولا لأوسلو ووادي عربة وليس انتهاء باتفاقات "أبراهام"، مرورا بالمؤامرات على الثورات العربية التي تناسخت الأهداف الجوهرية فيها لحماية المحتل والمستبد، لتصبح (الحماية) جزءا لا يتجزأ من أيديولوجية عربية صهيونية تحتكم لنظرية الأمن ومكافحة الإرهاب لتعزيز المكانة الثنائية بوجود احتلال مستقر وقوي من الناحية العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقطب عربي جاهز ومستمر في ضمان هذا الاستقرار بتوجيه أمريكي وغربي. لذلك كان إقدام الاحتلال الصهيوني على الدخول الواسع لمسلسل جرائم الحرب والإبادة في غزة بمثابة المفتاح الذهبي للبوابة الصهيونية المنفتحة على جرأة استنساخها في لبنان، في ظل صمت عربي رسمي ودولي منافق في لجمها في غزة.
كشف فعل المذبحة الصهيونية في غزة، وصداها في بيروت، عن أسى متجدد لازم ضحايا المحتل الصهيوني والمستبد العربي، واستباحة الدم العربي وسفكه فلسطينيا، وتقطيع أوصاله واقتلاع زيتونه وتهويد أرضه ومقدساته وتهجيره.. هل هي بسبب مقاومة الفلسطيني أم بسبب الطبيعة الفاشية للمؤسسة الصهيونية وسياساتها؟ أم بسبب برامجها العقائدية التي يكون عناصرها تراث تلمودي توراتي؟ واستباحة الاستبداد قهر العربي وظلمه وقتله وسلبه من أبسط حقوقه في الكرامة والحقوق والمواطنة؛ لا تلغي وصف الفعل المساند بالإجرام ولا تسقط قضيته الأخلاقية ومعاناته.
هنا يجب التفريق بين لغة التقريظ التي يسبغها بعض ضحايا الاستبداد العربي على مجازر المحتل الصهيوني والمديح اللامتناهي لها؛ الذي صدر من بعض الشامتين بالضحايا وبالمقاومة، الأمر لا يدور فقط حول التشفي بقتل مدنيين وضحايا إرهاب صهيوني منظم، بل عن لذة اللغة المستعملة في تحبب فعل الإجرام بذريعة الخلاص من انحطاط قهر شامل، وسيكون التبرير قابلا للتصديق لو أن الفاشية لا تأخذ طابع الشراكة بين المستبد وأعوانه والمحتل وحلفائه.
وهنا لا بد من تسجيل بعض النقاط الخطيرة على ضوء العدوان الإسرائيلي المتسع على جبهتي غزة ولبنان، فالملاذ الأخير لبعض الشامتين بالضحايا بلغة التحبب لفعل الإجرام الصهيوني في هذا العالم العربي الغارق في هزائمه أمام جبروت الغطرسة الصهيونية والمكسور، والمنهار في تمزقه بين عسكر الاستبداد وحراسه وعسسه وبين أنظمة التصهين وإعلامها الشامت والشاتم لكل نهوض مرتبط بحرية وكرامة ومواطنة، هو امتهان للعقل والضمير بضم كل مساوئ وموبقات الأنظمة المستبدة والمحتل، لأن الأماني الفلسطينية والعربية بأن يكون لديها سند للتخلص من المستبد ولمواجهة جرائم العدوان والإبادة؛ من مواقف دولية تساند حقوقها في الشوارع والمحافل الدولية، رغم الحزن الأكيد على حالة الخذلان والتشفي والشماتة التي لحقت بهذه الأماني في ثوراتها ومقاومتها التي تفضي منطقا حتميا إلى ما يأمر العقل والمنطق والضمير بالوصول إليه، بعيدا عن الانفعال الفردي والشماتة التي تخذل معاناتها وغيرها.
وإلا، ستبقى الحالة المرضية ملازمة لمن يسعى للاستشفاء من إجرام واحد والتخلص من آثاره في وحدة الاحتلال والاستبداد، وهو شرط لمن يحسن قراءة السيرة الذاتية لجوهر المؤسسة الصهيونية، والولاء غير المشروط للحرية والكرامة والمواطنة بمعيارها الوطني والأخلاقي والمعرفي الذي يمنع الشماتة بشعبٍ يقاوم محتله الصهيوني، وآخر يصارع طاغيته العربي، وبدون ذلك لا ينجو أحد وهو يعتمد عن جهل وقصد تدميرَ ثقافة عربية تقاوم المحتل والمستبد.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال المقاومة غزة حزب الله الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
القانون الدولي: الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لها الحق في مقاومة المحتل بشتى الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح
الثورة / متابعات
تتصاعد مطالبات الاحتلال الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة في غزة كشرط أساسي لأي اتفاق سياسي من شأنه أن يؤدي إلى وقف حرب الإبادة المتواصلة في القطاع منذ 18 شهراً. وتستند هذه المطالبات – التي ترفضها قوى المقاومة – إلى رؤية إسرائيلية تعتبر أن وجود السلاح يشكل تهديداً مباشراً لأمنها.
وتأتي مطالبات نزع السلاح في إطار محاولة سلطات الاحتلال تعزيز موقفها الأمني وتجريد فصائل المقاومة سياسياً من القدرة على حمل السلاح باعتباره وسيلة لتقرير المصير وتحرير الأراضي الفلسطينية، ما يطرح حول مشروعية تلك المطالبات، وقبل ذلك معنى السلاح الذي تطالب إسرائيل بنزعه أمام ما تمتلكه إسرائيل من ترسانة جوية وبرية وبحرية، وخطوط إمداد لم تنقطع منذ السابع من أكتوبر 2023.
المقاومة في القانون الدولي
وعند النظر إلى ماهية السلاح الذي تساوم المقاومة على نزعه وتصور على أنها جيش منظم مقابل وقف شلال الدماء في غزة، لا تشكل بضعة آلاف من الأسلحة الخفيفة المتمثلة في الكلاشينكوف وقذائف مضادة للدروع وعبوات ناسفة ومقذوفات صاروخية مصنعة محلياً، لا تشكل تهديداً في ميزان التسليح الاستراتيجي والعملياتي الذي تمتلكه إسرائيل حتى تعتبره تهديداً لأمنها القومي المسنود أمريكياً وغربياً.
ووفقاً للقانون الدولي الإنساني، وتحديداً اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، فإن الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لها الحق في مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح، شريطة الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، مثل التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وعدم استهداف المدنيين بشكل متعمد.
وقد نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، في مادته الأولى، على أن “النزاعات المسلحة التي تناضل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، في ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير، تعتبر نزاعات مسلحة دولية”.
وبالتالي، فإن الكفاح المسلح ضد الاحتلال ليس محرّماً طالما تم في إطار القانون الدولي، بل يُعترف به كوسيلة مشروعة للحصول على الحرية والاستقلال، ما يجعل من مطالبة الاحتلال بنزع سلاح المقاومة قبل التوصل إلى تسوية سياسية عادلة يتناقض مع هذا المبدأ القانوني.
ابتزاز سياسي
ويؤكد الكاتب السياسي أشرف سهلي أن اشتراط نزع سلاح المقاومة لأي اتفاق لوقف الحرب، يعد شرطا ابتزازيا بالنظر إلى الإمكانات العسكرية المحدودة للمقاومة من الناحية العملية أمام ما تمتلكه إسرائيل من قدرات تسليحية مارست من خلالها تكتيكات وحشية في عمليات القتل غير المبرر.
ويقول في مقاله المعنون “ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟”، إن مناقشة موضوعية للشرط الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة بواقعية عسكرية وسياسية، تقود إلى أن “هدف إضعاف المقاومة عسكريا قد تحقق إسرائيليا وإن نسبيا، فيستحيل أن تكون المقاومة لم تفقد كثيرا من قوتها مقارنة بما قبل هذه الحرب الوحشية، وهذا لا يعني أنها غير قادرة على الردع والصمود والثبات”.
ويشدد سهلي في مقاله المنشور عبر منصة “عربي 21″، أن فكرة نزع سلاح المقاومة هي فكرة غير قابلة للتنفيذ بتاتا؛ ليس لأنه أمر غير قابل للمساومة والنقاش أو لأنه من ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة للدفاع عن بقائه على قيد الحياة ومواجهة الاحتلال دون شطب كامل له ولهويته.
ويشير إلى أن الفلسطينيين صنعوا سلاحهم محليا ويمكنهم صناعة مثله من أبسط الإمكانيات دائما، “ولكن لأنه لا يوجد سلاح للنزع أصلا، بل هي محاولات فلسطينية لإيجاد سلاح وردع والحفاظ على البقاء، وليس سلاحا بالمعنى الحقيقي للسلاح الذي يمكن نزعه”.
الشعب هو السلاح
ويضيف سهلي أنه من “منظور عسكري غير مبرر عند الإسرائيليين، المقاومة حاليا شبه منزوعة السلاح وإن نظريا وصوريا أو إن كانت تفعل ذلك كخدعة، لكن هذا ما يظهر واستنفدت كثيرا من إمكانياتها في مراحل مضت من محاولة التصدي لجرائم الإبادة، بل إن أسلحتها من الأساس دفاعية خفيفة يمكنها إن استخدمت بذكاء واقتصاد ومرونة أن تحدث إصابات مؤكدة لكنها ليست حاسمة، ولا يمكن غالبا من تكرار طوفان الأقصى كل عدة سنوات مثلا، فعن أي نزع سلاح يتحدث الإسرائيليون إذاً؟!
ويرى أن السلاح الذي تتحدث إسرائيل عن ضرورة نزعه من غزة “هو الشعب الفلسطيني، فإما نزع الشعب وتهجيره واقتلاعه أو الإبادة، أو ربما كلاهما معا، لأن السلاح العسكري الحقيقي بالأساس هو سلاح مقاومة قدراتها محدودة مصدرها الشعب نفسه، والتسليح كنظرية فعلية بسيط جدا وسطحي ومحدود في كل من تخشاهم إسرائيل عسكريا مقارنة بها، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ نشوئها إلى اليوم وليس فقط خلال حرب الإبادة الأخيرة، ولا ترقى الأمور لفكرة النزع فهو سلاح متواضع خفيف بسيط محلي الصنع”.
ويؤكد ميثاق الأمم المتحدة، على حق الشعوب المحتلة في تقرير مصيرها، وينظر لمقاومة الاحتلال كحق مشروع وفق الأعراف الدولية، وتستند إلى مفهوم حقوق الإنسان. ويؤكد الكثير من الخبراء على أن نزع السلاح يجب أن يتم في إطار عملية سياسية تتضمن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما أكدت عليه المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز.
وتشدد المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز على وجوب السماح للشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير، “أي الحق في الوجود بوصفهم شعباً. من الخطأ السماح باستمرار إسرائيل بالسيطرة في غزة أو مواصلة الحكم في الضفة الغربية”.
وتقول في حديث لصحيفة العربي الجديد، إن التطهير العرقي كان سمة ثابتة في حياة الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي منذ النكبة وحتى اليوم بأشكال مختلفة، ومنه ما هو نكبة صامتة.
وتصف ألبانيز “حرب الإبادة على غزة بالأكثر ساديّة وعَسكَرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث يُقتل الناس بالعشرات والمئات في غضون ساعات، “ولم يتبق شيء”.