انشغل العقل النهضوي كثيرا بقضية التقنية، وثار نقاش كبير بين جيل الإصلاحيين الأوائل حول ضرورتها ودورها في التقدم، إذ تباعدت وجهات النظر حول مبدأ حيادها، فكان عدد من الإصلاحيين، يميل إلى أنها صنعت لخدمة المستعمر، وأن استيرادها وتوطينها، يقدم خدمة استخباراتية جليلة إذ يساعد على انكشاف المسلمين ومعرفة أحوالهم، والاطلاع على أسرارهم، فكتبت كتابات كثيرة في التحذير من أخطار المذياع وآلات التصوير والتلفون والتلغراف، وغيرها من المنتجات التقنية التي أنتجها الغرب، وساهمت في تقدمه والرفع من مؤشرات تنميته الاجتماعية.



وإذا كان بعض الدارسين للحالة الإصلاحية المغربية مال في سياق مقارن إلى التمييز بين الفقهاء الجامدين والفقهاء المتنورين، مستعينين في ذلك بفتاوى بعض الفقهاء الإصلاحيين بخصوص التقنيات الحديثة، مثل فتوى محمد ابن الحسن الحجوي وابن المواز، مما نقله باستفاضة محمد المنوني في "مظاهر يقظة المغرب الحديث"، فإن مثل هذا النقاش، الذي كان في الواقع صدى لجدل الموقف بين تقدم الغرب وطابعه الاستعماري، فإن الوقائع على الأرض، أي واقع تسارع دخول التقنيات إلى بلدان المسلمين، ثم  أثر الكتابات التنويرية التي رصدت من واقع الرحلة والمعاينة  تطور النموذج الغربي،  حكمت على المواقف المعترضة  على التقنية بعدم مواكبة العصر، فقد لعبت كتب الرحلات إلى دول الغرب (رحلة الطهطاوي، وفارس الشدياق، والصفار، ومحمد بن الحسن الحجوي، ومحمد كرد علي وغيرهم)، دورا أساسيا في الكشف عن أسباب التقدم الغرب، وأهمية التقنية في تطوير حياة الأوربيين وتيسير مصالحهم.

يلاحظ محمد عابد الجابري في قراءته لخطاب الإصلاحيين الأوائل توتر الموقف من الغرب في رؤيتهم، بين من ينحاز لجوانب التقدم والتمدن، وبالأخص ما يتعلق بتطور التقنية، ومن يغلب الطابع الاستعماري الوحشي في ممارسة الغرب وسياسته، ويفسر بذلك جزءا من الخلاف في نظرة هؤلاء إلى التقنيات المستوردة من الغرب، ويقرأ عبد الله العروي في "الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية" مواقف الفقيه في ضوء تسارع قوانين الحداثة وهجومها على كل البيئات، وفقدان الفقيه لأرضه، أي جمهوره، بسبب الجاذبية التي تمثلها التقنية، وعدم قدرة الجمهور على مقاومتها بمتابعة رأي الفقيه الممانع لها.

توطين التقنية: الإمكان والأفق

بعيد الاستقلال الذي نالته الدول العربية والإسلامية، لم يعد سؤال المشروعية مطروحا في التعامل مع قضية التقنية التي أنتجها الغرب، فقد تم تجاوز هذا السؤال، بسؤال آخر، لم يغادر الخلفية الثقافية التي حكمت النقاش السابق، فقد كان السؤال المحير وقتها حول إمكان توطين التقنية، وهل بالإمكان أن نتصور أن الغرب، الذي يتقدم بفضل التقنية، يمكن أن يسمح للتقنية أن تتوطن في العالم العربي والإسلامي بالنحو الذي يصير به هذا العالم المغاير للخرب أو الخصم له متقدما بنفس الوتيرة التي يتقدم بها الغرب.

قبل أيام، وقعت كارثة كبيرة في سياق العداون الإسرائيلي على لبنان، إذ أقدم الجيش الإسرائيلي على تفجير أجهزة البيجر ثم أجهزة "التولكي" "والكي" اللاسلكية التي تستخدم للتواصل سواء في المجال العسكري أو المدني، مفجرة بذلك نقاشا عموميا دوليا رفع سقف التخوف من التقنية عاليا، وأدخلت الشك لدى الجميع في سلامة وأمن الأجهزة التي يستعملها المواطنون في حياتهم الخاصة أو تستعملها مصالح الدولة في المجال المدني.في المرحلة الأولى، لم يكن طموح النخب يتعدى توطين التقنية التي يستفاد منها في المجال المدني فقط، لكن مع ذلك، لم تكن هذا المسار بدون كلفة قيمية وثقافية وأيضا اقتصادية وسياسية.

في المستوى الأول، يمكن أن نقرأ في المراحل الأولى الآثار التي أحدثها التلفزيون والانفتاح على القنوات الفضائية، فضلا عن الانترنت، على المسألة القيمية والأخلاقية، إذ بدأت النخب تطرح سؤال السيادة الثقافية، قبل أن ينتهي نقاشها إلى طرح سؤال الهوية، وهل هي موحدة أم متعددة، حتى صار الانفتاح وتعدد الروافد في الهوية هو النتيجة التي تحكم واقع كل المجتمعات العربية والإسلامية، بعد أن كان مشروع النخب بعد الاستقلال هو قضية الوحدة في بعدها الثقافي والقيمي والسياسي والقومي.  ثم وجدت النخب نفسها بفضل تواتر استنبات التقنية، أمام واقع آخر، فقدت فيه أدوراها كنخب موجهة، لتظهر بذلك نخب أخرى مؤثرة، لا تحمل من مقومات النخب السابقة، أي شيء ثقافي أو قيمي، بل أضحت الغريزة والتفاهة المقوم الأساسي لاستقطاب الجمهور والتأثير فيه.

في المستوى الثاني، أي الاقتصادي، لم تكن قضية التقنية تمر من غير شروط، فقضية التوطين كانت في الجوهر، تشترط وجود نخب قادرة على تشغيل هذه التقنية والتعامل معها، مما استدعى معه، ربط نخب بمصدر التقنية (البلد الأوربي) علميا وتربويا وثقافيا (الدراسة بالخارج)، وهو ما أنتج واقع تبعية الاقتصاد للبلد المصدر للتقنية، بالشكل الذي صار معه من المتعذر تبني فكرة تعدد المراكز وتعددها بما يسمح بهامش المناورة في إرساء سيادية الدولة واستقلال قرارها الاقتصادي.

في المستوى السياسي، كان السؤال الأبرز الذي طرحته النخب وقتها هو هل يسمح الغرب للدول العربية بامتلاك تقنية تدفعها نحو الإقلاع؟ وهل من الممكن تبني نظرة تجزيئية إلى التنمية، أي الحصول على تقنية دون أخرى، بما يجعل سقف التقدم في العالم العربي متحكما فيه؟

في الواقع، تعددت الإجابات النظرية بخصوص هذا السؤال، لكن واقع الحال، أثبت أن الحصول على التقنية كان مشروطا بتبعية سياسية، تجعل من حصول حالة التقدم بالشكل الذي كانت تطرح في الأدبيات النهضوية (التقدم المشروع باستقلالية القرار) أمرا متعذرا، إذ أكدت وقائع تطور المجتمعات العربية الإسلامية، في الكثير من التجارب، أن الطلب على التقنية فاق كل التوقعات، فأصبحت ظاهرة "تكديس المنتجات" كما أشار إليها مالك بن نبي، فاقدة لكل معنى بنائي نهضوي، وفي المقابل، سعت تجارب أخرى للتحايل على الغرب وإيجاد مساحات مناورة، تستمد منها ما يمكن استمداده من التقنية المحظورة، فانتهى المطاف بهذه الدول إلى أن عاشت تجارب الحصار بفضل رؤيتها التحررية (مصر، سوريا، العراق، إيران).

تقييم المرحلة، بمختلف مساراتها في التعاطي مع التقنية، وسبل استجلابها، كشف معضلة جديدة، شغلت بال النخب لما عاينت سياسة الغرب في توطين التقنية في الدول الثالثية، إذ أدركت أنه من الصعب النظر إلى موقع التقنية من التقدم من غير استحضار البعد الثقافي والقيمي في الموضوع، ومن غير حضور رؤية سياسية تضع التقنية ضمن مشروع وطني مستقل.

التقنية والمعطيات الشخصية

مع ظهور المخترعات الذكية، وبشكل خاص، الهواتف والآلات التقنية المنزلية الذكية، ومواقع التواصل الاجتماعي، طرح سؤال جديد، يتعلق المعطيات الشخصية، وكتبت كتب كثيرة تحذر من أدوار هذه المخترعات في جمع المعطيات الشخصية، وتوزيعها عبر الخوادم المركزية (BIG DATTA) لأهداف استخباراتية بالنسبة للشخصيات العمومية، او أغراض تجارية، بالنشبة للشركات التي تستثمر هذه المعطيات في الإعلانات الإشهارية. 

فكتب كل من مارك دوغان، وكريستوف لابي كتابا بعنوان: "الإنسان العاري: الديكتاتورية الخفية الرقمي" يحذران من الآثار التي خلفتها الثورة الرقمية، لاسيما ما يتعلق بالحياة الخاصة للإنسان والحميمية والهوية واللغة. وبدلا من التقليل من دور "الافتراضي" في حياة الناس، أصبح هذا العالم الافتراضي هو العالم الحقيقي، بينما أصبحت مساحات العالم الحقيقي محتلة ومهيمنة عليها من قبل مختلف الآليات التي أنتجتها الثورة الرقمية. ففي الوقت الذي كان يظن فيه الناس أن الثورة الرقمية جاءت لتعظم سلة المكاسب بفضل تقريب المعلومة وسرعة الوصول إليها فضلا عن معالجتها وتداولها، وتقريب المساحات وتسريع وتيرة التواصل ونوعيته، انقلبت الأمور رأسا على عقب، فأصبحت هذه المساحة الإيجابية لا تستثمر إلا بنحو محدود، بالقياس إلى التهديد الذي أصبحت يشكله العالم الرقمي للحميمية والحياة الخاصة والحرية واستقلال الشخصية وحسها النقدي، فحسب هذا الكتاب، أضحى الإنسان، أمام هيمنة مخرجات الثورة الرقمية عبدا أمام حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات التي تتحكم في الصناعة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية.

كما كتب روبير ريديكير يحذر في "شبكات التواصل الاجتماعي"، من السلط الرهيبة التي أضحت تمثلها هذه الشبكات، والمدى البعيد الذي وصلت إليه أهدافها، لاسيما ما يتعلق بتأثيرها على مسار الدولة الحديثة، أو على كينونة الإنسان وجوهره الإنساني، وسعيها نحو تغيير معناه ورهاناته، وطمس المعنى الروحي الجواني فيه، وتحويله إلى جسد عاري مكشوف الظاهر والباطن، وقتل حياته الخاصة والحميمية، وتدميرها لخصوصية المنزل، وانتصارها للفوضى، وقتلها للانتماء، وإنهائها لمفهوم الرأي العام، وتحولها إلى تنين يبتلع الدولة.

وبدل أن تقوم التقنية بالدور الاستخباري التقليدي، تحول مستهلكوها جميعهم (أي المجتمع) إلى أدوات في خدمة الوشاية، فالمتصل في شبكات التواصل الاجتماعي يتحول إلى خادم واشي، لا يكتفي فقط بتقديم الوشاية ضد الناس، بل يتحول نفسه إلى موضوع للوشاية، ويسمح للأجهزة الذكية باختراق أسراره ونقل خواصه المضمرة إلى الخوادم العملاقة، فيحيطها علما بأي نوع من الأكل يحب، وأي نوع من وسائل النقل يريد أن يستقل، وفي أي المطاعم يرتاح أن يأكل فيها، والجهات التي يحبذ السفر إليها، والأشخاص الذين يحب التفاعل معهم، والأشخاص الذين يكره التواصل معهم، والأفلام التي يحب مشاهدتها، والتي يحلو له الخلوة معها حين ينفرد بنفسه.

على أن الأمر لا يقتصر فقط على الهواتف النقالة أو الحواسيب المجهزة بالكاميرات والشاشات التلفزيونية الذكية، بل يشمل كل الأجهزة الذكية التي يحرص الإنسان على شرائها ووضعها في مطبخه أو حمامه أو غرفة نومه.

وتمتد مهمة الوشاية لأكبر من مجرد الإخبار عن الذات وعن الآخرين، بل تتحول إلى تقديم معطيات لا يرغب الآخرون أن تنشر عنهم في سياق تصفية الحسابات أو التعليق على التدوينات والتغريدات، فيتحول التعليق على موضوع يتضمن أفكارا للنقاش العمومي، إلى فضاء لتدمير الآخرين ونشر أخبار صحيحة أو زائفة عن سلوكات أو معلومات أو أسرار لا يريد المستهدفون بها أن يظهر الناس عليها.

كارثة تفجير البيجر أو التقنية حين تهدد سلامة المجتمع وأمنه

قبل أيام، وقعت كارثة كبيرة في سياق العداون الإسرائيلي على لبنان، إذ أقدم الجيش الإسرائيلي على تفجير أجهزة البيجر ثم أجهزة "التولكي" "والكي" اللاسلكية التي تستخدم للتواصل سواء في المجال العسكري أو المدني، مفجرة بذلك نقاشا عموميا دوليا رفع سقف التخوف من التقنية عاليا، وأدخلت الشك لدى الجميع في سلامة وأمن الأجهزة التي يستعملها المواطنون في حياتهم الخاصة أو تستعملها مصالح الدولة في المجال المدني.

التحقيقات الأولية تتحدث عن شركة وهمية في المجر، تم منحها الترخيص من الشركة التايوانية الأم بإنتاج هذه الأجهزة، فوضعت تحت البطارية 20 غراما من المتفجرات، مع إحداث تغيير تقني في الدائرة الإلكترونية التي تحكم عمل البطارية، بالشكل الذي يسمح بوصول درجة حرارتها لسقف يتجاوز المعتاد، بما يسمح بتفجرها ثم انفجار المادة المتفجرة تحتها، وتعريض حياة المستعلمين للخطر.

المجتمع الذي قبل أن تكون التقنية، معبرا لهيمنة ثقافة الآخر، وثقافته وقيمه، بل وقبل كرها أن تصير التقنية أداة لهدم هويته ومرجعيته، ووحدة وتماسك مكونات المجتمع، سيصير أمام واقع قبول تقنية تنهي حياته وتهدد سلامته الشخصية، دون أن تكون له القدرة على مجرد مناشدة مؤسسات دولية تسعفه في رفع التهديد الوجودي عنه.الواقعة كما تبدو في الظاهر لها علاقة بالحرب، لكنها تثير مشكلة قانونية خطيرة، تتعلق بشرعية هذه الممارسة بالنسبة إلى الشركات، وأثرها على مستقبل التقنية، ومخاطر تنامي الشك من تأثير المنتجات التقنية على حياة الناس وسلامتهم، إذ يمكن في أي لحظة، أن تستعمل التقنية كأداة حرب، ضد أي دولة ما، ما لم يتم احترام الأطر القانونية الدولية لمتعلقة بسلامة المنتجات التقنية المصدرة من أي تهديد للأمن وسلامة المستعلمين.

في الواقع، لا تملك المجتمعات المستهلكة كل المعطيات عن التقنيات والأجهزة التي تستهلكها، في حين يحتفظ مصنعوها بالكثير من الأسرار عن وظائفها الأخرى، فإذا كان العالم اليوم، يدرك بأن هذه الأجهزة أضحت وسائل مرنة لجمع المعطيات الشخصية واستعمالها بشكل غير قانوني، وتغيير الثقافات والقيم، والتحكم في الأمزجة، وربما تغيير الأنظمة السياسية، فإنها إلى حد اليوم لا تزال تجهل الأبعاد العسكرية والأمنية فيها، وكيف يمكن أن تستخدم في لحظة من اللحظات ضد حياة الأفراد وسلامتهم.

الخلاصة:

التحدي المطروح اليوم، لخلق نوع من الطمأنينة حول سؤال الأمن والسلامة في استعمال التقنية، هو النتائج النهائية التي سيقدمها التحقيق حول الكيفية التي تم فيها تفخيخ أجهزة اللاسلكي من قبل إسرائيل في لبنان، ثم المدى الذي يمكن أن تبلغه التحقيقات الدولية بهذا الخصوص، والآثار القانونية والسياسية التي يمكن أن ترتب على الفاعل الإجرامي الذي حول التقنية إلى سلاح حربي،  فأي قصور عن الفهم التقني، وأي تراخ أو عجز عن ترتيب الآثار القانونية والسياسية، سيبقي سؤال علاقة التقنية بالأمن والسلامة بالنسبة للأفراد والمجتمعات، سؤالا جديا محفوفا بكثير من الشكوك، وسيعيد إلى المخيال الاجتماعي، غلبة الطابع الاستعماري في تقاسم  الغرب للتقنية التي ينتجها، فالمجتمع الذي قبل أن تكون التقنية، معبرا  لهيمنة ثقافة الآخر، وثقافته وقيمه، بل وقبل كرها أن تصير التقنية أداة لهدم هويته ومرجعيته، ووحدة وتماسك مكونات المجتمع، سيصير أمام واقع قبول تقنية تنهي حياته وتهدد سلامته الشخصية، دون أن  تكون له القدرة على مجرد مناشدة مؤسسات دولية تسعفه في رفع التهديد الوجودي عنه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الغرب رأي العربية العرب تكنولوجيا الغرب رأي استخدامات أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعطیات الشخصیة الإسرائیلی على الثورة الرقمیة فی المجال فی سیاق یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الترسانة النووية للرئيس الـ47.. ما الأسلحة التي يستطيع ترامب أن يهدد بها العالم؟

نشرت صحيفة "غازيتا" الروسية تقريرا يسلط الضوء على الاستراتيجيات التي يعتزم الجيش الأمريكي تطبيقها في السنوات القادمة لتطوير قدراته وتعزيز هيمنته، وأبرز الأسلحة التي ستكون تحت تصرف رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب خلال ولايته الثانية.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب سيمتثل في البداية لميزانية الدفاع لسنة 2025، والمقدرة بـ865 مليار دولار، واستراتيجية الدفاع الوطني التي اعتُمدت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

وترجح الصحيفة إجراء تعديلات جذرية في استراتيجيات الجيش الأمريكي خلال السنوات القادمة، استنادًا إلى دراسات وتجارب من أهمها تلك المتعلقة بالخبرة المكتسبة من الحرب الروسية الأوكرانية.



الردع الشامل للأعداء
أوضحت الصحيفة أن مسألة الردع الاستراتيجي تمثل أولوية بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية، وأضافت أن البنتاغون يرى أن الأسلحة النووية ستكتسب في المستقبل القريب تأثيرا ردعيا لا يمكن لأي عنصر آخر من عناصر القوة العسكرية أن يحل محله.

لذلك يعتزم البنتاغون -وفقا للصحيفة- تحديث قدراته النووية الاستراتيجية والبنية التحتية الإنتاجية والقاعدة العلمية والهندسية.

وقد تم إنشاء معظم أنظمة الردع النووي في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين وما قبل ذلك. وبعد عدة عمليات تحديث، من المنتظر أن تنتهي صلاحية جميع الأنظمة العاملة حاليًا في منتصف ثلاثينيات القرن الحالي.

وحسب الصحيفة، تعتقد وزارة الدفاع الأمريكية أن إعادة تمويل المنصات النووية وأنظمة التسليم وأنظمة الدعم المرتبطة بها سوف تتطلب استثمارات كبيرة على مدى العشرين عاماً المقبلة.

ومن المقرر أن يحل الصاروخ الباليستي العابر للقارات "إل جي إم-35 إيه سينتنيل" محل الصاروخ الباليستي العابر للقارات "مينتمان 3" والذي تم تطويره في سبعينيات القرن العشرين.

وحسب المطورين، سيحتفظ صاروخ "إل جي إم-35 إيه سينتنيل" بخصائص التكيف السابقة، مع توفير قدرات وأمان وموثوقية أكبر. كما سيتم استبدال صاروخ "إيه جي إم 86" الذي دخل الخدمة سنة 1982.

ومن المنتظر أن يتم تطوير الغواصة النووية الاستراتيجية "كولومبيا" لتعويض الغواصات النووية الاستراتيجية من طراز "أوهايو" انطلاقا من تشرين الأول/ أكتوبر 2030. وقد انطلقت أشغال بناء السفينة الأولى من هذا المشروع في أيلول/ سبتمبر 2020.

وأضافت الصحيفة أنه من المقرر تخصيص أموال إضافية للصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات من طراز "يو جي إم-133 ترايدنت 2". ومن المقرر أن تظل هذه الصواريخ في الخدمة مع البحرية الأمريكية طوال فترة خدمة الغواصات من طراز "أوهايو"، أي إلى أوائل أربعينيات القرن الحادي والعشرين، وهو الموعد المحدد لنشر أولى الغواصات النووية من طراز كولومبيا.

كما دخلت القاذفات الاستراتيجية من طراز "نورثروب غرومان بي-21 رايدر" مرحلة الإنتاج الكامل في السنة المالية 2024. وتؤكد وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه الطائرات، عند دخولها الخدمة، ستكون طائرات منخفضة التكلفة مجهزة بتقنيات متطورة. كما تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية أن القاذفة ستشكل عنصرا رئيسيا في ترسانة مشتركة من الأسلحة التقليدية والنووية.

ومن المنتظر أن تحل مقاتلات "إف 35" القادرة على حمل الأسلحة النووية والعادية محل المقاتلات القديمة من الجيل الرابع، بما في ذلك "إف 15 إي"، وستكون مخصصًة لتنفيذ مهمات الردع النووية لحلف الناتو.

وقد حصلت بعض مقاتلات "إف-35 إيه" التي تمتلكها الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الأوروبيين على شهادة القدرة التشغيلية النووية في بداية السنة المالية 2024.

التفوق الجوي
ذكرت الصحيفة أن المجمع الصناعي الدفاعي الأمريكي يستمر بالتركيز في المجال الجوي على تنفيذ مشروع "الجيل المقبل من الهيمنة الجوية"، والذي يقوم على نشر مجموعة كاملة من الأنظمة المتصلة، والتي يمكن أن تشمل المقاتلات والطائرات المسيرة والأقمار الصناعية ومنصات الفضاء الإلكتروني.

في هذه المرحلة، يتمثل الاستثمار الرئيسي في الطائرة المقاتلة من طراز "لوكهيد مارتن إف-35 لايتنينغ الثانية"، والتي ستكون العمود الفقري للقوات الجوية.

في إطار برنامج "إف-35"، يتم تطوير وإنتاج وتوريد ثلاثة أنواع من مقاتلات الجيل الخامس الضاربة، وهي النسخة التقليدية للإقلاع والهبوط "إف-35 إيه" والمخصصة لسلاح الجو، ونسخة الإقلاع القصير والهبوط العمودي "إف-35 بي" لمشاة البحرية، و"إف-35 سي" الخاصة بالقوات البحرية.

وفقًا للبنتاغون، فإن خاصية التخفي التي تتميز بها طائرة "إف-35"، وأجهزة الاستشعار المتطورة والتكامل الوظيفي الذي يسمح بتبادل المعلومات بشكل سلس، كلها مميزات تجعل هذه الطائرة أذكى وأكثر فتكًا وقدرة على الصمود في ساحات المعارك.

كما يستمر تمويل نظام الطائرات المسيرة التابع للبحرية الأمريكية من طراز "بوينغ أم كيو-25 ستينغراي"، التي ستوفر لوزارة الدفاع ناقلة وقود مسيرة من شأنها مضاعفة القوة الضاربة لجناح حاملة الطائرات مع توفير المراقبة البحرية.



وأضافت الصحيفة أن ميزانية السنة المالية 2025 تتضمن أيضًا شراء طائرة نقل من طراز "بوينغ كيه سي-46 بيغاسوس"، والتي ستحل محل الناقلات القديمة. كما تتضمن ميزانية السنة المالية 2025 تمويل جهود القوات الجوية الأمريكية لاستبدال أسطول طائرات الإنذار المبكر المحمولة جوا من طراز "بوينغ إي 3 سينتري" بأخرى من طراز "بوينغ 737".

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة خصصت مبالغ لتمويل مختلف أنظمة الحرب الإلكترونية. بالإضافة إلى التعديلات الحالية على طائرة الحرب إلكترونية من "بوينغ إي إيه-18 جي غرولير"، فإن جهاز التشويش من الجيل القادم سيضمن إمكانيات متقدمة في مجال الهجوم الإلكتروني الجوي ضد رادارات الدفاع الجوي المتقدمة.

وتتضمن ميزانية السنة المالية 2025 أيضًا تخصيص أموال لتعزيز قدرة نظام التحذير في طائرة "إف-15 إيغل"، ونظام الإجراءات الإلكترونية المضادة المتكامل في طائرة "إف/إيه-18 هورنت".

التفوق على الأرض
وقالت الصحيفة إن وزارة الدفاع الأمريكية تخطط لاتخاذ القرار النهائي بشأن الصورة المستقبلية والهيكل التنظيمي للقوات البرية الأمريكية في سنة 2040 خلال العامين المقبلين.

وتخطط المؤسسة العسكرية الأمريكية لمعرفة ماهية ساحات المعارك والبيئة التشغيلية في المستقبل المنظور، ومما لا شك فيه أن هذه الدراسات سوف تتأثر إلى حد كبير بالخبرة القتالية المكتسبة من النزاع المسلح في أوكرانيا، وفقا للصحيفة.

ويعد مشروع التقارب التابع للجيش الأمريكي، والذي انطلق في 2020 ويهدف إلى تحسين قدرات الجيش، منصة للقيام بهذه التجارب.

ينص المشروع على استبدال الدبابات التقليدية بدبابات روبوتية ونقل جزء كبير من الأعمال العسكرية الشاقة، وخاصة المهام عالية المخاطر، إلى الآلات والروبوتات بدلاً من الجنود. وقد خصصت ميزانية 2025 حوالي 13 مليار دولار لتحديث الأسلحة والمعدات العسكرية للجيش الأمريكي وسلاح مشاة البحرية، بما في ذلك المركبات المدرعة متعددة الأغراض ومركبات القتال البرمائية ومركبات المشاة القتالية.

الهيمنة في البحار والمحيطات
تتضمن طلبات الميزانية للسنة المالية 2025 تخصيص 48.1 مليار دولار للاستثمار في القوة البحرية الأمريكية، ببناء ست سفن جديدة، بينها غواصة نووية متعددة المهام من طراز "فيرجينيا"، ومدمرتين من فئة "آرلي بيرك" مزودة برادار متطور، وسفينة إنزال من فئة "سان أنطونيو"، وسفينة إنزال متوسطة الحجم.

وتتضمن ميزانية السنة المالية 2025 تمويلًا إضافيًا لبناء حاملات طائرات جديدة تعمل بالطاقة النووية من فئة "جيرالد فورد" و"يو إس إس جون إف كينيدي"، المقرر تسليمها إلى البحرية في 2025، و"يو إس إس إنتربرايز" المقرر دخولها الخدمة في 2028، فضلا عن حاملة أخرى من فئة "يو إس إس دوريس ميلر".

ومن المقرر وضع حجر الأساس للناقلة "دوريس ميلر" في كانون الثاني/ يناير 2026، وإطلاقها في تشرين الأول/ أكتوبر 2029، ودخولها الخدمة في 2032.

ما المتوقع من ترامب؟
وذكرت الصحيفة أن من المتوقع تخصيص حوالي 143.2 مليار دولار للبحث والتطوير والاختبار والتقييم، ويشمل ذلك الاستثمارات في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل الخامس ومختلف أنواع التجارب.



ومن المنتظر تخصيص 17.2 مليار دولار للعلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك الاستثمارات في البحوث الأساسية بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار.

وحسب البنتاغون، تتيح هذه الإجراءات للقوات المسلحة الأمريكية تحقيق مزايا مستدامة في إدارة العمليات العسكرية.

وختمت الصحيفة أنه من المستبعد أن يتخذ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أي قرارات في المستقبل القريب بمراجعة البرامج والتمويلات المعتمدة سابقا لتطوير قدرات الجيش الأمريكي.


مقالات مشابهة

  • الترسانة النووية للرئيس الـ47.. ما الأسلحة التي يستطيع ترامب أن يهدد بها العالم؟
  • دعوة من الكتائب للرئيس المُكلف والعماد عون: لعدم الرضوخ للابتزاز المتمادي الذي يمارسه الثنائي
  • «عاصفة أوامر تنفيذية».. ترامب يضع بصمته منذ اللحظة الأولى (فيديو)
  • الكتائب: لحكومة لا تتخطى القواعد التي أرساها خطاب القسم
  • لكل من فاته خطاب ترامب.. هذه أبرز القرارات التي أعلن عنها فور تنصيبه
  • ترامب في خطاب التنصيب: الحلم الأميركي سيعود مرة أخرى
  • نخب مسيحية تتحرك لاحتضان العهد... ومواكبة خطاب القَسَم
  • الذايدي: سالم هو اللاعب العربي والآسيوي الوحيد الذي سجل في أهم 4 بطولات عالمية.. فيديو
  • الصين في العراق.. النفط برضا النخب مقابل الاستقرار السياسي والاجتماعي
  • «لو ترجمت هتحصل مشكلة.. الكشف عن النص الذي رفض مترجم كولر توضيحه للصحفيين عقب الخسارة من أورلاندو.. عاجل