عربي21:
2024-09-24@14:30:30 GMT

وَحدة الساحات

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

انشغل جيلي؛ جيل الثمانينيات، بمسألة العلاقة بين السنة والشيعة، مع حرب لبنان الثانية في تموز/ يوليو عام 2006، وخرجت القضية إلى حيز النقاش العام عندما انخرط شباب الحركات السياسية بمن فيهم طلاب الإخوان المسلمين، في تظاهرات داعمة للبنان، ولحزب الله الذي قاد معركة صد العدوان، بشكل مباشر. وأذكر جيدا أن أحد ملصقات الإخوان المسلمين في الشوارع المصرية والتظاهرات، جمَعَ صورا للسادة حسن البنا وأحمد ياسين وإسماعيل الرنتيسي وخالد مشعل وحسن نصر الله معا، وكان علم حزب الله مرفوعا في تظاهرة الإخوان في الشارع، وبعد النصر اللبناني، شكر السيد حسن نصر الله المرشدَ العام للإخوان المسلمين وقتها، الراحل الكبير الأستاذ محمد مهدي عاكف.



وقف الإخوان داعمين لحزب الله بكل قوة، دون وجود نقاش حول أي اختلاف مذهبي، في الوقت الذي كان السلفيون يحذرون فيه من الإعجاب بالحزب والدفاع عنه ومناصرته، باعتبار أن الشيعة "أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى". وبالطبع تعززت المقولات السلفية بعد اندلاع الثورة السورية، ومشاركة الحزب في صف نظام الأسد، وارتباك الوضع الإقليمي في اليمن ومن قبله العراق، وارتفاع صوت الخلافات المذهبية واستغلال المذهب لتحقيق الطموحات السياسية للأطراف المختلفة، فانقسمت الساحة السنية الشيعية انقساما ما كان أحد يظن له رتقا.

جاءت "طوفان الأقصى" منذ عام تقريبا، لتذيب الخلافات المذهبية في أتون الحرائق الصهيونية، وصهرَتْها لتخرج الأمة كتلة واحدة من هذا الأتون كسيف واحد يحمي فلسطين، ويوجه إلى صدور أعدائها فقط، فامتزجت دماء حزب الله مع حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، ودماء حركة أمل مع دماء الجماعة الإسلامية بلبنان، وأريقت دماء هنية في طهران، وصلى عليه أكبر مرجع شيعي في العالم، وهنية ابن أكبر جماعة سياسية سنية في العالم، وقائد الحركة التي أذلت دولة الاحتلال.

امتزجت الدماء والأرواح، وامتزجت الأهداف بل والمصائر، فمصير غزة مرهون بجبهة لبنان أكثر من أي جبهة أخرى، ومصير لبنان مرهون بالانفصال عن غزة، وهو ما رفضه حزب الله، وأعلنه بكل وضوح أمينه العام في خطابه عن "مجزرتي الثلاثاء والأربعاء"، وصار خطاب السيد نصر الله يومها بردا وسلاما على قلوب الهاوية أفئدتهم إلى غزة وفلسطين.

انكسرت إرادة نتنياهو في غزة، وغرق فيها رغم تدمير المدينة تقريبا، فلم يبق حجر على حجر، ولم يترك مبنى سواء كان سكنيّا أو تعليميّا أو صحيّا أو حتى أمميّا إلا ودمَّره، وفعل ذلك ليطعن المقاومة في خاصرتها؛ الحاضنة الشعبية، مشيرا إلى عاقبة احتضان المقاومة بكل دموية. لكنه رغم ذلك لم يستطع السيطرة على القطاع عسكريّا، ولا تستطيع قواته التجول فيه بحريَّة، ولم يستطع منع السيطرة المدنية لحماس داخل القطاع، ولم يستطيع تحرير أسراه، فقرر الاتجاه نحو الشمال ليوهم شعبه بانتصار زائف.

يكرر نتنياهو نفس الممارسة باستهداف المدنيين، سواء في قصفه العنيف الذي بدأه أمس الاثنين وارتقى فيه أكثر من 492 شخصا من بينهم 35 طفلا و58 سيدة، وإصابة 1645 بجروح، بحسب آخر بيان لوزارة الصحة اللبنانية وقت كتابة السطور، ويكرر الاحتلال أكاذيبه مثلما فعل في قطاع غزة الذي زعم مئات المرات أنه فكَّك الكتائب المقاومة فيه، وما يلبث أن يعود مرة تلو الأخرى مُطْلقا عملية في المكان، وكذلك في لبنان، حيت يقول إنه قضى على ما بناه حزب الله في 20 عاما بتلك الغارات، فأي عقل يصدِّق ذلك!

يذهب نتنياهو إلى لبنان بمنطق "التصعيد لوقف التصعيد"، بينما يصر الحزب على منطق "الاشتباك لوقف القتال في غزة"، ورغم القوة الجوية الهائلة والتكنولوجية للاحتلال، فإنه لا يستطيع السيطرة البرية على شبر جديد من الأراضي اللبنانية في مواجهة حزب الله. وتجربة غزة دليل واضح على الضعف البري لجيش الاحتلال، ما يجعل ذهابه إلى لبنان محاولة شديدة الصعوبة لعملية تصعيد محسوبة، صحيح أن الحزب لا يزال يركز قصفه على أهداف عسكرية، في محاولة أخيرة لضبط الأمور قبل إفلاتها، لكن تجاوزات نتنياهو الذي يوقن بأنه سيتلقى الدعم الغربي الكامل في هذه المواجهة، قد تذهب بالأمور إلى حرب سيتضرر منها الاحتلال مثلما سيتضرر منها لبنان.

يدفع حزب الله اليوم فاتورة كبيرة نتيجة وقفته مع القضية الفلسطينية، وكذا دفعت جماعة أنصار الله في اليمن، في القصف الذي استهدف الحديدة، ودفعت إيران ثمنا بخسارتها لبعض قادتها العسكريين في فيلق القدس أو الحرس الثوري، وهذه كلها أطراف شيعية تقف خلف جماعة سُنيَّة، وتقول إن قرارها معقود بموافقة الجماعة السنية على وقف القتال، دون الحاجة إلى اتفاق منفرد معها لوقف هجماتها ضد الاحتلال، ما يؤكد معنى وَحدة الساحات بالفعل لا مجرد القول.

إن وقت المعركة الحالي يستدعي المضي فوق مرارات الماضي، وتقديم الدعم لكل من يقف بوجه عدو الأمة الرئيسي، وهذا الموقف لا يعني تقديس الطرف المقاوِم للعدوان الصهيوني على أي أرض من أراضينا، بل هو موقف الدعم أولا، ثم البناء على مكتسبات هذا الموقف الوحدوي، لترميم الشبكات الاجتماعية على طول المنطقة وعرضها، التي تمزقت بفعل التقسيم السياسي والمذهبي، ولإيقاف المتطرفين على الجانبين عن بث خطابات التفريق، وإدراك أن وَحدة الساحات أو وَحدة الأمة لا تعني ذوبان الاختلافات بين الأطراف، فالاختلافات موجودة وستظل، وإدارتها في ظل التعايش وأحيانا التجاذب أمر طبيعي، أما إدارتها على وقع البنادق والقصف العسكري واللفظي فلن يؤدي إلى انتصار أحد الطرفين، بل سيؤدي إلى انتصار العدو المتربص بنا جميعا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان حزب الله الشيعة غزة المقاومة لبنان غزة حزب الله الشيعة المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله

إقرأ أيضاً:

من هو الرجل الثالث في حزب الله الذي حاولت إسرائيل اغتياله ببيروت؟

رام الله - دنيا الوطن
نفى (حزب الله) اللبناني الأنباء الإسرائيلية حول اغتيال القيادي البارز في صفوفه علي كركي، بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء اليوم الاثنين.

وجاء في بيان مقتضب صدر عن الحزب أنه "تعليقًا على ادعاءات العدو الصهيوني باغتيال الأخ المجاهد ‏علي كركي، فإنّنا نؤكد أنّ الأخ العزيز المجاهد ‏القائد ‏الحاج علي كركي بخير وهو بحول الله تعالى في ‏كامل صحته وعافيته وقد انتقل إلى مكان آمن".
ومساء الاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت، دون مزيد من التفاصيل.

بدورها، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني قوله إن الغارة استهدفت كركي الذي وصفه بأنه الرجل الثالث في (حزب الله)، مشيرا إلى أن رتبته تعادل القائدين فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، اللذين اغتالتهما إسرائيل في وقت سابق.

وبعد محاولة اغتياله في غارة على بيروت، يبرز علي كركي كأحد أبرز القادة العسكريين في (حزب الله)، وذلك في أعقاب سلسلة عمليات اغتيال نفذها الجيش الإسرائيلي ضد قيادات الحزب، كان آخرها استهداف مسؤول العمليات إبراهيم عقيل وقادة في وحدة الرضوان، وذلك بعد اغتيال فؤاد شكر في تموز/ يوليو الماضي.

وكركي، الذي يُعتبر أحد المسؤولين الرئيسيين في إدارة العمليات العسكرية للحزب، يمثل نقطة محورية في إستراتيجيات (حزب الله) العسكرية، وقد ارتبط اسمه بعدد من الأحداث والنشاطات العسكرية والسياسية؛ وبحسب الادعاءات الإسرائيلية، فإن كركي هو قائد جبهة الجنوب التي تشهد تصعيدا متواصلا من 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفق ما جاء على موقع (عرب 48).

خلفية عن علي كركي

علي كركي، المعروف أيضًا بلقب "أبو علي"، هو شخصية بارزة في (حزب الله)، حيث تولى مناصب رفيعة ضمن هيكل الحزب العسكري. ويُعتقد أن كركي مسؤول عن تنسيق الأنشطة العسكرية والاستخباراتية، ويُعتبر أحد المقربين من الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.

تخرج كركي من الجامعة في لبنان قبل أن يلتحق بحزب الله، حيث بدأ مسيرته في صفوف الحزب خلال الحرب الأهلية اللبنانية. منذ ذلك الحين، ارتقى في الرتب، حيث لعب دورًا حيويًا في العديد من العمليات العسكرية، بما في ذلك تلك التي استهدفت القوات الإسرائيلية خلال حرب تشرين في حزيران/ يونيو 2006.

وينحدر كركي من قرية عين بوسوار التابعة لقضاء النبطية في جنوب لبنان، فيما لم تظهر له أي صورة سابقة في الإعلام. وسبق أن حاولت إسرائيل اغتيال كركي في شباط/ فبراير الماضي بقصف استهدف سيارة بمدينة النبطية جنوب لبنان، لكنه لم يكن في السيارة المستهدفة.

وفي 2019، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضد علي كركي، وإبراهيم عقيل، وفؤاد شكر، وفق بيان الوزارة الذي قال حينها، أن كركي "قيادي في مجلس الجهاد التابع لحزب الله، وهو المسؤول عن العمليات العسكرية ضد إسرائيل جنوب لبنان".
دوره العسكري

ويُعتقد أن كركي عضو في "المجلس الجهادي لحزب الله"، وقائد المنطقة الجنوبية بالحزب، وهو بذات المرتبة التي كان قد وصل إليها القياديان فؤاد شكر وإبراهيم عقيل قبل اغتيالهما.

ويُعتبر كركي مهندسًا لاستراتيجيات (حزب الله) العسكرية، حيث قام بتطوير القدرات القتالية للحزب، بما في ذلك استخدام الأسلحة المتقدمة وتكتيكات الحروب غير النظامية. ووفقًا للتقارير، فإن كركي كان له دور محوري في تنسيق العمليات ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، ويُعتقد أنه قد يكون له أيضًا تأثير على استراتيجية الحزب في سورية.

ولكركي تأثير كبير في توجيه سياسات (حزب الله)، خاصة في ما يتعلق بالعمليات العسكرية والاستراتيجيات الدفاعية؛ ووفقا للتقارير، يتمتع كركي بعلاقات وثيقة مع إيران، ويُعتبر جزءًا من شبكة واسعة من التعاون بين الحزب والقوى الإقليمية الأخرى في "محور المقاومة".

وتأتي التحركات الإسرائيلية لاستهدافه، في إطار الجهود الأوسع لإضعاف (حزب الله) وقطع خطوط القيادة في الحزب. ويشير استمرار العمليات العسكرية ضد الحزب، بما في ذلك استهداف القادة، إلى تصعيد إسرائيلي استثنائي لاستهداف قادة الحزب في محاولة لتغيير موازين القوى في المنطقة.

ويأتي استهداف بيروت بالتزامن مع قصف إسرائيلي مكثف على جنوب لبنان، هو الأعنف منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، الاثنين، استشهاد 356 شخصا بينهم أطفال ونساء ومسعفون، وإصابة أكثر من ألف و200، جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت شرق وجنوب البلاد، في حصيلة غير نهائية.

مقالات مشابهة

  • حنيني: استمرار جرائم الاحتلال بالضفة لن تنجح في كسر وحدة الساحات
  • خبير عسكري: إسرائيل في مأزق رغم تصعيدها ضد حزب الله الذي لم يرد بعد
  • أنصار الله تدين الجرائم الإسرائيلية في لبنان وتؤكد استمرار اليمن في إسناد فلسطين انطلاقاً من مبدأ وحدة الساحات
  • من هو الرجل الثالث في حزب الله الذي حاولت إسرائيل اغتياله ببيروت؟
  • من هو فادي الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟
  • من هو فادي الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه
  • ما هو صاروخ “فادي” الذي قصف حزب الله به حيفا وقاعدة جوية؟
  • ما هو صاروخ فادي الذي قصف حزب الله به حيفا وقاعدة جوية؟
  • تعرض للأسر في تل أبيب قبل 20 عاما.. من هو أحمد وهبي القيادي بحزب الله الذي قتل بغارة إسرائيلية في لبنان؟!