عربي21:
2025-01-18@07:39:55 GMT

وَحدة الساحات

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

انشغل جيلي؛ جيل الثمانينيات، بمسألة العلاقة بين السنة والشيعة، مع حرب لبنان الثانية في تموز/ يوليو عام 2006، وخرجت القضية إلى حيز النقاش العام عندما انخرط شباب الحركات السياسية بمن فيهم طلاب الإخوان المسلمين، في تظاهرات داعمة للبنان، ولحزب الله الذي قاد معركة صد العدوان، بشكل مباشر. وأذكر جيدا أن أحد ملصقات الإخوان المسلمين في الشوارع المصرية والتظاهرات، جمَعَ صورا للسادة حسن البنا وأحمد ياسين وإسماعيل الرنتيسي وخالد مشعل وحسن نصر الله معا، وكان علم حزب الله مرفوعا في تظاهرة الإخوان في الشارع، وبعد النصر اللبناني، شكر السيد حسن نصر الله المرشدَ العام للإخوان المسلمين وقتها، الراحل الكبير الأستاذ محمد مهدي عاكف.



وقف الإخوان داعمين لحزب الله بكل قوة، دون وجود نقاش حول أي اختلاف مذهبي، في الوقت الذي كان السلفيون يحذرون فيه من الإعجاب بالحزب والدفاع عنه ومناصرته، باعتبار أن الشيعة "أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى". وبالطبع تعززت المقولات السلفية بعد اندلاع الثورة السورية، ومشاركة الحزب في صف نظام الأسد، وارتباك الوضع الإقليمي في اليمن ومن قبله العراق، وارتفاع صوت الخلافات المذهبية واستغلال المذهب لتحقيق الطموحات السياسية للأطراف المختلفة، فانقسمت الساحة السنية الشيعية انقساما ما كان أحد يظن له رتقا.

جاءت "طوفان الأقصى" منذ عام تقريبا، لتذيب الخلافات المذهبية في أتون الحرائق الصهيونية، وصهرَتْها لتخرج الأمة كتلة واحدة من هذا الأتون كسيف واحد يحمي فلسطين، ويوجه إلى صدور أعدائها فقط، فامتزجت دماء حزب الله مع حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، ودماء حركة أمل مع دماء الجماعة الإسلامية بلبنان، وأريقت دماء هنية في طهران، وصلى عليه أكبر مرجع شيعي في العالم، وهنية ابن أكبر جماعة سياسية سنية في العالم، وقائد الحركة التي أذلت دولة الاحتلال.

امتزجت الدماء والأرواح، وامتزجت الأهداف بل والمصائر، فمصير غزة مرهون بجبهة لبنان أكثر من أي جبهة أخرى، ومصير لبنان مرهون بالانفصال عن غزة، وهو ما رفضه حزب الله، وأعلنه بكل وضوح أمينه العام في خطابه عن "مجزرتي الثلاثاء والأربعاء"، وصار خطاب السيد نصر الله يومها بردا وسلاما على قلوب الهاوية أفئدتهم إلى غزة وفلسطين.

انكسرت إرادة نتنياهو في غزة، وغرق فيها رغم تدمير المدينة تقريبا، فلم يبق حجر على حجر، ولم يترك مبنى سواء كان سكنيّا أو تعليميّا أو صحيّا أو حتى أمميّا إلا ودمَّره، وفعل ذلك ليطعن المقاومة في خاصرتها؛ الحاضنة الشعبية، مشيرا إلى عاقبة احتضان المقاومة بكل دموية. لكنه رغم ذلك لم يستطع السيطرة على القطاع عسكريّا، ولا تستطيع قواته التجول فيه بحريَّة، ولم يستطع منع السيطرة المدنية لحماس داخل القطاع، ولم يستطيع تحرير أسراه، فقرر الاتجاه نحو الشمال ليوهم شعبه بانتصار زائف.

يكرر نتنياهو نفس الممارسة باستهداف المدنيين، سواء في قصفه العنيف الذي بدأه أمس الاثنين وارتقى فيه أكثر من 492 شخصا من بينهم 35 طفلا و58 سيدة، وإصابة 1645 بجروح، بحسب آخر بيان لوزارة الصحة اللبنانية وقت كتابة السطور، ويكرر الاحتلال أكاذيبه مثلما فعل في قطاع غزة الذي زعم مئات المرات أنه فكَّك الكتائب المقاومة فيه، وما يلبث أن يعود مرة تلو الأخرى مُطْلقا عملية في المكان، وكذلك في لبنان، حيت يقول إنه قضى على ما بناه حزب الله في 20 عاما بتلك الغارات، فأي عقل يصدِّق ذلك!

يذهب نتنياهو إلى لبنان بمنطق "التصعيد لوقف التصعيد"، بينما يصر الحزب على منطق "الاشتباك لوقف القتال في غزة"، ورغم القوة الجوية الهائلة والتكنولوجية للاحتلال، فإنه لا يستطيع السيطرة البرية على شبر جديد من الأراضي اللبنانية في مواجهة حزب الله. وتجربة غزة دليل واضح على الضعف البري لجيش الاحتلال، ما يجعل ذهابه إلى لبنان محاولة شديدة الصعوبة لعملية تصعيد محسوبة، صحيح أن الحزب لا يزال يركز قصفه على أهداف عسكرية، في محاولة أخيرة لضبط الأمور قبل إفلاتها، لكن تجاوزات نتنياهو الذي يوقن بأنه سيتلقى الدعم الغربي الكامل في هذه المواجهة، قد تذهب بالأمور إلى حرب سيتضرر منها الاحتلال مثلما سيتضرر منها لبنان.

يدفع حزب الله اليوم فاتورة كبيرة نتيجة وقفته مع القضية الفلسطينية، وكذا دفعت جماعة أنصار الله في اليمن، في القصف الذي استهدف الحديدة، ودفعت إيران ثمنا بخسارتها لبعض قادتها العسكريين في فيلق القدس أو الحرس الثوري، وهذه كلها أطراف شيعية تقف خلف جماعة سُنيَّة، وتقول إن قرارها معقود بموافقة الجماعة السنية على وقف القتال، دون الحاجة إلى اتفاق منفرد معها لوقف هجماتها ضد الاحتلال، ما يؤكد معنى وَحدة الساحات بالفعل لا مجرد القول.

إن وقت المعركة الحالي يستدعي المضي فوق مرارات الماضي، وتقديم الدعم لكل من يقف بوجه عدو الأمة الرئيسي، وهذا الموقف لا يعني تقديس الطرف المقاوِم للعدوان الصهيوني على أي أرض من أراضينا، بل هو موقف الدعم أولا، ثم البناء على مكتسبات هذا الموقف الوحدوي، لترميم الشبكات الاجتماعية على طول المنطقة وعرضها، التي تمزقت بفعل التقسيم السياسي والمذهبي، ولإيقاف المتطرفين على الجانبين عن بث خطابات التفريق، وإدراك أن وَحدة الساحات أو وَحدة الأمة لا تعني ذوبان الاختلافات بين الأطراف، فالاختلافات موجودة وستظل، وإدارتها في ظل التعايش وأحيانا التجاذب أمر طبيعي، أما إدارتها على وقع البنادق والقصف العسكري واللفظي فلن يؤدي إلى انتصار أحد الطرفين، بل سيؤدي إلى انتصار العدو المتربص بنا جميعا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان حزب الله الشيعة غزة المقاومة لبنان غزة حزب الله الشيعة المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تخشى سيناريو حزب الله 2006

تساءلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، ما إذا كان حزب الله سيعيد تنظيم نفسه كما حدث في عام 2006 بعد حرب لبنان الثانية، على خلفية وقف إطلاق النار أم لا.

ونقلت الصحيفة عن البرفيسور الإسرائيلي أماتسيا برعام، الخبير في دراسات الشرق الأوسط، الصورة المعقدة للواقع على الحدود الشمالية لإسرائيل، قائلاً إن التنظيم قد يفسر الصمت على أنه فرصة له لحرب أخرى.

وقال برعام في حديثه مع "معاريف" إن وقف إطلاق النار اختبار استراتيجي حساس يجب على إسرائيل إجراؤه بحذر، ولكن أيضاً بتصميم، مشيراً إلى أن تراجع حزب الله أيديولوجياً عندما أعلن الأمين العام لحزب الله  نعيم قاسم عن فصل الجبهتين بين الشمال والجنوب، خلافاً لتصريحات الأمين العام السابق حسن نصر الله الأولية، التي تقول إنه طالما أن هناك حرباً في غزة، فإن الشمال أيضاً سيتم تدميره، ووصف برعام ذلك بأنه نوع من الاستسلام التكتيكي من جانب حزب الله.
وقال برعام إن وقف إطلاق النار يرافقه إشراف أمريكي، وفي كل انتهاك من حزب الله، يتم رفع تقارير إلى الأمريكيين، الذين بدورهم يمارسون الضغط على الجيش اللبناني لتطبيق الاتفاقات والعمل على تحييد التهديد، ولكنه أكد أنه في الحالات التي لا يعمل فيها الجيش اللبناني، يجب على إسرائيل أن تتدخل بشكل مباشر لمنع حزب الله من تسليح وترسيخ نفسه من جديد.

 

إسرائيل تواصل خرق الهدنة في جنوب لبنانhttps://t.co/iZXqtv4iOM

— 24.ae (@20fourMedia) January 15, 2025

 

 


اختبار 27 يناير

وأشار إلى أن الاختبار التالي سيتم في 27 يناير (كانون الثاني)، وهو التاريخ الذي يفترض أن تنسحب فيه إسرائيل من جنوب لبنان بحسب الاتفاقات الحالية، وإذا أكد الأمريكيون أن التفاهمات باقية في المنطقة التي يتعين على إسرائيل أن تنسحب منها، فإن الانسحاب سيكون ممكناً، ولكن إذا تبين أن حزب الله يستغل الوقت لبناء مواقع جديدة، وتهريب الأسلحة وإعادة بناء نفسه، فإن إسرائيل قد تبقى في مكانها وتخرب هذه المحاولات، حتى على حساب تجدد الصراع.


سيناريو حرب لبنان الثانية

وبحسب برعام، فإن السلام النسبي الذي قد ينشأ على الحدود الشمالية يحمل خطراً معروفاً، فقد يفسره حزب الله على أنه فرصة للتنظيم لحرب أخرى، تماماً كما حدث بعد حرب لبنان الثانية، عندما حدد قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الشروط، ويضيف: "وهكذا، وبعد ستة أشهر فقط، عادوا إلى المنطقة، وبدأوا في تسليح أنفسهم، وإعادة بناء تشكيلاتهم الدفاعية والهجومية، بينما تجنبت إسرائيل أي رد فعل في ظل هذه الظروف".

 

 


مبدأ الصمت مقابل الصمت

وأشار إلى الافتراض بأن "الصمت في مقابل الصمت" كان خطأً فادحاً، لأن الصمت خدمهم لحفر الأنفاق وجمع الأسلحة، وهو ما أوصلنا في النهاية إلى أحداث مثل 7 أكتوبر (تشرين الأول) في الجنوب"، ولذلك، يرى برعام أن السياسة الحالية يجب أن تتغير، بدلاً من انتظار الانتهاكات بشكل سلبي، وعلى إسرائيل أن ترد بإطلاق النار على كل إشارة لبناء مواقع أو تهريب أسلحة أو أي استعداد للحرب.


سكان الجنوب اللبناني

وأوضح برعام أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بما سيحدث داخل المناطق الجنوبية من لبنان وكيفية تعامل إسرائيل مع سكان القرى الحدودية، حيث إن بعض أعضاء حزب الله  هم من سكان القرى نفسها، وعندما تعود الحياة إلى طبيعتها قد يعودون إلى منازلهم مع عائلاتهم، وإذا عادوا مسلحين أو بدأوا في بناء التحصينات، فسيكون ذلك انتهاكاً واضحاً للاتفاق يتطلب رداً فورياً، وإذا عادوا إلى منازلهم بدون أسلحة، وإلى الحياة المدنية الكاملة، فلن تتمكن إسرائيل من فعل أي شيء، حتى لو كان هؤلاء أشخاصاً مرتبطين بالتنظيم.
وأكد برعام على أهمية التدخل الأمريكي بما يجري، مشيراً إلى أن إسرائيل تحظى بدعم أمريكي للرد عسكرياً على أي انتهاك، ولكن السؤال هو ما إذا كان حزب الله سيستمر في التمسك بالهدوء من منطلق رغبته في إعادة تأهيل نفسه، أو ما إذا كان سيشعر أن المساس بشرفه يبرر رداً قد يشعل الحرب برمتها من جديد في المنطقة.


مصلحة مزدوجة

وأشار إلى أن لحزب الله مصلحة مزدوجة،  لناحية الهدوء الذي سيسمح له بإعادة تنظيم صفوفه، كما الحفاظ على روايته كمدافع عن لبنان، وإذا لم تنسحب إسرائيل من مناطق القرى الواقعة أمام المطلة، كما وعدت، فقد يشعر التنظيم بأنه مضطر للرد من أجل الحفاظ على صورته، ومع ذلك، يقدر برعام، بأنه إذا رد حزب الله بإطلاق النار، فإن إسرائيل لن تتردد في استخدام قوتها في مراكز مهمة مثل بيروت.

 

سموتريتش: نواجه لحظة حاسمة ومصيريةhttps://t.co/FX1BFEamrA

— 24.ae (@20fourMedia) January 15, 2025

 


نقطة اختبار للمنطقة

وأوضح برعام أن وقف إطلاق النار اختبار معقد قد يصبح نقطة اختبار للمنطقة بأكملها، وإذا تصرفت إسرائيل بدافع اليقظة وحافظت على سياسة التعطيل الحازم لكل انتهاك، فيمكنها الحفاظ على الردع وتجنب حرب شاملة، ومن ناحية أخرى، إذا سمحت لحزب الله بتنظيم نفسه دون انقطاع، فقد يؤدي ذلك إلى دورة أخرى من العنف ستندلع بمجرد أن يشعر التنظيم بأنه جاهز، مؤكداً: "لا يجب الرد على الأمر بالصمت، كل استعداد للحرب يجب أن يقابل بالنار، وهذا مبدأ لا يجب التخلي عنه في مواجهة حزب الله".

مقالات مشابهة

  • هل يأكل الشيطان من طعام الشخص الذي لم يذكر التسمية؟ صحح معلوماتك
  • علي جمعة: القدس رمزًا ا للهوية الإسلامية ولوجود المسلمين في العالم
  • حكاية الشهيد أحمد زكي.. اغتالته جماعة الإخوان وآخر كلماته «بسم الله»
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • هل ينجح جوزيف عون في إنقاذ لبنان؟
  • جماعة الإخوان المسلمين تبارك للشعب والمقاومة الفلسطينية.. هذا استحقاق غزة حاليا
  • إجتماع يناقش نشاط جمرك منفذ شحن الحدودي خلال العام الماضي
  • حكومة لبنان تتعهد بالعمل على وقف إطلاق النار.. هل ينجح نواف سلام في ذلك؟
  • إسرائيل تخشى سيناريو حزب الله 2006
  • رغم الاتفاق.. قوة إسرائيلية تتقدم من بلدة يارون اللبنانية