مستقبل السودان بين الوحدة والانقسام: نظرة في مخيلتنا وتوقعات مراكز الأبحاث
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
زهير عثمان حمد
السودان يواجه مفترق طرق حاسم في تاريخه الحديث، مع استمرار الصراعات السياسية والعسكرية التي تهدد بتقسيمه، أو على الأقل بعرقلة تحقيق استقرار طويل الأمد. يتباين الحديث عن مستقبل السودان بين الأمل في التوحد تحت مظلة دولة ديمقراطية جامعة، وبين احتمالات التمزق إلى دويلات متنازعة. يستعرض هذا المقال سيناريوهات المستقبل من خلال دمج تصورنا الخاص مع ما تطرحه مراكز الأبحاث الدولية المتخصصة في النزاعات والأزمات.
السيناريو الأول: نهضة السودان واستعادة الاستقرار
في هذا السيناريو التفاؤلي، يتمكن السودانيون من تجاوز خلافاتهم الداخلية عبر اتفاق سياسي شامل يجمع بين القوى المدنية والعسكرية. تحت ضغط شعبي هائل وتدخل إيجابي من المجتمع الدولي، يمكن التوصل إلى تسوية تنهي سنوات من العنف والاقتتال. هذا السيناريو يعتمد على إعادة هيكلة الجيش، وتفكيك الميليشيات المسلحة، ودمجها في مؤسسة أمنية قومية، بالإضافة إلى تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.
المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، سيلعب دورًا محوريًا في دعم السودان اقتصاديًا وسياسيًا. ويتم توجيه الموارد الطبيعية الكبيرة في البلاد، مثل الذهب والبترول والزراعة، نحو التنمية الشاملة، مما يُحدث تحسنًا ملحوظًا في معيشة المواطنين.
هذا السيناريو يحمل رؤية مثالية لمستقبل السودان، حيث تتماسك الدولة السودانية بفضل قيم المواطنة الشاملة بعيدًا عن الانقسامات القبلية والإثنية. ويتم توجيه الموارد الطبيعية والاستثمارات نحو بناء بنية تحتية متينة وتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، ما يؤدي إلى تقليص الفقر والتهميش في البلاد.
السيناريو الثاني: الانقسام والتمزق
على الجانب الآخر، هناك سيناريو أكثر تشاؤمًا، يتمثل في استمرار الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الإثنية والعرقية بين مكونات الشعب السوداني. الفشل في التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام يعزز احتمال انفصال بعض الأقاليم عن السودان، مثل دارفور أو جنوب كردفان، مما يؤدي إلى ظهور دويلات جديدة على غرار ما حدث مع جنوب السودان في عام 2011.
في هذا السيناريو، تتفكك المؤسسات السودانية، ويتزايد النزوح الداخلي والجوع، وتدخل البلاد في حالة من الفوضى الدائمة. السودان يصبح ساحة لتدخلات القوى الإقليمية، حيث تتصارع دول مثل مصر، إثيوبيا، والإمارات على النفوذ السياسي والاقتصادي. هذا الانقسام يهدد بتحويل البلاد إلى "دولة فاشلة"، مما يعزز من فرص تمزقها إلى كيانات صغيرة تتنازع فيما بينها على الموارد والسلطة.
منظور مراكز الأبحاث: السودان بين الوحدة والتفكك
مراكز الأبحاث الدولية المتخصصة في النزاعات والأزمات، مثل International Crisis Group وChatham House، تقدم تحليلات شاملة عن مستقبل السودان، متأرجحة بين احتمالات الوحدة أو الانقسام. تشير هذه المراكز إلى أن مستقبل السودان يعتمد بشكل كبير على قدرة النخب السياسية والعسكرية على التوصل إلى اتفاق شامل. تؤكد التقارير أن السودان يحتاج إلى حلول سياسية تعالج جذور النزاع، مثل تهميش الأطراف، والنزاع حول الموارد، والانقسامات الإثنية.
السيناريو التفاؤلي وفق مراكز الأبحاث يعتمد على دور المجتمع الدولي والإقليمي في دعم مسار التحول الديمقراطي في السودان. تشدد هذه المراكز على أهمية تقديم الدعم الاقتصادي والتنموي للسودان، بالإضافة إلى تعزيز العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. يجب على السودان أن يستفيد من موارده الطبيعية لتعزيز الاقتصاد، لكن هذا يتطلب أولاً استقرارًا سياسيًا وأمنيًا يتيح جذب الاستثمارات الدولية.
السيناريو التشاؤمي: الدولة الفاشلة
مراكز الأبحاث تحذر من أن استمرار الصراع بين القوى المتنازعة قد يقود السودان إلى الانهيار التام. تذكر تقارير مراكز مثل Brookings Institution وACCORD أن النزاع الإثني والديني يمكن أن يتفاقم إلى درجة يصبح معها السودان غير قابل للحكم. تشير هذه المراكز إلى أن هناك احتمالًا كبيرًا أن تتحول البلاد إلى ما يسمى بـ"الدولة الفاشلة"، حيث تتدهور المؤسسات وتنهار الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى نزوح الملايين وتفشي الأوبئة والمجاعة.
التحديات الرئيسية التي تواجه السودان
تقدم مراكز الأبحاث المتخصصة في تحليل النزاعات وأزمات الدول مجموعة من التحديات التي يجب على السودان تجاوزها لتحقيق الاستقرار. من أبرز هذه التحديات:
التركيبة الإثنية المعقدة: السودان دولة متعددة الأعراق والديانات، وهو ما يزيد من احتمالية الصراعات الداخلية إذا لم يتم احترام التنوع وتعزيز المواطنة الشاملة. الصراعات بين القبائل والمناطق المختلفة قد تزداد سوءًا إذا استمر التهميش وعدم المساواة.
النزوح والهجرة: ملايين السودانيين قد نزحوا بسبب النزاعات، وعودة هؤلاء إلى مناطقهم تتطلب جهودًا إنسانية هائلة، بالإضافة إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة.
التدخلات الإقليمية: دول الجوار قد تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب استقرار السودان، مما قد يعقد جهود السلام. التحالفات السياسية والعسكرية في المنطقة تجعل السودان نقطة محورية في الصراعات الإقليمية، مما يزيد من تعقيد المشهد.
الاقتصاد المنهار: الاقتصاد السوداني يعاني من تضخم مرتفع، وتدهور في قيمة العملة، وانعدام الاستثمارات. إذا لم يتم تحقيق الاستقرار السياسي، فإن الموارد الطبيعية الغنية لن تُستغل بشكل صحيح، مما يزيد من الأزمة الاقتصادية.
ومستقبل السودان يعتمد بشكل كبير على التطورات في الصراع السياسي والعسكري الداخلي. يمكن للسودان أن ينهض إذا تم التوصل إلى اتفاق شامل يعزز الوحدة الوطنية ويستفيد من الموارد الطبيعية الكبيرة في البلاد لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة. لكن، إذا استمرت النزاعات، فقد يواجه السودان خطر التمزق والانقسام إلى دويلات صغيرة تتنازع فيما بينها على السلطة والموارد.
مراكز الأبحاث تؤكد على ضرورة تقديم حلول سياسية واقتصادية شاملة تعالج الأسباب الحقيقية للصراعات، مثل التهميش والفقر، وتقترح أن الدعم الدولي والإقليمي سيكون حاسمًا في تحديد مستقبل السودان.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الموارد الطبیعیة مستقبل السودان مراکز الأبحاث هذا السیناریو ما یؤدی إلى التوصل إلى
إقرأ أيضاً:
مديرة الأبحاث بمستشفى الملك فيصل ضمن قائمة فوربس العالمية
صُنِّفت المديرة التنفيذية للأبحاث والابتكار في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث, البروفيسورة جاكي ينغ، ضمن قائمة فوربس “50 فوق 50” العالمية لعام 2025، التي تحتفي بالقيادات النسائية الأكثر تأثيرًا عالميًا، واللاتي واصلن تحقيق إنجازات استثنائية بعد سن الخمسين، وأحدثن تحولًا بارزًا في مجالاتهن.
وتُعد البروفيسورة ينغ من الشخصيات العلمية النسائية الرائدة في تقنية النانو والهندسة الطبية الحيوية والطب الانتقالي، حيث نشرت أكثر من 400 بحث علمي وسجلت 200 براءة اختراع، مما أسهم في إحداث تطورات جوهرية في الطب الدقيق، وتوصيل الأدوية، والطب التجديدي، والتقنيات التشخيصية، وساعد في رسم ملامح مستقبل الرعاية الصحية عالميًا.
ويُسهم دورها القيادي في مستشفى الملك فيصل التخصصي في دفع عجلة الابتكار عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي في التشخيص، والطب الشخصي، والأبحاث التطبيقية، مما يعزز مكانة المستشفى كمؤسسة بحثية رائدة على مستوى العالم.
كما تُعد البروفيسورة ينغ قدوة للنساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وتعمل على تمكين المرأة في المجالات العلمية وتعزيز التنوع والشمولية في الأبحاث والابتكارات الطبية.
وتُسلط قائمة “50 فوق 50” الضوء على أكثر النساء تأثيرًا حول العالم، حيث تضم قائدات وملهمات في مختلف المجالات، بدءًا من العلوم والابتكار وحتى الأعمال والسياسة والفنون، لتكريم إنجازاتهن التي تجاوزت الحدود الجغرافية وأحدثت أثرًا عالميًا. ويأتي هذا التكريم تتويجًا لإسهامات البروفيسورة ينغ الرائدة في العلوم والابتكار، مما يعكس التزام مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بتطوير الكفاءات البحثية ودفع عجلة الابتكار في الرعاية الصحية عالميًا.
يُذكر أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث صُنف الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا والـ 15 عالميًا ضمن قائمة أفضل 250 مؤسسة رعاية صحية أكاديمية حول العالم لعام 2025، والعلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في المملكة والشرق الأوسط، وذلك بحسب “براند فاينانس” (Finance Brand) لعام 2024، كما أُدرج ضمن قائمة أفضل المستشفيات الذكية في العالم لعام 2025 من قبل مجلة “نيوزويك” (Newsweek).