سودانايل:
2025-03-18@07:20:49 GMT

النادي السياسي القديم و عوامل سقوطه

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
هناك كتابان بعنوان واحد " لما العقل " لكاتبين مختلفين، الكتاب الأول من ناحية الإصدار للدكتور البروفيسور العراقي المتخصص في علم النفس موفق الحداني، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، و هو من أسرة رأسمالية، ضايقه حزب البعث بكثرة الاعتقالات، و هاجر إلي كند و اشتغل بجامعاتها، و في عام 1964 جاء استاذا زائرا لجامعة الخرطوم، و حضرة ثورة أكتوبر 1964م.

. و كتب في كتابه " أن الشعب السوداني أكثر شعوب العالم احتراما للقوانين و تنفيذها" و ارجع ذلك اثناء اندلاع الثورة، حيث أعلنت حالة الطواري في البلاد، و قال عندما تتحرك دبابات الجيش لقمع المتظاهرين، و تأتي أمام إشارة المرور، و تصبح الإشارة بالون الأحمر تتوقف الدبابات، و لا تتحرك إلا بعد أن يصبح النور أخضرا.. و قال هذه لا تتم إلا عند عناصر أصبح القانون عندهم سلوكا تلقائيا.. الكتاب الثاني هو للدكتور السوري برهان غليون و هو أستاذ علم الاجتماعي في فرنسا و تناول الكتاب التغيير و السلوك الديني و الثقافي في المجتمعات..
أوردت إفادة البروفيسور موفق عن شعب السودان، و الذي قال عنه أنه يحترم القوانين و ينفذها، هل هذه إشارة صحيحة يمكن البناء عليها بأن شعب السودان شعبا ديمقراطية؟.. لآن الديمقراطية تؤسس على القانون و أحترامه و تنفيذه، أي أنه يصبح سلوكا تلقائيا.. مثالا على ذلك، إذا ذهب شخص من بلد غير ديمقراطي إلي بلد ديمقراطي و رمى و رقة على قارعة الطريق أو أي زبالة، يأتي مواطن البلد و يحملها ويضعها على سلة المهملات دون أن يسأل الذي القاها على الأرض..هذا السلوك تبين الفارق الكبيرفي ثقافة الاثنين.. الثاني تعلمها منذ طفولته و دخوله الروضة، و الأول ليس له علاقة بقضية القوانين، أنما بالأعراف القبلية و الأثنية، و هي واحدة من الإشكاليات التي تعيق عملية التحول الديمقراطي في مجتمعات دول العالم الثالث، و معرفة القوانين و احترامها هي التي تخلق الوعي السياسي عند المواطن..
أن الحرب الدائرة الآن في السودان، سوف تضعه بين فترتين ما قبل الحرب و ما بعدها.. الفترة الأولى رغم أن القيادات السياسية الأولى قد كسبت وعيها السياسي بالتعليم الحديث الذي صنعه الاستعمار، و الذي أهلها على الإطلاع على تجارب العالم و الأفكار التي أنتجها عبر عمليات التغيير التي حدثت منذ عهد الاستعمار، و تكوين حركات التحرر الوطنية، ثم التجارب الوطنية ما بعد الاستعمار، كل هذه التجارب السابقة لم تستطيع أن تخلق وعيا سياسيا يميل اجتماعيا للديمقراطية، بمعنى أن القوى الديمقراطية فشلت أن تخلق توازن القوى الذي يحمي تجاربها الديمقراطية من السقوط.. الأمر الذي جعل الأحزاب الأيديولوجية نفسها تهرب من عملية البحث لتوازن القوى من داخل المجتمع.. و البحث عنه داخل المؤسسة العسكرية.. هذه القوى صاحبة عقل الانقلابات؛ لا تصلح أن تقود عملية التغيير من النظام الشمولي إلي النظام الديمقراطي، لآن الثقافة و الوعي السياسي الذي تخلق عبر تراكم التجارب لا يمكن أن يختفي بين يوم و ليلة عبر الشعارات.. و حتى التنظيمات الجديدة نفسها هي ورثت الثقافة السياسية للنادي السياسي القديم، و عندما فشلت القوى الجديدة في الاحتفاظ بالشارع، و الذي كان يحفظ لها توازن القوى مع المؤسسة العسكرية، لم ترجع للشارع و تتحاور معه لكي تعيد بناء اللحمة من جديد، و لكنها ذهبت تبحث عن قوى جديدة لكي تردع لها الشارع و القوات المسلحة الأثنين معا، لذلك فضلت أن تبني أمال عودتها على الخارج، و بأن يمارس عملية الضغط على المؤسسة العسكرية و الشارع، و يسلمها السلطة و يجعلها تحكم بالطريقة التي تريدها، فشل الخارج لأنه هو نفسه يريد تحقيق أجندته و مصالحه، و لا يمكن أن يعتمد على قوى أصبحت مرفوضة من قطاع كبير من الشارع.. فالسقوط حقيقة الذي جاء بعد ثورة ديسمبر 2018م ليس هو سقوط الإنقاذ نظام الإسلاميين.. و لكنه سقوط عكامل لقل النادي السياسي القديم و كل إرثه و موروثاته..
أن الحرب ألة هدم حقيقة للعقل القديم.. ليس كما يشيع عقل الميليشيا دولة الجلابة و دولة 56 و غيرها من الشعارات و المسميات، لآن الحرب سوف تجعل المجتمع كل سوءاته و ما يختزنه من عنف و سوء الأخلاق.. و الحرب هي أعنف أداة للتغيير و لكنها تحاج إلي وعي سياسي و اجتماعي و ثقافي يجعل قادتها أن لا يقعوا في ذات الوحل القديم.. و هناك قيادات عسكرية أستطاعت من خلال وعيها الذي أكتسبته في ثقافة الحروب، أن تغيير مورث الفشل في بلادها إلي نجاح و تنهض.. مثالا لذلك الجنرال ديجول الذي استعاد استقلال فرنسا من قبضة النازية و يصنع الجمهورية الخامسة في فرنسا.. و أيضا هناك الحرب الكورية بين الشمال و الجنوب خرجت كوريا الجنوبية منهوكة القوى و تعيش على إعانات من الغرب و أمريكا، و في عام 1960 قامت تظاهرات في كوريا ضد الفقر و كفر بالديمقراطية الأمريكية التي لم تحقق لهم حياة كريمة، لذلك خارج قائد الجيش لكوريا الجنوبية "بارك تشونغه هي" و عمل انقلابا و استطاع أن يحدث تغييرا كبيرا في المجتمع الكوري و يجعل بلده على أعلى سلم الحضارة الإنسانية..
السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه؛ هل قيادات الجيش التي تدير المعركة العسكرية ضد الميليشيا، و أجندة الإقليم و الخارج، قادرة على أن تحدث تغييرا في العقل السوداني بخلق وعي جديد و ثقافة جديدة تصبح العتبة التي يدخل منها السودان للحضارة الإنسانية، أم أنهم سوف يتبنوا عقل النادي السوداني القديم لكي نرجع مرة أخرى للحرب في وقت أخر؟ هو التحدي الآن الذي سوف تواجهه القيادات العسكرية في السودان... نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

السلاح والغذاء في حرب السودان

تدخل الحرب الأهلية السودانية اليوم (15 مارس/ آذار 2024) شهرها الرابع والعشرين. عامان من الاقتتال، بلا أفق واضح لحلّ سلمي. بحسب منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يحتاج 30 مليون سوداني إلى مساعدات، بينما نزح 14 مليون شخص في داخل السودان وإلى خارجه. لكن المستقبل لا يبدو مبشّراً بحلول سلمية قريبة، وما زالت مرحلة انهيار الدولة وتفكّكها تتواصل رغم محاولة السلطة العسكرية التظاهر بأن الحياة تسير طبيعية، مع طلبها أخيراً من الجامعات السودانية استئناف الدراسة والامتحانات في مناطق سيطرة الجيش.

أمّا حكومة "الدعم السريع" (الموازية) فما تزال تبحث عن أرض تضع فيها رحالها، متوعّدةً بإقامة سلطة كاملة، فاتفاق نيروبي السياسي لم ينتج حكومةً بعد رغم ضجيجه كلّه، والمتحالفون مع نائب قائد "الدعم السريع"، عبد الرحيم دقلو، ما زالوا يَعدون بإعلان حكومة من داخل السودان، ويبشّرون بأسلحة جديدة تأتي، كما يحتفي أنصار الجيش بأسلحة جديدة أتت. هكذا يعيش 14 مليون نازح ينتظرون بشارات الأسلحة الجديدة. وبينما يعيش 1.3 مليون طفل سوداني في أماكن تعاني من المجاعة، يصرّح قادة الطرفَين أن الحرب ستستمرّ ألف عام حتى يأتي النصر(!).

لكنّه تأخّر عامين. قبل اندلاع الحرب كان الانطباع العام أنها حرب الساعات الستّ. لكن ما يبدو واضحاً بعد 24 شهراً أنها حرب أتت لتبقى. أوجدت الحرب خلال عاميها ثقافة من التوحّش، وهو أمرٌ لا يقتصر على المقاتلين، فالصحافيون الذين يغطون الحروب الأهلية يتأثّرون بثقافة الوحشية التي تحيط بهم. وثّق الذين غطّوا الحرب اللبنانية، وحرب البوسنة، التغيّرات التي مرّوا بها، وكيف أصبحوا أكثر توحّشاً وتقبّلاً للعنف. مع هذا التوحّش، تزداد الانتهاكات، ما يغذّي دائرة الانتقام، فتصبح عواقب العنف أقلّ من عواقب الحلول السلمية، فيزداد الانتقام، ويتحوّل عنفاً وقائياً.

لذلك، تقبّلت المجتمعات السودانية فكرة التسليح الأهلي، وتكوين مليشيات جديدة للدفاع عن مناطقهم، أو لضمان تمثيلهم السياسي، وهي دلالةٌ واضحةٌ على خلل التعاطي السياسي في السودان، إذ أصبحت البندقية الضامن للمشاركة السياسية. رغم أن البندقية لم تثمر في حروب السودان السابقة كلّها، لكننا ما زلنا نصرّ على أن المليشيات هي الحل، ويواصل الجيش الاحتفاظ بالسلطة السياسية مع ترحيبه بتكوين المليشيات للقتال بجانبه.

تبدو الحرب السودانية في طريقها إلى الحالة الليبية، هذا إذا نجحت مجموعة نيروبي في أن تجد مكاناً تُعلن منه حكومتها التي أصبحت محلّ تساؤلٍ، بعد تحذيراتٍ دوليةٍ عديدة من هذه الخطوة. لكن الأخطر تأثير الحرب في الإقليم ودول الجوار، فرغم أنها لم تخرج عن السيطرة، إلا أنها ما زالت تهدد المنطقة الهشّة بالانفجار، فنيران الحرب السودانية تمتدّ وتؤثّر في الدول الجارة، وتهدّد بجرّها إلى الفوضى ذاتها.

عامان من الحرب، ومن المناشدات الدولية بوقفها، لكن الجيش ظلّ يتهم العالم كلّه تقريباً بالتآمر عليه ودعم خصمه، ويرفض أيّ دعوة إلى الوصول إلى أيّ تسوية تؤدّي إلى وقف إطلاق النار، بينما ظلّت قوات الدعم السريع تقبل الدعوات كلّها، وتواصل إطلاق النار على العزّل وتدفنهم أحياء.

في إحاطةٍ، قدمها أمام مجلس الأمن، ذكر أمين عام منظّمة أطباء بلا حدود، كريستوفر لوكيير، كيف يستهدف طرفا الصراع المستشفيات، وكيف تعيق البيروقراطية وصول المساعدات إلى المحتاجين. لا تفرز هذه الدوامة من العنف إلا مزيداً من التوحّش، وتعقيد مسار الحلّ. ويتضاعف عدد المليشيات في البلاد، وتزداد سلطتها. والعجيب أن ذلك يحدث وسط تأييد شعبي غير قليل، كأنما فقد الناس قناعتهم بالدولة الحديثة وسلطتها، لكنّهم، في الوقت ذاته، يقولون إنهم يتوسّلون الوصول إلى هذه الدولة عبر طريق التسليح الشعبي، وكسر احتكار الدولة للعنف.

هكذا يجد السلاح طريقه إلى السودان ليعزّز الحرب الأهلية، لكن المساعدات تعوقها البيروقراطية، ويَجمع المجتمع الدولي التمويل لإنقاذ حياة مئات آلاف الأطفال الذين يُتوقّع معاناتهم من سوء التغذية الحادّ، بينما تَجمع المليشيات الأسلحة وتعتقل ناشطي العمل الطوعي.

فشلت المساعي لجعل الحالة الإنسانية السودانية مهمّة المجتمع الدولي، لكن لا يعاني أحد فشل توفير السلاح للمتقاتلين.

نقلا عن االعربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية السودان: القوى المدنية مسؤولة عن الحرب.. ومصر المستهدف الرئيس مما يجري حاليًا
  • الشعبية «التيار الثوري»: قوى الثورة يجب ألا تسمح باستخدامها كـ«ديكور» لقسمة السلطة
  • هيئة حقوقية تطالب بفتح بحث قضائي في مالية جامعة ألعاب القوى التي دمرها أحيزون
  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • ???? مدنيون ضد الحقيقة ومع تدمير العقل السياسي السوداني
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • السلاح والغذاء في حرب السودان