شيخوخة الأوروبيين: ما الذي يقف وراء صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
تشهد أوروبا في السنوات الأخيرة صعودًا لليمين المتطرف في المشهد السياسي، خاصة في العام 2024، بدا هذا المشهد واضحًا مع النجاح الذي حققه حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الإقليمية، ففي ولاية تورينغن حصل اليمين على ما يقرب من ثلث الأصوات، وحل ثانيًا في ولاية ساكسونيا.
إنّ ظاهرة تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا تتطلب نظرة فاحصة لها، ولعل أول عوامل الصعود التي لم تلقَ اهتمامًا من الباحثين هو سقوط الليبرالية المعبرة عن الرأسمالية الغربية ومصالحها في فخّ الرأسمالية المتوحشة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فصار لدى الأحزاب الأوروبية الكبرى غرور السلطة الذي جعلها لا ترى الواقع بصورة سليمة، هذا ما ولد نهاية الأيديولوجيا أو التنظير السياسي ومحاولة صياغة خطاب له مشروع سياسي يقنع الجماهير.
هذه الثغرة التي سميت مجازًا الحداثة السائلة، ولدت في النهاية ساسة ليسوا بذات الكفاءة التي كان عليها السياسيون في أوروبا. فماكرون ليس بذات كفاءة رؤساء فرنسا كفرانسوا ميتران، أو فاليري جيسكار ديستان، ولا حتى جاك شيراك، لذا سقطت هيبة مؤسسة الرئاسة في فرنسا أمام خطاب جان ماري لوبان، وهذا ما جعل فرنسا تعيش أزمة سياسية غير مسبوقة.
أزمة القيادة في أوروبالعل ما سبق يقودنا إلى أزمة القيادة في أوروبا، وهي أزمة غير مقصورة عليها، وهذا ما دفع هنري كيسنجر ليؤلّف قبيل وفاته كتاب "القيادة"، طارحًا تساؤلات حول من هو القائد السياسي، وديناميكيات عمله، وهو ما يقوم في جانب منه على الخيال السياسي المبني على موهبة السياسي ذاته، في وقت بات خطاب اليمين المتطرف في أوروبا يدغدغ المشاعر، وبالتالي يكتسب يومًا بعد يوم مساحات جديدة.
إن ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم كنتيجة طبيعية للحرب الروسية الأوكرانية دفعا أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، والمجر، والنمسا إلى تحقيق المزيد من المكاسب في الانتخابات المحلية، وفي انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2024، لدرجة يمكن معها القول إن عام 2024، هو عام اليمين المتطرف في أوروبا.
بنظرة فاحصة، سيقول المتابع إن هذا اليمين متمركز في غرب أوروبا، بينما الشرق لا يعاني من ذات المشكلة، وفي حقيقة الأمر أن أوروبا الشرقية هي من تدفع هذا اليمين إلى السلطة، فلم تدرك أوروبا الغربية أن الفراغ الفكري الذي تركته الشيوعية كان من الضروري ملؤُه، فصار هذا الفراغ هو البيئة المثالية لليمين المتطرّف، وتعتبر المجر مثالًا جيدًا على هذا، فهي كانت أكبر الخاسرين في الحرب العالمية الأولى بخسارة جزء كبير من أراضيها، وما زال الحنين للمجر الكبرى باقيًا.
إذا كان هذا هو الوضع في الشرق، فماذا عن الشمال الغني والأكثر رفاهية؟
سنأخذ حالة السويد مثالًا، حيث التسامح الذي عرفت به المجموعة الإسكندنافية، ففي السويد برزت حركة المقاومة الشمالية، وهي حركة اشتراكية عابرة للحدود الوطنية، وتمثل النازية الجديدة، ولها فروع في فنلندا والنرويج، وتستمد الدعم من النازيين الجدد في الدانمارك وآيسلندا، شكلها القوميون النازيون الجدد في السويد عام 1997، وهي تدعو إلى جمع بلدان شمال أوروبا في دولة قومية اشتراكية، ولدى الحركة موقع نشط على شبكة الإنترنت ونشاط مكثف في وسائط التواصل الاجتماعي، وبودكاست يبثّ عبر راديو أسسه عضو المجموعة روبن بالمبلاد.
شيخوخة الأوروبيينكانت أوروبا قد حظرت النازيين، مما جعل حركة النازيين الجدد تتخذ أشكالًا مختلفة، وتعمل تحت غطاء غير صريح، لكن في السنوات الأخيرة بات حضور النازيين الجدد أكثر صراحة، أما الفاشية في موطنها إيطاليا فهي لم تحظر، حتى إن وجودها محسوس، فالعديد من الجماعات والأحزاب تذهب فكريًا إلى الفاشية وعنصريتها. ومن هذه الحركات:
فورزا نوفا: حجر الزاوية في فكرها " الإيطاليون أولًا "، حيث يسعى الحزب لتحفيز النمو السكاني، وإعادة دور الكنيسة الكاثوليكية، ومعارضة زواج المثليين، وترحيل المهاجرين.
جماعة الفيلق الأخير: وهي جماعة متعصبة، وفي مايو/أيار 2021 هاجمت الشرطة 25 منزلًا لأعضائها، وصادرت أسلحة ومواد دعائية، وهي تنادي باستخدام العنف ضد المهاجرين.
رابطة الشمال: حزب سياسي يدعو إلى استقلال الشمال الإيطالي الغني عن الجنوب الفقير.
كان صعود جورجيا ميلوني وحزبها إخوة إيطاليا للحكم عام 2022 رمزًا لصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، فهي تحكم إيطاليا بعدما فازت بـ 237 مقعدًا من 400 مقعد في البرلمان.
أفكار متطرفةهناك مشتركات بين اليمين المتطرف في أوروبا سواء كجماعات أو أحزاب. هي:
هاجس الهجرة : في ظل شيخوخة الأوروبيين ونقص العمالة، خاصة في تخصصات حيوية بالنسبة للأوروبيين كالطب والهندسة، صاروا يدركون أن أوروبا تخرج من أصولها لتصبح أوروبا أخرى مع الزمن، هذا الهاجس شكّل رافدًا غذّى العصبية الأوروبية، واستدعى مقولة تفوق الجنس الأبيض، فصار طرد المهاجرين مطلبًا شعبويًا، ليكون المأزق الذي لم تجب عنه أوروبا: هل تستطيع العيش والبقاء دون المهاجرين.
محاربة المثلية: باعتبارها ضد الطبيعة الإنسانية، وهي تعوق النمو السكاني التقليدي للسكّان الأصليين، كما أن سكّان المدن الصغيرة والريف يرون أنها ضد الدين.
عودة الكنيسة: كمحفز للرابطة الوطنية، ومحفز للتعصّب والعصبية الدينية.
الشعوبية السياسية: حيث يحدد العامة توجهات السياسة، وهذا نتاج الحداثة السائلة، ونهاية الأيديولوجيا في أوروبا.
السلطوية: ترتكز على تشديد قبضة السلطة، وتعظيم استخدام العنف.
الانكفاء على الداخل: كل الأحزاب اليمينيّة المتطرفة والجماعات المتطرّفة في أوروبا تدعو إلى الانكفاء على الداخل، فجلها ضد الاتحاد الأوروبي حتى لو استخدمته مؤقتًا، هي تدعو إلى العصبية الوطنية في أقصى صورها، وبعد الانتخابات الأخيرة صارت ألمانيا تفتش السيارات القادمة على حدودها، بل كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي نتيجة لدعوات حزب الاستقلال البريطانيّ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الیمین المتطرف فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
تقرير للجيش الأمريكي: صعود أنصار الله يُعيد تشكيل خريطة القوى في الشرق الأوسط
مقالات مشابهة ليست إيران.. البنتاغون الامريكي يعلن العثور على أخطر مصادر تمويل الحوثيين بالترسانة العسكرية
5 أيام مضت
02/07/2024
09/03/2024
08/03/2024
07/03/2024
05/03/2024
كشف مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، التابع لقيادة الجيش الأمريكي، في دراسة حديثة عن تحول حركة أنصار الله إلى قوة إقليمية مؤثرة، معتبرًا صعودها المفاجئ “تحوّلًا استراتيجيًا” يُعيد رسم خريطة القوى في الشرق الأوسط، ويتجاوز حدود الصراع اليمني إلى تأثيرات دولية واسعة.
من فاعل محلي إلى لاعب إقليمي مؤثر
وبحسب الدراسة، التي حملت عنوان “الميليشيا التي أصبحت لاعبًا قويًا: الصعود المذهل للحوثيين”, فإن الحركة كانت تُعتبر قبل طوفان الأقصى مجرد فاعل محلي في اليمن، لكنها بعد أحداث أكتوبر 2023 عززت تحالفاتها مع محور المقاومة (إيران، حزب الله، فصائل فلسطينية)، وأصبحت لاعبًا رئيسيًا في معادلة الصراع الإقليمي.
وأشارت الدراسة إلى أن العمليات العسكرية التي نفذتها الحركة، مثل استهداف السفن في البحر الأحمر، لم تقتصر على التأثير الإقليمي، بل تسببت في زعزعة الاستقرار العالمي، مما دفع القوى الكبرى إلى إعادة تقييم حساباتها في المنطقة.
تنزيل التقرير الكامل pdf لمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
الصعود المذهل للحوثيينتنزيلالمقالة من المصدر الأصلي للتقرير على مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية التابع لقيادة الجيش الأمريكي
تهديد اقتصادي واستراتيجي عالمي
أكد التقرير أن استهداف أنصار الله للممرات البحرية الحيوية، مثل باب المندب، أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، ورفع أسعار النفط، وأجبر الشركات الدولية على إعادة حساب المخاطر التجارية في المنطقة. كما أسفر عن انخفاض حركة الملاحة في قناة السويس بنسبة 60%، مما أثر على التجارة الدولية بشكل مباشر.
سياسيًا، فرضت الحركة نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات إقليمية أو دولية، كما كشفت عن ضعف الآليات الدولية في احتواء الصراعات الناشئة، مما جعلها “مغيّرًا لقواعد اللعبة”, وفقًا للتقرير.
استراتيجية المواجهة الأمريكية: أربعة مستويات للتصدي لأنصار الله
في ضوء هذا الصعود المتسارع، اقترحت الدراسة الأمريكية استراتيجية للتعامل مع “الخطر الحوثي” عبر أربعة محاور رئيسية:
عسكريًا: استهداف قيادات الحركة عبر عمليات اغتيال تهدف إلى تقويض بنيتها التنظيمية.دبلوماسيًا: العمل على عزلها دوليًا من خلال تشكيل تحالفات إقليمية مضادة.إعلاميًا: مواجهة حملاتها الدعائية التي تعزز شرعيتها محليًا وإقليميًا.اقتصاديًا: فرض عقوبات على الدول والجهات الداعمة لها.قدرات عسكرية غير مسبوقة وتأثير إقليمي متزايد
وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، نفذت أنصار الله أكثر من 100 هجوم بحري، مما أدى إلى تعطيل التجارة العالمية بشكل غير مسبوق. كما شنت أكثر من 220 هجومًا على إسرائيل، بينها ضربات ناجحة على تل أبيب، ما أظهر قدرتها على تنفيذ عمليات بعيدة المدى.
وتشير الدراسة إلى أن تحالفات الحركة مع جهات إقليمية فاعلة ساهمت في توسيع نفوذها على مستوى الشرق الأوسط، في وقت لم تثبت التدابير العسكرية الدولية فعاليتها في احتواء عملياتها، بسبب الطبيعة غير المتكافئة للصراع.
توصيات لمواجهة التغيرات الاستراتيجية
خلص التقرير إلى أن مواجهة هذا الواقع الجديد تتطلب استجابة شاملة تتجاوز الحلول العسكرية، مشيرًا إلى أن التأثيرات المحتملة لهذا التحول قد تمتد إلى الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، مما يستدعي إعادة تقييم السياسات الدولية تجاه الشرق الأوسط.
ذات صلةالوسومالحوثيين انصار الله تقرير الجيش الامريكي قيادة الجيش الأمريكي مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار