مرحلة دفاع “الدويلة اللبنانيّة” عن “دولة حزب الله”
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
آخر تحديث: 24 شتنبر 2024 - 8:48 صبقلم:خيرالله خيرالله نقلت إسرائيل الحرب من غزّة، بعد تدميرها تدميرا كاملا، إلى لبنان. الأمر المخيف أن ليس في لبنان من يستطيع أن يكون في مستوى الحدث الكبير ذي الطابع المصيري بالنسبة إلى البلد وشعبه. يعود ذلك إلى الهرب اللبناني المستمر من الموضوع الأساسي المتمثّل في القرار الذي اتخذه “حزب الله”، وهو قرار إيراني، بشنّ حرب على إسرائيل من بوابة الجنوب.
ليس في لبنان الرسمي وفي الأوساط السياسية والحزبية سوى عدد قليل من الأصوات تمتلك شجاعة التحذير من خطورة ربط مصير لبنان بمصير قطاع غزّة، أي بالمجهول.ظهر هذا الربط بين لبنان والمجهول من الخطاب الذي ألقاه حسن نصرالله أخيرا، وهو خطاب تجاهل فيه كلّيا مأساة ما حل بالقرى والبلدات الجنوبية التي نزح منها نحو 150 ألف مواطن لبناني حتّى الآن. اختار نصرالله للبنان، أو لجزء منه، مصير غزّة التي أزالتها إسرائيل من الوجود بحجة أنّها تريد القضاء على “حماس”. يبحث الأمين العام للحزب، في ضوء تفجيرات “البيجر” وأجهزة الاتصالات التي في يد عناصر الحزب وقادته، عن استعادة قوة الردع التي فقدها حزبه وإن نسبيّا. هذا ما تبحث عنه إسرائيل أيضا التي باتت تفتقد قوة الردع نتيجة “طوفان الأقصى”. هذا ما يجعلها في حاجة إلى انتصار كبير في لبنان يعيد سكان المستوطنات إلى البيوت التي نجح “حزب الله” في تهجيرهم منها.هناك كلام يصدر عن كبار المسؤولين اللبنانيين يتحدث عن كلّ شيء باستثناء قرار إيران، عبر “حزب الله”، بشن حرب على إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان. كيف لطرف في لبنان اتخاذ قرار بشنّ حرب على إسرائيل، خدمة لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” وكيف تستطيع الحكومة اللبنانية التصرّف بمعزل عن القرار القاضي بشنّ حرب على إسرائيل من الأراضي اللبنانية وليس من مكان آخر؟ من يقنع الدول ذات الشأن في هذا العالم بأن لبنان يتعرّض لعدوان إسرائيلي في حين سبق لحسن نصرالله أن أعلن صراحة ربط لبنان بحرب غزّة؟ يتصرّف المسؤولون اللبنانيون وكأنّهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بما يدور في البلد وما يحيط به… وكأنّ العالم عالم أغبياء، وكأن لا وجود للمنطق الذي يتحكّم بأبعاد خوض حرب على إسرائيل بموجب شروط معيّنة. من يستطيع القول إن إسرائيل، التي قامت على الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، مستعدة لالتزام شروط الحزب وأن تخوض معه حربا على مقاسه. جاءت تفجيرات الـ“بيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكية لتؤكد أن لإسرائيل طريقتها في خوض الحرب مع الحزب ومع من يقف وراءه… وأنّ ليس صحيحا أنّ “حزب الله” ومن يقف خلفه يعرفان شيئا عنها وعن خفاياها. ما لا يجوز تجاهله في هذا المجال الامتناع الإيراني عن الردّ المباشر على اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في قلب طهران أخيرا. يشير مثل هذا التجاهل إلى وجود حسابات إيرانيّة دقيقة تأخذ في الاعتبار مصلحة “الجمهوريّة الإسلاميّة” في غياب حسابات تأخذ مصلحة لبنان واللبنانيين، بما في ذلك ما يمكن أن يحلّ بجنوب لبنان والقرى الحدوديّة تحديدا. ثمّة تعام لبناني تام عن واقع يفيد بأنّ في صلب المأساة، التي يعيش البلد في ظلّها وفي أساس المأساة، ما أعلنه الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله يوم الثامن من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، بالصوت والصورة، عن فتح جبهة الجنوب “إسنادا لغزّة”. كانت النتيجة انتهاء حرب غزّة من دون أن تنتهي حرب لبنان، وهي حرب معروف كيف بدأت وليس معروفا كيف يمكن أن تنتهي. ما الذي على أيّ لبناني تصورّه، أو توقّعه، غير الدمار عندما يتخّذ الحزب المسيطر على البلد، بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، قرارا بشنّ حرب على إسرائيل وهي دولة أقرب إلى وحش في حال فلتان أكثر من أي شيء آخر؟ بات مطلوبا في الوقت الحاضر، بعد ما يزيد على أحد عشر شهرا من ربط لبنان نفسه بحرب غزّة، دخول مرحلة دفاع الدويلة اللبنانية ممثلة بحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، عن دولة “حزب الله”. بكلام أوضح، ورّط “حزب الله” لبنان في حرب سيدفع ثمنها غاليا وصار على ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانيّة الدفاع عن ميليشيا مذهبيّة تابعة لإيران أخذت مكان هذه الدولة، بدءا بانتزاع قرار الحرب والسلم منها! تخوض إسرائيل حربا مع لبنان ممثلا بـ”حزب الله” الذي ذهب إلى سوريا ليقاتل شعبها من دون استشارة أحد. فعل الشيء نفسه عندما وقعت حرب غزّة التي افتعلتها “حماس” عندما شنت هجوم “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. ما الذي يريده لبنان من ربط مصيره بحرب غزّة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال الذي يفترض توجيهه إلى إيران التي لا يهمها ماذا يحل بالبلد الذي يعاني من حالة فراغ لا شبيه لها في هذا العالم. يؤكّد الفراغ منع “حزب الله” انتخاب رئيس للجمهورية. توجد مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها في ضوء الخطاب الأخير لحسن نصرالله وتأكيده الربط بين مصير لبنان وحرب غزّة. في طليعة هذه الأسئلة: في أي اتجاه ستتطور الحرب الإسرائيلية على لبنان وهل سيتمكّن الحزب، بغض النظر عن نتائج الحرب أو في حال التوصل إلى تسوية سياسيّة ما، من حصد ثمار المواجهة العسكريّة كما حصل صيف العام 2006؟ وقتذاك، كان الحزب المستفيد الأول من الحرب التي افتعلها مع إسرائيل على الرغم من صدور القرار 1701 الذي تجاهله كلّيا. انصرف الحزب إلى إعادة تشكيل السلطة السياسيّة في لبنان بما يناسبه. هل سيكون لديه المجال، في ضوء ربط لبنان بحرب غزّة، لاستكمال عملية إعادة التشكيل هذه… أم أن الأمر يتعلّق بإعادة تشكيل المنطقة كلّها، بما في ذلك الدور الإيراني وحجمه وطبيعته فيها؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: حرب على إسرائیل حزب الله فی لبنان ة التی
إقرأ أيضاً:
قراءة في نص “تأسيس” نيروبي: نسبهم الثوري في أكتوبر، أبريل، وديسمبر (1/2)
ملخص
لا أعرف وثيقة احتفت بالثورة السودانية للتغيير مثل "تأسيس" في ديباجتها. فاحتفت بانتفاضات أكتوبر1964، فأبريل 1985، إلى ديسمبر 2018 كنسب ثوري لما اجتمعوا حوله في نيروبي. فسمتها الديباجة ثورات السودان السلمية "المجيدة التراكمية" ضد الأنظمة الديكتاتورية العسكرية تعبيراً عن تمسك شعوبنا المستميت للحرية والحياة الكريمة. وتستغرب مع ذلك لهذه الحفاوة بهذه الثورات من جماعة "تأسيس" التي قامت في أيديولوجيتها وحربها ليومنا ضد دولة 56 الشمالية نخباً وجمهرة. فمن وراء هذه الثورات أطياف واسعة ممن عرفوا بـ"الشماليين" المتهمين بارتكاب دولة 56 دون مسلحي نيروبي وسلفهم بكثير.
لا يُذكر اجتماع التحالف الذي انعقد في نيروبي الأسبوع الماضي تمهيداً لقيام حكومة موازية على أراض تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" إلا قريناً بنذر انقسام السودان. والسبب بسيط. فالصفوي لزيم هاجس تشقق السودان منذ انفصال جنوبه عام 2011. فصارت كل صيحة مثل تلك التي في نيروبي عليهم. وهذا الهاجس المخيم قريب من عبارة سودانية تقول إن كل زوجة مهجسة ما عاشت بـ"طلقة" من زوجها. وربما كان هذا هو السبب من وراء اقتصارنا على النذر من اجتماع نيروبي لا ما اجتمع حوله، أو صدر عنه. وصدر عنه مع ذلك ما استحق أن يناقش في حد ذاته لإذكاء عادة الثقافة في سياستنا التي غلبت فيها عادة المعارضة. فتكاثرت التحالفات في بيئة المعارضة التاريخية حد الإملال وتناسخت الوثائق عنها فلا جديد، أو هكذا خُيل لنا.
ثورات تراكمية
لا أعرف وثيقة احتفت بالثورة السودانية للتغيير مثل "تأسيس" في ديباجتها، فاحتفت بانتفاضات أكتوبر1964، فأبريل 1985، إلى ديسمبر 2018 كنسب ثوري لما اجتمعوا حوله في نيروبي. فسمتها الديباجة ثورات السودان السلمية "المجيدة التراكمية" ضد الأنظمة الديكتاتورية العسكرية تعبيراً عن "مدى تمسك شعوبنا وشوقها الدائم للحرية والحياة العزيزة الكريمة". وقَلّ حتى بين أحسن مؤرخي التاريخ السوداني المعاصر من رأى هذا الخيط الثوري الناظم لعملية التغيير السياسي في السودان. فتجد من يقطع ما بينها إرباً فيستحسن واحدة دون أخرى. بل تجد جماعة منهم قالت إن ما جرى خلال أكتوبر 1964 مثلاً ليس بثورة أصلاً.
وتستغرب مع ذلك هذه الحفاوة بهذه الثورات من جماعة "تأسيس" التي قامت في أيديولوجيتها وحربها ليومنا ضد دولة 56 الشمالية نخباً وجمهرة. وسبب الاستغراب أنه كان من وراء هذه الثورات أطياف واسعة ممن عرفوا بـ"الشماليين" المتهمين بارتكاب دولة 56 دون مسلحي نيروبي وسلفهم بكثير. فحتى في نيروبي اشتكى عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال من تلك النخب والأطياف المقاومة لمركز دولة 56 قائلاً إنهم من كانت "تجيشهم" نخب مركزهم ضد الآخر الإثني والديني مما يفهم المرء منه أن نخبهم كانت تخادعهم عن الآخر في الوطن فينخدعوا لها. وهذا بخلاف ما جاء في ديباجة "تأسيس" التي احتفت بهم براء من مركزهم طليعة في الثورات التي أحسنت الديباجة تثمينها.
وصح السؤال بعد هذا إن كان المسلحون ممن سبق جماعة تأسيس والجماعة نفسها من انتصر لتلك الثورات، التي ذكروها بامتنان، حين استنجدت بهم لاستكمال دوراتها؟
نقيضة بين التكتيكين
في لب تاريخ حركة الثورة السودانية نقيضة بين التكتيكين المدني والعسكري في طلبهما إحداث التغيير السياسي. وهي نقيضة ساقت الثورة المدنية أعوام 1964 و1985 و2018، حتف أنفها للفشل في كل مرة تندلع. فما انتصرت الثورة المدنية حتى اعتزلها المقاوم العسكري بنظرية أن الثورة ما هي تغيير صفوة خرطومية بأخرى منهم، فلا تلد قطط مركز الخرطوم العمياء إلا قططاً عمياء. وأظهر ما كان ذلك في إطلاق العقيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، تسمية "مايو 2" على المجلس العسكري بعد ثورة 1985. فكل ما حدث في قوله هو أن ورث عسكريو الرئيس جعفر نميري أنفسهم الحكم منه. وكان نميري تولى الحكم بعد انقلابه خلال الـ25 من مايو 1969 وهذه "مايو 1". أما "مايو 2" في مصطلح قرنق، فهي انقلاب ضباط القيادة العامة على نميري في سياق ثورة أبريل الشعبية السلمية. وبدلاً من أن يلقي قرنق ثقله مع التجمع النقابي، الذي قاد الثورة وانتظر منه ذلك الثقل، اعتزله، بل طلب منه أمراً صعباً وهو أن يتخلص من المجلس العسكري قبل أن يبارك لهم وينضم إلى ركبهم.
ولو اكتفى قرنق بذلك لما كان في البطن مغصة كما نقول. الأنكى أنه واصل الحرب فعبأ العسكرية لمواجهته في حلف مع الحركة الإسلامية انتهى بانقلاب يونيو1989 ليعود ويتصالح مع دولة ذلك الانقلاب في اتفاق السلام الشامل عام 2005. وبلا دخول في التفاصيل كان ذلك نفسه مصاب ثورة أكتوبر 1964 التي اعتزلتها حركة أنيانيا القومية الجنوبية المسلحة بينما كان ينعقد مؤتمر المائدة المستديرة (1965) في الخرطوم. وهو المؤتمر السوداني الأول منذ الاستقلال الذي تداعى أهله ليناقشوا "مسألة" الجنوب لا "تمرده". أما مسلحو دارفور فجاؤوا بها من قصيرها كما يقولون. فأتوا إلى ثورة 2018 يداً بيد مع العسكريين في مجلس السيادة في خصومة مع الحكومة الانتقالية المدنية ليتواثقوا على اتفاق "سلام جوبا" (2021). وخرج من ثنايا الاتفاق مجلس عرف بـ"مجلس الشركاء" كان مبتغى العسكريين، من دبروا للقضاء على الثورة، للاستغناء عن مجلس وزراء الحكومة الانتقالية. وانتهت الثورة، التي اعتزلها سائر المسلحين، بانقلاب الـ25 من أكتوبر 2021.
بين المدني والمسلح
وكان فساد علاقة المقاومة المدنية والعسكرية أو ارتباكات الأخيرة موضوع نقد أطراف عركت المقاومة المسلحة. فلم يتفق للام أكول عضو المجلس القيادي العسكري للحركة الشعبية عام 1985 البرود الذي لاقى به زعيمها العقيد قرنق خبر الثورة على الرئيس نميري في حين كان جنوده في معسكراتهم يطلقون الرصاص حفاوة بها. وكتب ياسر عرمان القيادي في الحركة الشعبية "نحو ميلاد ثان لرؤية السودان الجديد" قبل ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 قال فيها إنه جاء الوقت لمراجعة تجربة الكفاح المسلح، ورد الاعتبار للعمل السلمي الجماهيري دون أن يعني هذا التخلي عن هذا الكفاح. فلن تخرج الحركات المسلحة من عنق الزجاجة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، في قوله، من دون التوصل إلى استنتاجات سليمة "حول أهمية العمل السلمي الديمقراطي في داخل المدن" واستنهاض جماهيرها.
وصوب شريف حرير الأكاديمي والقيادي في التحالف السوداني الذي هو ضمن منظومة حركات دارفور المسلحة، نقده لـ"افتتان" هذه الحركات بالمقاومة العسكرية التي هي تكأتهم في تبخيس النضال المدني حتى حين يقضي سلمياً على نظم مركزية كلفتهم حمل السلاح ضدها. والعسكرة في قوله، "وسيلة لعمل سياسي وليست في غاية حد ذاتها". وقال إن على الحركات المسلحة ألا تخدع نفسها بأنها تكوين عسكري فيقولون إنهم عسكريون على الجادة بينما ساء السياسيون مصيراً. فذكرهم حرير بأنهم سياسيون في الأساس وليسوا عسكراً. وفي هذا صدى من عبارة مذكورة لأمليكار كابرال زعيم حركة تحرير غينيا بيساو من الاستعمار البرتغالي خلال الستينيات. فقال كابرال يحذر حركته من العزة بالسلاح والفجور به إلى أن الحركة المسلحة ليست عصبة عسكرية (military)، بل مناضلين تأبطوا سلاحاً مُكرهين (militant).
ونواصل
ibrahima@missouri.edu