القدس المحتلة- وسع حزب الله -الاثنين- من مدى إطلاق النيران إلى ما بعد حيفا، بإطلاق مئات الصواريخ والمسيرات المفخخة التي طالت العمق العسكري الإسرائيلي، وذلك في اليوم الثاني من معركة "الحساب المفتوح" التي يشنها ضد إسرائيل، ردا على العدوان على الضاحية الجنوبية في بيروت وجنوب لبنان.

ومع اتساع مدى الرشقات الصاروخية لحزب الله التي وصلت حتى مشارف شمال "تل أبيب الكبرى"، نشرت قيادة الجبهة الداخلية بالجيش الإسرائيلي التعليمات المحدثة حتى مساء يوم الأربعاء المقبل، بتعطيل الدراسة، والالتزام بالبقاء قرب الملاجئ، وحظر التجمهر لأكثر من 10 أشخاص، ومنع العمل في الأماكن والورش والمصانع التي لا تتوفر بها مناطق محصنة.

وبناء على هذه التعليمات، تكون صواريخ حزب الله قد أجبرت 3 ملايين إسرائيلي على البقاء بالقرب من الملاجئ والأماكن المحصنة، حيث تجاوزت الرشقات الصاروخية التي أطلقت من لبنان مدى أكثر من 110 كيلومترات، في حين تصدرت صافرات الإنذار على مدار الساعة المشهد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وفي محاولة للتقليل من تداعيات صافرات الإنذار والأضرار والخسائر الناجمة عن سقوط صواريخ حزب الله بالقرب من القواعد العسكرية وفي قلب المدن الإسرائيلية والمعسكرات والمستوطنات بالجولان المحتل، عمد الجيش الإسرائيلي للترويج لتنفيذ ما سماه بـ"عمليات نوعية"، لتبرير الهجمات والغارات التي شنها على جنوب لبنان وبيروت والخسائر التي تسبب بها هناك.

مدن أشباح

شلت صواريخ ومسيرات حزب الله مناحي الحياة الاجتماعية والتجارية والاقتصادية والتعليمية والسياحة على مستوى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث أغلقت عشرات المجمعات التجارية في الشمال وحيفا أبوابها، وكذلك آلاف المحال التجارية والمطاعم والمقاهي والنوادي، وحظرت التجمهرات والاحتفالات، وبذلك تحولت البلدات الإسرائيلية حتى "تل أبيب الكبرى" إلى مدن أشباح.

وفي مؤشر للتصعيد المتدرج، وتحسبا من التحول إلى حرب شاملة، علقت المدارس والجامعات والكليات في حيفا والشمال عملية التدريس لليوم الثالث، في حين تعمل المستشفيات بالملاجئ والطوابق الأرضية، بينما شهدت الموانئ تشويشات وعدم انتظام في الملاحة، وسط استنفار البحرية الإسرائيلية.

وتزامنا مع حالة الإرباك التي تعيشها الجبهة الداخلية، تتكتم إسرائيل على حجم الخسائر والأضرار العسكرية والمدنية التي بدت فادحة، في ظل تعليق المزيد من شركات الطيران العالمية رحلاتها من المطارات الإسرائيلية وإليها.

وأعلنت مجموعة "لوفتهانزا" التي تضم الخطوط الجوية السويسرية والنمساوية، وخطوط بروكسل الجوية، وطيران "يورو وينجز"، تمديد إلغاء الرحلات الجوية من وإلى مطار "بن غوريون" حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، مرة أخرى اعتبارا من الثلاثاء.

وأظهرت تقديرات أولية بشأن الخسائر والأضرار التي أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية أن مئات المنازل والمباني تضررت بنسب متفاوتة خلال الـ24 ساعة الأخيرة، بينما رصدت سلطة الإطفاء والإنقاذ عشرت الحرائق جراء الصواريخ والمسيرات المفخخة والتي أتت على آلاف الدونمات من المناطق المفتوحة والحرجية، فيما أصيب عشرات الإسرائيليين بجروح متفاوتة وحالات هلع.

حجم الخسائر والأضرار بالممتلكات والمباني سردها دودي إسحق، أحد سكان كيبوتس "غفعات أفني" في قضاء طبرية بالجليل الأسفل، والذي دمر منزله بالهجمات الصاروخية لحزب الله، في حديثه لصحيفة "معاريف" قائلا "كان هناك إنذار كالعادة، ودخلنا الغرفة المحصنة، لكنني لم أدرك أن الصاروخ سيسقط على بعد 30 سنتيمترا من الملجأ الذي نختبئ به".

وقال مازحا "لقد اجتاز الملجأ الخاص بنا اختبار نظام الدفاع الصاروخي المتعدد"، مضيفا "كنا نفكر فقط في احتمال أن يضرب الصاروخ منزلنا ويدمر الممتلكات، سنتجاوز ذلك، لقد أصاب صاروخ منزلي ودمر كل شيء، هذا هو جوهر حياتنا، لقد مر الشعب اليهودي بأمور أسوأ بكثير".

الرشقات الصاروخية التي أطلقت من لبنان تجاوزت مدى أكثر من 110 كيلومترات دوت فيها صافرات الإنذار (رويترز) تصنيف إسرائيل

وأمام هذه التطورات، تبدي الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية مخاوفها من احتمال تخفيض التصنيف الائتماني العالمي لإسرائيل، حيث أفاد مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" غاد ليئور، أن كبار المسؤولين في الاقتصاد الإسرائيلي الذين التقوا مع الاقتصاديين من وكالتي "ستاندرد آند فور" و"موديز"، خرجوا بانطباع بأنه إذا اندلعت حرب شاملة ضد حزب الله، وربما ضد إيران، فإن الوكالتين ستخفضان تصنيف إسرائيل.

ولفت مراسل الشؤون الاقتصادية إلى أن مخاوف شركات التصنيف الائتماني العالمية الثلاث التي خفضت بالسابق تصنيف إسرائيل بسبب الحرب، تدور حول الانخفاض الكبير في الاستثمارات في إسرائيل، وخاصة في قطاع التكنولوجيا، وزيادة ظاهرة نقل الأموال من البنوك الإسرائيلية إلى الخارج، قائلا إن "الاقتصاد الإسرائيلي سيواجه صعوبة في الحفاظ على نفسه في المستقبل".

وأمام التصعيد المتدرج الذي ينذر بمواجهة شاملة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، سارعت القيادات الإسرائيلية بالتهديد والوعيد بتوسيع العلميات العسكرية والضربات في لبنان، وذلك "سعيا لتغيير موازين القوى في الشمال"، بحسب تعبير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ووسط ترويج نتنياهو للسعي لإعادة السكان الإسرائيليين إلى البلدات في الشمال والمناطق الحدودية، أخذت صواريخ حزب الله تنذر بتداعيات سلبية على مجمل الوضع الاقتصادي الإسرائيلي، حيث تواصل بورصة تل أبيب التراجع وتسجيل الخسائر تباعا لتصاعد الحرب مع استمرار انخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي قبالة العملات الأجنبية والدولار الأميركي.

"وضع خاص"

ومع تعزز المخاوف من أن تطال الهجمات الصاروخية لحزب الله كافة المناطق في البلاد، ستوافق الحكومة الإسرائيلية على اقتراح وزير الدفاع يوآف غالانت، بإعلان "وضع خاص في الجبهة الداخلية" بحسب ما أفادت صحيفة "هآرتس".

وجاء في الوثيقة المرفقة بالطلب أن هذا الإعلان يسمح لقيادة الجبهة الداخلية بممارسة صلاحياتها بشكل مستمر، وإصدار تنبيهات وتعليمات للسكان في المناطق، "قبل أن تتحقق التهديدات، وبغض النظرعن الهجمات".

وسوغ غالانت طلبه بالقول "نظرا للتطورات الأخيرة على جبهات القتال، ووجود احتمال كبير بحدوث هجوم على السكان المدنيين، ومن أجل السماح للعناصر بتوجيه الجبهة الداخلية المدنية" داعيا إلى تطبيقه فورا، وحتى إشعار آخر، وسيخضع لتقييم الوضع المستمر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجبهة الداخلیة لحزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة

القدس المحتلة- في كل عام، يحمل المهندس سليمان فحماوي ذاكرته المثقلة بالحنين والوجع، ويسير على خُطا قريته المهجرة "أم الزينات" الواقعة على سفوح جبال الكرمل في قضاء حيفا، والتي اضطر لمغادرتها قسرا كباقي مئات آلاف الفلسطينيين، تاركا خلفه طفولته وذكرياته لتصبح جزءا من تاريخ النكبة الذي لا ينفك يعيد نفسه.

سليمان، اللاجئ في وطنه، عاش فصول النكبة الفلسطينية متنقلا بين بلدات الكرمل والساحل، قبل أن يستقر به الحال في بلدة أم الفحم، على تخوم حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

واليوم، وفي الذكرى الـ77 للنكبة، وبعد عقود من التهجير، يقف كعضو ومتحدث باسم "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" بالداخل الفلسطيني، محاولًا الحفاظ على ذاكرة القرى التي طمست معالمها، وفي مقدمتها قرية "كفر سبت" المهجرة، في قضاء طبريا في الجليل شمالي فلسطين.

فحماوي: لمسنا نياتٍ مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين (الجزيرة) شروط صادمة

منذ تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" عام 1997، اعتاد سليمان ورفاقه تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، حيث أصبحت المسيرات ذات رمزية تقول للعالم "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وتعيد للأذهان قصص البيوت المهدومة والأرواح التي لا تزال معلقة بأطلال قراها.

"هذا العام كان مختلفا" يقول فحماوي للجزيرة نت بنبرة يغلب عليها الأسى، فبدلا من التحضير المعتاد للمسيرة الـ28 نحو "كفر سبت"، اصطدمت الجمعية بسلسلة من الشروط التعجيزية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية، ما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب "سحب طلب التصريح".

يوضح فحماوي "كما كل عام، قدمنا طلبا للحصول على التصاريح، لكن الشرطة هذه المرة وضعت شروطًا غير مسبوقة، كان أولها عدم رفع العلم الفلسطيني، ذلك العلم الذي لطالما خفقت به القلوب قبل الأيادي، كما اشترطت الحصول على موافقة المجلس الإقليمي في الجليل الغربي، الذي تقع القرية ضمن نفوذه، إضافة إلى تحديد عدد المشاركين بـ700 شخص فقط".

إعلان

"بالنسبة لنا، العلم الفلسطيني خط أحمر" يؤكد سليمان، ويتساءل "كيف لمسيرة تحمل اسم العودة أن تقام دون علمنا، ودون مشاركة الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين يحملون هم القضية؟".

وبين تهديدات الشرطة بالاقتحام، والوعيد بقمع المسيرة حال تجاوز الشروط، وجدت الجمعية نفسها أمام مفترق طرق، ويقول فحماوي "خلال المفاوضات، لمسنا نوايا مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين من أطفال ونساء وشباب".

وفي مشهد تتداخل فيه الوطنية بالمسؤولية الأخلاقية، اجتمعت كافة الأطر السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، ليصدر القرار الأصعب (سحب الطلب)، لخصها فحماوي بقوله "نقطة دم طفل تساوي العالم"، مضيفا "لن نسمح بأن تتحول مسيرتنا إلى ساحة قمع جديدة، اخترنا العقل على العاطفة، لكن شوقنا للعودة لا يلغيه انسحاب مؤقت".

جبارين: حق العودة ليس مناسبة بل حياة كاملة نعيشها يوميا (الجزيرة) ذاكرة لا تموت

قبل نحو 30 عاما، لم تكن مسيرات العودة جزءا من المشهد الوطني الفلسطيني، وكانت قضية القرى المهجرة تعيش في طي النسيان، مطموسة في ذاكرة مغيبة، تكاد تمحى بفعل الإهمال والسياسات الإسرائيلية المتعمدة، يقول فحماوي، ويضيف "لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا مع انطلاق المبادرات الشعبية، وعلى رأسها مسيرة العودة".

وعلى مدى هذه العقود الثلاثة، شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني -وخاصة من فلسطينيي الداخل- في مسيرات العودة، التي تحوّلت إلى محطة وطنية سنوية ثابتة، تحمل رسائل سياسية وشعبية عميقة، وتؤكد على حق العودة بوصفه حقا فرديا وجماعيا غير قابل للتنازل أو التفاوض.

ورغم قرار سحب طلب التصريح لمسيرة العودة الـ28، لا يتوقف التساؤل لدى أدهم جبارين، رئيس اللجنة الشعبية في أم الفحم، وابن عائلة لاجئة من قرية اللجون المهجرة عن "ماذا يعني أن يمنع لاجئ فلسطيني من العودة، ولو ليوم واحد، إلى قريته التي طُرد منها؟ وماذا يعني أن يجرم رفع العلم الفلسطيني؟"

إعلان

"هذه ليست النهاية" يؤكد جبارين للجزيرة نت، ويقول "نحن مستمرون، فحق العودة ليس مناسبة، بل حياة كاملة نعيشها يوميا"، مضيفا "رغم القيود والتهديدات، تبقى مسيرة العودة أكثر من مجرد حدث سنوي، هي ذاكرة حية تورَّث للأجيال، ورسالة واضحة بأن القرى المهجرة ستظل حاضرة في القلوب والعقول، حتى يتحقق حلم العودة.

حضور الأطفال كان بارزا في مسيرة العودة التقليدية التي تنظم سنويا عشية ذكرى النكبة (الجزيرة)

 

ويؤكد جبارين أن قرار سحب الطلب "لم يكن تراجعا، بل خطوة واعية اتخذت من منطلق المسؤولية الوطنية، بعد أن اتضح خلال مفاوضات الجمعية مع الشرطة الإسرائيلية وجود نية مبيتة للترهيب والترويع، وحتى تهديد ضمني بإمكانية قمع المسيرة بالقوة، وربما ارتكاب مجزرة بحق المشاركين".

ويقول "نرى ما يجري من حرب إبادة في غزة، وعمليات التهجير في الضفة الغربية، وما لمسناه من سلوك الشرطة يعكس تحضيرات لتنفيذ سيناريو مشابه في الداخل، حيث بات استهدافنا على خلفية إحياء المناسبات الوطنية مسألة وقت لا أكثر".

لكن رغم المنع، لم تتوقف الفعاليات، فالجمعية أطلقت برنامج زيارات موسعًا إلى أكثر من 40 قرية مهجّرة، بمرافقة مرشدين مختصين، لتتحوّل ذكرى النكبة من فعالية مركزية واحدة إلى عشرات الجولات والأنشطة الميدانية.

ويختم جبارين حديثه للجزيرة نت بالقول إن "مسيرة العودة ليست مجرد تظاهرة، بل رسالة متجددة وتذكير سنوي بالنكبة، وتجذير للوعي الوطني، وانتقال للذاكرة من جيل إلى آخر، ورسالة واضحة بأن لا حق يضيع ما دام هناك من يطالب به".

ويضيف أنها "أيضا رد مباشر على المقولة الصهيونية الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، فالصغار لم ينسوا، بل باتوا في مقدمة الحشود، يحملون الراية، ويرددون أسماء القرى التي هُجرت، وكأنها ولدت من جديد على ألسنتهم".

مقالات مشابهة

  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • بالطبل البلدي.. افتتاح أول مقر رقمي لحزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء
  • الجيش داهم أكثر من 500 موقع لـ الحزب.. في هذه المناطق
  • الأمين العام لحزب الله: الغارات الإسرائيلية هدفها الضغط السياسي... وموقف الرئيس اللبناني جيد
  • مؤتمر حاشد لحزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء بالتزامن مع أعياد تحرير سيناء
  • نعيم قاسم: إسرائيل خرقت الاتفاق 3 آلاف مرة وتهدف لتغيير القواعد
  • حزب الله: الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت "اعتداء سياسي"
  • نعيم قاسم: غارة إسرائيل على الضاحية الجنوبية "اعتداء سياسي"
  • الأمين العام لحزب الله: جيش الاحتلال خرق اتفاق وقف إطلاق النار
  • نتنياهو وكاتس: الضاحية الجنوبية لن تكون ملاذا لحزب الله