بعد فشل جولتها الثالثة.. هل تنجح الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا؟
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
مقديشو- يعكس فشل انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا، في 17 من سبتمبر/أيلول الجاري، مدى تباعد المواقف والفجوات بين الجانبين، رغم محاولات الوساطة التركية والتي تعرف باسم "عملية أنقرة" والرامية إلى ردم الهوة بين البلدين المتنازعين.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن إجراء محادثات منفصلة بين هذين الجانبين لتكشف عن غياب عنصر المرونة لتحريك ملف المباحثات بين مقديشو وأديس أبابا إلى الأمام، سعيا لعقد مباحثات مباشرة بدلاً من نقل أنقرة معلومات لكلا الطرفين.
لكن تظل الأضرار التي ترتبت على هذين البلدين جراء هذه الأزمة السياسية واضحة رغم تباين آثارها، بحكم وجود حدود برية مشتركة تزيد عن 1600 كيلومترا.
فما الأضرار التي يواجهها الصومال بسبب هذه الاتفاقية، وما مستوى ثقة الجانبين بالوساطة التركية وما بنودها ورهانات نجاحها؟ وكيف تأثرت الأطراف الخارجية بالمفاوضات؟
ما مواقف كل من الصومال وإثيوبيا تجاه الأزمة؟انطلاقا من شعورها بانتهاك سيادتها ودعم إقليم أرض الصومال (صومالي لاند) ذي النزعة الانفصالية، تصف الصومال جارتها الإثيوبية بالدولة المعتدية التي لا تحترم القوانين الدولية ولاتزال ترفض الامتثال بها، بحسب النائب الأسبق والمحلل السياسي محمد الأمين حسن.
وأضاف المحلل السياسي للجزيرة نت أن الصومال أوضحت موقفها منذ تفجر الأزمة مطلع يناير/كانون الثاني الماضي حيث أكد الرئيس حسن شيخ محمود أن الحل الوحيد لاحتواء الأزمة السياسية مع إثيوبيا يكون بتخليها عن مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال، وأن بلاده لا ترفض وصول إثيوبيا إلى منفذ بحري بالطرق الشرعية والخضوع للقوانين الدولية.
ووفق محللين سياسيين صوماليين، فإن إثيوبيا تريد الوصول إلى منفذ بحري سيادي في المياه الإقليمية بمنطق القوة، رغم أن لديها بالفعل إمكانية الوصول إلى البحر عبر كل الدول المجاورة بمجموع 18 ميناء بحريا، وفق اتفاقية قانون البحار الدولية.
أما من المنظور الإثيوبي، فيقول المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد للجزيرة نت إن المبدأ الاساسي وعقيدة إثيوبيا في سياساتها الخارجية وخاصة مع دول الجوار هي تصفير المشاكل، وبناء علاقة شراكة وتعاون إقليمي متكامل، وأنها تحابي جيرانها على مصالحها بالقدر المستطاع، ولذا فإن إثيوبيا ترى أنه ليس لديها مشاكل مع الصومال بل إن المشكلة هي ما بين الصومال وإقليم أرض الصومال.
وأكد عبد الصمد أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحدث عن المصالحة بين الصومال والإقليم، معتبرا أن وحدة الصومال واستقرارها مصلحة إثيوبية بالدرجة الأولى، لأنه كلما بقي الصومال دولة مستقرة وقوية فإن إثيوبيا تستطيع التعاون معه لحل أزمات المنطقة.
إلى أي مدى يثق الجانبان بالوساطة التركية؟يعكس قبول تركيا لطلب إثيوبيا الوساطة بينها وبين الصومال حول الأزمة الحالية مدى تمتع أنقرة بعلاقات وثيقة مع الجانبين، فإثيوبيا تحتل صدارة الاستثمارات التركية بمنطقة القرن الأفريقي، بينما تشكل الصومال منطلق النفوذ التركي في القارة الأفريقية، بوجود أكبر سفارة تركية في الخارج وأول قاعدة عسكرية لها بأفريقيا، وهو ما يعطيها فرصة للتقريب بين الجانبين أكثر من أي دولة أخرى.
ويقول المحلل السياسي عبد الصمد -للجزيرة نت- إن العلاقة بين أديس أبابا وأنقرة شراكة إستراتيجية، فإثيوبيا تعتبر تركيا شريكها الأول من حيث الاستثمارات التركية بالمنطقة، ووفقا للمصالح المشتركة بين الطرفين فإن تركيا ليس لديها علاقة سلبية مع إثيوبيا، ولا يوجد ما يمنع تركيا من القيام بدور إيجابي.
كما يرى الأمين حسن أنه بحكم العلاقات الوثيقة التي تربط الصومال بتركيا، والتي أخذت عمقاً إستراتيجياً تحولت فيه العلاقات خلال السنوات الماضية إلى تحالف إستراتيجي عسكري، فإن الصومال ليس لديه حساسية مع الجانب التركي وراض عن وساطتها، مضيفا أنه من حق الصومال التمسك بمواقفه وفقا لما يخدم مصالحه ومؤكدا أن لتركيا مصالح إستراتيجية بالصومال والمنطقة برمتها.
تعتمد الوساطة التركية في المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا على عدة بنود، بحسب النائب والعضو باللجنة الخارجية في البرلمان الصومالي محمد آدم، أبرزها:
وقف التصعيد بين الصومال وإثيوبيا لتهيئة أرضية مشتركة للتفاوض. التزام الجانبين بالحل الدبلوماسي لإنهاء الأزمة. إزالة المخاوف الصومالية المتعلقة بسيادته ووحدة أراضيه. سماح الصومال لإثيوبيا بالوصول إلى منفذ بحري بموجب حقها. وصول إثيوبيا إلى منفذ بحري بشكل رسمي لكن ليس عبر إقليم أرض الصومال.أما فيما يخص رهانات نجاح الوساطة وفق المنظور الصومالي، فيؤكد النائب بالبرلمان محمد آدم للجزيرة نت أنهم يراهنون على نجاح الوساطة التركية لإنهاء الأزمة، باعتبار أنه (الصومال) ليس هو الطرف المعتدي، ورغم هذا لايزال متمسكا بالحل الدبلوماسي وضمان استقرار المنطقة التي لا تحتمل مزيدا من التوتر في الوقت الراهن.
بينما يرى المحلل الإثيوبي عبد الشكور أن رهانات بلاده في نجاح هذه الوساطة كبيرة، بحكم الثقة التي تحظى بها تركيا من أطراف النزاع الدبلوماسي.
كيف تؤثر الأطراف الخارجية في مواقف البلدين بالمفاوضات؟يرجع بعض المتابعين الصوماليين سبب إخفاق الجولتين الماضيتين بالمفاوضات إلى تدخل بعض الأطراف الخارجية في خط الأزمة، بهدف إجهاض المفاوضات لتحقيق مصالحها الخاصة بالمنطقة، من خلال التأثير بمواقف الطرفين.
وقال المحلل السياسي محمد الأمين إنه من الطبيعي أن تصعّد بعض الأطراف الخارجية في المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا، بحكم الموقع الإستراتيجي بين البلدين، إلى جانب كثرة الدول المتنافسة لتنفيذ مصالحها عبر تشكيل تحالفات وأخرى مضادة بالمنطقة، ولهذا فمن المستحيل أن تكون هذه المفاوضات بمأمن من التدخلات الخارجية وإن تباينت حدتها من حين لآخر.
وأضاف أن إظهار مؤشرات إيجابية من كلا الطرفين لا يكفي للتوصل إلى حل الأزمة، بل ستراوح مكانها ما لم تتدخل أطراف دولية فعّالة لحث الطرفين على تقديم التنازلات، أو توظيف تركيا أدواتها الدبلوماسية وابتكار حلول مقنعة لنزع فتيل الأزمة بين البلدين.
أما المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور فيرى أن بلاده لا تتأثر بالأطراف الخارجية بشكل يغير إستراتيجيتها ورؤيتها ومن مصالحها، مضيفا أنه لا بأس أن يكون هناك قدر من التعاون في ما يتعلق بمصالح الجميع، لكن بما لا يتناقض مع مصالح إثيوبيا، ويعتقد أن بلاده موقفها ثابت، وأنها تسعى فقط لما يستجيب لمصالحها بالمنطقة.
يرى محمد الأمين أنه من الطبيعي أن يسبب الاتفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال أضرارًا على الصومال على مستويات مختلفة. فمن الناحية السيادية، أظهرت المذكرة الموقعة مطلع يناير/كانون الثاني الماضي مدى عدم فاعلية الصومال في حماية وحدة أراضيه، مما قد يفتح الطريق لبروز أقاليم أخرى ذات نزعة انفصالية بحكم النظام الفدرالي القائم في البلاد.
أما من الناحية الأمنية، فقد يؤدي توقيع الاتفاقية إلى فك التعاون الأمني بين الصومال وإثيوبيا لمكافحة الإرهاب، وهو ما قد يغذي الجماعات الإرهابية لزيادة نشاطها ضد البلدين، وزيادة تهريب الأسلحة غير المرخصة القادمة إلى الأراضي الصومالية من الأراضي الإثيوبية، وهو ما قد يقلق الحكومة الصومالية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن نجاح المذكرة بين إثيوبيا وأرض الصومال سيقلل من استقلال الصومال وسيادته على موانئه وسواحله بما يفقده بعض الميزات الاقتصادية، مقابل أنها ستعزز النفوذ الاقتصادي للإقليم الانفصالي وستساهم في تحقيق مساعيه للانفصال عن الصومال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بین الصومال وإثیوبیا الأطراف الخارجیة الوساطة الترکیة المحلل السیاسی إلى منفذ بحری الخارجیة فی أرض الصومال للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
دور التضليل الإعلامي في تصعيد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا
دور التضليل الإعلامي في تصعيد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا
مقدمة : التضليل الاعلامي و النزاعات
في عالمنا المعاصر، أضحت الحروب لا تدار فقط في ساحات المعارك بل في وارء الشاشات بأدوات حديثة و مدمرة ، و يُشكّل التضليل الاعلامي أحد هذه الأدوات الأكثر خطورة في تأجيج النزاعات، وتوجيه الرأي العام و تعزيز الانقسامات و توفير الغطاء النفسي لمرتكبي الانتهاكات، وإطالة أمد الحروب. تعرف الأمم المتحدة التضليل المعلوماتي بأنه “توزيع مقصود لمعلومات كاذبة بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية أو اجتماعية”. و منذ ظهور الشبكات الاجتماعية في الألفية الجديدة أولت الأمم المتحدة أهمية متزايدة لمخاطر التضليل في النزاعات، إذ ربطته بزيادة احتمالات ارتكاب انتهاكات جرائم الحرب والإبادة الجماعية، كونه يهدف الى شيطنة الآخر وتحفيز حشد و تعبئة جماهيرية لصالح العنف.
يرى Thomas Rid (2020) أنَ “التضليل هو أحد أدوات الحروب السياسية، وهو لا يقل أهمية عن السلاح التقليدي”، وألقت اعمال كل من Samantha Bradshaw وPhilip N. Howard (2018) الضوء على الدور الذي تلعبه المنصات الرقمية في تسهيل نشر الروايات المضللة أثناء الأزمات. ومن ثم، أصبح التضليل و الدعاية أداة مركزية في حروب اليوم ، ممتزجا بالدعاية السيبرانية، والحرب النفسية، والتلاعب بالمعلومات على نطاق واسع.
التضليل الاعلامي في حرب إثيوبيا 2020: بين الحكومة الفدرالية وجبهة تحرير تيغرا
في منتصف ليل الرابع من نوفمبر 2020 بدأت عملية ” فرض القانون” العسكرية في شمال اثيوبيا و سرعان ما تحولت الى حرب بشعة بين قوات الدفاع الوطني الإثيوبية بمساعدة قوات الشرطة الفدرالية و قوات الدرك في اقليم أمهرا و مشاركة غير رسمية لقوات الدفاع الاريترية من جهة وجبهة تحرير شعب تيغراي من جهة اخرى، لقى فيها ما يزيد عن 500 حتفهم اما بسبب العنف المباشر او الجوع او اسبابا ذات صلة بالنزاع ، ولا زالت النتائج الوخيمة للحرب تلقي بظلالها على الاقليم .
مثلت هذه الحرب أنموذجاً حديثاً لحروب الجيل الرابع و التي تستند إلى تكنولوجيات متقدمة و تتلاشى الخطوط الفاصلة بين التقنية المدنية و العسكرية . و قد شهدت الحرب استخدام الطرفين للتكنوجيا سيما في حملات التضليل الاعلامي المتبادلة ، لقد اظهرت تقارير متكررة ل “هيومن رايتس ووتش” في 2021 أن “الطرفين استخدما بشكل مكثف الدعاية الرقمية والتضليل لشيطنة الآخر وحشد الدعم المحلي والدولي” ،ادت هذه الحملات إلى تعقيد المشهد ، و تدمير الثقة الضرورية للجلوس على طاولة المفاوضات ، و بالتالي أعاقا الجهود الرامية إلى الوساطة والسلام و اطالة أمد النزاع الدامي.
وعلى سبيل المثال، تمّ التلاعب بفيديو لآبي أحمد عام 2020 حول مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا، حيث يُعتقد أن رئيس الوزراء يشير إلى عملية قطع رأس وقعت في أوروميا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
و بحسب جاك بيرنهام من مركز دراسات التضليل ، فإن التضليل الإعلامي ادى إلى استهداف الأقليات العرقية على طول خطوط المواجهة في الصراع، حيث أدت الأكاذيب المتعمدة المنتشرة عبر الإنترنت إلى أعمال عنف حقيقية، وهو ارتباط أبرزته معاملة شعب القيمانت Qemant، وهي أقلية عرقية في منطقة أمهرة، لطالما ادعت التهميش،و تعرضت للتمييز و تم اتهامها -دون دليل- بالتحالف مع جبهة تحرير شعب تيغراي بعد تلقي التدريب والأسلحة في السودان وتنفيذ هجمات في المنطقة. وقد دفعت هذه الادعاءات، التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، إلى أعمال انتقامية عنيفة من غالبية سكان أمهرة، بما في ذلك إحراق قرية بيليهوا بعد 24 ساعة فقط من منشور على فيسبوك يزعم كاتبه أن حافلة تعرضت لهجوم من قبل متمرد مجهول الهوية من القيمانت.
غالباً ما وجدت شركات التكنولوجيا العملاقة نفسها بقصد أو بغير قصد في قلب النزاعات، اليوم يستخدم مليارات من البشر الشبكات الاجتماعية للتواصل ، و لفت الانتباه العام و حشد الدعم و التوثيق للإنتهاكات ، و لكنهم قد يستخدمونها لبث خطابات الكراهية و ادانة الضحايا. عملاق الشبكات الاجتماعية (ميتا) الشركة الام لفيسبوك و انستغرام وجدت نفسها في قلب الحرب الأهلية الاثيوبية الاخيرة . ففي تقريرها حول “التهديدات المنسقة” لعام 2021، أشارت ميتا إلى أنها حذفت مئات المنشورات والحسابات المرتبطة بشبكات تضليل تعمل من داخل إثيوبيا وتنشر محتوى يستهدف تأجيج الكراهية بين الأعراق المختلفة اثناء الحرب. و يعكس تطور مماثل الاهمية التي يمكن ان تلعبها الشركات العاملة في ادارة الشبكات الاجتماعية في نزع فتيل التوتر و ضمان امكانية ملاحقة و تفكيك هذه الشبكات الخطيرة قانونياً.
وواجهت شركة ميتا دعوى قضائية بقيمة 1.6 مليار دولار بسبب منشورات فيسبوك التي تحرض على العنف في حرب التغراي وتطالب القضية بإنشاء صندوق تعويضات بقيمة 1.3 مليار جنيه إسترليني لضحايا الكراهية والعنف على فيسبوك.
خلال الحرب في اثيوبيا اتخذ التضليل أنماط عديدة و متفاوتة الخطورة ، على سبيل المثال : نشطت دعايات و محاولة للشيطنة والتحريض العرقي في بداية النزاع. لقد سعت الحملات المضللة من هذا النوع إلى تصوير كل طرف كعدو وجودي للطرف الآخر ، و ان التعايش يستحيل في حالة كهذه ، و تم استخدام سيل واسع من روايات تاريخية حقيقية اما بتفريغها من محتواها أو دس بعض المعلومات المغلوطة او نزعا من سياقها . على سبيل المثال ، تكررت المرات التي ذُكرت فيها سنوات الحكم الاحادية لعرقية ” تغراي ” و ان تغراي ضائقة ذرعا بصعود عرقيات اخرى لسدة الحكم ، و بالرغم من الحقائق التي يحتويها ادعاء كهذا ، الا انه لم يكن ذا صلة بالحرب و ان اخراج هذه الروايات من سياقها لم يوفر فحسب حشد و تعبئة و سط المواطنين بل وفر غطاء نفسي للمقاتلين أنفسهم . و على المدى الطويل فإن استمرار تدفق هذا النوع من السرديات بشكل كبير على الشبكة من شأنه ان يرسخ مفاهيماً مغلوطة و حقائق متحيزة عن لحظات معينة في تاريخ الامة وهو ما يهدد السرديات التي تقوم عليها الوحدة القومية ، وينبغي ان ينظر الي التاريخ من داخل سياقاته الداخلية لا كسيل متدفق من الاحداث غير المترابطة.
نمط اخر ارتبط بالتضليل الاعلامي اثناء الحرب الاثيوبية الاخيرة ، هو تشويه الحقائق حول الانتهاكات. لقد برز اتجاه لتضليل المجتمع الدولي من خلال اما إنكار وقوع انتهاكات بعينها أو التقليل حجم هذه الانتهاكات أو ربما تضخيمها، و أوردت منظمة العفو الدولية تقارير عن استخدام صور وفيديوهات مفبركة للترويج للانتصارات أو المجازر. و استهدفت هذه الحملات سرديات الضحايا و الناجين و الشهود في أكثر لحظات النزاع عنفاً في النزاع ، و بحسب تقرير معهد نيو لاينز ذو المائة و عشرون صفحة فان الحكومة الفدرالية الاثيوبية ارتكبت على الاقل 4 افعال تشكل جرائم ابادة جماعية ، لكن بالمقابل كانت ثمة دعاية كثيفة لتكذيب مثل هذه المزاعم و الاتهامات و تصويرها كوسائل ضغط سياسية لا تمت للواقع بصلة.
كذلك ظهر نمط يختلف في آليه عمله ، هو تزايد حملات التأثير على الجاليات الإثيوبية بالخارج ، و لم يكن محتوى النزاع نفسه محل استهداف هذا النمط ، بل كان المستهدف هذه المرة المهاجرين .لقد تم رصد عمليات تضليل عبر منصات التواصل تستهدف الجاليات الإثيوبية في الشتات بواسطة اطراف النزاع ، لتأليبهم ضد الطرف الآخر وتوجيههم نحو دعم مواقف سياسية معينة.
و بالمجمل ، أسهمت هذه الحملات بأنماطها المختلفة في زيادة الاستقطاب الحاد داخل المجتمعات الإثيوبية وضمن جالياتها بالخارج. و أخرت المساعي الأممية الوساطة بسبب غياب الثقة في الروايات المتبادلة. و هو ما كان بمثابة الجحيم للملايين من الاشخاص الذين وجدوا أنفسهم داخل داومة العنف . وعلى الأرض، وفرت هذه الحملات غطاء نفسياً وأيديولوجياً لتبرير أو انكار الانتهاكات، بما في ذلك الهجمات على المدنيين و البنية التحتية.
التصعيد الحالي بين إثيوبيا وإريتريا وسيناريوهات التضليل :
تشهد العلاقات الإثيوبية-الإريترية في 2025 تصعيداً جديداً ينبني على تاريخ طويل من الشكوك والعداوات و انعدام الثقة، و حدثت انفراجة مريحة بعض وصول آبي احمد الى السلطة و تطبيع العلاقات بتوقيع اتفاقية سلام و صداقة في 2018 ، و ساهمت حرب تيغراي في إعادة إحياء الشراكة العسكرية بين أديس أبابا وأسمرا، لكن سرعان ما شاب العلاقة فتوراً بعد توقيع اتفاقية بريتوريا ، والتي لم تشارك فيها أسمرا . لاحقا تصاعدت توترات على خلفية المصالح المتناقضة في إقليم تيغراي وصعود ادارة اقليمية مؤقتة على وفاق مع الحكومة الفدرالية في أديس أبابا تعمل بالقرب من حدود بادمي المتنازع عليها.
كتير من التقارير اشارت الى كثافة حملات التضليل الاعلامي التي رافقت التصعيد الاخير بين اثيوبيا و اريتريا، مثل تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” الأخير، والذي لفت الانتباه إلى تصاعد حملات تضليل يقودها إعلام رسمي وغير رسمي في الجانبين، تتهم كل طرف بدعم جماعات مسلحة أو تخريب اتفاقيات وقف إطلاق النار.
يؤجج التضليل الاعلامي السياق المضطرب بين البلدين ، و يزيد من احتمالات تفاقم الاوضاع ، و السؤال كيف يعمل ذلك ؟
ثمة انماط ظهرت مؤخرا ، تشكل المعالم الواضحة لحملات التضليل الاعلامي المتبادلة ،
أولها : إعادة تدوير روايات الطموح الجيواستراتيجي الاثيوبي القديم ، نشرت بعض الحسابات المؤيدة لأريتريا ، بما فيها وسائل الإعلام الرسمية الإريترية افادات تهدف الى إحياء سرديات “العدوان الإثيوبي التاريخي” على سيادة إريتريا، و تصوير التصعيد الاخير بما فيه زيادة الانفاق العسكري في اثيوبيا و افتتاح مصنعا للطائرات المسيرة كاستمرار اثيوبي نحو الحصول على اطلالة على البحر الاحمر مستقطعة من اراضي تتبع للسيادة الارتيرية ، و سمى وزير خارجية اريتريا عثمان صالح هذه المساعي ب ” الهوس الاثيوبي بالبحر الاحمر ” خلال اجتماع لوزراة الخارجية الاريترية مع بعض منسوبي المنظمات الدولية واعضاء في السلك الدبلوماسي . في المقابل حاول داعمي اثيوبيا نشر بعض المعلومات المضللة عن تعبئة عسكرية اريترية في الحدود .
ثاني انماط التضليل هو التلاعب بالخرائط والمعلومات العسكرية الخاصة بإنتشار جيوش الطرفين حيث جرى تداول خرائط مزورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر “توغل قوات إريترية” داخل الحدود الإثيوبية، ما أثار موجة من التحريض الوطني في أديس أبابا.
نشرت وكالة (إنسايد افريكا) المختصة بشؤون القرن الافريقي في 9 مارس 2025 فيديو لآليات و مدرعات عسكرية يزعم انها قوات اريترية متجهة الى الحدود ، اتضح لاحقا ان الفيديو مبرك و مصدره تايلاند . بالاضافة الى ذلك نشطت بعض الحسابات في اعادة نشر الفيديو ومعلومات عن دعم اسمرا لبعض الفصائل المنشقة عن جبهة تحرير شعب تغراي. و اعتذرت المنصة عن الفيديو قائلة انها وقعت ضحية لهذا التضليل و هو امر يعكس مدى خطورة و حداثة هذه الحملات.
في 25 فبراير/شباط 2025، ادعى مقطع فيديو نُشر على فيسبوك أن آبي أحمد أكد ملكية البحر الأحمر خلال خطابه البرلماني قبل عامين، ووصفه على ما يبدو بأنه “ملكية إثيوبية”.
يحتوي المقطع على أكثر من دقيقة من خطاب آبي احمد، ويتضمن لقطات عامة لعمليات الموانئ التجارية. نُشر منشور مشابه في حساب Triangle of Afar في منصة X .
الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي كانت حاضرة في المشهد ايضا ،ففي 5 مارس 2025 تم نشر مجموعة صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تُظهر ميناءً جديدًا لامعاً مزوداً بمرافق حديثة ولافتة إرشادية باللغة الإنجليزية تقول: “مرحبا بكم في ميناء عصب إثيوبيا”. صور اخرى تظهر سفناً حربية تضع العلم الاثيوبي ذو النجمة الخماسية كتب عليها عصب اثيوبيا ، تحقق منها توليرا فيكرو من أ . ف .ب اثيوبيا باستخدام اداة AFP Fact Check و التي اتضح انها منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ادعاءات مماثلة عن تاريخ الاستعمار في البلدين ، تلفق بعض الحقائق و تسيئ لبعضها البعض منتشرة بكثافة في المحتوى الاثيوبي و الاريتري على منصة X . و تواجه كثير من الصفحات الاعلامية المهتمة بالمنطقة على نفس المنصة اتهامات بواسطة المستخدمين بالتضليل و تزييف الحقائق.
النتائج المتوقعة وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي :
يمكن ان تقود عودة كل من اثيوبيا و ارتيريا الى الحرب الى وضع المنطقة في أتون الجحيم و يحتمل ان تتوسع رقعة النزاع إلى دول الجوار مثل السودان والصومال، حيث تربطهما علاقات متوترة مع إثيوبيا ، كذلك تفاقم ازمة اللاجئين و الحدود كون اثيوبيا تمتلك حدودا مشتركة مع معظم دول القرن الافريقي .
ان استمرار هذه الحملات قد يقود إلى تعقيد الامور المتشابكة اساسا ، و تعميق ازمة انعدام الثقة بين البلدين ، و يمكن ان تكون بعض النتائج ذات احتمالية اكبر من غيرها في حال استمرار وتيرة التضليل الاعلامي المتبادل ، لكن بالمجمل فان تعبئة الجماهير في كلا البلدين نحو خيار الحرب بدل التسوية و التعاون سيؤدي الى إضعاف جهود الوساطة الهادفة الى خفض التصعيد ، اضافة الى ان تقويض الثقة بين البلدين هي اكثر النتائج المتوقعة رجاحة.
تعكس الحالة الإثيوبية-الإريترية اليوم أن التضليل المعلوماتي ليس مجرد “ضجيج رقمي”، بل هو سلاح ذو أثر حقيقي في تشكيل ديناميات الحرب والسلام. ولهذا، يحتاج المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إلى آليات جديدة لرصد وتفكيك هذه الحملات كجزء من استراتيجية أوسع لحفظ السلام ، كما ينبغي ادماج مكافحة التضليل الاعلامي ضمن آليات بناء الثقة في اتفاقيات السلام.
مراجع و مصادر:
التضليل الإعلامي يؤجّج التوتّرات الإثنية الحادة في إثيوبيا – الشرق الأوسط – يناير 2025
https://surl.li/plrehq
مكافحة التضليل الاعلامي من اجل تعزيز و حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية – تقرير الامين العام للامم المتحدة – اغسطس 2022
United Nations. (2021).
Guidance Note on Countering Disinformation in Conflict Settings.
Meta sued for $2bn over Facebook posts ‘rousing hate’ in Ethiopia.
https://www.aljazeera.com/news/2022/12/14/meta-sued-for-2bn-over-facebook-posts-rousing-hate-in-ethiopia
Human Rights Watch. (2021). Ethiopia: A Year of War Abuses and Atrocities.
Amnesty International. (2021). Mass Killings in Axum.
Ethiopia: The Massacre in Axum
International Crisis Group. (2025). Ethiopia and Eritrea: Renewed Tensions and Risk of War.
https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopiaeritrea-eritrea-ethiopia/ethiopia-and-eritrea-collision-course
الوسومإثيوبيا إريتريا الصراع تيغراي عبدالله قريضة