السودان وتشاد: الجوار المحمي اجتماعياً والوفاق الحتمي سياسياً
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
تنتمي الكثير من القبائل في كل من السودان وتشاد إلى البطون نفسها وتقتسم التاريخ نفسه والثقافة نفسها، وتعيش على ما كانت عليه منذ القدم في السودان وتشاد اللذين قدر لهما اقتسام الأعراق والفن والثقافة ونوعية المأكل والملبس، وحتى التشابه في المناخ وفي الخارطة الجغرافية.
وعندما ننظر إلى القبائل المشتركة التي لها امتداد طبيعي في عمق البلدين وعلى مساحة جغرافية واسعة تبدأ الآن بعد موجات النزوح التي بدأت مع موجة الجفاف التي ضربت البلاد مطلع الثمانينات فانتشر كثير من أبناء قبائل كردفان ودارفور بحثاً عن وضع أفضل في ولايات الوسط ومنها اتجهوا شرقاً حتى ولايتي القضارف وكسلا عند الحدود السودانية الإثيوبية، وحتى بحيرة تشاد غرباً حيث الحدود التشادية النيجيرية.
فتشاد والسودان عبارة عن بلد واحد قسمته قوى الاستعمار الغربية ؛ لذا فإننا نجد أن هذه القبائل قد وقفت جنباً إلى جنب في وجه القوى الاستعمارية الغربية الغازية عند مجيئها إلى المنطقة في أواخر القرن التاسع عشر. على الرغم من ضراوة الخطط الاستعمارية المبنية على فلسفة “فرق تسد” إلا أن شعوب هذه المنطقة ظلت على عهدها القديم القائم على الانسجام وانسيابية التنقل والترحال الرافض لفكرة الحدود الفاصلة، لهذا فإنك تجد البقارة والأبالة يظعنون على نفس “المراحيل” التاريخية لتجد قبائل المحاميد، والسلامات، وأولاد راشد، والخزام، وبني هلبة، والتنجر، والفلاتة، والداجو، والوداي، والزغاوة، وغيرهم الكثير من القبائل التي تنتمي إلى العرق نفسه وتقتسم التاريخ نفسه والثقافة نفسها وتعيش على ما كانت عليه منذ القدم، وقد قدر لهما اقتسام العرق والفن والثقافة ونوعية المأكل والملبس، وحتى التشابه في المناخ وفي الخارطة الجغرافية.
تبادل الاتهامات بدعم المعارضة المسلحة
إن مثل هذه الخلفية المعقدة والمتجانسة في ذات الوقت، ستفرض نفسها دون شك على العامل السياسي في البلدين سلباً كان أو إيجاباً، ولقد انعكست هذه الصورة بشكل واضح مع بداية أزمة لجوء الآلاف من أهل دارفور إلى تشاد مطلع الألفية ومن حينها ظهرت حالات من الشد والجذب وحتى الوقوف على حافة الانفجار، كما حدث في هجوم المعارضة التشادية على أنجمينا في فبراير عام 2008 وتلاه هجوم المعارضة السودانية على أم درمان في مايو من العام نفسه، وتبادلت السلطات في البلدين اتهام الأخرى بإيواء المعارضة المسلحة.
هذه الفترة رغم صعوبتها وحجم الضرر إلا أنها ساعدت القيادة في البلدين على أن هذه ليست بالطريقة المثلى لإدارة التمازج القبلي والجوار التاريخي بينهما ، فانخرطوا في محاولات الصلح التي أعطت ثمارها بعد سلسلة من الاتفاقيات منها اتفاقية مكة (2007) واتفاقية داكار (2008) واتفاقية الدوحة (2009)، فتكللت باللقاء التاريخي بين رئيسي البلدين حينها عمر البشير وإدريس ديبي في الخرطوم في 10 من فبراير 2010 م ، كمؤشر لنهاية هذه الفترة الحرجة وعودة المياه إلى مجاريها، وأعقب ذلك تفعيل البروتوكول الخاص بإنشاء القوات المشتركة التي جاءت في الوقت المناسب وفي بيئة تعتبر هي الأنسب لمثل هذه القوات، التي تمثل هذه القبائل المتداخلة وهذا الشعب الذي لا يقبل القسمة على اثنين. وشهد البلدان تحت ظل تلك القوات المشتركة الاستقرار والتنمية والرفاهية إذ تحول معظم ميزانية الدفاع إلى التنمية البشرية والاقتصادية والحضرية. وهكذا اختبرت حكومات وشعب البلدين تجربة العيش تحت حماية السلاح وتحت ظلال السلام.
أزمة الحرب الحالية في السودان
حاولت تشاد اتخاذ موقف الحياد من هذه الحرب واعتبرتها شأنا داخلياً وعلى هذا تم اتخاذ العديد من الإجراءات والترتيبات لتأمين الحدود ولاحتواء التداعيات المُحتملة، من خلال إرسال قوات إضافية لتأمين الحدود مع السودان وأغلقتها في بداية اندلاع الحرب، وبحسب مقال نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بتاريخ 22 مايو 2023م، يأتي إغلاق الحدود مع السودان وسحب القوات التشادية من الآلية العسكرية المشتركة بين السودان وتشاد المعنية بمراقبة الحدود ومُعالجة الاختلالات الأمنية من أجل قطع الطريق أمام أي إمدادات للدعم السريع من حواضنه الاجتماعية الإقليمية. وأضاف المقال أن وزير الدفاع التشادي اللواء داود إبراهيم قال إن “الصراع لا يعني تشاد، والأمر بين السودانيين ويجب أن نظل يقظين ضد كل الاحتمالات”.
وكان قائد المجلس العسكري في تشاد “محمد ديبي” قد استقبل كلاً من البرهان ثم حميدتي يوماً بعد الآخر في انجامينا في شهر يناير 2023م بهدف إظهار الحياد.
ولكن هذا الحياد لن يكون مبرئاً ولا كافياً أمام الرأي العام الداخلي أو الشعب الواحد في كل من السودان وتشاد بعد كل ما عايشوه من قتل ونهب وتشريد شاهده وتابعه كل العالم عبر القنوات الفضائية والدبلوماسية والمنابر الدولية ووسائط التواصل الاجتماعي، فالضحايا إما ابناء خؤولة وإما بنات عمومة.
التدخلات الخارجية السالبة
ليس هذا فحسب فقد كشف تقرير مطول ومدعوم بالصور العادية وصور الاقمار الصناعية وتحليلاتها نشرته صحيفة نيويورك تايمز الامريكية يوم السبت الماضي تورط الامارات في إذكاء الحرب في السودان مستغلة مطار أم جرس، ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الإماراتيين يستخدمون المطار الآن لتسيير طائرات عسكرية بدون طيار متقدمة لتزويد قوات الدعم السريع المتمردة بمعلومات استخباراتية عن ساحة المعركة، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى المقاتلين في السودان، وأن طائرات الشحن كانت تحمل أيضاً أسلحة تم تهريبها لاحقاً إلى المقاتلين داخل السودان. وأظهرت الصور مخبأ ذخيرة في المطار ومحطة تحكم أرضية لطائرة وينج لونج بجانب المدرج – على بعد حوالي 750 ياردة فقط من المستشفى الذي تديره الإمارات العربية المتحدة واكتشف المسؤولون الأمريكيون أن المستشفى الذي تبلغ تكلفته 20 مليون دولار يعالج بهدوء مقاتلي قوات الدعم السريع الجرحى.
لابد من تدارك الموقف
ووفقاً لتقرير نيويورك تايمز فقد قال سوكس ماسرا، رئيس وزراء تشاد السابق: “من الواضح جدًا: الإمارات العربية المتحدة ترسل الأموال وترسل الأسلحة، وبعد تلقيه شكاوى من المسؤولين الغربيين، قال للرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، إن السماح للإمارات بنقل الأسلحة عبر تشاد كان “خطأً فادحًا”.
ولكن يبدو أنها كانت صفقة مغرية للنظام التشادي فقد وعدت الإمارات السيد ديبي بقرض بقيمة 1.5 مليار دولار، وهو ما يقرب من حجم الميزانية الوطنية لتشاد البالغة 1.8 مليار دولار قبل عام.
ويبدو أن الحكومة التشادية انتبهت مؤخراً للأمر بعدما لاحت بوادر رجحان الكفة لصالح الجيش السوداني وتقهقر قوات الدعم السريع، فحاولت تشاد الاستعانة بقوات من الجيش الأمريكي حسبما جاء في إعلان الجيش الأمريكي على لسان الجنرال كينيث إيكمان، من القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم)، في مقابلة نشرت يوم الجمعة 20 سبتمبر في إذاعة صوت أمريكا. لكن نفى رئيس الدبلوماسية التشادية عبد الرحمن غلام الله بشكل قاطع أعلان الجيش الأمريكي أنه سيعيد انتشار جنوده في تشاد، وبحسب ما ورد في موقع “أوول آفريكا” الجمعة. مما يرجح أن المناقشات لا تزال مستمرة لتحسين معالم المهمة الجديدة للقوات الأمريكية وبلورتها في شكلها النهائي.
عليه يرجح المراقبون أن ليس أمام الحكومة التشاية إلا السعي بجدية لتدارك الموقف، خاصة في ظل الجهود الدبلوماسية الحثيثة من قبل الحكومة السودانية و نجاحاتها في المحافل الدولية مما يعجل بإحراج السلطات التشادية أمام شعبها الذي عايش مرارات الحرب السودانية وتقاسم آلامها مع جيرانه وبني جلدته.
وفي نهاية الأمر، ستكتشف القيادة في تساد أنه ليس أمامها سوى اعتماد سياسة حسن الجوار مع السودان ، وتبادل المصالح بدلاً من تبادل الأضرار
المحقق – عثمان صديق
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: السودان وتشاد فی السودان
إقرأ أيضاً:
تهريب الغاز المحلي إلى دول الجوار: تجارة غير مشروعة تفاقم معاناة المواطنين
يمانيون../
في ظل أزمة الغاز الخانقة التي تعصف بمناطق سيطرة المرتزقة، كشفت تقارير صحفية حديثة عن عمليات تهريب واسعة النطاق لمخزون الغاز الاستراتيجي المحلي إلى دول الجوار، وفي مقدمتها الصومال وجيبوتي. هذه الممارسات تزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين، الذين باتوا يعانون من شح الإمدادات وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
بحسب المصادر الإعلامية، تتم عمليات التهريب عبر البحر إلى الأسواق الخارجية، في تجارة غير مشروعة تُدِرُّ أرباحًا هائلة للتجار والمهربين من المرتزقة، بينما يعاني المواطنون داخل البلاد من صعوبة الحصول على أسطوانة غاز واحدة إلا بأسعار باهظة تثقل كاهلهم.
طرق التهريب وآلياته
تتم عمليات التهريب عبر مسارين رئيسيين:
المسار الأول: يمتد من منطقة باب المندب إلى جيبوتي، حيث تُنقل كميات كبيرة من الغاز عبر سفن صغيرة متخصصة.
المسار الثاني: ينطلق من منطقة نشطون في محافظة المهرة باتجاه السواحل الصومالية، معتمدًا على أساليب مماثلة في نقل الشحنات المهربة.
تشير التقارير إلى أن بعض النافذين والتجار يستغلون حالة الانفلات الأمني وغياب الرقابة، مما يسمح بمرور هذه الشحنات إلى الخارج دون أدنى قيود أو إجراءات رقابية حقيقية.
انعكاسات التهريب على السوق المحلية
عمليات التهريب هذه تؤدي إلى نقص كميات الغاز المتوفرة في الأسواق المحلية، مما يساهم في ارتفاع أسعاره بشكل كبير. يجد المواطن نفسه أمام تحدٍ كبير لتأمين احتياجاته الأساسية من الغاز المنزلي، بينما يُفترض أن المخزون المهرب كان من شأنه تغطية احتياجات العديد من المحافظات اليمنية.
يرى مراقبون أن هذه العمليات تعكس حجم الفساد والانفلات الأمني في المناطق المحتلة، حيث أصبحت ساحةً مفتوحة للتهريب بجميع أنواعه، بدءًا من النفط والغاز وصولًا إلى السلع والمواد الأساسية.
الفساد والانفلات الأمني يغذيان التهريب
تعكس هذه التجارة غير المشروعة غياب سلطة القانون وضعف الإجراءات الرقابية في المناطق المحتلة. باتت هذه المناطق تُستغل كمنصات للتهريب، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المحلي من ضغوط شديدة، ويتحمل المواطن وحده تبعات هذه الأزمة التي أرهقت كاهله.
المجتمع المحلي يطالب بوضع حد لهذا الفساد المستشري ومحاسبة المتورطين في عمليات التهريب، وإعادة توجيه المخزون الغازي لخدمة المواطن اليمني الذي يعاني من تبعات الحصار والأزمة الاقتصادية.