في الجزء الأول من المقال انتهى بنا الكلام إلى معايير الديموقراطية في الدول المتقدمة والقائمة على المشاركة، وفرقها عن الدول الناشئة، والتي يكون فيها النظام غالبا قائما على المغالبة.

يكمن التشابه بين المشاركة والمغالبة في:

⁠ 1- ⁠يتحقق كلاهما عبر مبدأ الديمقراطية كنظام سياسي.

2- صناديق الاقتراع هي الوسيلة التي تعبر فيها الجماهير عن وجهة نظرها، واختيار من يمثل وجهة النظر هذه.



3- التحالفات السياسية، والتي تؤثر على نتيجة الانتخابات.

الفارق الجوهري بين الشكلين هو:

المشاركة غالبا تنبني على أساس برامج إصلاحية، ويكون فيها الناخب متحررا إراديا في الاختيار لوجود استقرار سياسي واجتماعي وتحقق عدالة اجتماعية إلى حد كبير، بالتالي تكون خياراته متعددة في ظل دولة متحققة في الخارج، تقوم بواجباتها تجاه المواطن، ووجود برلمان يقوم بدوره في التشريع والرقابة، ونسبة فساد ضعيفة جدا في الدولة، وسلطة قضاء مستقلة تطبق القانون على الجميع، فهنا تتوسع الرؤى وتصبح إمكانيات المشاركة الحرة دون توجيه أكبر، بحيث يعبر الشعب عن خياراته ويحاسب في صناديق الاقتراع، ويكون مبدأ الكفاءة والاستحقاق هو المهيمن في عملية التوظيف والتوزير والانتخاب، وليس المحاصصات القائمة على الانتماءات المذهبية والطائفية والحزبية

أما المغالبة فتحدث في أجواء غياب الدولة عن أداء دورها تجاه المواطن، وانتشار الفساد، وعدم وجود عدالة اجتماعية مما يؤدي لوجود طبقية اجتماعية تتحكم فيها قلة بالاقتصاد والسياسة، ووجود تهديد إقليمي مستمر للدولة، أي غياب استقرار اجتماعي وسياسي في الدولة، وحضور التوازنات الطائفية والمذهبية والحزبية، بحيث تترجح الكفة السياسية في هذه الظروف وفق مبدأ المغالبة، التي تعبر عن ذاتها في صناديق الاقتراع وتتحول اللعبة السياسية إلى لعبة عددية، تغيب في ظلها مبدأ الكفاءة والاستحقاق، ويحضر مبدأ المحاصصات.

فالمشاركة، تحقق المشاركة الشعبية الحقيقية بكافة الأطياف، وتفعل الدستور بتشريع قوانين لا تخرج عنه، وبممارسة دورها الرقابي، وتحقيق التنمية المستدامة للدولة وللشعب، بينما المغالبة هي استبداد أكثرية عددية مع غياب واقعي لبرامج إصلاحية، أو خطط لمواجهة الفساد، وحضور المناكفات السياسية والخلافات الإقليمية على حساب الداخل الوطني، حتى لو خالفت هذه الممارسات الدستور، مستخدمة صناديق الاقتراع لتمارس استبدادها السياسي المبطن بالديمقراطية.

خنق محاولات التغيير قبل ولادتها، خاصة على مستوى الخيارات الاستراتيجية، ودلالات المفاهيم، كخيار المقاومة الاستراتيجي في منطقة يهيمن عليها استعمار غير مباشر كأمريكا، باستعمار صهيوني مباشر
وكان الحل بخنق محاولات التغيير قبل ولادتها، خاصة على مستوى الخيارات الاستراتيجية، ودلالات المفاهيم، كخيار المقاومة الاستراتيجي في منطقة يهيمن عليها استعمار غير مباشر كأمريكا، باستعمار صهيوني مباشر، وكربط دلالة ومفهوم المقاومة والجهاد سابقا بمفهوم الإرهاب، والذي لم يتم وضع تعريف صريح له حتى يبقى مفهوما مفتوحا على كل الدلالات، واستخدام الدلالة التي تناسب المرحلة وتكتيكاتها في وعي الشعوب، أو تذويب مفهوم المقاومة والجهاد، بمقابلته بمفهوم السلام الذي تم تمييع دلالته. وهذا يتطلب عملية تغيير استراتيجية لمناهج التعليم، وموقعية القرآن الكريم في فكر ووعي الجماهير والشعوب، من خلال حملات حرق وتوهين للقرآن، وتشكيك في وحيانية مصدريته.

وكذلك خنق محاولات التغيير في الوعي الثقافي والمعرفي، وفي تغيير الخيارات تجاه فلسطين، وإعادة تموضع المفاهيم في الوعي الجمعي وفق دلالاته التي رسمها القرآن، ورسمتها الفلسفة بمعطياتها المنطقية والعقلية، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الإنسان، وحريته، ووظيفته، وخياراته في السلم والحرب، والمرجعيات المعيارية في تشخيص العدو، والحليف، والتي تُوَصّف آليات المواجهة مع العدو، والآلات التواصلية مع الحليف، كل ذلك وأكثر كان خنقه يتم بحبل المذهبية تارة، والقومية أو الطائفية تارة أخرى، أو حملات التخويف والتشويه والشيطنة التي كانت تتم بحق المقاومة والمقاومين، أو بحق التيارات الإسلامية الحركيّة، الخارجة عن سياق السلطة وفق منهج "طاعة ولي الأمر".

وكل ذلك يجد له صدى شعبيا نتيجة:

- تغلغل الفهم القبلي للحياة، وسيادة كثير من أعراف وتقاليد القبيلة على مستوى الحكم وعلاقته بالشعب، وعلى مستوى الشعب وطبيعته الاجتماعية، والتي غالبا لم تتحرر إلى الآن من العقل القبائلي والمنهج العنصري في التعامل مع الآخر المختلف مذهبيا، أو حتـى من حيث الهوية الوطنية، ورغم حصول نسبة كبيرة على شهادات عليا، إلا أن ذلك لم يحدث انزياحات في فهم العقل الجمعي، إلا عند قلة ليس لها صدى صوت في محيط ملتهب مذهبيا وقوميا.

- دور وسائل الإعلام التي تدعمها حكومات بشكل غير مباشر، وتنفذ بذلك عقيدتها في رسم وعي الجمهور وفق أجندة تتناسب ودور هذه الحكومات الوظيفي في المنظومة الدوليّة الحاكمة، هذا إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي حيث استطاعت تلك الأنظمة اختراقها بجيش من عملائها، لخلق أجواء تُبْقي الفضاء العام يدور في فلك إرادتها، وتوجه الوعي بالاتجاهات التي تريدها تلك الأنظمة.

- عدم وجود مراكز بحثية مستقلة خارج دائرة نفوذ السلطة، مع وجود قوانين مقيدة لتلك المراكز من خلال عمليات الرقابة والمنع، ومن خلال شروط شبه تعجيزية تفرضها السلطة. هذه الشروط ترسم وفق معايير لا يمكنها الانطباق إلا على اقتصاديين تجار تتقاطع مصالحهم مع السّلطة، أو نخب لها ثقلها الاجتماعي المؤثر وسلطتها الاقتصادية الفاعلة، وولاؤها للسلطة نافذ، وهو ما يوضح حجم تداخل السياسي والاقتصادي بالمعرفي، مما يُقَيّد المثقفين ضمن أجندة المُمَوّل.

- الاختراقات الثقافية السلبية للغرب التي ركزت على تدجين المثقفين والجمهور تدجينا استهلاكيا، كون الميل العام للخليج تاريخيا هو ميل تجاري، هذا فضلا عن ثروته النفطية المؤثرة في الولاءات والوظيفة والسياسات، التي لا بد أن تصب في مصلحة الاستعمار غير المباشر، وهو ما أنتج مع التقادم العقل الاستهلاكي الموازي، الذي يُضْعِف من إنتاجية الدولة رغم ثرائها، ويحول دون مبدأ اكتفائها الذّاتي، ويفتح فضاءها الاقتصادي للشركات الرّأسماليّة العابرة للحدود.

ومن المفاهيم الخطرة التي يتم العمل عليها في هوية هذه المنطقة، التي يغلب عليها الطابع الإسلامي المحافظ، هو مفهوم الرفاه وفق المنظور الإسلامي، وترتيب الأولويات، واستبداله تدريجيا بمفهوم الرفاهيّة الرأسمالي الاستهلاكي، وعلى ضوئه تبديل أولويات الفرد والمجتمع واهتماماته.

الحركة الثقافية في الخليج غالبا ما زالت تخضع إما للسلطة أو للاقتصاديين أو للتيارات الموجودة في المجتمع، سواء الإسلامية منها أو العلمانية، وهو ما يؤثر على موضوعية الحراك الثقافي ويؤدلج فضاءاته المعرفية أو يعسكرها، بل يبني حواجز بينه وبين الجوار الجغرافي، والجوار الهوياتي
فالحركة الثقافية في الخليج غالبا ما زالت تخضع إما للسلطة أو للاقتصاديين أو للتيارات الموجودة في المجتمع، سواء الإسلامية منها أو العلمانية، وهو ما يؤثر على موضوعية الحراك الثقافي ويؤدلج فضاءاته المعرفية أو يعسكرها، بل يبني حواجز بينه وبين الجوار الجغرافي، والجوار الهوياتي، أو حتى مع شريكه في الوطن، تشكل حاجزا أمام التلاقح الثقافي، والنهوض الحضاري، وصناعة وعي حركيّ تنموي متصاعد عند الشعوب، وهو ما يصب في صالح نهضة شاملة في المنطقة كلها، مما يضعف الوجود الصهيوني، ويكرّس استعماريته، ويمنع اندماجه فيها، أو تمركزه كقوة عظمى فيها.

إلا أن المنهج العام يصب في صالح تكريس الكيان الصهيوني كقوة لها شكل حضاري ديمقراطي متقدم تكنولوجيا، يجعل منها القوة العظمى، ويُعَبّد طريق اندماجها الذي امتد من دول الطوق، واخترق الخليج، ضمن معاهدات سميت بالاتفاقيّات الإبراهيمية.

هذا فضلا عن أن أغلب المثقفين في الخليج يعيش ازدواجية تشبه ازدواجية العصر العباسي، فبينما في العصر العباسي كان النظام الحاكم على مستوى التنظير يؤمن بالله ويتأثر بكلام الوعاظ، لكنه عملانيا كان يعربد بمقدرات الأمة ويسرقها ويحكمها بالسوط والحديد والنار، ليبقى كنظام حاكم في محورية صناعة الخوف في فكر ووعي الشعوب.

فكثير من مثقفي الخليج باتوا إما أدوات بيد السلطة، أو أدوات لأجندات خاصة، أو أسرى الوجاهة الاجتماعية التي تتطلب نزول المثقف على رغبات الجمهور ليصبح مثقفا شعبويا، بدل أن يتحول الجمهور بوعي المثقف إلى جمهور مثقف نخبوي.

وليس الخليج فقط مبتلى بهذه النماذج من المثقفين، وبهذا المنهج السلطوي الذي يستخدم المعرفة في غاياته السلطوية، بل تُدفع ثروات هذه المنطقة لعملاء وزعامات ونخب ومثقفين في دول أخرى، لتحقيق غايات لا تصب أبدا في صالح شعوب تلك الدول، ولا قضاياها المحورية كقضية فلسطين، بل في صالح هذه الأنظمة ومشغليها. ولبنان يعد النموذج الأبرز كساحة تشغيلية لأموال الخليج، في شراء الذمم وطعن المقاومة، وخلط الأوراق السياسية لتصب في إرادتها وغايتها وأهدافها فقط.

ولا يمكننا إغفال القلة المثقفة التي ما زالت تسعى وتكدح نظريا وعمليا لأجل تغيير مسارات الوعي، لتحويلها من فهم قبائلي إلى فهم علمي موضوعي منفتح على كل الآراء لأجل الحقيقة، وصناعة وعي وازن ومتناغم مع معطيات واقعه، ومستقبل الأحداث، وليس كما يقوم كثيرون ببيع الوهم للشعوب على أنه الحقيقة.

لكن هؤلاء هم المقاومون في الفضاء المعرفي والثقافي، لسيرهم عكس التيار العام، ولأنهم معرّضون لمواجهة السلطة بشكل غير مباشر، أي مواجهة أدوات السلطة من المثقفين، وأدواتها الإعلامية، وجيشها المجند في وسائل التواصل الاجتماعي. وأحد أهم أدوات القتل الذي يستخدمه هؤلاء هو التشهير والإسقاط الاجتماعي لكل من يمشي عكس التيار، كون هذه المجتمعات ما زالت مجتمعات محافظة تراعي جدا الجو العام، وتظهر التزاما خلاف ما تبطنه من تفلتات من العادات والتقاليد، وهي تفلتات خفيّة خوفا من تشهير المجتمع، وهو ما يخلق حالة الازدواجية في الشخصية الخليجية والعربية، والتي يغلب عليها التعقيد والتركيب نتيجة المناخ العام الاجتماعي الذي تعيشه.

وعند التشهير بالشخصيات المُصلحة المقاوِمة في الفضاء المعرفي والثقافي، فهي تُسقط الشخص وتسقط معه أفكاره وثقافته ومشروعه المقاوم النهضوي، وتبني بينه وبين عقل المجتمع حاجزا كبيرا يمنعه من قبول ما اعتاد عليه أولا، وقبول ما يعتبره المجتمع ساقطا في أعرافه.

وهذا ينعكس على كثير من مثقفيها، إلا القليل الذين استطاعوا التفلت من هذه الازدواجية وحملوا على عاتقهم قول الحقيقة، حتى لو كلفهم ذلك الكثير، وهم قلة إلى الآن مشتتة الوجود والقدرات، لا تملك نفوذا لا في السلطة ولا في وسط الجمهور.

إن جدار العزل العنصري الذي بناه مثقفو الخليج خاصة أو ما يمكن تسميته بـ"خلجنة الثقافة" وبعض الدول العربية، أثر في الحراك الثقافي تأثيرا كرس الحالة القبائلية وهمش الفهم المدني، هذا فضلا عن تداخل الفهم القبلي بفهم الدين، وبروز مثقفين متطرفين استطاعوا التأثير في الجو العام، وتكريس الفهم النصي المتطرف من كل المذاهب للحياة من جهة، وللعلاقة بالسلطة من جهة أخرى.

هذه "الخلجنة" التي يحاول الغرب بأدواته، والأنظمة الوراثية بسلطتها المالية والإعلامية الترويج لها، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتدجين باسم الثقافة، من خلال افتتاح مراكز فكرية وثقافية ضخمة التمويل، ونشر ترجمات غربية بشكل يغرق الفضاء المعرفي والثقافي، ممولة حكوميا، ويُراد لها الهيمنة على الساحة العربية والإسلامية، لإضعاف الخيارات الأخرى للنخب المُقاوِمة لها في المنطقة، وإضعاف مسار الرفض مقابل مسار التطويع والتطبيع، لتكون لها كأنظمة المركزية والهيمنة الثقافية والمعرفية، بما تملكه من سلطة مالية مركزية، ونفوذ على مستوى القرار والتقنين.

لذلك نجد تبدلات على مستوى المفاهيم والفكر عند كثير من المثقفين والمؤثرين في المنطقة، أو المثقفين الناشئين ذوي المستقبل الواعد، خاصة في الدول المستباحة اقتصاديا، والمنتهكة بالفقر والجهل، فنجد هؤلاء تحت ضغط الوضع الاقتصادي، يبحثون لهم عن فرص واعدة تحقق طموحاتهم وتخرجهم من حالة القلق الوجودي، أو بعضهم تجذبهم الشعارات القومية العروبية المتحيّزة للقبول بـ"الخلجنة" بحجة مواجهة ما يسمونه التمدد الإيراني والتوسع، متكئين على مسارات تاريخية سابقة، دون النظر وإمعان النظر بين الفروقات الزمكانية بين التاريخ والحاضر، والفروقات العقدية والفكرية كذلك.

يرزح الحراك الثقافي تحت مراوحة مذهبية و"خلجنة" تعجزه عن النهوض وتطوير سؤال الهوية، وتشخيص الأولوية الأهم للأمة كقضية فلسطين، بل صنعت له هوية دوغمائية غير قادرة على انتزاع الحقيقة، فصاغت حقيقتها من وهم العصبيات، لتغرق في وحلها وتُغرق الجمهور معها
وفي ظل صراع الإسلامي والعلماني، لم يقدم أي طرف منهما مشروعا ناهضا، لانغماسهما في الصراع وفي كيل التهم وفي التسابق على السلطة والنفوذ، خاصة أن كليهما تم تدجينهما إما بانتخابات عددية وليست برامجية، أو من خلال تحويلهما كأوراق بيد السلطة تبقي فيها حالة الخلاف قائمة لإشغالهما عما يجب أن ينشغلا به.

اليوم يرزح الحراك الثقافي تحت مراوحة مذهبية و"خلجنة" تعجزه عن النهوض وتطوير سؤال الهوية، وتشخيص الأولوية الأهم للأمة كقضية فلسطين، بل صنعت له هوية دوغمائية غير قادرة على انتزاع الحقيقة، فصاغت حقيقتها من وهم العصبيات، لتغرق في وحلها وتُغرق الجمهور معها.

ولم تستطع أغلب التيارات الاسلامية والعلمانية في الخليج خاصة والوطن العربي بشكل مجمل، أن تقدم نموذجا ثقافيا صادقا على مستوى التنظير والتطبيق، كون الثقافة عابرة للهويات ومنفتحة على كل العقول والمكونات، إلا أن أغلب النشاطات الثقافية العلمانية والإسلامية منغلقة على ذاتها، وتدور في حلقتها المغلقة وبين جمهورها المنتمي إليها فقط، حيث تجعل عقل محيطها في صندوق أيديولوجي محدد يعجز عن رؤية الواقع الخارجي الرحب، وهو ما أسميه "عسكرة الثقافة والمعرفة".

إذا، هناك عدة جهات تتحكم في مسارات الحراك الثقافي في الخليج وبالتالي بغالبية مثقفيه:

1- السلطة ومنهجية تعاطيها مع الثقافة والمثقفين.

2- الاقتصاديون المرتبطون بمصالح مع السلطة، أو لهم تطلعاتهم في الحكم.

3- التيارات والأحزاب الإسلامية منها والعلمانية، وصراعاتها الأيديولوجية.

4- الإعلام وأدواته وتداخلاته مع السلطة، والاقتصاديين، والتيارات، والأحزاب.

5- المثقف بذاته وطموحه للوجاهة والشهرة، ومصالحه المرجحة على مصلحة الأمة وقضاياها المصيرية وخاصة قضية فلسطين كقضية مركزية تقع في مركز الأولويات، والتي تفرض عليه ارتباطات ينزع خلالها كثير من نظرياته الناهضة، ليتحول إما إلى بوق للقوى النافذة، أو طبال للجمهور.

6- النظام الرعوي الذي ما زال يدجن الجمهور ويرضخه لفهم قبائلي على مستوى علاقته بالسلطة، وينساق على فهمه للدين والمجتمع والمحيط فهما عصبويا ديموغائيا.

7- الاختراق الثقافي الغربي ونفوذه الناعم في المجتمعات بشكل عام، والخليجية بشكل خاص لفقدانها المناعة الذاتية.

8- الوضع الإقليمي ومحاوره والتي ينسب الخليج لأحدها، وانعكاس ذلك على تداخل السياسي بالمعرفي، وتوجيه السياسي للمعرفي وفق إرادات الأنظمة الحاكمة وتحالفاتها.

ما يحتاجه الحراك الثقافي هو ابتعاد نخبه عن التوجيه السياسي السلطوي ومحاولات "خلجنته"، وتخلصهم من جنوحهم نحو الوجاهة وطلب السلطة والنفوذ، وعدم انتمائهم لتيارات أو أحزاب، فصاحب الفكر الحر لا يمكنه أن يخلق سؤال الهوية ويبدع ثقافيا بالانتماءات المذهبية والحزبية والتيارية، إضافة لاستقلالهم المادي الذي يمكنهم من رسم مشروع ثقافي خاص قادر على أن يحدث انزياحات حقيقية في وعي المجتمعات الخليجية خارج الفهم القبائلي والديني المتطرف، وتوجيهات السلطة المعرفية المستعمَرة، ليحطم جدار العزل العنصري ويخرج عابرا لكل المراوحات المذهبية، إلى الفضاء الإنساني الرحب الذي يرجح مصلحة الأمة على مصلحة السلطة، ويحدد أولوياتها على ضوء القيم والمبادئ الإنسانية الحقيقية، والتي غايتها تحقيق العدالة دون النظر للثقافة الشعبوية ولا لنفوذ السلطة ومقوماتها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية الوعي فلسطين الخليج الثقافة الخليج فلسطين الديمقراطية الوعي الثقافة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صنادیق الاقتراع الحراک الثقافی فی الخلیج على مستوى غیر مباشر فی الدول کثیر من فی صالح من خلال ما زالت وهو ما

إقرأ أيضاً:

عن جدل النصر والهزيمة وغزة ما بعد صمت المدافع

التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني 2025، سيدخل التاريخ الفلسطيني من أوسع أبوابه، يوم صمتت المدافع، وغابت المقاتلات والمسيّرات عن سماء غزة، يوم توقف شلال الدم الفلسطيني عن التدفق مدرارًا، وهدأت آلة التدمير الوحشي المنظم للشجر والبشر والحجر.

يوم خرج مقاتلو القسّام من خنادقهم ومن تحت الركام والأنقاض، في استعراض مهيب للإرادة والتصميم والتنظيم والقوة ليلتقوا بحاضنتهم الشعبية، لأول مرة فوق سطح الأرض، بعد غياب دامَ 471 يومًا من أيام الجحيم، فكان المشهد محمّلًا بالدلالات والرسائل، وفي كل اتجاه.

إنه يوم من أيام فلسطين، لن تصيبه السهام الطائشة، الطافحة بالحقد والانهزامية، بخدش أو تشويه.

الذين لن تقنعهم عباراتنا، ننصحهم، إن هم أرادوا الحفاظ على بقية صدقية وكرامة، بتفحص ما يكتب ويبث في إعلام إسرائيل، وأن يقرؤُوا جيدًا، وجوه قادتها التي غابت عنها ملامح الاستعلاء والاستكبار والغطرسة، وأن يتوقفوا مليًا أمام الخطاب المهزوز والمهزوم الذي أدلى به من غرفة مغلقة، بعيدًا عن كاميرات الصحفيين وألسنتهم السليطة، ملك إسرائيل وطاووسها، الذي خرج متلعثمًا، تبريريًا، تلفيقيًا، يتكلم كثيرًا ولا يقول شيئًا.

صورة الهزيمة ارتسمت على وجه نتنياهو، وفي نظراته الكسيرة، أما صوت أبو عبيدة، فجاء مجلجلًا، ممتزجًا بالعز والفخار، ينفث من تحت الرماد والركام، دفقات معنوية وثّابة تنبض بالصمود والثبات، والإصرار.

إعلان

لكأني بحماس، وكتائب القسام، وقد اتخذتا من الدقائق الأولى لسريان وقف إطلاق النار، مناسبة لحسم الجدل المشتعل في الغرف المغلقة، تحت عنوان "اليوم التالي". لكأنهما أرادتا القول: نحن هنا، كنّا هنا، وسنظل هنا.

وفي مواجهة من يطالبون بغزة خالية من حماس وحكمها، تصفعهم الكتائب بتأكيدها أن غزة لن تحكم من دون حماس، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا، نذهب إلى وفاق واتفاق، ونغلق الباب في وجه الريح الصرصر المشبوهة، وإلا فلتخرجوا من جغرافيا غزة، كما أخرجتم أنفسكم من تاريخها.

في الجدل السفسطائي حول مفاهيم النصر والهزيمة كما تجلت في اتفاق وقف الحرب على قطاع غزة، أهله ومقاومته، تنبري بعض الأصوات الصدئة، بعضها صادر عن قعر بئر عميقة، من الوطنيات والثوريات، تسعى للبرهنة على أن المقاومة تلقت هزيمة نكراء، وأن اتفاق الدوحة، ليس سوى صك إذعان واستسلام، كما تخرج علينا أصوات شاحبة أخرى، لا تتوقف عن ممارسة طقوس البكائيات واللطميات، تتساءل ببراءة ساذجة حينًا وخبيثة في أغلب الأحيان: وهل كان الأمر ليستحق كل هذا العناء والأثمان؟

حسنًا أيها السادة، نحن لا نعرف تعريفًا للهزيمة أوضح من تلك التي تجلت فصولها في ألمانيا واليابان في مختتم الحرب العالمية الثانية، حين وقّع البلدان على صكّ استسلام، ورفعا الراية البيضاء، وقرَّرا السير في ركاب التبعية الذليلة للمنتصرين، وفتحا بلديهما للقواعد والأساطيل الأميركية، وسمحا للقوى المنتصرة، بأن تقرر في شأن سياستهما الخارجية والأمنية والدفاعية، بما فيها عدد جنودهما ونوع سلاحهم، وعقيدتهم القتالية.. تلك الهزيمة التي ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة والكثيفة على البلدين الكبيرين.

وفي تجربة الحروب غير المتناظرة، التي تنخرط فيها حركات تحرر وطني، مقابل قوى استعمارية عاتية، تعني الهزيمة، نزع إرادة المقاومة والقتال والتحدي عند الشعوب المستضعفة.

إعلان

تعني الهزيمة، القبول بإملاءات العدو وشروطه، أما النصر، فلا أقل من منع العدو من تحقيق أهداف حربه وعدوانه. المقاومة تنتصر عندما تمنع النصر عن عدوها، وتُهزم إن هي سارت في ركابه، وتُستَلب، حين تكرر كالببغاء، روايته وسردياته.

شيء من هذا، لم يحصل في غزة، فلا راية بيضاء رفعت، ولا صك إذعان جرى توقيعه. منع الشعب الفلسطيني بصموده وثباته الأسطوريين، مؤامرة التهجير، فسقط الهدف الأول للحرب على غزة. وكم كان لافتًا، أن نرى الناس في مواصي غزة، يفككون خيامهم قبل دخول وقف النار حيز التنفيذ، وعيونهم متجهة شمالًا، إلى غزة وما وراءها، وليس جنوبًا إلى سيناء كما اشتهى نتنياهو، وسوّق وسوّغ بلينكن في أولى جولاته.

اتفاق وقف النار، يُرغم نتنياهو وحكومة اليمين الأكثر تطرفًا، على الانسحاب من القطاع ووقف الحرب. وقف إطلاق النار، ضمن صفقة كبرى لتبادل الأسرى والمحتجزين، سيخرج بموجبها مئات من القادة الكبار وأصحاب المحكوميّات العالية. الاتفاق فتّح آفاق الإغاثة والإيواء، وشقّ الطريق رحبًا لإعادة الإعمار.

هل هذه هي أهداف الحرب التي رسمها نتنياهو وسيّجها بخطوط حمراء سرعان ما داسها بأقدامه، أو بالأحرى، داستها المقاومة بأقدامها؟

عن أي هزيمة يتحدث القوم، خصوصًا أولئك الذين انخرطوا ذات يوم في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية؟ وكيف لهذا النفر من السياسيين والكتّاب و"الأكاديميين"، أن يصفوا اتفاق فيليب حبيب في بيروت – الاجتياح والحصار – بوصفه نصرًا نتغنى به حتى يومنا هذا، فيما اتفاق غزة الأخير، يوصف بصك الاستسلام والإذعان؟!

وكيف يقارن هؤلاء بين خروج ألوف المقاتلين الفلسطينيين على متن السفن إلى الشتات والمغتربات، وبحماية فرنسية وأميركية، باعتباره نصرًا حاسمًا، فيما انتقال حفنة من القادة الأسرى إلى الخارج، جريمة وسابقة سيكون لها ما بعدها؟!

إعلان

قراءة منصفة للحربين (1982 وطوفان الأقصى) تشير بما لا يدع مجالًا للشك، بأن الأولى على فداحتها، لم تكن سوى "نزهة قصيرة" قياسًا بحرب الأيام الـ471. ثم ماذا عن "مبعدي كنيسة المهد" في الانتفاضة الثانية، ولمن نظروا إلى الصفقة التي أخرجتهم من بلادهم، بوصفها دليل حكمة وحنكة، بينما يوصف أمر مماثل اليوم، إن افترضنا أنه مماثل، بكونه إذعانًا واستسلامًا؟ بأية معايير يقرأ هؤلاء المواقف والتجارب، وهل كل ما يصدر عن فريقهم هو الصواب بعينه، لمجرد أنهم أصحاب الحق الحصري فيه، وكل ما يخرج عن خصومهم ومنافسيهم، هو الباطل المطلق.

المقاومة لم ترفع راية بيضاء، ولم تلقِ سلاحها، وشعبها لم يثر عليها، كما تمنى كثيرون، وانتظروا تلك اللحظة بفارغ الصبر، بل خرج يهتف لها ولقادتها وشهدائها ورموزها، وتردد صدى هذه الهتافات في مخيمات اللجوء والشتات، ورددتها شعوب شقيقة وصديقة.

أما الذين جلسوا على مقاعد المتفرجين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بانتظار هزيمة المقاومة، فمن سوء حظهم، أن التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني 2025، لم يكن من أيام سعدهم، ذلك أنه يتعين عليهم أن ينتظروا طويلًا، وربما يكون انتظارهم من نوع "انتظارات غودو".

لن تأخذنا الحماسة ونحن نختتم فصلًا حربيًا داميًا، مكلفًا وموجعًا من دون شك، لنغفل عن رؤية التحديات والتهديدات التي تنتظرنا، ومنها احتمالات انهيار الاتفاق وعودة شبح الحرب ليطل برأسه الكريه على نساء غزة وشيوخها وأطفالها.

لكننا مع ذلك، نعتقد أن قوة الزخْم والدفع التي جاءت بالاتفاق كفيلة بنقله إلى حيز التنفيذ، وأن ترامب، المحرك الرئيس لعجلة الاتفاق، سيكون معنيًا بإيصاله إلى خواتيمه. نقول ذلك من باب الترجيح، فنحن في إقليم، وأمام عدو، وحيال رئيس، يصعب معهم الجزم وإطلاق التقديرات النهائية.

ومنها كذلك، هذا الجدل المحتدم حول من سيحكم غزة، مع أنه جدل فائض عن الحاجة لو قُيّض للشعب الفلسطيني قيادة، تتصرف بدافع الحس والمسؤولية الوطنيين، وليس بحسابات شخصية وفئوية وحزبية ضيقة، قيادة صدّعت رؤوسنا بالحديث عن "القرار المستقل"، فيما هي رهنت نفسها والسلطة والمشروع الوطني الفلسطيني لمسار التكيف المستمر مع مخرجات الحل الإسرائيلي.

إعلان

الحل المطلوب وطنيًا، أن تبادر "المقاطعة" إلى إحياء المرجعية الوطنية العليا للشعب في إطار المنظمة، ودعوة الإطار القيادي الموحد للانعقاد فورًا من دون إبطاء، والشروع في ترجمة اتفاق بكين للمصالحة، والذهاب إلى حكومة وفاق واتفاق، تغلق الأبواب كلها في وجه سيناريوهات اليوم التالي المشبوهة، والمفصّلة على مقاسات نظرية الأمن الإسرائيلية.

مثل هذا الحل، الوطني، قمين بمنع استخدام الإغاثة والإيواء والتعافي المبكر وإعادة الإعمار، كوسيلة للابتزاز، وأداة لانتزاع مكاسب في السياسة وعلى موائد التفاوض، عجزت إسرائيل وحلفاؤها، عن تحقيقها في ساحات القتال وميادين المواجهة.. مثل هذا الحل، الوطني، بامتياز، هو الكفيل بترجمة السيادة والقرار المستقل، وتجنب الاستقواء بالخارج، وسد الثغرات التي قد تتسلل منها مشاريع التصفية والتطبيع.

لكنه حلّ متعذّر حتى إشعار آخر، فطريق المصالحة بات مسدودًا، وربما يكون بلغ نقطة اللاعودة. ولذلك فإن الحل الذي يتعين أن تنصرف إليه المبادرات والمبادرون، من عرب ودوليين، يجب أن ينهض على معادلة حدّها الأول، لا عودة لحكم حماس كما كان في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، وهذا ما قبلت به حماس من قبل، وستقبل به من بعد، أما الحد الثاني الملازم للأول، وشرط تمريره وتسهيله، فمفاده أن قطاع غزة، لا يحكم من دون حماس.. بين هذين الحدين، لن تعدم الدبلوماسية وسيلة للوصول إلى صيغ وتفاهمات، قد تلحظ دورًا للسلطة فيها، ولكن على قاعدة التسليم، بأن حماس في غزة، وجدت لتبقى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • عن عملية الاحتلال العسكرية في جنين.. ما الذي يحدث وما علاقة السلطة؟ 
  • ديالى على حافة الهاوية.. الكروي يحذر من تداعيات الحراك السياسي قبل انتخابات 2025
  • عن جدل النصر والهزيمة وغزة ما بعد صمت المدافع
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • وزير الاتصالات يناقش في دافوس دعم نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز الحراك الابتكاري مع شركاء المملكة الدوليين
  • مع بداية ولايته الجديدة.. أبرز القضايا التي تواجه ترامب
  • 330 عام على تأسيس مسجد دمقسيس برشيد.. لماذا سمى بالمعلق؟
  • ماثيو ماكونهي يترك بصمته في جدار الشهرة بـ بوليفارد رياض سيتي
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة في المشهد المصري؟
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري؟