في كتابه "حروب المعلومات: كيف خسرنا المعركة العالمية ضد المعلومات المضللة وما يمكننا فعله حيال ذلك"، الصادر في أكتوبر من العام 2019، يعرض الصحفي والسياسي الأمريكي ريتشارد ستينجل تجربته الواسعة في محاربة الشائعات والمعلومات المضللة، عندما كان في الخطوط الأمامية لمواجهة التهديدات المعلوماتية التي تشكلها دول وتنظيمات مُعادية للولايات المتحدة.

يسلط الكتاب الضوء على تأثير الشائعات في العالم الرقمي، ويقدم نظرة نقدية تقييمية للجهود الأمريكية في مواجهة حروب التضليل المعلوماتي، ويقترح حلولًا ملموسة لمكافحة هذا الخطر المتزايد، من بينها الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ريتشارد ستينجل، الصحفي والدبلوماسي الأمريكي، شغل منصب رئيس تحرير مجلة "تايم" قبل انضمامه إلى الحكومة الأمريكية وكيلًا لوزارة الخارجية للدبلوماسية والشؤون العامة في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما (2013-2016). خلال تلك الفترة، كان مسؤولًا عن جهود مكافحة حملات التضليل الإعلامي التي تهدد بلاده. ومنحته تجربته كصحفي ومسؤول حكومي فهمًا عميقًا للطرق التي يتم بها استغلال المعلومات كسلاح في الحروب الحديثة.

بعد استعراض دقيق في الأجزاء الأولى من الكتاب لتفاصيل العمل اليومي داخل وزارة الخارجية الأمريكية، ينتقل الكاتب إلى استعراض حملات التضليل المعلوماتي، التي بدأت في العام 2014، وأعقبها تسونامي من الحملات التي استهدفت الولايات المتحدة. ويتتبع الكاتب، من خلال سرده للأحداث، أهم مراحل وتشابكات صناعة التضليل المعلوماتي، التي قد تبدأ باختلاق الأكاذيب والسرديات المُقنعة، وتكرارها مرارًا لخلق حالة دائمة من التشكيك، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع المظاهرات والاضطرابات السياسية.

في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت المعلومات المضللة تنتشر بسرعة غير مسبوقة. ويوضح ستينجل أن تقنيات التدقيق اليدوي للأخبار أو الاعتماد على الفحص البشري لم تعد فعالة بما يكفي، لذلك يدعو إلى تبني الذكاء الاصطناعي AI) )كأداة حيوية لكشف ومكافحة الشائعات.

أحد الحلول الرئيسية التي يقترحها ستينجل في كتابه "Information Wars: How We Lost the Global Battle Against Disinformation and What We Can Do About It" هو استخدام الذكاء الاصطناعي لكشف الشائعات في الوقت الفعلي. ويعتمد ذلك على تقنيات معالجة اللغة الطبيعية، التي تساعد في تحليل النصوص الرقمية بسرعة كبيرة واكتشاف الأنماط المشبوهة. هذا النوع من التحليل يمكنه تحديد سياق المحتوى المتداول على الإنترنت، مما يسهل التفريق بين الأخبار الصحيحة والمعلومات المضللة.

الذكاء الاصطناعي يستطيع تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قصير، بما في ذلك النصوص، والصور، والفيديوهات، وبالتالي يمكنه التعرف على الشائعات منذ لحظة انتشارها الأولى. هذا يعزز قدرة الحكومات والشركات التقنية على التدخل بشكل فوري قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

ريتشارد ستينجل

من الحلول التي يشير إليها ستينجل "تعديل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز قدرتها على الكشف عن الشائعات والحد من انتشارها"، لأن المنصات تعتمد بشكل كبير على التفاعلات والمشاركات لزيادة انتشار المحتوى، وهذا يسمح للمعلومات المضللة بالوصول إلى جمهور واسع في وقت قياسي.

يقترح ستينجل تغيير خوارزميات العرض بحيث تعطي الأولوية للمحتوى القادم من مصادر موثوقة ومعروفة. على سبيل المثال، يمكن أن تُمنح المؤسسات الإخبارية المعروفة أولوية أكبر في الظهور مقارنة بالمصادر غير المعروفة أو المشبوهة. هذا التعديل في الخوارزميات يمكن أن يحد من انتشار الشائعات بسرعة، ويسهم في تقديم معلومات أكثر دقة وموثوقية للجمهور.

ومن خلال تحليل المحتوى المتداول عبر منصات التواصل، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالشائعات أو الأزمات قبل حدوثها. ويتحدث ستينجل عن أهمية التنبؤ بالمخاطر، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة المحتوى المتزايد حول موضوع معين، وتحليل نوعية التفاعلات التي تحدث حول هذا المحتوى. إذا كانت هناك زيادة كبيرة في المشاركات المتعلقة بشائعة معينة، ويمكن للنظام التنبؤ بأن هذه الشائعة قد تتحول إلى أزمة إذا لم يتم التعامل معها بسرعة.

على سبيل المثال، إذا بدأت شائعة كاذبة تنتشر حول قضية سياسية حساسة، يمكن للنظام التنبؤ بمدى تأثيرها استنادًا إلى البيانات المتاحة وتحليل المحتوى المتداول. هذا التنبؤ يمكن أن يمنح الحكومات أو الشركات التقنية فرصة التدخل المبكر لإيقاف انتشار الشائعة قبل أن تؤدي إلى أزمات متلاحقة.

تستخدم العديد من التنظيمات الإرهابية التي تنشر المعلومات المضللة الحسابات المزيفة والبرامج الآلية لنشر محتوى معين بكثافة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعطي انطباعًا زائفًا بأن هذا المحتوى يحظى بشعبية كبيرة. ويقترح ستينجل استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين واكتشاف الأنماط التي تشير إلى وجود حسابات مزيفة أو روبوتات. على سبيل المثال، يمكن للنظام ملاحظة أن حسابًا معينًا يشارك نفس الرسالة مئات المرات خلال فترة قصيرة، وهو سلوك غير طبيعي بالنسبة للمستخدمين البشريين. باستخدام هذه البيانات، يمكن للمنصات إزالة الحسابات المشبوهة وتقليل انتشار الشائعات.

يشدد ستينجل، أيضًا، على ضرورة التعاون بين الحكومات والشركات التقنية لضمان استثمار أكبر في الذكاء الاصطناعي لمكافحة الشائعات. ومن دون شراكة بين القطاعين العام والخاص، سيكون من الصعب مواجهة هذا التحدي العالمي. يمكن للحكومات تقديم الدعم المالي والتشريعي، بينما تتولى الشركات التقنية تطوير الأنظمة والبرمجيات المتقدمة.

إلى جانب الحلول التقنية، يؤكد ستينجل أهمية تثقيف الجمهور وتعليمهم كيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والشائعات. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فعالًا، لكنه لا يستطيع وحده حل المشكلة. لذلك، من الضروري أن يكون هناك وعي مجتمعي كافٍ حول كيفية التحقق من الأخبار والمعلومات، خاصة تلك المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويُعتبر كتاب "Information Wars" " من أهم الكتب التي قدمت رؤية عميقة لمستقبل الحروب المعلوماتية في عصر الرقمنة، مع تركيز واضح على الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مكافحة الشائعات والمعلومات المضللة. وفي النهاية، يبقى الحل الأساسي هو مزيج من التكنولوجيا والتعليم ونشر الوعي لمواجهة حروب التضليل المعلوماتي.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی المعلومات المضللة الذکاء الاصطناعی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

«الذكاء الاصطناعي» في خدمة «أصحاب الهمم»

 
دبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة "الاتحادية للضرائب" تُجدد مطالبتها لأصحاب تراخيص يوليو بالتسجيل في ضريبة الشركات سفيان رحيمي: العين هدفه نهائي «كأس القارات»


وقعت اللجنة البارالمبية الآسيوية، ومعهد كوريا لعلوم الرياضة، بمجلس دبي الرياضي، اتفاقية شراكة للتعاون والعمل معاً، لتنفيذ الأهداف والغايات التي يسعى الجانبان لتحقيقها لصالح «أصحاب الهمم» في آسيا، وتبني المبادرات المشتركة التي تعزز قدراتهم، من أجل تطور الرياضات البارالمبية في جميع أنحاء القارة.
وقع الاتفاقية من جانب اللجنة البارالمبية الآسيوية، ماجد العصيمي، رئيس اللجنة، ومن معهد كوريا لعلوم الرياضة، الدكتور سونج كانج يونج رئيس المعهد.
حضر مراسم توقيع الاتفاقية، سعيد حارب، الأمين العام لمجلس دبي الرياضي، وماجد العصيمي، رئيس اللجنة البارالمبية الآسيوية، وناصر أمان آل رحمة، مساعد الأمين العام لمجلس دبي الرياضي، والدكتور سونج كانج، رئيس معهد كوريا لعلوم الرياضة، وثاني جمعة بالرقاد، رئيس مجلس إدارة نادي دبي لأصحاب الهمم، وعدد من المسؤولين.
وحددت بنود الاتفاقية آليات العمل ودعم الجهود المشتركة في تنفيذ البرامج المخصصة للرياضيين البارالمبيين.
وركزت الاتفاقية على تبادل المعرفة وأفضل الممارسات والأبحاث والتقنيات والذكاء الاصطناعي، في مجال علوم الرياضة، لتعزيز قدرات المدربين والرياضيين في جميع أنحاء آسيا، بوضع برامج تدريبية وبحوث علمية، والاستفادة من خبرة المعهد الكبيرة، في مجال علوم الرياضة، وفق نهج شامل لتطوير الأداء الرياضي.
من جانبه أعرب ماجد العصيمي، عن سعادته بهذه الاتفاقية المكملة للاستراتيجية الشاملة للحركة البارالمبية الآسيوية، والتي تستهدف في المقام الأول اللاعبين، من خلال تمكينهم وتطوير مهاراتهم الرياضية والنفسية والفسيولوجية.
وقال: تأتي الاتفاقية، والتي تم توقيعها في دبي المقر الرئيس للجنة البارالمبية الآسيوية، لتغطية محور البحوث والدراسات التي تطور الجوانب العلمية والفنية، في إطار علمي مدروس ومنهج قابل للتطوير والاستدامة.
وقال: إن هذه الخطوة، بما تحمله من مكاسب علمية، تضيف بعداً جديداً ونقلة نوعية في تطوير «أصحاب الهمم» في أكبر قارات العالم.
وأضاف: أن المبادرة النوعية تحقق طموحات «أصحاب الهمم» وفق أفضل الممارسات العلمية، بحرص «البارالمبية الآسيوية» والمعهد الكوري على التعاون المشترك وتوحيد الجهود.
وأكد العصيمي أن الإمارات ودبي قطعتا شوطاً كبيراً في تمكين وتأهيل «أصحاب الهمم» في العديد من المجالات، مبيناً أنه على الصعيد الرياضي كان لدعم القيادة الرشيدة ومتابعتها، الأثر الكبير في وصول «فرسان الإرادة» إلى منصات التتويج العالمية، إضافة إلى تبوؤ المناصب الإدارية على المستوين الإقليمي والعالمي،
من ناحيته، وصف الدكتور سونج كانج يونج معهد كوريا لعلوم الرياضة، بأنه مؤسسة بحثية رائدة تركز على تعزيز الأداء الرياضي، مبيناً أن المعهد حصل على الاعتراف العالمي، بأبحاثه المتطورة في مجال علوم الرياضة، مثل فسيولوجيا التمارين والميكانيكا الحيوية وعلم النفس الرياضي، مما يجعله لاعباً أساسياً في تطوير علوم الرياضة على مستوى العالم.
وقال: نتطلع عبر هذه الشراكة لتطوير قدرات اللاعبين في آسيا، من خلال علوم الرياضة، مما يسهم في تعزيز سعادتهم والارتقاء بجودة حياتهم. 

مقالات مشابهة

  • الإمارات تطلق منصة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية المستدامة»
  • «الذكاء الاصطناعي» في خدمة «أصحاب الهمم»
  • مشروع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة
  • مخاطر الذكاء الاصطناعي تصل للأطباء المشهورين.. فيديوهات بوجوههم تروّج لـعلاج معجزة
  • كيف سيتغير شكل الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي؟
  • كيف يمكن أن يُحدث الذكاء الاصطناعي فرقًا في حياة المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)
  • زعيتر: هذا الشعب لا يمكن أن يسقطه العدوّ الإسرائيلي وإجرامه
  • العراق في المرتبة التاسعة عربياً في قائمة مؤشر الذكاء الاصطناعي
  • هل يمكن للبشر خسارة المنافسة أمام الذكاء الاصطناعي؟