في الذكرى الـ 25 على تأسيس مهرجان أوغاريت الوطن الأم… ندوات فكرية لأهم الباحثين المختصين
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
اللاذقية-سانا
في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه يرصد مهرجان أوغاريت الوطن الأم على مدى ثلاثة أيام جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في مملكة أوغاريت التي تعد من أهم وأقدم الممالك الأثرية في سورية من خلال ندوات فكرية لعدد من أهم الباحثين المختصين في هذا المجال.
المهرجان الذي تستضيفه دار الأسد للثقافة باللاذقية وتقيمه جمعية أصدقاء أوغاريت بالتعاون مع مديرية الثقافة وفرع نقابة المهندسين في اللاذقية عرض في يومه الأول فيلماً من إعداد الفنان التشكيلي محمد بدر حمدان وإخراج زياد حمدان استعرض فيه المنظمون فعاليات المهرجان منذ انطلاقته في عام 1999 وحتى العام 2024.
كما تضمن المهرجان ندوة فكرية أدارها الباحث في التاريخ الدكتور جمال حيدر واستعرض من خلالها الباحث التاريخي الدكتور بسام جاموس تاريخ أوغاريت في ضوء المعطيات الأثرية الحديثة والتي ارتكزت على تحليل كل الدراسات التي نشرت عن أوغاريت وخاصة في العصر الحجري الحديث والخروج بمسلمات جديدة تؤكد أن أوغاريت سكنت في الألف الثامن قبل الميلاد وأن أهل رأس شمرا مارسوا الزراعة والتدجين منذ ذلك الوقت واستخدموا رؤوس النبال للصيد البحري والبري ومارسوا جرش الحبوب عبر الطاحونات البازلتية، والأهم هو اكتشاف وجود لبذر نوى الزيتون منذ الألف الثامن قبل الميلاد وهذا اكتشاف جديد يؤكد عمق وجود هذه الشجرة في هذه المنطقة.
كما ركزت المحاضرة على نقطة أساسية وهي الوجود الارامي في فترة الانقطاع الحضاري بين نهاية عصر البرونز الحديث عام 1200 إلى الف قبل الميلاد والتي كانت تظهر 200عام من الانقطاع الحضاري وتثير أسئلة كثيرة حيرت العلماء وهو الأمر الذي عمل على توضيحه الدكتور جاموس من خلال جمعه لنتائج الأبحاث الأخيرة في رأس شمرا وتل الشامية وفي سبر تل سيانو ومعبد عين دارة والذي بينت ومن خلال الفخار الاحمر الذي يعود إلى فترة الحديد الأول قبل الميلاد أن هناك استقراراً حضارياً لمجموعات آرامية في رأس شمرا.
كما تضمنت الندوة مداخلة للصحفية يونا زود استعرضت من خلالها الجوانب المختلفة للوجود المؤثر والفاعل للمرأة الأوغاريتية في مختلف مناحي الحياة والتي عرفت بالسيدة الأوغاريتة كملكة وام وزوجة وشخصية اقتصادية مركزية في الحياة الاقتصادية الأوغاريتية.
في حين قدم الصحفي والباحث سجيع قرقماز والمشرف العام عن المهرجان عرضاً بعنوان “البرونز ذاك العجيب” تناول من خلاله جانباً مهماً لا يتطرق له الكثيرون وهو عصر البرونز مستعرضاً دور أوغاريت في اكتشافه وصبه والذي جعل منها مركز الحضارة والاقتصاد في العالم القديم.
قرقماز وفي تصريح لمراسلة سانا تحدث عن أهمية المهرجان الذي قدم على مدى سنوات جملة من الفعاليات التي امتدت طيلة الـ 25 عاماً والتي شملت المسرح والمحاضرات والمعارض التشكيلية والضوئية والافلام، والأهم هو الندوات التي تبحث في حضارة أوغاريت وتستعرض من خلال باحثين مختصين تاريخ هذه الحضارة.
من جهته بين الفنان التشكيلي محمد بدر حمدان المشرف الفني عن المهرجان أن دورة المهرجان تعتبر فرصة لإعادة تنشيطه ثقافياً وإعادة التواصل مع الكتاب والباحثين والفنانين المهتمين بتاريخ أوغاريت بما يكرس ما عملت عليه أسرة تنظيم المهرجان طيلة الـ 25عام الماضية في التعريف بهذه الحضارة المتفردة بدءاً من الأبجدية الأولى وليس انتهاء بالطقوس اليومية التي يعيشها أهل اللاذقية حتى يومنا هذا والتي يرجع جذرها لهذه الحضارة.
ويستضيف المهرجان ضمن فعالياته يوم غد الباحث فراس سواح في ندوة فكرية حول الميثولوجيا الكنعانية كما سيتم عرض فيلم للموسيقار زياد عجان عن موسيقا أوغاريت.
فاطمة ناصر
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: قبل المیلاد من خلال
إقرأ أيضاً:
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
( عميد التَنوير ، نِحرِير النبوءاتِ العَتيقة )
في أعمق لحظاتي مع نفسي صدقاً ، لا أراني أعظَمُ مَيلاً للحديث عن الشخصيات، إن تكرَّمَت وأسعفَتني الذاكرة ، فقد كتبتُ قبل عن فيلسوفِ الغناء مصطفى سيد أحمد ، والموسيقار الكابلي ، والمشير البشير ، وشاعر افريقيا الثائر ؛ الفيتوري .
لا أجدُني مضطراً لمدح الرّجال ، ولكنها إحدى لحظات الإنصاف ، ومن حسن أخلاق الرجال أن ينصفوا أعداءهم، دعك من أبناء جلدتهم ونبلائها ، والرجلُ ليس من قومنا فحسب، بل هو شريف قوم وخادمهم ، خطابه الجَسور يهبط حاملاً “خطاب” ابن يعمر الإيادي لقومه ، وخطبة درويش “الهندي الأحمر” ، و”بائية” أبي تمّام ، وتراجيديا الفيتوري في “التراب المقدّس” ..
عبد الرحمن ، لم يكن حالة مثقفٍ عادي ، “عمسيب” مثالٌ للمثقف العضوي قويّ الشَّكِيمَة ، العاملِ علَى المقاومة والتغيير والتحذير ، المحاربِ في ميادين التفاهة والتغييب والتخدير ، المتمرّد على طبقته ، رائد التنوير في قومه ، ظلّ يؤسس معرفياً وبأفقٍ عَالمٍ لنظرية اجتماعية ، نظرية ربما لم تُطرح في السوح الثقافية والاجتماعية من قبل ، أو لربما نوقشت على استحياء في همهمات أحاديث المدينة أو طُرحَت في ظلام الخرطوم عَهداً ثم غابت . هذا الرجل امتلك من الجسارة والثقافة العميقة بتفاصيل الأشياء وخباياها ، ما جعله يُقدم على تحطيم الأصنام السياسية والثوابت الاجتماعية وينفض الغبارَ عن المسكوت عنه في الثقافة والاجتماع والسياسة.
عمسيب قدم نظريةً للتحليل الاجتماعي والسياسي ، يمكن تسميتها بنظرية ( عوامل الاجتماع السياسي) أو نظرية ( النهر والبحر) في الحالة السودانية ، فحواها أن الاجتماع البشري يقوم على أسس راسخة وليس على أحداث عابرة . فالاجتماع البشري ظلّ منذ القدم حول ( القبيلة Tribe ) ثم ( القوم Nation ) ثم ( الوطن Home) ثم ( الدولة country) . هذا التسلسل ليس اجتماعيٌ فحسب، بل تاريخيٌ أيضاً ، أي أن مراحل التحَولات العظيمة في بِنية المجتمعات لا يصح أن تقفز فوق الحقب الاجتماعية ( حرق المراحل).. فالمجتمعات القَبَلية لا يمكنها انتاج (دولة) ما لم تتحول إلى (قومية) ، ثم تُنتج (وطن) الذي يسع عدد من القوميات ، ثم (دولة) التي تخضع لها هذه القوميات على الوطن ، مع تعاقد هذه القوميات اجتماعيا على مبادئَ مشتركة، وقيمٍ مضافة ، كالأمن والتبادل الاقتصادي وادارة الموارد ، والحريات الثقافية ونظام الحكم .
هذه النظرية تشير إلى أن الاجتماع السياسي في السودان ظل في مساره الطبيعي لمراحل التسلسل التاريخي للمجتمعات والكيانات ، إلى أن جاءت لحظة ( الاستعمار) Colonization . ما فعله الاستعمار حقيقة ، أنه وبدون وعي كامل منه ، حرق هذه المراحل – قسراً – وحوّل مجتمعات ما قبل الدولة ( مجتمعات ما قبل رأسمالية) إلى مجتمعات تخضع للدولة.
فالمجتمعات التي كانت في مرحلة ( القبيلة) او تلكَ في مرحلة( القومية) قام بتحطيم بنيتها وتمحوراتها الطبيعيه وتحويلها إلى النموذج الرأسمالي الغربي ، خضوع قسري لمؤسسات الدولة الحديثة، مجتمع ما بعد استعماري ، تفتيت لمفاهيم الولاءات القديمة الراسخة ، بل وتغييرها إلى نظم شبه ديموقراطية، وهذا بالطبع لم يفلح، فبعد أن حطّم المستعمر ممالك الشايقية ودولة سنار ومشيخات العرب بكردفان ومملكة الفور ، وضم كل ذلك النسق الاجتماعي ( القبلي / القومي) إلى نسق الوطن/ الدولة.. أنتج ذلك نخب وجماعات سياسية ( ما بعد كولونيالية ) تعيش داخل الدولة ، لكنها تدير الدولة باللاوعي الجمعي المتشبّع بالأنساق التقليدية ( القبيلة / الطائفة / القومية) ، أي مراحل ماقبل الوطن والدولة.
ما نتج عن كل هذه العواصف السياسية والاجتماعية ، والاضطرابات الثقافية، أن هذه المجتمعات والقوميات التي وجدت نفسها فجأة مع بعضها في نسق جديد غير معتاد يسمى ( الدولة) ، وأقصدة بعبارة ( وجدت نفسها فجأة) أي أن هذا الاجتماعي البشري في الاطار السياسي لم يتأتَ عبر التمرحلات الطبيعيه الانسانية المتدرجة للمجتمعات، لذا برزت العوامل النفسية والتباينات الثقافية الحادة ، الشيئ الذي جعل الحرب تبدأ في السودان بتمرد 1955 حتى قبل اعلان استقلاله . ذات الحرب وعواملها الموضوعيه ومآلاتها هي ذات الحرب التي انطلقت في 2002 ثم الحرب الأعظم في تاريخنا 2023 .
أمر آخر شديد الأهمية، أن دكتور عبد الرحمن ألقى حجرا في بركة ساكنة، وطرق أمراً من المسكوت عنه ، وهو ظاهرة الهجرات الواسعة لقوميات وسط وغرب افريقيا عبر السبعين عاما الماضية ( على الأقل) , فظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها لأسباب التصحر وموجات الجفاف التي ضربت السهل الافريقي، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد وبالتالي اشتداد الحروب والصراعات بالغة العنف، وانتقال هذا التهديد الاستراتيجي إلى مناطق ومجتمعات وسط وشمال السودان ( السودان النّهري)
اذن ، سادتي ، فنظرية (الاجتماع السياسي ، جدلية الهوية والتاريخ ) هذه تؤسس لطرائق موضوعيه ( غير منحازة) لتفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية وجدليات الحرب والسلام ، وتوضّح أسباب ظاهرة تعدد الجيوش والميليشيات القبلية والمناطقية والخطابات المؤسسة ديموغرافياً ، وما ينسجم معها من تراكمات تاريخيه وتصدّعات اجتماعية عميقة في وجدان تلك الجماعات العازية .. التوصيات البديهية لهذا الخطاب ، أن الحلّ الجذري لإشكاليات الصراع في السودان هو بحلّ جذور أزمة الهوية، والهوية نفسها لم تكن ( أزمة) قبل لحظة الاستعمار الأولى ، بالتالي تأسيس كيانات جديدة حقيقية تعبّر عن هويات أصحابها والعقد الاجتماعي المنعقد بين مجتمعاتها وقومياتها .
النظرية التي أطلق تأسيسها دكتور عبد الرحمن، لم تطرح فقط الأسئلة الحرجة ، بل قدمت الإجابات الجسورة وطرقت بجراءة الأبواب المرعبة في سوح الثقافة والاجتماع والسياسة في السودان.
Mujtabā Lāzim
إنضم لقناة النيلين على واتساب