الخليج الجديد:
2024-07-18@12:12:19 GMT

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

هناك من الصحافيين والكتاب من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.

كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.

اعتمد الحبيب بورقيبة على التلفزيون لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.

بقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام لا يقترب منه أحد حتى قيام الثورة. كان التلفزيون السلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب.

حاولت النهضة انتزاع التلفزيون من بقايا العهد السابق وفكّرت في بيع التلفزيون التونسي للقطاع الخاص لكنها فشلت واضطرّت للتراجع والتكيف مع الوضع الجديد.

يريد قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة، رغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية!

لم تكن تونس جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت جدا وأن صحافيين وكتاباً كثر بالداخل والخارج يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون إجراء استثنائي يحرمهم من حرّية التنقل.

اعتبرت نقابة الصحافة إجراء رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوقا للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية".

* * *

كنت لا أزال طفلا عندما قرّر والدي، رحمه الله، أن يدخل إلى البيت ذلك الصندوق العجيب المعروف باسم التلفزيون. هذا الجهاز الذي اعتمد عليه الرئيس الحبيب بورقيبة لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.

كانت علاقتُه بالجمهور تعتمد على الاتصال المباشر، ثم على الإذاعة، ومع حلول التلفزيون استحوذ عليه، ووصفه بـ"تلفزتي"، ولم يسمح لأيٍّ كان أن يشاركه في هذا الجهاز إلا لمن يسعى إلى تأييده وتثبيت أقواله وسياساته.

وعمل على أن يصل البث إلى أقصى مناطق الشمال والجنوب، حتى يبلغ كلماته إلى أغلبية السكان من خلال برنامج يومي تحت عنوان "من توجيهات الرئيس". كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.

عند قدوم الرئيس بن علي، لم تختلف العلاقة بالإعلام عموما وبالتلفزة الوطنية خصوصا، بعد أن دجّن المعارضة، ووضعها ضمن مربّع صغير جدا. وحتى يؤكّد وصايته عليها، أطلق عليها قناة 7، نسبة إلى تاريخ استيلائه على السلطة في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1987. واختير اللون البنفسجي لها، وهو المفضّل لقائد الانقلاب.

وبقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام، لا يقترب منه أحد إلى تاريخ قيام الثورة. كان التلفزيون أشبه بالسلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب والدوافع.

بعد 14 جانفي (يناير) 2011، تحرّرت نسبيا مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون من هيمنة الصوت الواحد، واعتبرت مؤسّسة عمومية، لا ملك شخص أو حزب. ودارت حولها في البداية معركة سياسية هامة عندما حكمت الترويكا بقيادة حركة النهضة التي حاولت أن تنتزع المؤسّسة ممن وصفتهم ببقايا العهد السابق.

وفكّرت حتى في عرض التلفزيون التونسي للبيع للقطاع الخاص. لكن الحركة فشلت في ذلك، واضطرّت الى التراجع والتكيف تكتيكيّا مع الوضع الجديد.

يريد الرئيس قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة وحرية المبادرة، فرغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية.

إلا أنها فوجئت بتقريع مرّ من الرئيس لها، مؤكّدا أنه غير راض على الخط التحريري، وعلى ترتيب عناوين الأخبار ومحتواها والضيوف والبرامج، اعتمادا على أحد البرامج التي تضمّنت مدحا لأحد المدراء السابقين للتلفزيون في عهد الرئيس بن علي، واصفا ذلك بالردّة والثورة المضادّة.

اعتبرت نقابة الصحافيين ما قام به رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوق دعاية للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة censorship وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية"، مع الإشارة في الخصوص إلى منع المجتمع المدني والقوى السياسية من الظهور في التلفزة.

وأكّدت النقابة على أن التلفزة دأبت منذ 25 يوليو/ تموز 2021 على "تبييض السلطة وتغييب الرأي المخالف وقدّمت خدمات جليلة للسلطة لاسترضائها دون فائدة".

يسير قطار الإعلام في الاتجاه المعاكس. هذا ما يلاحظه كل مراقب موضوعي، ولولا بعض أصوات وأقلام بقيت تشكل نشازا لصحّ القول إن حليمة عادت إلى عاداتها القديمة. لقد عادت الرقابة الذاتية بقوّة، وهي إحساس رهيب يسكن في أعماق الصحافي يتسرّب إلى داخله، ويمنعه من التعبير بحرّية وجرأة. حالة طالما عانى منها الصحافيون من قبل، رغم استمرار بعضِهم في تحدّي مناخ الخوف والإحباط والكآبة.

يدرك الذين يشاهدون التلفزيون اليوم الفوارق الكبرى بين ما كان عليه المشهد قبل سنتين فقط. لا يعني أن تونس كانت جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت بشكل كبير، وأن صحافيين وكتاباً كثيرين، في الداخل والخارج، أصبحوا يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون أن يشملهم إجراء استثنائي قد يحرمهم من حرّية التنقل. وهناك من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس التلفزيون الإعلام حرية التعبير بن علي قيس سعيد الحبيب بورقيبة یسیطر على مهما کان

إقرأ أيضاً:

الإعلام الأمريكي يتساءل”: كيف نجح كروكس باختراق إجراءات مشددة على ترامب رغم “مؤامرة إيران”؟

الولايات المتحدة – أفادت تقارير أمريكية بأن جهاز الخدمة السرية عزز مؤخرا إجراءات حماية الرئيس السابق دونالد ترامب بعدما اكتشف “تهديدات إيرانية”، غير مرتبطة بمحاولة الاغتيال الفاشلة يوم السبت.

وقالت شبكة “سي إن إن” الإخبارية ووسائل إعلام أخرى إن السلطات الأمريكية تلقت معلومات من “مصدر بشري” بشأن خطة دبرتها طهران ضد الرئيس السابق، مما دفع جهاز الخدمة السرية، المسؤول عن حماية كبار الشخصيات السياسية الأمريكية، قبل عدة أسابيع، إلى رفع مستوى إجراءات الحماية المفروضة على ترامب.

ويأتي نشر هذه المعلومات في وقت يتعرض فيه جهاز الخدمة السرية لانتقادات شديدة وتساؤلات تتعلق خصوصا بالطريقة التي تمكن فيها مطلق النار من الوصول إلى مكان قريب لهذه الدرجة من الرئيس السابق.

وطلب الرئيس جو بايدن إجراء تحقيق مستقل في محاولة الاغتيال التي نجا منها ترامب لكن راح ضحيتها رجل إطفاء كان يحضر التجمع الانتخابي للمرشح الجمهوري.

وتعليقا على ما أوردته الصحافة الأميركية بشأن الخطة الإيرانية لاغتيال الرئيس السابق، قال مجلس الأمن القومي الأميركي إنه يتابع “منذ سنوات تهديدات إيران ضد الإدارة السابقة لدونالد ترامب”.

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون في بيان “نحن نعتبر هذه مسألة أمن قومي وداخلي ذات أهمية قصوى”.

وأضافت أن التحقيق في محاولة الاغتيال التي استهدفت ترامب خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا “لم يحدد أي صلات بين مطلق النار وشركاء أو متآمرين محتملين، أجانب أو محليين”.

وردا على سؤال بشأن “الإجراءات الإضافية التي تم اتخاذها في الأسابيع الأخيرة” لتعزيز حماية الرئيس السابق، قالت المتحدثة إن المخول الرد على هذا السؤال هو جهاز الخدمة السرية ووزارة الأمن الداخلي.

من ناحيته، قال المتحدث باسم جهاز الخدمة السرية، أنتوني غوغليلمي إن الجهاز ووكالات أمنية أخرى “تتلقى باستمرار معلومات حول تهديدات محتملة وتتخذ خطوات لتكييف الموارد حسب الضرورة”.

وأضاف في بيان “لا يمكننا التعليقت الإضافية التي تم اتخاذها في الأسابيع الأخيرة” لتعزيز حماية الرئيس السابق، قالت المتحدثة إن المخول الرد على هذا السؤال هو جهاز الخدمة السرية ووزارة الأمن الداخلي.من ناحيته، قال المتحدث باسم ج على أي تهديدات سوى القول إن جهاز الخدمة السرية يأخذها على محمل الجد ويرد وفقا لذلك”.

في المقابل، قالت بعثة إيران في الأمم المتحدة مساء يوم الثلاثاء إن اتهام طهران بمؤامرة ضد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فكرة خبيثة عارية من الصحة.

وتعرض ترامب لمحاولة اغتيال أثناء خطابه أمام تجمع انتخابي في بنسلفانيا السبت، ووثق مقطع فيديو لحظة إطلاق النار على ترامب، بعد قليل من اعتلائه المنصة، حيث اصطحبه جهاز الخدمة السرية والدماء تسيل من جانب وجهه، بعدما أصيب برصاصة في “الجزء العلوي من أذنه اليمنى”.

وقالت شرطة بنسلفانيا إن شخصا قتل في الحادث وأصيب اثنان آخران بجروح بالغة.

وقتل مطلق النار، توماس ماثيو كروكس 20 عاما، في مكان الحادث على يد عملاء الخدمة السرية، وقالت وسائل إعلام أمريكية إن توماس كروكس ليس له أي ماض إجرامي والسلطات لم تحدد الدافع بعد لمحاولته اغتيال ترامب.

وتشارك حاليا وكالات فيدرالية متعددة، في التحقيق بإطلاق النار باعتباره محاولة اغتيال.

 

المصدر: أ ف ب + RT

مقالات مشابهة

  • ‏يديعوت أحرونوت: قلق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من محاولة إيران تجنيد اليهود المتدينين
  • الإعلام الأمريكي يتساءل”: كيف نجح كروكس باختراق إجراءات مشددة على ترامب رغم “مؤامرة إيران”؟
  • بعثة الإمارات في أوتاوا تصدر تنبيهاً مهماً للمواطنين في كندا
  • قائد الثورة: مهما كانت المؤامرات والتحديات من أمريكا وعملائها فإنها لن تُخضع الشعب اليمني
  • السيد ..سنواصل دعمنا واسنادنا لغزة مهما كانت التحديات
  • عمان ضد الإرهاب
  • الشاباك الإسرائيلي يعتقل 3 مواطنين إسرائيليين بتهمة التخابر مع إيران
  • ‏بريطانيا: سنعزز قواتها لمواجهة "الرباعية القاتلة" التي تضم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية
  • ‏مسؤول أمريكي: واشنطن طلبت من إيران خلال الفترة الأخيرة وقف هجمات الحوثي على السفن
  • حكم برفض قضية الوثائق السرية المقامة ضد ترامب