الخليج الجديد:
2025-03-16@08:50:14 GMT

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد

هناك من الصحافيين والكتاب من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.

كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.

اعتمد الحبيب بورقيبة على التلفزيون لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.

بقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام لا يقترب منه أحد حتى قيام الثورة. كان التلفزيون السلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب.

حاولت النهضة انتزاع التلفزيون من بقايا العهد السابق وفكّرت في بيع التلفزيون التونسي للقطاع الخاص لكنها فشلت واضطرّت للتراجع والتكيف مع الوضع الجديد.

يريد قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة، رغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية!

لم تكن تونس جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت جدا وأن صحافيين وكتاباً كثر بالداخل والخارج يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون إجراء استثنائي يحرمهم من حرّية التنقل.

اعتبرت نقابة الصحافة إجراء رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوقا للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية".

* * *

كنت لا أزال طفلا عندما قرّر والدي، رحمه الله، أن يدخل إلى البيت ذلك الصندوق العجيب المعروف باسم التلفزيون. هذا الجهاز الذي اعتمد عليه الرئيس الحبيب بورقيبة لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.

كانت علاقتُه بالجمهور تعتمد على الاتصال المباشر، ثم على الإذاعة، ومع حلول التلفزيون استحوذ عليه، ووصفه بـ"تلفزتي"، ولم يسمح لأيٍّ كان أن يشاركه في هذا الجهاز إلا لمن يسعى إلى تأييده وتثبيت أقواله وسياساته.

وعمل على أن يصل البث إلى أقصى مناطق الشمال والجنوب، حتى يبلغ كلماته إلى أغلبية السكان من خلال برنامج يومي تحت عنوان "من توجيهات الرئيس". كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.

عند قدوم الرئيس بن علي، لم تختلف العلاقة بالإعلام عموما وبالتلفزة الوطنية خصوصا، بعد أن دجّن المعارضة، ووضعها ضمن مربّع صغير جدا. وحتى يؤكّد وصايته عليها، أطلق عليها قناة 7، نسبة إلى تاريخ استيلائه على السلطة في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1987. واختير اللون البنفسجي لها، وهو المفضّل لقائد الانقلاب.

وبقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام، لا يقترب منه أحد إلى تاريخ قيام الثورة. كان التلفزيون أشبه بالسلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب والدوافع.

بعد 14 جانفي (يناير) 2011، تحرّرت نسبيا مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون من هيمنة الصوت الواحد، واعتبرت مؤسّسة عمومية، لا ملك شخص أو حزب. ودارت حولها في البداية معركة سياسية هامة عندما حكمت الترويكا بقيادة حركة النهضة التي حاولت أن تنتزع المؤسّسة ممن وصفتهم ببقايا العهد السابق.

وفكّرت حتى في عرض التلفزيون التونسي للبيع للقطاع الخاص. لكن الحركة فشلت في ذلك، واضطرّت الى التراجع والتكيف تكتيكيّا مع الوضع الجديد.

يريد الرئيس قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة وحرية المبادرة، فرغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية.

إلا أنها فوجئت بتقريع مرّ من الرئيس لها، مؤكّدا أنه غير راض على الخط التحريري، وعلى ترتيب عناوين الأخبار ومحتواها والضيوف والبرامج، اعتمادا على أحد البرامج التي تضمّنت مدحا لأحد المدراء السابقين للتلفزيون في عهد الرئيس بن علي، واصفا ذلك بالردّة والثورة المضادّة.

اعتبرت نقابة الصحافيين ما قام به رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوق دعاية للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة censorship وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية"، مع الإشارة في الخصوص إلى منع المجتمع المدني والقوى السياسية من الظهور في التلفزة.

وأكّدت النقابة على أن التلفزة دأبت منذ 25 يوليو/ تموز 2021 على "تبييض السلطة وتغييب الرأي المخالف وقدّمت خدمات جليلة للسلطة لاسترضائها دون فائدة".

يسير قطار الإعلام في الاتجاه المعاكس. هذا ما يلاحظه كل مراقب موضوعي، ولولا بعض أصوات وأقلام بقيت تشكل نشازا لصحّ القول إن حليمة عادت إلى عاداتها القديمة. لقد عادت الرقابة الذاتية بقوّة، وهي إحساس رهيب يسكن في أعماق الصحافي يتسرّب إلى داخله، ويمنعه من التعبير بحرّية وجرأة. حالة طالما عانى منها الصحافيون من قبل، رغم استمرار بعضِهم في تحدّي مناخ الخوف والإحباط والكآبة.

يدرك الذين يشاهدون التلفزيون اليوم الفوارق الكبرى بين ما كان عليه المشهد قبل سنتين فقط. لا يعني أن تونس كانت جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت بشكل كبير، وأن صحافيين وكتاباً كثيرين، في الداخل والخارج، أصبحوا يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون أن يشملهم إجراء استثنائي قد يحرمهم من حرّية التنقل. وهناك من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس التلفزيون الإعلام حرية التعبير بن علي قيس سعيد الحبيب بورقيبة یسیطر على مهما کان

إقرأ أيضاً:

الرئيس الفرنسي يستقبل نظيره اللبناني في باريس.. 28 مارس

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، أنه سيستقبل نظيره اللبناني جوزيف عون في باريس، يوم 28 مارس، في خطوة تعكس استمرار الاهتمام الفرنسي بالشأن اللبناني، ودعم الاستقرار والإصلاحات في البلاد.

وجاء الإعلان، عبر منشور لماكرون على منصة "إكس"، حيث تطرق إلى تفاصيل محادثة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، هنّأه خلالها على الجهود التي يبذلها مع حكومته لتعزيز وحدة لبنان وأمنه واستقراره، مؤكدًا أن فرنسا ملتزمة بدعم البلاد في هذه المرحلة الحساسة.

وقال ماكرون: "ناقشنا آفاق إعادة الإعمار والإصلاحات التي يتطلبها لبنان. هذا العمل ضروري ليس فقط للبنان، بل للمنطقة بأسرها".

وأضاف: "التزام فرنسا تجاه لبنان لا يزال كاملاً، من أجل تعافيه ومن أجل سيادته"، في إشارة إلى استمرار باريس في لعب دور محوري في دعم بيروت، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.

إعلام إسرائيلي: لبنان يطالب بالحصول على رأس الناقورة في مفاوضات ترسيم الحدود البريةالجيش الإسرائيلي يشن غارات على مواقع لحزب الله جنوبي لبنانبموافقة مجلس الوزراء.. قيادات أمنية جديدة في لبنان| تفاصيلفرص عمل على مهنة غسيل وتشحيم في لبنان براتب 500 دولارهل تطبع إسرائيل العلاقات مع لبنان؟إعلام إسرائيلي: المفاوضات مع لبنان جزء من مسار شامل وخطة واسعةاسرائيل تعلن عن اتفاق مع لبنان على إجراء مفاوضات لترسيم الحدود البرية

وكان الرئيس الفرنسي قد زار بيروت في 17 يناير، بعد 9 أيام فقط من تولي قائد الجيش السابق جوزيف عون منصب رئاسة الجمهورية، في خطوة أكدت رغبة فرنسا في كسر الجمود السياسي الذي عاشه لبنان لأكثر من عامين بسبب الفراغ الرئاسي.

وبعد أيام قليلة من هذه الزيارة، تم تكليف نواف سلام برئاسة الحكومة، ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي النسبي.

كما سبق لماكرون أن أعلن خلال زيارته الأخيرة للبنان، عزمه عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار البلاد، في ظل الأضرار التي لحقت به نتيجة الحرب بين إسرائيل وحزب الله، والتي توقفت في 27 نوفمبر بعد دخول اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ. 

ويهدف هذا المؤتمر إلى حشد الدعم الدولي للبنان، خاصة في ما يتعلق بإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد المنهار.

وتسعى باريس إلى لعب دور رئيسي في مساعدة لبنان على الخروج من أزماته السياسية والاقتصادية، عبر الدفع نحو إصلاحات هيكلية، بالتوازي مع دعم الجهود الدولية لإعادة الإعمار، وهو ما يجعل لقاء ماكرون مع جوزيف عون في باريس، محطة مهمة في سياق العلاقات الفرنسية اللبنانية.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الأمريكي يعلن بدء ضربات على الحوثيين فى اليمن
  • أبوخشيم: يجب محاسبة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده
  • الرئيس الفرنسي يستقبل نظيره اللبناني في باريس.. 28 مارس
  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية
  • نائب ترامب : زوجة بايدن كانت تدبر البلاد وهو نائم
  • فانس: بايدن نام طوال فترة رئاسته وزوجته كانت تدير البلاد
  • نائب ترامب يهاجم بايدن: نام طوال ولايته وزوجته كانت تدير البلاد
  • الأمين العام لمجلس التعاون: وسائل الإعلام بدول مجلس التعاون تلعب دوراً مهماً في دعم وترسيخ مكتسبات العمل الخليجي المشترك
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي