من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
من يسيطر على التلفزيون يسيطر على البلاد
هناك من الصحافيين والكتاب من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.
كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.
اعتمد الحبيب بورقيبة على التلفزيون لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.
بقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام لا يقترب منه أحد حتى قيام الثورة. كان التلفزيون السلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب.
حاولت النهضة انتزاع التلفزيون من بقايا العهد السابق وفكّرت في بيع التلفزيون التونسي للقطاع الخاص لكنها فشلت واضطرّت للتراجع والتكيف مع الوضع الجديد.
يريد قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة، رغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية!
لم تكن تونس جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت جدا وأن صحافيين وكتاباً كثر بالداخل والخارج يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون إجراء استثنائي يحرمهم من حرّية التنقل.
اعتبرت نقابة الصحافة إجراء رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوقا للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية".
* * *
كنت لا أزال طفلا عندما قرّر والدي، رحمه الله، أن يدخل إلى البيت ذلك الصندوق العجيب المعروف باسم التلفزيون. هذا الجهاز الذي اعتمد عليه الرئيس الحبيب بورقيبة لترسيخ فكرة الأمة التونسية، وتثبيت زعامته المطلقة وتحقيق ولاء عموم التونسيين له وللدولة الوطنية.
كانت علاقتُه بالجمهور تعتمد على الاتصال المباشر، ثم على الإذاعة، ومع حلول التلفزيون استحوذ عليه، ووصفه بـ"تلفزتي"، ولم يسمح لأيٍّ كان أن يشاركه في هذا الجهاز إلا لمن يسعى إلى تأييده وتثبيت أقواله وسياساته.
وعمل على أن يصل البث إلى أقصى مناطق الشمال والجنوب، حتى يبلغ كلماته إلى أغلبية السكان من خلال برنامج يومي تحت عنوان "من توجيهات الرئيس". كان التلفزيون أداة حُكم فعّالة، خصوصا في الستينات. إنه سحر الصورة وقدرته على توظيفها تثبيتا للزعامة المطلقة.
عند قدوم الرئيس بن علي، لم تختلف العلاقة بالإعلام عموما وبالتلفزة الوطنية خصوصا، بعد أن دجّن المعارضة، ووضعها ضمن مربّع صغير جدا. وحتى يؤكّد وصايته عليها، أطلق عليها قناة 7، نسبة إلى تاريخ استيلائه على السلطة في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1987. واختير اللون البنفسجي لها، وهو المفضّل لقائد الانقلاب.
وبقي التلفزيون مُحتكرا تماما من الموالين للنظام، لا يقترب منه أحد إلى تاريخ قيام الثورة. كان التلفزيون أشبه بالسلاح الاستراتيجي الذي لا يجوز الاقتراب منه، مهما كانت الأسباب والدوافع.
بعد 14 جانفي (يناير) 2011، تحرّرت نسبيا مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون من هيمنة الصوت الواحد، واعتبرت مؤسّسة عمومية، لا ملك شخص أو حزب. ودارت حولها في البداية معركة سياسية هامة عندما حكمت الترويكا بقيادة حركة النهضة التي حاولت أن تنتزع المؤسّسة ممن وصفتهم ببقايا العهد السابق.
وفكّرت حتى في عرض التلفزيون التونسي للبيع للقطاع الخاص. لكن الحركة فشلت في ذلك، واضطرّت الى التراجع والتكيف تكتيكيّا مع الوضع الجديد.
يريد الرئيس قيس سعيّد اليوم فرض منطق الدولة على استقلالية المؤسّسة وحرية المبادرة، فرغم أنه اختار بنفسه مديرة التلفزيون التي حاولت أن تكون عند حسن ظنّ رئاسة الجمهورية.
إلا أنها فوجئت بتقريع مرّ من الرئيس لها، مؤكّدا أنه غير راض على الخط التحريري، وعلى ترتيب عناوين الأخبار ومحتواها والضيوف والبرامج، اعتمادا على أحد البرامج التي تضمّنت مدحا لأحد المدراء السابقين للتلفزيون في عهد الرئيس بن علي، واصفا ذلك بالردّة والثورة المضادّة.
اعتبرت نقابة الصحافيين ما قام به رئيس الدولة "تدخّلا سافرا في الإعلام"، ورفضت أن يكون الإعلام "بوق دعاية للسلطة الحاكمة مهما كان لونها". ورأت فيه "صنصرة censorship وضربا لمبدأ التعدّد والتنوّع والموضوعية"، مع الإشارة في الخصوص إلى منع المجتمع المدني والقوى السياسية من الظهور في التلفزة.
وأكّدت النقابة على أن التلفزة دأبت منذ 25 يوليو/ تموز 2021 على "تبييض السلطة وتغييب الرأي المخالف وقدّمت خدمات جليلة للسلطة لاسترضائها دون فائدة".
يسير قطار الإعلام في الاتجاه المعاكس. هذا ما يلاحظه كل مراقب موضوعي، ولولا بعض أصوات وأقلام بقيت تشكل نشازا لصحّ القول إن حليمة عادت إلى عاداتها القديمة. لقد عادت الرقابة الذاتية بقوّة، وهي إحساس رهيب يسكن في أعماق الصحافي يتسرّب إلى داخله، ويمنعه من التعبير بحرّية وجرأة. حالة طالما عانى منها الصحافيون من قبل، رغم استمرار بعضِهم في تحدّي مناخ الخوف والإحباط والكآبة.
يدرك الذين يشاهدون التلفزيون اليوم الفوارق الكبرى بين ما كان عليه المشهد قبل سنتين فقط. لا يعني أن تونس كانت جنّة إعلامية، لكن المؤكّد أن مساحة الحرية تقلّصت بشكل كبير، وأن صحافيين وكتاباً كثيرين، في الداخل والخارج، أصبحوا يتجنّبون الصدام مع السلطة، ويخشون أن يشملهم إجراء استثنائي قد يحرمهم من حرّية التنقل. وهناك من فضل البقاء بعيدا عن تونس، من باب لا تقترب من النار حتى لا تحترق.
*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تونس التلفزيون الإعلام حرية التعبير بن علي قيس سعيد الحبيب بورقيبة یسیطر على مهما کان
إقرأ أيضاً:
الجيش يسيطر على مناطق جنوبي الخرطوم ويشن غارات على مواقع الدعم السريع في الفاشر
أكدت مصادر للجزيرة أن الجيش السوداني سيطر على مناطق جنوبي العاصمة الخرطوم، وسط معارك ضارية في مناطق عدة بالعاصمة، كما شن الجيش غارات على مواقع الدعم السريع غربي وشرقي مدينة الفاشر.
وقال مصدر ميداني للجزيرة إن الجيش قصف بمسيّرات فجر اليوم الأحد مواقع لقوات الدعم السريع في أحياء شرق الخرطوم مستهدفا تجمعاتها.
كما قال مصدر ميداني للجزيرة إن الجيش أحرز تقدما لافتا في أحياء شرق النيل شرقي العاصمة الخرطوم، مشيرا إلى أن الجيش بسط سيطرته على بلدات عدة، منها عد بابكر والوادي الأخضر، فضلا عن سيطرته على أجزاء واسعة من حي كافوري شمال شرقي الخرطوم بحري.
في الأثناء، قالت مصادر في القوات المتحالفة مع الجيش السوداني للجزيرة إن الطائرات الحربية للجيش شنت غارات صباح اليوم على مواقع تابعة لقوات الدعم السريع غربي وشرقي مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور.
وأفاد الإعلام العسكري في الفرقة السادسة بمدينة الفاشر في بيان بأن الجيش استهدف مواقع لقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة بمحيط مدينتي الفاشر وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، مما أدى إلى مقتل العشرات وتدمير مركبات قتالية ومخزنين للأسلحة والمسيّرات.
وأشار البيان أيضا إلى أن ما سماها "مليشيا الدعم السريع" قصفت مدينة الفاشر بالمدافع، مما أدى إلى إصابات بين المدنيين.
هل تستخدم قوات الدعم السريع مطار #نيالا لاستقبال طائرات شحن الأسلحة؟
مستشار قائد الدعم السريع يجيب pic.twitter.com/QnZoVK3dft
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 3, 2025
إعلان مطار نيالاوعلى صعيد متصل، أظهرت صور أقمار صناعية حديثة ملتقطة في الفترة بين 29 يناير/كانون الثاني الماضي و4 فبراير/شباط الجاري آثار القصف الجوي الذي تعرضت له أجزاء من مطار نيالا بولاية جنوب دارفور غربي السودان.
وتكشف الصور الملتقطة بتاريخ 4 فبراير/شباط الجاري أماكن الأضرار وآثار القصف الذي استهدف مدرج ومهبط الطائرات الرئيسي وبعض المرافق في المطار -مثل أبراج المراقبة وموقع أجهزة التشويش- وأضرارا بجوار بعض الأبنية الخاصة بالمطار الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات باستخدام المطار في استقبال الدعم العسكري عبر رحلات الشحن الجوي وغيرها، وكان آخر التقارير قد صدر في هذا الصدد عن مختبر البحوث الإنسانية في جامعة بيل بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني الماضي.
نازحو مخيمات الدمازين
من ناحية أخرى، رصدت الجزيرة الأوضاع المعيشية المأساوية للنازحين في مخيمات الدمازين بولاية النيل الأزرق.
ويعيش أكثر من 30 ألف طفل بمخيمات النازحين في الدمازين جنوب شرقي السودان ظروفا قاسية مع أهاليهم بسبب الحرب التي اندلعت منذ نحو سنة و9 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويعاني آلاف منهم الأمراض وسوء التغذية بسبب تعذر وصول كميات كافية من المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي نزحوا إليها.
اختفاء حميدتيوفي إطار آخر، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأن قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي لم يظهر علنا منذ أشهر، مما أثار تكهنات بشأن مكان وجوده، في وقت تولى فيه شقيقه قيادة القوات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين ونشطاء سودانيين قولهم إن غياب حميدتي أثر سلبا على معنويات مقاتليه، مما أدى إلى انسحاب مئات منهم من العاصمة باتجاه دارفور.
وكشف مقاتل سابق في قوات الدعم السريع للصحيفة أن معظم مقاتلي القوات يشعرون أن حميدتي تخلى عنهم، لكن متحدثا باسم قوات الدعم السريع أكد لـ"وول ستريت جورنال" أن قوات الدعم لا تزال تسيطر على معظم مناطق العاصمة الخرطوم.
إعلان خارطة طريقوعلى الصعيد السياسي، دعت وزارة الخارجية في بيان لها اليوم المجتمع الدولي -خاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية- إلى دعم خارطة الطريق التي طرحتها قيادة الدولة بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية والمجتمعية، باعتبارها تمثل توافقا وطنيا لإرساء السلام والاستقرار في البلاد واستكمال مهام الانتقال.
وتضمنت خارطة الطريق إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية، وإجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية، واشترطت وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية كأساس لأي محادثات مع قوات الدعم السريع.