تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسط ظروف دولية وإقليمية معقدة، أضفت أهمية كبيرة على الزيارة التي تعد الأولى لسموه منذ توليه رئاسة الدولة.

وبرغم أن الزيارة تؤكد قوة العلاقات الاستراتيجية ومتانتها بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تعكس من جانب آخر تطور العلاقات الخليجية الأمريكية عمومًا، وتنامي الروابط التي تربط بين الجانبين، الأمر الذي رفع هذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتعددة الأبعاد والجوانب.

إن العلاقات الخليجية الأمريكية، التي تضرب بجذورها في عقود طويلة مضت، شهدت محطات عديدة ظل خلالها الطرفان يعملان على تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي وفق مجموعة من الركائز التي تستند إلى قاعدة تعظيم المصالح المشتركة وتبادل المنافع، تلك القاعدة التي أسست أرضية صلبة انطلق منها الجانبان إلى أفق أرحب في علاقاتهما.

وقد تمكَّن الجانبان الخليجي والأمريكي وفق هذه القاعدة، من التعاون لتحقيق الأمن الإقليمي والدولي على مدى عقود مضت، كما نجحا في تعظيم روابطهما الاقتصادية والتجارية في اتجاه الشراكة الاقتصادية، إذ يتمتع الجانبان بعلاقات تجارية واستثمارية طويلة الأمد تشهد تقدمًا واضحًا ومتناميًا، وتؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز النمو والابتكار، وفي دلالة واضحة على ذلك بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما عام 2023 نحو 180 مليار دولار، بحسب معالي جاسم البديوي، أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وقد أدت دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا محوريًّا في تعميق العلاقات الخليجية الأمريكية؛ وخاصة في شقها التجاري والاقتصادي والتكنولوجي، إذ إن الإمارات هي الشريك التجاري الأول عربيًّا للولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما جاءت الولايات المتحدة كثالث أكبر شريك تجاري للإمارات عالميًّا. وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ حجم التجارة النفطية بين البلدين عام 2023 أكثر من 40 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت 20% مقارنة بعام 2022، وأكثر من 50% مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة عام 2019. كما بلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة 38 مليار دولار، فيما بلغ حجم الاستثمارات الأمريكية في الإمارات أكثر من 4.3 مليارات دولار، مع وجود كثر من 16 ألف مواطن أمريكي يسهمون في رخص تجارية رسمية داخل الدولة، كما أن 60% من الشركات في مركز دبي المالي هي شركات أمريكية.

إلى جانب ذلك، فإن تركيز دولة الإمارات في علاقاتها مع الولايات المتحدة على البعد التكنولوجي من شأنه أن يساعد في نقل التعاون الخليجي الأمريكي في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى مستويات أعلى، إذ ستحظى قضايا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بحيز كبير خلال لقاءات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بالمسؤولين الأمريكيين، سعيًا إلى تحقيق تعاون مثمر في هذا المجال الذي بات يمثّل أولوية استراتيجية في الدولة لتحقيق التنمية المستدامة.

وتبدو العلاقات الخليجية الأمريكية مقبلة على مرحلة جديدة تشهد مزيدًا من التعاون القائم على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة وتبادل المنافع؛ خاصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو المجال الذي ستساعد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، على تعزيز التعاون الخليجي الأمريكي فيه، وخاصة أن دولة الإمارات أخذت زمام المبادرة فيه مبكرًا، وسارعت إلى إقامة شراكات مع كبريات الشركات الأمريكية من أجل توظيف التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وأحدث التقنيات العالمية في مسيرة البناء والتنمية المستدامة، وهو  هدف طالما سعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تحقيقه.

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

اتفاق بين تبون وماكرون على إنهاء الأزمة.. وتطور في العلاقات الجزائرية الإماراتية

شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية انفراجة دبلوماسية بعد أشهر من التوتر، حيث اتفق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على إنهاء الأزمة بين البلدين، وذلك خلال اتصال هاتفي جمعهما مساء الإثنين.

وجاء في بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية أن الرئيسين تبادلا التهاني بمناسبة عيد الفطر، وتطرقا إلى العلاقات الثنائية والتوترات التي شهدتها خلال الأشهر الأخيرة. واتفقا على استئناف الحوار الذي انطلق بموجب إعلان الجزائر في أغسطس 2022، والذي شهد تقدمًا في ملفات الذاكرة التاريخية، من خلال إنشاء اللجنة المشتركة للمؤرخين وإعادة رفات شهداء المقاومة الجزائرية.

إعادة تفعيل التعاون الأمني والهجرة

أكد البيان أن الرئيسين تبون وماكرون شددا على ضرورة العودة إلى حوار متوازن يعكس المصالح الاستراتيجية والأمنية لكلا البلدين، مشيرًا إلى الاتفاق على استئناف التعاون الأمني بشكل فوري، وكذلك التعاون في ملف الهجرة، لضمان حركة سلسة ومنظمة للأفراد بين الجزائر وفرنسا.

كما اتفق الجانبان على مواصلة العمل في ملف الذاكرة، حيث ستستأنف اللجنة المشتركة للمؤرخين عملها قريبًا في فرنسا، وستقدم نتائج أعمالها إلى الرئيسين بحلول صيف 2025.

التعاون الاقتصادي ودعم مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

تطرق الاتصال إلى أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مع التركيز على تعزيز الاستثمارات والتجارة، وأكد ماكرون دعم فرنسا لمراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وهو مطلب طالبت به الجزائر سابقًا لضمان توازن المصالح الاقتصادية.

ملف بوعلام صنصال والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي

تناول الاتصال أيضًا قضية الكاتب بوعلام صنصال، حيث دعا الرئيس الفرنسي نظيره الجزائري إلى اتخاذ "لفتة إنسانية" بحقه نظرًا لعمره وحالته الصحية.

وفي سياق تفعيل التعاون الثنائي، سيزور وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الجزائر في 6 أبريل، لمناقشة تفاصيل برنامج العمل الجديد وجدول تنفيذه. كما تم الاتفاق مبدئيًا على لقاء مستقبلي بين تبون وماكرون.

العلاقات الجزائرية الإماراتية.. لقاء مرتقب بين تبون وبن زايد

في سياق منفصل، تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اتصالًا هاتفيًا من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث تبادل الطرفان التهاني بمناسبة عيد الفطر، واتفقا على عقد لقاء قريب لتعزيز العلاقات الثنائية.

العلاقات الجزائرية الفرنسية.. أسباب التوتر

تتميز العلاقات الجزائرية الفرنسية بتعقيد تاريخي يعود إلى الحقبة الاستعمارية (1830-1962)، حيث ما زالت الملفات العالقة، مثل الذاكرة والاستعمار والتعويضات، تؤثر على مسار العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من التعاون الاقتصادي والسياسي، إلا أن التوترات تكررت في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اعتراف فرنسا بمخطط الحكم الذاتي المغربي للصحراء، وتوقيف الكاتب بوعلام صنصال.




مخاوف جزائرية من دور للإمارات

شهدت العلاقات الجزائرية الإماراتية توترات في بعض الفترات، رغم ما يبدو من تقارب اقتصادي وسياسي. فقد وجهت الجزائر في عدة مناسبات اتهامات غير رسمية للإمارات بالتدخل في شؤونها الداخلية وتهديد أمنها القومي.

دعم جماعات مشبوهة في الجزائر:

أشارت تقارير غير رسمية إلى أن الجزائر تشتبه في تورط الإمارات في دعم بعض الجهات المعارضة، سواء من خلال توفير الدعم المالي أو الإعلامي لبعض الشخصيات السياسية والإعلامية الجزائرية في الخارج.

الدور الإماراتي في شمال إفريقيا والساحل

تخشى الجزائر من النفوذ الإماراتي المتزايد في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة عبر دعم أنظمة وحركات معينة قد تتعارض مع المصالح الجزائرية، لا سيما في ليبيا ومالي. ويُعتقد أن الجزائر تعتبر بعض التحركات الإماراتية في هذه المناطق تهديدًا لأمنها القومي.

العلاقة الإماراتية المغربية وتأثيرها على ملف الصحراء:

تُعد العلاقات الإماراتية المغربية عاملاً آخر يزيد التوتر بين الجزائر وأبوظبي، حيث كانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي دعمت اعتراف المغرب بسيادته على الصحراء وافتتحت قنصلية في مدينة العيون المتنازع عليها، وهو ما أثار استياء الجزائر التي تعتبر القضية مسألة أمن قومي.

اتهامات بمحاولات التأثير على المشهد السياسي الجزائري:

تُتهم الإمارات أحيانًا بمحاولة التأثير على الأوضاع السياسية في الجزائر، سواء عبر دعم شخصيات سياسية محددة أو الترويج لمواقف قد تتعارض مع التوجه الرسمي الجزائري، خاصة خلال فترة الحراك الشعبي عام 2019 وما تبعه من تغييرات سياسية.

الموقف الرسمي الجزائري

على الرغم من هذه التوترات، لم تصدر تصريحات رسمية مباشرة من الحكومة الجزائرية تتهم الإمارات علنًا، لكن بعض التقارير الإعلامية والتسريبات تشير إلى تحفظات جزائرية على بعض السياسات الإماراتية في المنطقة. ومع ذلك، تحاول الجزائر الحفاظ على علاقات متوازنة مع أبوظبي، خاصة في ظل المصالح الاقتصادية والاستثمارات المشتركة.


مقالات مشابهة

  • “الشراع والتجديف”: جاهزون لضربة البداية في الألعاب الخليجية الشاطئية بمسقط
  • حصيلة طائرات MQ9 الأمريكية التي تمكنت الدفاعات الجوية اليمنية من اسقاطها
  • بعد قليل.. مشاهد لحطام الطائرة الأمريكية MQ-9 التي تم اسقاطها في أجواء محافظة مأرب
  • «الشراع والتجديف» جاهز لـ«الألعاب الخليجية الشاطئية»
  • شاهد.. روبوتات تمشي بثبات وتفتح آفاق التعاون بين والذكاء الاصطناعي والبشر
  • اتفاق بين تبون وماكرون على إنهاء الأزمة.. وتطور في العلاقات الجزائرية الإماراتية
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • اتحاد اليد يختار 12 لاعباً للمشاركة في «الألعاب الخليجية»
  • رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يهنئ الرئيس الشرع بمناسبة تشكيل الحكومة السورية الجديدة