الهروب من الفشل في غزة إلى التصعيد ضد لبنان.. تخبط إجرامي يكرس واقع هزيمة العدو
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
يمانيون – متابعات
واصل العدو الصهيوني تصعيده الإجرامي ضد لبنان، في مسعى متخبط لتغيير الواقع الجديد والمهين الذي فرضه حزب الله في شمال فلسطين المحتلة من خلال إجبار قطعان المستوطنين على النزوح والتعهد بعدم عودتهم إلا بوقف العدوان على غزة.
و شن العدو، الاثنين، غارات جوية مكثفة على جنوب لبنان أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات من المدنيين، الأمر الذي من المتوقع أن ترد عليه المقاومة الإسلامية بتوسيع نطاق عملياتها النوعية في العمق الصهيوني وإرساء المزيد من معادلات الردع التي بدأت ملامحها بالبروز فعليا من خلال إدخال منطقة حيفا في دائرة النيران، مع الإعلان عن دخول معركة “الحساب المفتوح” وهو ما سيفاقم مأزق العدو الذي يبدو بوضوح أنه يحاول بشكل عشوائي تعويض فشله الذريع في غزة وسقوط كل حساباته الاستراتيجية.
الغارات الهستيرية التي شنها العدو على جنوب لبنان استهدفت المدنيين بشكل مباشر، وأدت إلى استشهاد وإصابة المئات منهم، تحت دعاية وجود أسلحة في المناطق السكنية، وهو ما يعكس رغبة واضحة في خلق صدمة لدى السكان ودفعهم نحو النزوح من مناطقهم، بهدف صناعة واقع يقابل الواقع الذي فرضه حزب الله في المغتصبات الصهيونية شمال فلسطين المحتلة، من أجل الضغط للسماح للمستوطنين بالعودة إلى تلك المغتصبات مقابل عودة اللبنانيين إلى مناطقهم.
وقد بدت بصمات الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة بشكل جلي على هذا التصعيد، حيث صرح بايدن بأنه يعمل على إعادة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة فيما ترافقت الغارات العدوانية مع اتصالات “إسرائيلية” مكثفة.
لكن الكثير من علامات التخبط بدت أيضا واضحة في هذا التصعيد العدواني الذي يأت بعد مرور عام من المعركة في غزة والتي فشل العدو في تحقيق أي من أهدافه المعلنة فيها، وهو ما يجعل التوجه للتصعيد ضد لبنان محاولة مكشوفة من قبل نتنياهو للهروب إلى الأمام وتجنب مواجهة واقع الفشل والهزيمة في المعركة.
ومن علامات هذا التخبط تجاهل قوة الردع التي يمتلكها حزب الله والتي يبدو أن العدو يعتمد في تقييمها على قراءة خاطئة تقترح أنه بالإمكان وضع المقاومة الإسلامية بين خيارات صعبة من خلال ابتزازها بسلامة المدنيين، ودفعها إلى التراجع عن موقفها بشأن مواصلة العمليات المساندة لغزة، أو ابتلاع الاعتداءات الكبيرة على لبنان.
وقد ثبت خطأ هذه القراءة بشكل واضح هذا الأسبوع عندما أدخل حزب الله منطقة “حيفا” في دائرة النيران ردا على جريمة تفجير أجهزة الاتصالات والاعتداءات على المناطقة اللبنانية واستهدف قاعدة “رامات ديفيد” ومجمعات الصناعات العسكرية لشركة “رافائيل”، حيث أثبت الحزب من خلال هذه الهجمات امتلاكه خيارات متنوعة ومرنة لمواكبة التصعيد الصهيوني وفرض كلفة مرتفعة ومكافئة لأي خطوة “إسرائيلية” عدوانية وهو ما يعني حرمان العدو من أي فرصة للتحكم بمجريات المواجهة.
هذا أيضا ما أكده إعلان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، يوم الأحد، بشأن دخول مرحلة “الحساب المفتوح” في المواجهة العدو الصهيوني وهو ما يعني إبقاء المجال متاحا لكل الخيارات المكافئة لما يقدم عليه كيان العدو من خطوات، وبغض النظر عن التفاصيل فإن هذا يمثل كارثة بالنسبة لمئات الآلاف إن لم يكن الملايين من المستوطنين الذين ارتفعت احتمالات نزوحهم من مناطق ومدن محتلة إضافية في شمال فلسطين المحتلة بما في ذلك حيفا التي تعتبر أيضا مركزا اقتصاديا استراتيجيا لكيان العدو.
ومن المتوقع أن تطال هجمات حزب الله خلال الفترة المقبلة المزيد من الأهداف الجديدة على مديات أبعد في العمق الصهيوني، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما سيضع العدو الاسرائيلي في مأزق ويجعله يختنق بالمعادلة التي حاول فرضها على المقاومة الإسلامية، ففي الوقت الذي يحاول فيه ابتزازها بسلامة المدنيين سيكون الضغط الذي يشكله استهداف مستوطنات ومدن جديدة في العمق، أشد تأثيرا عليه، وسيجد نفسه هو – وليس المقاومة- بين خيارات صعبة فإما إجلاء المستوطنين من المناطق الجديدة، وهو ارتداد عكسي مزلزل للعدوان على لبنان، أو المخاطرة بسلامتهم والتوجه نحو المزيد من التصعيد، وهو ما يعني فقدان السيطرة على الوضع، أو التوجه نحو حرب شاملة، وهو أمر يعرف العدو جيدا أنه ينطوي على مخاطر استراتيجية أكبر بكثير من فوائد “الهروب إلى الأمام” المؤقتة.
وفي هذا السياق أيضا فمن غير المرجح أن يظل التصعيد على لبنان محصورا على المواجهة الثنائية بين المقاومة الإسلامية وجيش العدو، حيث تدل كل المؤشرات على أن بقية جبهات الإسناد سيكون لها موقف مواكب للتصعيد، وقد أعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مؤخرا الاستعداد للوقوف إلى جانب حزب الله، وهو أيضا ما أكدته المقاومة في العراق والتي نفذت مساء الأحد هجمات نوعية جديدة بطائرات مسيرة متطورة استطاعت الوصول إلى أهداف صهيونية في غور الأردن مواكبة للتصعيد ضد لبنان، وبالتالي فإن مهمة العدو ستكون أكثر استحالة، وستكون الارتدادات العكسية لها أوسع بكثير مما يتصور.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: شمال فلسطین المحتلة المقاومة الإسلامیة حزب الله ضد لبنان من خلال وهو ما
إقرأ أيضاً:
لبنان و”حرب الطوفان”.. المفاجآت واردة
يمانيون/ تقارير
سوف تنتهي هذه الحرب عاجلاً أم آجلاً، بطريقة تدريجية أو بشكل مفاجئ. مفترق الطرق التاريخي المتعلق بمستقبل “إسرائيل” ومستقبل المقاومة والمنطقة يتوقّف على الحرب المفصلية الدائرة اليوم.
جملة من القضايا ليس وقتها الآن. حزن مؤجّل. كذلك تقويم التقديرات السابقة؛ أين أخطأت وأين أصابت. المهم هو الوقت الراهن. المرحلة الحالية تأسيسية. فيها يُكتب تاريخ ويُصنع مستقبل. تشكّل لبنات اليوم معادلات الغد وتوازناته والكثير من ملامحه.
مستقبل يصهر بالنار والإرادات والتضحيات. وقوده الأفكار والمشاريع والقناعات والعقائد. مفترق الطرق التاريخي المتعلق بمستقبل “إسرائيل” ومستقبل المقاومة والمنطقة يتوقّف على الحرب المفصلية الدائرة اليوم على جبهات عدة. ماذا عن الوقائع؟
غبار الحروب يحجب الرؤيةحرب تموز 2006 كانت من المحطات المفصلية أيضاً. أفرزت تلك الحرب معادلة صمدت نحو 18 عاماً. ما نحن في خضمّه اليوم أهم وأخطر، كذلك المعادلات التي ستنجم عنه.
اتسمت المناخات التي أعقبت حرب 2006 بالأمان والاستقرار في الجانب اللبناني. لمس اللبنانيون، وخصوصاً الجنوبيين منهم، نتائج تلك الحرب من خلال أقرب حجر إلى الشريط الشائك. ازدهرت المنطقة الحدودية ونمت بفضل المقاومة وبفعل النتائج التي تمخّضت عنها تلك الحرب التي كان لها أيضاً مفاعيل استراتيجية على الصراع.. ثمة وقفة ضرورية هنا. في خضم تلك الحرب، خصوصاً في أيامها الأولى، كان يتعذّر تصوّر كل ذلك واستشرافه، إلا من قبل بعض الراسخين في المعركة. لماذا؟
غبار الحروب يحجب الرؤية. وطيس المعركة يقيّد البصر ويحد مجال العين. يغيب الأفق فتتلاشى تضاريس الاستراتيجيا والمستقبل، ويصبح الحي والقرية والمدينة حدود الكون. في خضم المعركة، العالم هو ما يجري حولك فقط وداخل رأسك.
تجربة الحرب لا تشبه أي تجربة. تختلط المعاناة بمشاعر الخوف والقلق والموت والوجع. يفتح الاضطراب باباً تتسلّل من خلاله حيل الحرب النفسية وأحابيلها. ينشغل النازحون قسراً بما هو داهم وضروري. ينشغل رب الأسرة بتأمين مستلزمات أسرته، وينشغل الأحياء بتشييع الشهداء ومواساة من ذاق لوعة الفقد، وينشغل المؤمنون بالدعاء والصلاة.
ليس اعتباطاً استدعاء حرب تموز 2006 في سياق الحديث عن حرب اليوم. من شهد تلك الحرب يعرف بأن المشاعر فيها تنوّعت باختلاف الناس وطبائعهم، وداخل النفس الواحدة أحياناً. عايش جمهور المقاومة لحظات من الخوف والقلق والشك والانكسار وانعدام اليقين والغموض والكثير من الأحزان، لكنه اختبر أيضاً حالات من الصمود والثبات والتضحية والتوكّل والأمل والثقة بالمقاومين والإيمان بالطريق.
لماذا تموز 2006؟ لأنه في ذروة المشاعر الإنسانية المُعقّدة تلك، توقفت الحرب فجأة. تراجعت “إسرائيل” فجأة عن كل سقوفها العالية ومعها “مشروع الشرق الأوسط الجديد”. فجأة، تلاشت كل الشروط التي حملتها وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليسا رايس. فقط عندما تراجع الغبار بدأت تتضح رويداً أحجام المبالغات الإسرائيلية وحروبها النفسية والخسائر والانكسارات التي كانت تحرص على حجبها. المسألة مسألة وقت وصبر.
بين حربينهناك الكثير من أوجه الشبه القائمة بين “حرب الطوفان” الدائرة اليوم وبين حرب تموز. هناك أيضاً تباينات. لعل أبرز سمات الحرب الحالية هو حجم الحرب النفسية التي يقصف عبرها العدو قلوب اللبنانيين وعقولهم ومعهم جمهور المقاومة. سيُتاح لاحقاً ما يكفي من وقت لدراسة جميع أوجه البروباغندا الإسرائيلية التي استهدفت جمهور المقاومة منذ بداية العدوان الموسع وصولاً إلى اللحظة الراهنة، ومدى الدور الذي لعبته منصات ووسائل إعلام ناطقة بالعربية.
صحيح أن العدو استند في معركة كيّ الوعي إلى ما حصل ويحصل في غزة من إبادة جماعية غير مسبوقة، لكن في ذلك مغالطة. ظروف لبنان تختلف عن ظروف غزة.
صحيح أيضاً أنه استند إلى إنجازات غير متوقعة تمثّلت في القدرات والمعلومات التي مكّنته من اغتيال كبار قادة المقاومة، وعلى رأسهم الشهيد السيد حسن نصرالله، لكنّه استغلّ هذه المفاجآت والصدمات واستثمرها، ولا يزال، في محاولة تعظيم أثرها وتعزيز حجمها في وعي جمهور المقاومة. عملياً، قام بوضع مرايا في كل زوايا الغرفة وجدرانها. يريد الإسرائيلي أن يزرع الانطباع بأنه يعرف كل شيء وأنه قادر على الوصول أينما يريد. هذا التصوّر يجافيه ما يحصل في ميدان الجبهة الجنوبية حيث تغيب الهواتف الخلوية وحيث انكسرت حملته البرية. بالتوازي، تتصاعد وتيرة إطلاق الصواريخ والمسيرات وتصيب كل فترة هدفاً حساساً ومؤلماً للعدو.
انقشاع الرؤيةليس هذا مجال التعمّق في جانب الحرب النفسية، لكن هدف استحضارها هو محاولة القول إن جانباً كبيراً من الحرب يجري على الوعي وداخل عقولنا.
تستحق الحرب الحالية أن تُدرس لناحية حجم البروباغندا التي طغت فيها، علماً بأن هذا النوع من الحروب يجري في ظل معادلات غير متكافئة وميزان مختل لمصلحة العدو.
عودة إلى المرحلة الراهنة
يجوز الافتراض بأن الميدان والتطورات التي لم يكن يتوقعها الجانب الإسرائيلي عطّلا جزءاً من تلك الحرب النفسية. بهذا المعنى، تصبح المشاهد والصور التي ينتجها جهاز الدعاية الإسرائيلي المتخصص، والتي تظهر دهمه وتفجيره أنفاقاً وقرى وبنى تحتية للمقاومة، تصبح أقل تأثيراً ما دامت النتيجة هي اضطراره للانسحاب وعدم تمكنّه حتى الآن من السيطرة والتثبيت في عمق الأراضي اللبنانية.
بهذا المعنى، فإن الأكثر أهمية من الصواريخ التي تم تدميرها هي الصواريخ التي ما زالت جاهزة للانطلاق. الأكثر أهمية من الأنفاق التي دُمرت هي الأنفاق التي ما زالت موجودة وزاخرة بالسلاح والرجال. الأكثر أهمية من المخازن المُكتشفة هي المخازن التي ما زالت صالحة وكافية لمنع “إسرائيل” من تحقيق أهدافها.
بعد أكثر من شهر على إعلان الاحتلال عن حملته البرية ضد لبنان، بات المشهد أكثر جلاء. بعيداً من أي مبالغة بقدرات المقاومة أو استخفاف بإمكانات العدو، بات يمكن تلمّس أهم ملامح المرحلة الراهنة ومساراتها وفق ما يلي.
نشوة الذروة نقطة ضعف العدوبلغت “إسرائيل” ذروة عمليتها العسكرية باغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وأعقبتها بعملية برية اعتقدت، وفق بعض وسائل إعلامها، أنها ستكون سريعة وأن طريقها بات معبّداً.
في المقابل، وصل حزب الله بعد سلسلة الضربات التي تلقّاها إلى قعر أدائه العسكري والتنظيمي. النشوة الإسرائيلية مقابل النكسة اللبنانية بدأت تتبدّل منذ الشهر الماضي. خطان بيانيان، أحدهما يسير في منحى انحداري وآخر في منحى تصاعدي على وقع عمليات المقاومة. هذا الأمر له تأثيره من الناحية المعنوية على طرفي الصراع وله انعكاساته على مجريات المعركة. كيف تعكس المجريات ذلك؟
ما زال حزب الله صامداً ويراكم إنجازات متصاعدة، رغم أنه يقاتل بعدد محدود من العناصر. ثلاثة خطوط دفاع مُحكمة في الجنوب لم يتجاوز الطرف الإسرائيلي الخط الأول فيها، ولا حتى الحافة الأمامية، رغم مرور نحو شهر وأسبوع على عمليته البرية. الخسائر في جانبه كبيرة. باعترافه، تم نقل أكثر من 900 جندي إلى المستشفيات منذ بدء العملية البرية، إضافة إلى عشرات القتلى، يقول حزب الله إن عددهم ناهز المئة. مقارنة بـ2006 يمكن الحديث اليوم عن نقلة نوعية. لننحي جانباً ومؤقتاً مسألة دخول الجليل.
يقاتل حزب الله اليوم بعدة مناسبة وغير ضخمة وفق تكتيكات مرنة. لم يفرج بعد عن كل أوراقه ومفاجآته، ويحافظ على معظم عديده خارج المعركة. لم تستخدم المقاومة كل قدراتها لكنّ الإسرائيلي فعل ذلك. استنفد ورقته الرابحة منذ عملية “البايجرات” وما تبعها وصولاً إلى محاولة تحقيق تقدم ميداني جنوبي لبنان، فشلت حتى الآن.
استخدمت “إسرائيل” خلال أيلول/سبتمبر الماضي ورقتها الذهبية، وكشفت عن معظم خططها الفعالة التي دأبت تعدّها لسنوات بهدف القضاء على حزب الله، وليس بهدف تقويضه فقط. صحيح أنها فاجأت الحزب، لكن الأخير أيضاً فاجأها بأنه لم يسقط في الضربات التي كان يفترض أن تكون قاتلة. وقف من جديد وبدأ يوجّه اللكمات من جهته بشكل تصاعدي.
لم تظهر المقاومة بعد صواريخها النقطوية ولا أسلحتها المخبأة كلّها. هناك أسباب وراء ذلك. قد يكون من ضمنها عدم الرغبة في كشف التكتيكات والمسارات والمواقع العسكرية الاستراتيجية للعدو في هذه المرحلة.
عدا عن ذلك، من المؤكد أن المقاومة تدير معركتها بناء على أسوأ الاحتمالات. من ذلك احتمال أن تطول الحرب، وأن ظروف نقل الأسلحة وتخزينها في المراحل المقبلة قد تكون أكثر صعوبة، ما يفرض الاقتصاد في استخدام المُتاح والاحتفاظ بالأوراق الفعالة والمؤثرة والقاتلة إلى مرحلة قد تأتي وقد لا تأتي. تثمير الورقة الرابحة يقتضي الاحتفاظ بها وتفعيلها في الوقت المناسب.
المفاجآت واردةسوف تنتهي هذه الحرب عاجلاً أم آجلاً. بطريقة تدريجية أو بشكل مفاجئ. الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عكس تصوّر المقاومة حول المواجهة القائمة. تحدّث عن إيلام العدو وعن عملية عض أصابع لن تصرخ فيها المقاومة، وعن إعادة الاحتلال من رسنه إلى الحظيرة. تحقيق هذه الأهداف دونها شروط.
شرطها الأول متحقق ويقع على عاتق المقاومة التي ترتقي تدريجياً يوماً بعد آخر في إيلام الاحتلال، سواء في المواجهات البرية التي انكفأ فيها الأخير، أو في رفع كلفة المواجهة على جبهته الداخلية. الشرط الثاني هو صمود أنصار المقاومة وبيئتها الحاضنة. من المرجح أن يتكبد هؤلاء مزيداً من الأكلاف ويقدموا تضحيات إضافية إذا طالت الحرب، لكن سوف تثمر هذه التضحيات معادلات تعمّر لسنوات طويلة على الأرجح إسوة بما حصل خلال حرب تموز 2006.
يقودنا هذا الأمر إلى مسارات اليوم والغد.نحن اليوم في مرحلة السقوف العالية. شروط المقاومة لوقف الحرب تناقض شروط العدو. إصرار نتنياهو على تغيير موازين القوى بشكل جذري مع لبنان وتغيير وجه الشرق الأوسط، سوف تحصر خياراته بين حرب استنزاف طويلة الأمد تفرز مع مرور الوقت مخاطر متصاعدة، أو تسوية تعكس الموازين القائمة وتتيح له تسويق إنجازات في الداخل.
الكلام الصادر عن نتنياهو منذ نحو أسبوع لا يعكس الاتجاه الثاني، إذ قال إن هناك ضغطاً (عليه) لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان، مشيراً إلى أن الواقع أثبت العكس. لكنه في معرض كلامه عن تغيير وجه الشرق الأوسط أقرّ بأمر جوهري: “ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة، ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقاً”.
في خضم ذلك، وفي ظل مؤشرات متعارضة، تصدر من الإعلام الإسرائيلي ثمة بارقة أمل.
مساران أساسيان قد ينطويان على مفاجآت تنهي الحرب بأسرع مما يتوقّع البعض. الأول، مسار الجبهة الإيرانية، والثاني مسار الجبهة اللبنانية.
يقرّ عدد من الخبراء والمحللين داخل الكيان بأنه من الناحية العسكرية استنفدت “إسرائيل” جلّ بنك أهدافها النوعي في لبنان منذ الأيام الأولى لحملتها الموسّعة، وأنها تركّز حالياً ضغطها على المقاومة من خلال استهداف بيئتها الحاضنة عبر آلتها العسكرية، وعبر الأمن الاجتماعي والتهجير. في حال لم يقم نتنياهو بتسييل رصيده المُتحقق حتى الآن، فإنه مع مرور الوقت سوف يخاطر بتآكل هذا الرصيد.
بإمكان نتنياهو أن يسوّق حالياً للجمهور الإسرائيلي مجموعة إنجازات على جبهتي غزة ولبنان. لاحقاً، وربما قريباً بعد الرد الإيراني، فإن المشهد قابل للتغير بسرعة. خيار الحرب الطويلة مع لبنان وإدامة الاشتباك مع إيران ينطويان على مخاطر بقدر ما ينطويان على مكاسب في حسابات نتنياهو الخاصة.
ماذا عن المعادلات العسكرية؟لم تكن المعادلات العسكرية متكافئة يوماً بين قوى المقاومة في المنطقة وبين “إسرائيل”. لم يكن الأمر كذلك خلال حرب تموز. مع ذلك، انحسرت تلك الحرب فجأة عن انتصار لصالح المقاومة أقرّت به “إسرائيل”. لاحقاً، عمد خصوم المقاومة في الداخل اللبناني وبعض الأنظمة العربية على تقزيمه وتشويهه بذريعة الدمار والأكلاف العالية.
يجب الاعتراف أن اشتباهاً ساد خلال حرب الطوفان بأن المقاومة اللبنانية بلغت درجة من القوة باتت قادرة عبرها على لجم “إسرائيل”، ورد الصاع صاعين إن اعتدت على لبنان. كان ذلك ليكون صحيحاً لولا المفاجآت والخروقات التي خبأتها “تل أبيب”. يعيدنا هذا الأمر إلى مرحلة الانتصار بالصمود عبر منع العدو من تحقيق أهدافه، بدل الانتصار من خلال هزيمته برد الصاع صاعين.
يترتّب على ذلك ممارسة الواقعية والتأقلم وعدم الانجرار إلى حرب نفسية من صنع أيدينا. نحن نقع في فخ هذه الحرب عندما ننجر إلى مقارنة أدواتنا وواقعنا بتقديراتنا السابقة على العدوان الإسرائيلي، ونقيس الأداء بما كنا نعتقد ونقدّر قبل الحرب من حسابات القوة. لكن، ألا يصحّ أيضاً أن نقارن واقعنا بما كانت عليه الحال خلال تموز 2006 التي انتصرنا فيها؟
هنا، ينجلي الواقع عن صورة مختلفة. رغم الفروق في العديد من المناحي بين الحربين، خصوصاً لجهة ظروف العدو وتقديراته وما نجم عن عملية 7 أكتوبر، فإن المعادلة العسكرية على الأقل أفضل بأشواط مما كانت عليه عام 2006، كذلك الموقف الرسمي اللبناني. قد يقال إن قدرات العدو أيضاً تطورت وهذا صحيح. لكنّه كما سبق أن أسلفنا استنفد جزءاً كبيراً من رصيده، واستخدم ورقته الذهبية التي كان يخبئها لتحقق له انتصاراً كان يفترض أن يكون مطلقاً، بينما لم تكشف المقاومة سوى عن جزء من ترسانتها وقدراتها، وهي كافية للانتصار بطعم الصمود.
نقلا عن الميادين نت