انكسار الحاجز بين إسرائيل وحزب الله .. ماذا يعني؟!
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
ليس من المبالغة في شيء القول بأن حرب السابع من أكتوبر الماضي التي شنتها حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة وستتواصل على الأرجح لفترة أخرى قادمة، قد أدخلت الشرق الأوسط بوجه عام في مرحلة جديدة حذّر كثيرون من تبعاتها، ولا زال كثيرون يحذرون دون أن يستطيع أي طرف تحديد ملامح أو آفاق المستقبل سوى في عبارات تحمل التحدي والتحدي المضاد.
ومن المعروف أن ترسيم الحدود في المنطقة العربية، أو على الأقل في بعض أجزائها، خضع لعمليات التجنيس والروايات الشفهية لانتماء القبائل في بقعة معينة لهذا الجانب أو ذاك من الحدود، وحتى لفرض الأمر الواقع المستند إلى القوة لإيجاد واقع عملي يصبح تغييره أمرًا صعبًا بعد ذلك لأسباب كثيرة ومعروفة ومتكررة حتى في واقعنا العربي الراهن.
والمؤكد أن قضية الاستعمار بفصولها ومراحلها المختلفة تحكي الكثير، وما تقوم به إسرائيل من بلطجة وانتهاك للقانون الدولي والأعراف واغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني وتدمير ممتلكاته إنما يعيد بعضًا من انتهاكات الاستعمار التي يرفضها العالم ويدين مرتكبيها ولا يقبل بأية مبررات أو ادعاءات لتسويغها ومحاولة إقناع الأمم والشعوب الأخرى بها، بغض النظر عن مساحة الأراضي موضع الخلاف ورؤية كل طرف للقضية المختلف عليها. والمؤكد أن ممارسات إسرائيل التي أدانها العالم لا تجد سندًا ولا مبررًا لها من القانون الدولي على أي نحو. ولذا، فإنها تحاول فرض منطق البلطجة من طرف واحد، حتى ولو نُظر إليها على أنها دولة خارج الشرعية الدولية. فهي لا يهمها صورتها لدى المجتمع الدولي، ولا يهمها أمر الآخرين ورؤيتهم لسلوكها، طالما تتمتع بتأييد الولايات المتحدة والقوى الغربية لها ولمواقفها. والأمثلة في هذا المجال عديدة ومتجددة حتى الآن.
وإذا كانت حرب السابع من أكتوبر الماضي، والتي يمر عليها عام بعد نحو أسبوعين، هي أطول حروب إسرائيل وأكثرها استمرارًا حتى الآن، فإنها من الحروب التي ستغير المجتمع الإسرائيلي إلى حد كبير. وإن دفعها للمجتمع الإسرائيلي نحو سيطرة اليمين المتشدد على سياساته يترك آثارًا على حاضره ومستقبله، في ظل سيطرة نتنياهو، وبن غفير وزير الأمن القومي، وبتسلئيل وزير المالية في حكومة نتنياهو على سياسات الحكومة وخياراتها، بغض النظر عن الانقسامات والخلافات العلنية بين نتنياهو وجالنت وزير الدفاع. أما التطور الخطير الآخر الذي تزامن مع ذلك، فهو في الواقع انكسار «التابو» بين إسرائيل وحزب الله، وتدحرج المواجهة بينهما من حرب ومواجهة محكومة بينهما تخضع لقاعدة «ضربة مقابل ضربة»، والحرص من كلا الطرفين على تجنب التصعيد والتأكيد على عدم الرغبة في الحرب مع الطرف الآخر، ليتحول الأمر تدريجيًا، خلال الأسبوع الأخير على الأقل، إلى تصعيد تدريجي ولكن متواصل في الحرب بين إسرائيل وحزب الله. لقد باتت المواجهة بين الطرفين أشبه بحرب مفتوحة منذ تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية التابعة لحزب الله يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي، والتي أسفرت عن استشهاد عدد كبير من عناصر وقيادات قوة الرضوان التابعة لحزب الله، والتي قدرها الحزب بنحو 53 عسكريًا وقائدًا على الأقل خلال أيام 18 و19 و20 من الشهر الجاري. وهي خسارة كبيرة واختراق أمني كبير وغير مسبوق لحزب الله، وهو ما أسماه حسن نصر الله، زعيم الحزب، «نكسة كبيرة». جدير بالذكر أن حالة التوتر بين حزب الله وإسرائيل تصاعدت بشدة منذ يوم الثلاثاء 18 سبتمبر والأيام التالية لها. والأكثر أهمية من ذلك، أن إسرائيل قد تجرأت وامتدت بغاراتها الجوية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، أي معقل حزب الله. وحتى أثناء إلقاء حسن نصر الله كلمته يوم الخميس الماضي، كانت طائرات إسرائيل تحلق في أجواء الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما لم يحدث من قبل. وبلغ تبجح وزير الدفاع الإسرائيلي جالنت أنه هدد بوضوح بملاحقة قيادات حزب الله وعناصره في الضاحية الجنوبية لبيروت نفسها، التي لم تعد آمنة لهم. وكان التهديد موجهًا بالتأكيد إلى نصر الله كزعيم للحزب، مما يشير إلى أن مرحلة جديدة من الحرب بدأت بين الجانبين. أما نتنياهو فقد تفاخر بأن «أهداف الحرب معروفة، وأن أعمالنا - أعمال إسرائيل - تتحدث عن نفسها». وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب، لعل من أهمها:أولاً، إذا كان حزب الله قد تجنب في الفترة الماضية استخدام بعض إمكاناته المسلحة، ومنها الصواريخ طويلة المدى والموجهة بدقة عالية ضد إسرائيل، تجنبًا لإصابات في صفوف المدنيين وعدم إعطاء مبرر لإسرائيل للتصعيد في المواجهة مع الحزب، فإن المرحلة الحالية من الحرب يمكن النظر إليها، خاصة بعد تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية، على أنها أصبحت حربًا مفتوحة، سواء من حيث مدى واتساع ميدان المعركة أو من حيث الأسلحة ونوعية الصواريخ المستخدمة فيها، وإن كان الحزب لا يميل إلى استخدام كل أو معظم إمكانياته تحسبًا لمتطلبات الفترة القادمة. وعلى ذلك، فإن الطرفين قد تحررا في الواقع من قيود الفترة السابقة، وهو ما يعطيهما مرونة في المواجهة وفقًا لمتطلبات المعركة، وبالتالي سهولة التصعيد فيها حسب متطلباتها، مما يعني مزيدًا من التدمير ليس فقط للضاحية الجنوبية، ولكن لمناطق أخرى خارجها، وهذا سيؤثر على لبنان وعلى إسرائيل أيضًا. ولذا، أغلقت إسرائيل المدارس في شمال إسرائيل في بعض أيام هذا الأسبوع، وأعلنت حالة الطوارئ في مدينة حيفا ومحيطها، وغيرت في قواعد الجبهة الداخلية أيضًا تحسبًا للتصعيد مع حزب الله، الذي أطلق مئات الصواريخ تجاه المواقع العسكرية الإسرائيلية ردًا على هجمات إسرائيل على عدد من أهم المواقع العسكرية للحزب. وبالتالي، فإن الاشتباكات تكاد تكون متواصلة ولا تتوقف عند حدود مناطق محددة، مما يعني التصعيد بكل معانيه، برغم تضرر حزب الله من بلطجة إسرائيل في الأيام الأخيرة. ثانيًا، إن حزب الله، ورغم نكسة تفجير «البيجر» وخسارة عشرات القيادات ذوي الخبرة القتالية، والذين كانوا يخططون للقيام بمحاولة احتلال مواقع في الجليل داخل إسرائيل في ذكرى حرب السابع من أكتوبر القادم، وهو ما جعل إسرائيل تنتهز الفرصة لضرب قيادات قوة الرضوان التي علم باجتماعها ككل في مكان واحد وانتهزت ذلك لضربها، لا يزال يملك إمكانيات عسكرية حسبما سبق وأُعلن عنه. فضلًا عن أن عدد قواته كبير ومدرب جيدًا في معارك ميدانية صقلت مهارات تلك القوات، مما يمكنه من تعويض القيادات التي رحلت أو بعضها، ولعل في تجديد دماء القيادات دفعة للأمام بشكل أو بآخر. ومن هنا، فإنه لا ينبغي تضخيم ما حدث، خاصة إذا علمنا أن الإعداد لتفجيرات البيجر وأجهزة الووكي توكي في بيروت استغرق ما يزيد على عشر سنوات، وتعاونت فيه أجهزة مخابرات أخرى مع الموساد الإسرائيلي، وأنه ليس حدثًا سريعًا أو تم بالصدفة. ومن جانب آخر، فإن عملية اغتيال المناضل الفلسطيني يحيى عياش عام 1987 تمّت بتفخيخ هاتفه المحمول الذي تم تفجيره في رأسه عندما تم الاتصال به، وكانت هذه هي أول عملية من نوعها في ذلك الوقت، مما فتح المجال للتفكير في تكرارها بشكل أكثر تطورًا في التأثير واتساع المدى الذي يمكن استخدامه فيه، وهذا ما يفسر العدد الكبير من المصابين، نحو ثلاثة آلاف مصاب، وعدد محدود من القتلى. ولعل الأيام القادمة توضح قدرة حزب الله، الذي أكّد على استمرار معركة إسناد غزة حتى تتوقف الحرب، التي يبدو أنها ستتواصل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم. وفي الفترة القادمة، فإن التصعيد سيتواصل، وليس اليوم كالأمس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الأقل حزب الله وهو ما
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية