دعم دخل الأسرة .. أمان واستقرار أسري
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
تعد الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات، ومحركًا فاعلًا لأفراده، وساعدًا متينًا لتقويته وصلابته أمام المؤثرات والمتغيرات التي تحيط به. ولما كان الإنسان هو المورد الذي لا ينضب للمجتمعات، كونه العامل الرئيس الذي تستقيم عليه جميع العلاقات بين مفردات الحياة ومكوناتها وثرواتها ومواردها، بات من الضروري استمرار تقوية الأسرة ماديًا واجتماعيًا؛ لتواصل نهجها المأمول والمتوقع في التصدي لكافة التهديدات التي تحيط بالمجتمع وتهدد استقراره، وتشق وحدته، وتشتت أفكاره، وتضرب قيمه، وتربك مبادئه.
ولاستمرار ضمان تماسك أفراد المجتمع، وإبعاد المخاطر التي تهدد ترابطه وتضعف أفكاره وآراءه وتشتت توجهاته، لا بُدّ من تقديم الدعم المتواصل على المستويين التوعوي والمادي للأسرة، لتظل هي الحاضنة لأفرادها وتعالج مشكلاتها المادية، وتنشغل عن الأفكار الضالة التي تدفعها لتبني وجهات نظر وردود فعل سلبية بهدف الحصول على ما يغطي نفقاتها واحتياجاتها. وإن كان الأفراد لا يسعون إلى الإضرار بالمجتمع ككل، إلا أن التفكير في الجوانب المادية كثيرًا، يدفع البشر تلقائيًا إلى تبني آراء غير متزنة فكريًا ولا يكتنفها العقل والمنطق، بسبب التركيز الكبير على الجانب التكميلي في الحياة وليس الجانب التكويني القيمي الذي فُطر عليه الإنسان. فالأسرة بمكوناتها لا يمكن أن تتكامل ماديًا بين عناصرها دون وجود مصلحة بينهم، وهي حقيقة تتبناها العلوم الاجتماعية على أقل تقدير، إذ تحتضن هذه العلوم بين نظرياتها وفلسفاتها أن العلاقات الإنسانية تقوم على القيم والمصالح لعلاقتها التشابكية، فلا القيم يمكن الاستغناء عنها في ظل وجود المصالح في العلاقات، ولا المصالح يمكن الاستغناء عنها في ظل وجود القيم في العلاقات ذاتها، وفي حال تراجع مستوى العلاقات بين القيم والمصالح؛ فإن هناك خطورة بالغة يترتب عليها تفوق المصالح على القيم؛ لأن الفرد مفطور على القيم أكثر من المصالح، مما يهدد أمنه واستقراره.
في سلطنة عُمان، تحظى الأسرة بدعم كبير على كافة المستويات، خاصة بعد إقرار منفعة دعم دخل الأسرة ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، وأصبح لهذا الكيان المجتمعي أمان واستقرار مادي واجتماعي ساعد على تلبية متطلبات احتياجاتها اليومية، وحمى أفراد الأسرة من تهديد تماسكها وتعرضها للمشكلات الاجتماعية مثل الطلاق، والسرقة، وانحراف السلوكيات، والأفكار الضالة، وإيذاء الآخرين، فالأسرة في سلطنة عُمان محور اهتمام الحكومة، لتبقى كيانًا قويًا يواجه التحديات والمخاطر المجتمعية بحزم وقوة في حال وجود إرادة أسرية فاعلة.
وبفضل الله، وبالقيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- أصبح للأسرة دخل يمثل قوة مالية للحفاظ عليها، ويعينها على ترتيب أولوياتها وخططها لتحديد نفقاتها من الاحتياجات اليومية. ويبقى الدور الآن على المعنيين بدراسة واقع الأسر بعد صرف منفعة دعم دخل الأسرة ومدى قدرتها على الوفاء بمتطلباتها اليومية واحتياجاتها الضرورية، عبر إعادة تفعيل المرصد الاجتماعي في مركز البحث العلمي سابقًا؛ بهدف معرفة أثر المنفعة على رفاهية الأسرة في سلطنة عُمان. من المهم أيضًا أن يتم دراسة السلوك الأسري في نفقاتها الشهرية، بهدف الوقوف على بعض السلوكيات الخاطئة التي تعيق الأسرة ماديًا واجتماعيًا من ممارسة حياتها اليومية جيدًا، مع إمكانية توجيه سلوكياتهم نحو الاختيارات الصحية التي تعالج التحديات المالية التي يتعرضون لها نتيجة اختيارات خاطئة، ويتم ذلك بالتعاون مع وحدة الاقتصاد السلوكي بوزارة الاقتصاد.
لقد كان لمنظومة الحماية الاجتماعية التي أرساها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- دورٌ كبير في حماية الأسرة العُمانية من تأثيرات القرارات المالية التي اتخذتها الحكومة خلال السنوات الماضية للتعامل مع التحديات المالية والاقتصادية التي تأثرت بها سلطنة عُمان.
إن دعم دخل الأسرة في سلطنة عُمان أخذ منحى إيجابيًا ومتطورًا خلال السنوات القليلة الماضية بفضل التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه-، عبر استحداث منفعة لدعم دخل الأسرة ضمن منظومة الحماية الاجتماعية ومنافع أخرى داعمة لدخل الأسرة، مثل منفعتي كبار السن والطفولة، التي ساعدت كثيرًا في ديمومة الدعم المالي للأسرة، فالاهتمام لم يقتصر على البرامج التوعوية والإرشادية للأسرة، وإنما بات لهذا الكيان الاجتماعي دخل مستقل يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية المحيطة، فالأسرة الكيان المجتمعي المهم، أصبح يمثل اهتمامًا محوريًا لمتخذي القرار للنهوض به وبأفراده، وتلبية متطلباته الأساسية والضرورية ليبقى كيانًا قويًا صلبًا أمام التحديات، خاصة المالية، مما ساعد على تخصيص مبالغ كبيرة لمنفعة دعم دخل الأسرة في الميزانية العامة للدولة بقيمة 72 مليون ريال عُماني، بفضل التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الموقر الخميس الماضي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دعم دخل الأسرة الأسرة فی
إقرأ أيضاً:
خطورة أداء العبادات التي تتضمن المشقة على الكبار والمرضى
العبادات.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الإسلام يحافظ على وحدة المجتمع بكلِّ تنوُّعاتِه، خاصةً في أداء العبادات، وإذا كان أداء الكبار لهذه العبادات قد يتضمَّنُ مشقَّةً وكُلفَةً فإنَّ الرَّسول ﷺ نبَّهَ إلى خطورةِ الأفعال التي تؤدِّي إلى حرمانهم من نَيْلِ ثواب حضور الجماعات وتحوُل دونَ اجتماعهم لأداء هذه العبادات، مثل الإطالة في الصلاة، التي ترهق الكبار والمرضى والضعفاء.
أداء العبادات:قال ﷺ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» أخرجه البخاري.
العبادات والطاعة:
تُعَدُّ الطاعة والانقياد لله سبحانه وتعالى واتباع أوامره من الأمور اللَّازمة لشخصية المسلم؛ فالمسلم يدرك أنه مخلوقٌ لله جلَّ وعلا، وأن مقتضى العبودية لله أداء ما افترضه الله عليه، واجتناب ما نهى عنه، والتقرُّب إليه بشتَّى أنواع العبادات والفضائل.
فضل الطاعة لله تعالى:
ووقيام المسلم بطاعة الله سبحانه وتعالى وأداء واجبات العبادة؛ هو سبيله إلى التَّحرُّر من العبودية لغير الله، وحينئذٍ يتحقَّق بالمعنى الحقيقي للحرَّية، فلا يتحكَّم فيه شيءٌ من المخلوقات أو الشَّهوات أو نفسه؛ لأنه لا يخضع لغير الله.
والإنسان في هذا المسعى إنما يمارس جهادًا عظيمًا مع نفسه؛ ليردعها عن الخضوع للشهوات والتعلق بالله الواحد لا شريك له، وعلى قدر هذه المشقة التي يكابدها الإنسان في التحقق بفضيلة الطاعة والانقياد والخضوع لله؛ يكون الجزاء العظيم من الله عز وجل، يقول الإمام الغزالي: [وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي، كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي، والمعاصي كلها في تركها تعبٌ، وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس، وهي غايةُ التعب] اهـ.
وبيَّن الله تعالى أن طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم سبيل الفوز الحقيقي؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 53].
العبات في السنة النبوية الشريفة:
وأثنى الله تعالى على من يطيع رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وجعل طاعة الرسول من طاعة الله؛ قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80]، كما أكَّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا المعنى حين قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى». قالوا: يا رسول الله، ومَنْ يأْبَى؟! قال: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه البخاري.
والطاعة بين الناس تكون في المعروف والخير، فلا يجوز لأحد أن يطيع غيره في معصية لله عز وجل؛ فعن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وأمَّرَ عليهم رجلًا من الأنصار، وأمَرَهُمْ أن يطيعوه، فغضب عليهم، وقال: أليس قد أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمتُ عليكم لما جمعتم حطبًا، وأوقدتم نارًا، ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبًا، فأوقدوا نارًا، فلما هَمُّوا بالدخول، فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فِرارًا من النار؛ أفندخلها؟! فبينما هم كذلك، إذ خمدت النار، وسكن غضبه، فَذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» رواه البخاري.
العبادات وطاعة الله تعالى:
وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ۞ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151-152]، ولكن إذا تمَّ الإكراهُ على المعصية بصورةٍ جديَّةٍ وغلب على ظنِّ المكرَه أن المكرِهَ سيقوم بتنفيذ تهديده، فإنه يرخَّص للمرء أن يفعل المعصية في أدنى درجاتها؛ تخلُّصًا من إكراه المكرِه، واستثنى الشَّرع من ذلك الإكراه على القتل والزنا، لأنه ليست نفس أوْلى من نفس، فلا يجوز للإنسان أن يطيع من يكرهه في ارتكاب فعل القتل أو الزنا حتى لو غلب على ظنه أو تأكَّد أن المكرِه سيزهِق روحَه، فلا يجوز له أن يضحي بغيره من أجل أن ينقذَ نفسه؛ لأنه ليس أولى من غيره.
الآثار المترتبة على الطاعة وأداء العبادات
وللطاعة وأداء العبادات آثارٌ إيجابيَّةٌ كثيرة في المجتمع المسلم؛ فطاعة الله ورسوله تمنح المسلمين الفوز والفلاح والنجاة في الآخرة فضلًا عن الدنيا، وتأتي بعد ذلك طاعة أولي الأمر فيما لا يخالف ما أمر الله ورسولُه به؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، فبهذه الطَّاعة تنتظم أمور المجتمع المسلم، ويتحقق الحفاظ على قوَّة المجتمع وتماسكه، ولا يقع في الفوضى والاضطراب الذي يشوِّش الأفكار ويقسم المجتمع ويثير العداوة والبغضاء بين أفراده.
ومن ذلك أيضًا طاعة القوانين واحترام النظام العام في المجتمع؛ فإن ذلك يؤدي إلى انتظام سير شؤون الحياة وتحقيق الغاية من وضع هذه القوانين والنُّظُم، ووصول الحقوق إلى مستحقيها، وعدم الإضرار بالأبرياء، وكذلك طاعة العلماء والمتخصصين في مجالاتهم يحقق للمجتمع أمنه وأمانه، حين يحصل المريض على دوائه من الطبيب، والسائل على جوابه من أهل الاختصاص في مجال سؤاله، فلا يكون لادِّعاء العلم مجال في المجتمع المسلم؛ فلا تنتشر الخرافة، ولا يسود الجهل.