تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق جيورجى بوريسينكو سفير جمهورية روسيا الاتحادية فى حوار الساعة مع “البوابة نيوز”:

النظام الأوكرانى عنصرى.. ويروج لأفكار هتلر النازية والحديث عن تدخل روسى فى الانتخابات الأمريكية ادعاءات غبية وأكاذيب

 



حل السفير جيورجى بوريسينكو سفير جمهورية روسيا الاتحادية ضيفًا عزيزًا على صالون «البوابة»، فى حوار شامل أجاب فيه عن العديد من القضايا السياسية والدولية والعلاقات بين روسيا ومصر ودور البلدين وجهودهما فى السعى نحو نزع فتيل الحرب المشتعلة فى العديد من مناطق العالم.


كان فى استقبال ضيف الصالون داليا عبدالرحيم رئيس تحرير جريدة وموقع البوابة نيوز والدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتخصصة فى الشئون الروسية، والكاتب خالد عبدالرحيم نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة والعضو المنتدب، وأبوالحسين غنوم رئيس القسم الدبلوماسى والمترجم أيمن منتصر، واستمر اللقاء نحو ساعتين تقربيا حيث أجاب سعادة السفير عن جميع الأسئلة المطروحة عليه، وكان هذا الحوار.

 

سعادة السفير دعنا فى البداية نسأل عن آخر التطورات العسكرية فى مدينة كورسك الروسية؟


- إن ما يحدث فى مدينة كورسك الروسية من قبل القوات الأوكرانية أمر غير مقبول، ويُظهر مدى الوحشية والاستعداد للقيام بعمليات إرهابية ضد موسكو، والقوات الأوكرانية والمرتزقة الأجانب دخلوا بعمق ١٢ كيلو مترا داخل الأراضى الروسية بعرض ٤٠ كيلو مترا.
واستولت القوات الأوكرانية على المناطق السكنية فى كورسك ونفذت عمليات وحشية ضد السكان، وأخلت القوات الروسية بعض المناطق السكنية التى احتلت من قبل القوات الأوكرانية فى شهر أغسطس، وروسيا لا تقوم بأى عمليات عسكرية كبرى فى كورسك للحفاظ على حياة المدنيين فى المناطق السكنية، وتقوم موسكو بالضغط على الجنود الأوكرانيين بطريقة هادئة، لإخلائهم من المناطق السكنية.
التطورات العسكرية تدفعنا للسؤال عن إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
- قامت روسيا بإعداد عمليات استفتاء فى المناطق التى سيطرت عليها فى أوكرانيا، وضمت هذه الأراضى لروسيا الاتحادية، وبذلك تعتبر هذه المناطق روسية مثلها مثل منطقة كورسك، وتعمل روسيا حاليًا على تحرير جميع الأراضى الروسية من المسلحين الأوكرانيين، وإبعادهم عن المناطق الروسية بعمق كبير، حتى لا يكونوا قادرين على ضرب الأراضى الروسية.
ولا شك أن إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة أمر وارد، وأوكرانيا تحصل على أسلحة من الغرب، ولهذا يُعتبر الغرب فى حالة نزاع مع موسكو.


ما شروط موسكو لوقف الحرب على أوكرانيا؟


- أوكرانيا تريد الحصول على تصريح من الغرب بضرب العمق الروسى بأسلحة بعيدة المدى التى حصلت عليها من الغرب، وهذا يوضح أن الغرب يُحارب روسيا بشكل مباشر، والجيش الأوكرانى بمفرده لا يستطيع استخدام الأسلحة بعيدة المدى دون الاستعانة بالغرب، خاصة أن المعلومات الاستخباراتية لتوجيه هذه الأسلحة لضرب العمق الروسى لا يمكن أن تحصل عليها كييف إلا بمساعدة الغرب، وفى حال استخدام هذه الأسلحة فهذا يعنى أن الغرب شارك فى الحرب ضد روسيا بشكل مباشر من خلال الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية.
وأوضح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين جميع شروط موسكو لوقف العمليات العسكرية فى كييف، ومن هذه الشروط الخروح من الأراضى الروسية بالكامل، والأراضى الروسية لا تشمل فقط كورسك، ولكن الأراضى التى ضُمت لموسكو حديثًا بعد الاستفتاء الذى نظم مؤخرًا.


كيف نتوصل إلى سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا؟


- أوكرانيا يجب أن تكون دولة مُحايدة فى العلاقات مع موسكو لوقف الحرب على كييف، وهذا يتحقق من خلال نزع التسليح من الأسلحة الثقيلة، وبعيدة المدى التى من الممكن أن تضرب الداخل الروسي.
إن نظام التعليم فى أوكرانيا يحمل أخطارا عنصرية ضد روسيا، مع العلم أن كييف كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وحاربت مع السوفيت ضد النازيين، ونظام التعليم فى كييف يُعلم الأطفال الفكر النازي، ويمدح أدولف هتلر، ويحث على قتل الروس، ليس هذا فقط، بل يمنع تعليم اللغة الروسية فى المدارس.
وقدمت روسيا ٥ عروض خلال ١٠ سنوات لأوكرانيا والدول التى تُساند كييف، وكانت هناك مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما لعدم مساعدة الانقلاب فى كييف، ورغم ذلك دعمت أمريكا العنصريين الأوكران فى الانقلاب الذى حدث فى هذا الوقت، وبعد هذا الانقلاب رفضت جزيرة القرم أن تكون جزءًا من الأراضى الأوكرانية، وانضمت إلى روسيا، خاصة أن العنصريين الأوكران عندما وصلوا إلى السلطة تحدثوا عن منع استخدام أو التحدث باللغة الروسية. 


هل لهذه الأسباب فقط اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية؟


- لقد طلبت الحكومة الروسية من الولايات المتحدة والناتو ضرورة عدم توسيع حدود الناتو قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لضمان حماية الحدود الروسية، ولكن أمريكا رفضت هذا الأمر، وكانت نتيجة هذا الرفض ضم القرم والدونباس وبعض المناطق الأخرى إلى الأراضى الروسية، مع العلم أن موسكو كانت مستعدة لاستمرار هذه الأراضى تحت سيادة أوكرانيا، ولكن الوضع الآن اختلف، وتُحارب موسكو لتحرير هذه الأراضى من القوات الأوكرانية.
وتُشير الأمور إلى استمرار العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا خلال الفترة المقبلة، واستمرار العملية العسكرية يتوقف بالدرجة الأولى على قرار الغرب، لأن كييف لا يُمكنها أن تستمر فى الحرب دون الدعم الغربى الذى يُريد من كييف القتال حتى آخر أوكراني، ويستخدم حلف الناتو أوكرانيا كأداة لمحاربة موسكو، والناتو على استعداد للتضحية بكامل الشعب الأوكرانى فى الحرب الروسية الأوكرانية بهدف إضعاف موسكو.


ما تعليقك على اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية لروسيا بالتدخل فى الانتخابات؟


- إن الولايات المتحدة الأمريكية تتهم روسيا بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية منذ عام ٢٠١٦، وهذا الأمر حدث من خلال مجموعة هيلارى كلينتون الانتخابية للإضرار بدونالد ترامب فى العملية الانتخابية، وهذه الأكاذيب مستمرة من قبل الديمقراطيين خلال هذه الفترة، ولا يوجد دليل واحد على هذه الاتهامات أو الأكاذيب أو التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية.
وتعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن روسيا تتدخل فى الانتخابات الأمريكية، لأنها تقوم بهذا الأمر فى الكثير من الدول، ولهذا لديها القناعة بإمكانية أن تقوم موسكو بنفس هذا الأمر، والمواطن البسيط يعلم بأن هذه الادعاءات الغبية مجرد أكاذيب من الإدارة الأمريكية، وإذا افترضنا أننا تدخلنا فى الانتخابات الأمريكية فهذا أمر نفتخر به.


هل هناك أى جهود روسية ملموسة لتهدئة الصراع وتحقيق السلام بين الأطراف المعنية؟


-إن روسيا على استعداد للتعامل مع أى رئيس أمريكى سيتم انتخابه خلال الفترة المقبلة، ودونالد ترامب عندما كان رئيسًا صرح بأنه سيقوم بإصلاح العلاقات مع روسيا التى ضعفت فى عهد أوباما، ولكنه لم يستطع ذلك، والعلاقات مع أمريكا فى عهد ترامب كانت سيئة جدًا، وروسيا على قناعة بأن جميع الأهداف الروسية يجب أن تحدث من خلال القدرات الروسية الخاصة، سواء من خلال العمليات العسكرية أو أى عمليات أخرى من خلال التطور الاقتصادى أو أى أشياء أخرى.


لماذا لا تدعم روسيا الجهود المصرية والعربية فى إيقاف الحرب على قطاع غزة؟ 


-تدعم روسيا الجهود المصرية والعربية فى إيقاف الحرب على قطاع غزة والضفة العربية، ووزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف شدد على ضرورة وقف إراقة الدماء فى هذا الصراع، فروسيا من أوائل الدول فى مجلس الأمن التى تقدمت بمشروع قرار لوقف إطلاق النار فى غزة، ولكن هذا القرار عُطل من قبل الدول الغربية مثل أمريكا وفرنسا.
ما سبل تحقيق وقف الحرب فى غزة؟
-الدعم الأمريكى لدولة الاحتلال أمر واضح للجميع فى الحرب على قطاع غزة، وأمريكا قدمت بعض المبادرات لوقف الحرب، ولكن دون أى نتائج على أرض الواقع، وروسيا ستتعاون مع المجتمع الدولى للضغط على الجهات التى تدعم دولة الاحتلال فى الحرب على قطاع غزة، من خلال التعاون مع الدول العربية، وهذا ما تم الإعلان عنه خلال المنتدى الروسى مع الدول العربية فى المغرب، وأمريكا هى الدولة الوحيدة القادرة على وقف الحرب فى قطاع غزة، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد ذلك، والوضع يسوء بشكل مستمر، وما يؤكد ذلك ما حدث فى لبنان من انفجار أجهزة لاسلكية فى أيادى حامليها وداخل المنازل.


هل موسكو راضية عن تطور العلاقات المصرية الروسية ؟


-موسكو راضية عن تطوير العلاقات المصرية الروسية خلال الفترة الراهنة، والعلاقات كانت قوية جدًا فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وخلال الفترة الحالية نعود إلى نفس المستوى من العلاقات بين القاهرة وموسكو فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وستكون محطة الضبعة النووية التى تنفذها روسيا أحد أبرز أوجه التعاون المصرى الروسى بصورة مُماثلة لإنشاء السد العالى فى أسوان، والقدرة الكهربائية لمحطة الضبعة ستكون أضعاف ما ينتجه السد العالى فى أسوان.
وهناك مشاريع لروسيا فى القاهرة مثل مشروع المنطقة الروسية فى إقليم قناة السويس، والتأسيس للمنطقة الروسية فى قناة السويس لا يتم بشكل سريع، وننتظر أن ينظر البرلمان المصرى للاتفاقية المعنية بهذه المنطقة، وهناك ٥٠٠ شركة ومصنع روسى تتعامل بشكل تجارى مع مصر، كما أن التعاون الروسى المصرى واضح جدًا فى تطوير قدرات الجيش المصري.
كيف ترى العداء الأمريكى لبلادكم وسر مواقفها المعادية لروسيا الاتحادية؟
-أمريكا تُريد مواصلة التحكم فى العالم، وهذا واضح من دعهما أوكرانيا لمحاربة وإضعاف روسيا، لأن موسكو منافس للولايات المتحدة، والعالم لن يعود إلى سابق عهده خلال وجود الاتحاد السوفيتي، خاصة أن العالم خلال هذه الفترة يتحول إلى عالم متعدد الأقطاب، وهناك قوى ظهرت لديها تأثير قوى فى الكثير من المناطق مثل البرازيل والهند والصين، ومنظمة البريكس التى انضمت إليها مصر حديثًا مثال لشكل العالم مُتعدد الأقطاب، خاصة أن الدول المنضمة لهذه المنظمة إما دول إقليمية وإما دول لديها تأثير فعال على الساحة العالمية، وهذا على عكس مجموعة السبع التى تحت تأثير الولايات المتحدة، وليس لديه أى دور فى العالم. 


ما رأيكم فى دور مصر فى نزاعات الشرق الأوسط؟


-هناك دول عربية سيكون لديها دور كبير على مستوى العالم خلال الفترة المقبلة، ومن هذه الدول مصر التى تملك الكثير من الإمكانيات للقيام بدور محوري، وحل النزاعات الدولية لا يكون بالتمني، ولكن من خلال التعاون مع العديد من الدول، لإيجاد حل لهذه النزاعات، ويدعم الموقف الروسى الموقف المصرى حول النزاعات الحادثة فى الشرق الأوسط، وروسيا تتعاون مع مصر فى مواجهة الإرهاب فى ليبيا الذى لم يعد قادرًا على الاستحواذ على جميع الأراضى الليبية، ونبذل جهودًا كبيرة مع الجانب المصرى لتوحيد الأراضى الليبية من خلال إعداد انتخابات ليبية، لإيجاد برلمان موحد لليبيا.


هل تتفهم موسكو مدى تأثير الحرب فى السودان على مصر؟


-تشعر موسكو بمعاناة الشعب السودانى بسبب الحرب الأهلية فى السودان، وتتفهم موسكو مدى المشاكل التى تنعكس على مصر بسبب هذه الحرب، ونسعى لإيقاف العمليات العسكرية فى ليبيا والسودان فى أسرع وقت ممكن، وموسكو تدخلت لمساندة النظام الشرعى فى سوريا فى ٢٠١٥، فى ظل الدعم الغربى للجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات لتغيير النظام السوري، وداعش عندما كانت تُقاتل الجيش السورى فكان هذا على هوى الأمريكان، وبعد قتال داعش لبعض المواطنين الأمريكان صنفت الولايات المتحدة داعش كجماعة إرهابية.
إن معظم الأراضى السورية حتى الآن محتلة من قبل الغرب والولايات المتحدة حتى هذه اللحظة، ويستغل الاحتلال الغربى الموارد السورية لمصالحه الشخصية، متمنيًا تسوية النزاع فى سوريا، ولكن للأسف أمريكا تُعطل أى جهود لتسوية هذا النزاع أو أى مساعدات تقدم لدمشق، وتحدث الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما عن ضرورة أن يترك الرئيس السورى بشار الأسد السلطة، لكن هذا لم يحدث، ويسعدنا أن أوباما "هو الذي ترك السلطة، وبشار الأسد ما زال فى السلطة".

IMG_20240923_212511 selfiecamera_2024-09-22-22-42-48-296 selfiecamera_2024-09-22-22-41-06-229 selfiecamera_2024-09-22-22-40-46-158 Screenshot_20240922_224256 selfiecamera_2024-09-20-19-27-09-283 IMG_20240920_200023 FB_IMG_1726685953928 snapedit_1726657322403

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الانتخابات الامريكية التعاون المصري الروسي الحرب على قطاع غزة الحرب في السودان السفير الروسي بالقاهرة العلاقات بين روسيا ومصر كورسك الروسية جيورجي بوريسينكو روسيا الاتحادية روسيا وأوكرانيا الحرب على قطاع غزة القوات الأوکرانیة العملیات العسکریة الولایات المتحدة المناطق السکنیة روسیا الاتحادیة خلال الفترة الروسیة فى هذا الأمر فى الحرب من خلال خاصة أن فى عهد رئیس ا التى ت من قبل

إقرأ أيضاً:

الكاتب والمفكر والروائي محمد داوود لـ«البوابة نيوز»: المثقف الرجعي يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

محمد داوود كاتب ومفكر مصرى وروائى يحارب بقوة من أجل نشر الحداثة والعلمانية، صدرت له روايات: قف على قبري شويا، والسما والعمى، وفؤاد فؤاد، وأمنا الغولة، وبار أم الخير، وصخرة بيتهوفن، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان: نصف كيلو عدس أصفر، فضلًا عن مقالات ودراسات نشرت فى الدوريات  والصحف ومواقع الإنترنت المختلفة.. ومؤخرا شن الدكتور محمد حملة على المثقف الرجعي. 

وحذر من توحش الرجعية التى تلتهم الواقع قطعة قطعة، وأكد أن هناك كثيرين يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون فى ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى ، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية. 

عن هذه النوعية من المثقفين وخطورتهم دار هذا الحوار لـ “البوابة نيوز”..

 محمد داوود: المثقف الرجعى يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية
■ كنت أول من أثار قضية المثقف الرجعي، فما تعريفك للمثقف الرجعي؟

 هو المثقف الذى يدعم الرجعية الدينية، هناك قلة لديها القدرة على التبجح بتبرير مواقفها بنصوص دينية صريحة، لكن الفئة الأخطر من المثقفين تتقنع بالرطانة التى قد تكون أكاديمية، تصدر فى الواجهة خطابًا يبدو عقلانيًا، وتنتهى دائمًا فى مواقفها إلى تحقيق المرادات الدينية الرجعية، فيدعمون الهيمنة الدينية الرجعية على العقل والحياة.
بهذا هم يقدمون قشرة، مجرد طلاء، أو ظاهر عقلانى لجوهر خرافى لا عقلاني، وعند مواجهتهم ينكرون؛ لأنهم غالبًا يفعلون ذلك بدوافع عميقة نتيجة التأسيس والتلقين منذ الصغر فى واقع عليه هيمنة دينية رجعية صاغت مناهج التعليم والثقافة بل والعادات والتقاليد واللغة، ضمن استلابها الشامل للعقل والوجدان فى مصر ١٤٠٠ سنة متصلة.
من هنا اقترحت تسميتهم مثقفى الحُشاشة الدينية (بضم الحاء)؛ حيث تكون "الحوشاشة" هى الداخل العميق المؤثر بقوة ولكن دون أن يرى، ولتوضيح معنى الحُشاشة، نستعيد قول الشاعر:
يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني.
يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني
واصلتنى حتى ملكت حُشاشتي
ورجعت من بعد الوصال هجرتني


■ كيف تجتمع الثقافة بما تعنيه من حداثة مع الرجعية؟

 قد يجرنا هذا السؤال إلى تساؤلات أخرى تدور حول إجابتها خلافات كثيرة مثل: من المثقف؟ ومن المتعلم؟ وما الفارق بينهما؟.
ومن دون الخوض فى كثير من التفاصيل يمكن القول إن المتعلم هو الذى حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلًا على شهادة جامعية، لكن هذا لا يعنى أنه مثقف، بل هو فقط متعلم.
أما المثقف، فهو شخص لديه من الإدراك ما يكفى لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع، والأصل أنه ربما يكون ممن لم ينالوا حظًا وافرًا من التعليم، لكن الغالب فى مصر أن المثقفين متعلمون، ولديهم شهادات جامعية، الإشكال الكبير أن التعليم عندنا مستلب رجعيًا، وينتج مجندين فى خدمة الهيمنة الدينية الرجعية على الحياة.
ومن هنا تنشأ مفارقة المثقف الذى يقع فى صراع بين ما تلقنه وتعلمه وشكل حُشاشته من جهة، وما أدركه بالاطلاع وبالتجربة ومن خلال شروط الواقع من جهة أخرى، ويحل ذلك الصراع بأن يخدم الحُشاشة ويطمئنها بالوصول للمراد الرجعي، دون المرور بـ"قال الله قال الرسول"؛ حيث إنه من غير المنطقى تأسيس المواقف على تبريرات دينية صريحة من شخص متعلم ومثقف ليس شيخًا فى الظاهر. 
كثيرون مثلًا يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى فوق بعير، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية. 


■ هل هى خلطة مصرية أم ظاهرة عالمية وعربية؟

 أظن مثقف الحُشاشة الدينية ظاهرة مصرية أساسًا، مع التسليم بأن هذا ظن ضعيف وحظه من الإصابة قليل لأنى لم أطلع على كل التجارب فى العالم كله. لكننا نعلم أن هناك عالميًا أشكالًا مختلفة من دعم الرجعية الدينية، أو لنقل الخرافة العربية القديمة، بأسباب ودوافع كثيرة كما يفعل كثير من الأطياف وفئات فى اليسار الغربي.


■ كيف يستطيع القارئ أن ينجو من فخ المثقف الرجعي؟

 هذا صعب، لكن فى العموم المراد الدينى الرجعى معروف من كل القضايا، ولكل إنسان بروفايل فكري، يعنى صورة كلية تجمع مجمل مواقفه واختياراته وقراراته.
عندما نجد أن ذلك المثقف ينتهى عادة -وربما دائمًا- لتحقيق المراد الدينى الرجعي، فهو داعم للرجعية الدينية حتى ولو لم يقل "قال الله قال الرسول"، ولو كان غير ملتزم طقسيًا أو عقائديًا، بل لو كان مختلفًا فى العقيدة.


■ إذا اتخذنا الدكتور خالد فهمى نموذجا لماذا تحكم عليه بكونه مثقفا رجعيا وما أدلتك على ذلك؟

 فى البداية لاحظت الظاهرة أن كثيرًا من المثقفين يدعمون الرجعية الدينية ربما بدون وعي، وحاولت أن أجد تفسيرًا مناسبًا، اقترحت أنهم يحلون الصراع الداخلى أو التنافر المعرفى بين التلقين التأسيسى أو التنشئة على مفاهيم وقوالب تفكير تحتية دينية رجعية، يعنى "حُشاشة" دينية من جهة، واطلاع وواقع وتجارب متناقضة مع تلك المفاهيم من جهة أخرى.
واجهت صعوبة كبيرة فى شرح الفكرة؛ ربما لأنها مجردة؛ وكنت أتجنب ذكر أمثلة فى البداية، ثم فكرت فى التغلب على تلك الصعوبة بتجسيد اقتراحى فى ثلاثة نماذج معروفة كأمثلة تطبيقية، تناولت أفكارهم ومواقفهم واجتهدت فى إسقاط الأقنعة عنها؛ للكشف عن جوهرها الدينى الرجعي.
من تلك النماذج دكتور خالد فهمي، تناولت مؤلفاته الرئيسة بالنقد والتحليل، حاولت الكشف عما وراء الرطانة والزخرفة الأكاديمية من التماهى مع المراد الرجعي، مثلًا فى التعاطف غير العادى مع الدولة العثمانية واحتلالها لمصر، والكراهية الشديدة للحداثة، والغرب تحت عنوان ظنى هو محض رطانة يقال لها رفض المركزية الأوروبية.
وكذلك كراهية تجربة الدولة الحديثة فى مصر لدرجة شيطنتها هى ومؤسسها محمد علي. أصدقاء ومفكرون آخرون شاركونى العمل مثل سعيد شعيب ومؤمن سلام. 
ربما ينبغى هنا التأكيد على أن للجميع كل الاحترام على المستوى الشخصي، وقد ابتعدتُ دائمًا عن التناول الشخصي، المسألة هى الأفكار، ورغم ذلك فقد غضب كثير من المثقفين، وتناولونى بشكل شخصي.
بما يشير لعجزهم عن قبول الاختلاف، وخضوعهم لقوالب تفكير دينية رجعية تميل للشخصنة فى الخلافات الفكرية، لعلهم تألموا من اقتراحى عن الحُشاشة الدينية؛ لأن لديهم مثلها، بعضهم أصدقاء للدكتور خالد.
ربما يجاملونه بمنطق الشلة، وبعضهم يتوقعون منا أن نتعامل معه مثلهم كصنم فوق النقد. وشارك فى استهدافى بعض من أبناء اليسار الرجعي، أو من تكونت عقولهم فى ظل هيمنة قيادات يسارية رجعية لعقود طويلة على الخطاب الثقافى الإبداعى والنقدى فى مصر.


■ كيف يتوافق ذلك مع ما يقدمه من شكل علمى أكاديمي؟

 على الدكتور خالد فهمى نفسه أن يجيب عن هذا التساؤل، هذا إن امتلك شجاعة مصارحة الذات، إنه يفرض توجهاته الأيديولوجية الخاصة على ما يقدمه كأبحاث أكاديمية يفترض قيامها على مناهج علمية.
هذا الفرض الأيديولوجى المسبق على البحث يطيح بعلمية المنهج. من أراد عرض وجهة نظره فيمكنه كتابة مقال رأى كما أفعل شخصيًا. وفى لقاء معه فى النت قال إنه منحاز، ولا يوجد ما يسمى الموضوعية.
وفى ظنى هو مخطئ فى فهمه للموضوعية فى البحث العلمي. العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلوم الاجتماع مختلفة عن العلوم الطبيعية مثل الرياضيات والفيزياء، نعم قد لا يستطيع الباحث فى العلوم الإنسانية التخلص من انحيازاته التى قد ترتبط بتكوينه وتلك أشياء لا يد له فيها.
ونحن لا نطلب المستحيل، ولا نفترض أن يكون مثاليًا خاليًا من كل خطأ وعيب، الموضوعية غير موجودة بالفعل بشكل كامل فى غير العلوم الطبيعية، لكن يظل بالإمكان أن يترفع الباحث عن الفرض القسرى والمتعمد على بحثه.
ألا يفعل كما يفعل دكتور خالد فهمى حين يخلط الرؤيوى بالمعرفى مع إخضاع المعرفى للرؤيوي، فيقوم -مثلًا- بانتقاء الوثائق والمواقف التاريخية التى توافق هواه الأيديولوجي، ثم يقوم بقراءتها بشكل تعسفى لكى توافق ذلك الأيديولوجي. 


■ ما خطورة هذا النوع من الثقافة؟

 نواجه فى مصر تغولًا للخرافة الأعرابية القديمة، وتزايدًا فى هيمنتها على العقل والتهامها للحياة. هذه الخرافة فى عداء مع الحداثة وكل تمثلات العقل فى الواقع، خاصة فكرة الدولة الحديثة والغرب والعلم.
الخطر أن ذلك الشخص الموصوف بالمثقف يسخَّر إمكاناته فى إعادة إنتاج الرجعية أى مفاهيم الخرافة العربية القديمة وتصوراتها ومراداتها، مع تسويغ مراراتها، وضلالاتها، وتزويقها، وتغليفها، وطلائها بقشرة تبدو عقلية، وتسويقها بالمغالطات المنطقية، والمراوغة، والحيل البلاغية، والرطانة. 
الخطورة هى أننا نفقد الوعى والثقافة يعنى الأداة الرئيسية التى ينبغى أن تكون معنا للخلاص والخروج من المأزق التاريخى الذى نواجهه، وتصبح تلك الأداة -بفعل مثقفى الحشاشة الدينية- ضدنا فى مواجهة الخرافة التى ضمن عدائها للحداثة وتمثلاتها هى تعادى الفن والمرأة والحضارة بل والإنسانية كلها.


■ هل كما نجحت الرجعية الأصولية فى اقتحام العلوم  الإنسانية، نجحت أيضًا فى اقتحام المجالات الإبداعية من قص وشعر ورواية؟

 الرجعية تلتهم الواقع قطعة قطعة، وقد استطاعت التهام الجزء الأكبر منه، وما زالت تنشط فى ذلك، وقد بلغت حد إعادة إنتاج نفسها من خلال منصات مرفوضة فى الفكر الرجعى أصلًا مثل الفن، وقد تجد من الأعمال الفنية ما يدعم الخرافة والعربية القديمة بشكل مباشر وغير مباشر، ووصل الأمر للتغول على مجالات النقد والإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا.
وحين تلقى نظرة على قوائم الأكثر مبيعا تجد من أبرزها روايات بعضها كتبه متطرفون وأعضاء فى أشكال تنظيمية كالإخوان، وقد تجد منقبات يكتبن روايات يظهرن فيها فتى الأحلام المنتظر سلفى يقوم الليل ويصل الرحم وملتح، إلى آخر الصفات التى تعرفها عن النموذج المطلوب المراد رجعيًا للإنسان الذى يخاصم اللحظة ويعيش اغترابًا خاصًا كأنه قام للتو من رمال ماضى الصحراء العربية. 


■ فى رأيك لماذا سار بعض المثقفين اليساريين سندا ومعاونا للتيار الإسلامي؟

هذا مبحث كبير، هناك فيما يبدو أسس أو أرضية تجمع الفريقين. منذ بدأ الغزو العربى فى حوالى ٦٤٠ ميلادية بدأ تكوين المثل الأعلى وتشكيل جهاز الرؤية الحالى للحياة فى مصر، كلنا ننشأ فى تلك الأرضية المستلبة رجعيًا من قديم.
وهنالك مشتركات تجمع بين الفكر الدينى الرجعى والفكر اليسارى (ذو التوجه الرجعى أيضًا). أولها الكراهية، كراهية المختلف رجعيًا والكراهية الطبقية يساريًا، هنالك فى الرجعية ميل لصالح الفقراء حيث إنهم الأسهل فى التجنيد للغزو الذى يقوم عليه الاقتصاد فى التأسيس الرجعي.
هذا مع تشكيل ذهنية تسول يقابلها فكرة الاستحقاق اليساري، كذلك كلا الفكرين له تركيبة دوجمائية مغلقة، تسعى لتحقيق الجنة على الأرض من خلال تطبيق نموذج ذهنى مثالى انطلاقًا من تلك الدوجما، هذا تشابه بنيوى فى التفكير، يسهل التلاقي، وإن اختلف الموضوع.
هناك تصور خطى للتاريخ فى اتجاه تحقيق الجنة الموعودة، إما بتطبيق ما يقال له شرع الله أو الحتمية التاريخية بانتصار البروليتاريا، والفريقان لديهما التوجه الأممى المعادى لفكرة الوطن أو الدولة الوطنية الحديثة.
هذا يقال له فى الرجعية الدينية بالتعبير الإخوانى أستاذية العالم، كما يجمع الفكرين القابلية للتشكل التنظيمى فى الواقع، ويجتمع الفريقان كذلك على الشمولية وعداء الفردية، وكراهية الغرب وتجربته الحداثية.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الروسية: موسكو ستتحرك حال بقاء الصواريخ الأمريكية في الفلبين
  • ترامب: هاريس لن تكون قادرة على منع اندلاع حرب عالمية ثالثة
  • السفير الروسي: شراكة عسكرية متينة بين موسكو والقاهرة
  • السفير الروسي بالقاهرة: التصعيد العسكري الروسي يعتمد على خيارات الغرب واستمرار دعم كييف
  • السفير الروسي بالقاهرة: تحرير الأراضي الروسية من المسلحين الأوكرانيين أولوية موسكو
  • السفير الروسي بالقاهرة : أمريكا تمتلك القوة لوقف الحرب علي غزة
  • الكاتب والمفكر والروائي محمد داوود لـ«البوابة نيوز»: المثقف الرجعي يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية
  • السفير الروسي بالقاهرة: موسكو تتفهم مدى التحديات أمام مصر بسبب الحرب في السودان
  • السفير الروسي بالقاهرة: ندعم الموقف المصري حول النزاعات الحادثة في الشرق الأوسط