في سبتة قلقون من دروس الهجرة الجماعية.. وفي المغرب معلقون بتحقيق طال انتظاره
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
ينظر الإسبان بقلق إلى ما حدث في 15 سبتمبر على جانبي حدود سبتة، فقد شكّل ذلك الهجوم المذهل نقطة تحول في الحركات التقليدية للهجرة التي أثرت على سبتة. لقد أصبح هذا التحول مهما لأن هناك شيئًا أكبر على المحك.
ما حدث كان خطيرًا للغاية بالنسبة إلى الإسبان لدرجة أن الممثلة العليا للحكومة الإسبانية في سبتة، المندوبة كريستينا بيريز، لم تظهر، خوفًا من تقديم تقييمات خاطئة بشأن حدث قوبل بالصمت من أوربا ورد فعل بسيط من مدريد التي اكتفت بشكر المغرب على تعاونه.
في سبتة، أولئك الذين يجب عليهم التحدث لا يفعلون ذلك. هناك قلق واضطراب بشأن ما حدث، وبشأن تلك الأصوات الاحتجاجية لآلاف الأشخاص التي تجسدت في ليالي الأحداث، ومحاولات مستمرة لعبور السياج، واشتباكات مباشرة مع القوات الأمنية المختلفة.
ورغم أن الحركة قد هدأت الآن، إلا أنها لم تنتهِ. فهناك دعوة جديدة إلى « هجوم » لدخول سبتة في اليوم الثلاثين من هذا الشهر. لا تتوقف المنتديات المفعلة على وسائل التواصل الاجتماعي عن نشر التحذيرات، والمحتويات تتغذى على مقاطع الفيديو والأغاني الاحتجاجية التي تعزز هذا الاتجاه. المهم ليس ما سيحدث في ذلك اليوم، بل حالة عدم الاستقرار التي تم خلقها وتجسيدها في الرغبة بالانتفاض في الشمال الذي يبدو بلا مخرج أو فرص، والذي يُقدّم باب سبتة كفرصة للتغيير.
ما حدث في 15 سبتمبر لم يكن حادثة معزولة. إنه نتيجة أخرى لتلك السلسلة من الأحداث التي شهدناها هذا الصيف، مع تزايد أعداد المشاركين في محاولات الدخول سباحة. هذه المحاولات، التي بدأت منذ يوليوز، أثارت قلقًا داخليًا لدى الحرس المدني، الذي وثّق في تقاريره ما كان يحدث على الحدود.
الوصفة المثالية
في الوقت الذي كان فيه الأغنياء يقضون موسم العطل الصيفية في الشمال فى يخوت فاخرة أو منتجعات مذهلة، كانت المنطقة تمتلئ بشباب غير راضٍ، وسكان قادمين من الجنوب، والعديد من القاصرين الذين كان اهتمامهم الوحيد هو العبور.
العرض الأمني الذي قدمه المغرب في الأيام التي سبقت 15 سبتمبر كان شبه معدوم خلال الصيف، باستثناء الأيام الأخيرة من غشت، عندما أصبحت الضغوط خانقة في البحر من قبل المهاجرين بحرا.
حتى ذلك الحين، كانت هناك ليالٍ يسبح فيها الأشخاص دون مشاكل في البحر بسبب انعدام الرقابة. كانت الشواطئ خالية من الحراسة، وفي عرض البحر كانت البحرية المغربية تتدخل أحيانًا.
وقع الحدث الأكثر خطورة عندما نزل المهاجرون إلى البحر بأعداد كبيرة فيما اعتُبر أسوأ ليلة على الإطلاق. حينها بدأت الأرقام تُنشر رسميًا عن محاولات العبور، وهي أرقام لم تُعلَن من قبل أي جهة رسمية، إلى أن كشفت عنها مندوبة الحكومة في مؤتمر صحفي في 26 غشت الماضي.
حتى ذلك التاريخ، لم يكن ما يحدث على الجانب المغربي يُعلن رسميًا، وبالتأكيد لم تكن هناك جهة رسمية تقدم أرقامًا حول المحاولات التي كانت تبدأ من شواطئ أخرى.
بدأ الإعلام الإسباني يتجاهل ما يحدث بعد وصول البالغين والأطفال إلى سواحل سبتة تقريبًا كل ليلة، بما في ذلك عمليات إنقاذ لطفل يبلغ من العمر 11 عامًا أو امرأة حامل في شهرها الثامن.
تأثير الإنترنت، والتواصل بين الذين وصلوا إلى سبتة وأولئك الذين كانوا يحاولون الوصول، والنشر الواسع لأول مقاطع فيديو لنساء -وهو أمر كان لا يُتصور من قبل- يعبرن سباحة ويظهرن بفخر وصولهن… كل هذا تم تحضيره تدريجيًا، مما أدى إلى انفجار 15 سبتمبر بأكثر الطرق إثارة للقلق.
رئيس مدينة سبتة، خوان فيفاس، ظهر في العديد من وسائل الإعلام وأجرى مقابلات، رغم أنه ليس مختصًا بشؤون الهجرة أو الأمن. لقد قام بذلك بدافع من القلق الذي نتج عن رؤية أول تحذير جاد بعد أزمة مايو (2021) وما تسببه مثل هذه الحالات من انعدام الأمن الواضح لرئاسة البلدية التي تحاول بشدة جذب المستثمرين وتحسين السياحة في المدينة.
ماذا تغيّر في 15 سبتمبر؟ كانت الرغبة في العبور إلى سبتة موجودة دائمًا، لكن لم تُنظم حملة مُعلنة مسبقًا وبهذا القدر من الدعم. في السابق كان يعتمد الأمر على عنصر المفاجأة، أما الآن فقد تم الإعلان عنه، وعلى الرغم من ذلك، عرض المشاركون أنفسهم لخطر حقيقي.
منح اللجوء كان موجودًا منذ سنوات بنفس السرعة، لكن تأثيره أصبح أكبر الآن بين أشخاص متصلين ببعضهم البعض على نطاق واسع. خروج أولئك الذين غادروا سبتة (إلى أوربا) بعد شهر من تقديم طلب اللجوء دون الحصول على رد كان له تأثير مدمّر.
لم تتجاوب الحكومة الإسبانية بزيادة عدد أفراد الشرطة أو بإعادة تفعيل مكتب اللجوء الموجود على الحدود أو بمعالجة الإجراءات كما كان ينبغي. لم يتفاعلوا لا سابقًا ولا الآن. لكن اليوم، من يغادرون (إلى إسبانيا) يشاركون أحداثهم على « تيك توك » التي تنتشر بسرعة في مجموعات المهاجرين. الوفيات والاختفاءات تُبكى ليوم واحد فقط، ثم يستمر المرشحون للهجرة في القفز إلى البحر، وتنظم محاولات العبور عبر الأسوار، على الرغم من آلاف الاعتقالات والمراقبة المغربية لمنظمي العمليات.
حدثت « التوليفة المثالية »: الفقر، عبور سهل، نقص الرقابة، مقاطع فيديو فيروسية تعكس نجاح المهاجرين سباحة، غياب رد الفعل… كل هذه العوامل أدت إلى تشكيل حركة قوية شهدت أول انفجار لها في 15 سبتمبر.
لماذا لم يحدث الأمر نفسه في مليلية؟ المصادر أوضحت أن السباحة نحو سبتة أصبحت خلال الصيف الماضي أسهل وأأمن طريقة للهروب من المغرب.
ماذا سيحدث بعد 15 سبتمبر؟ جرى إبعاد مغاربة، جزائريين، سوريين، أفارقة من جنوب الصحراء، والعديد من القاصرين أو اعتقالهم. هذه الإجراءات، في محاولات سابقة، كانت ستضع حدًا مؤقتًا على الأقل. لكن هذه المرة، الحركة ما زالت نشطة في ظل فتح نقاش موازٍ حول كيفية تعامل المغرب خلال هذه الأحداث، ومدى توافقه مع حقوق الإنسان، خاصة بعد انتشار مقاطع فيديو وصور تلطخ سمعة بلد يطمح لتمثيل دولي أكبر خارج إطار كرة القدم.
تحقيق طال انتظار نتائجه
في المغرب، بدأ يتسلل الضجر إلى النفوس ترقبا لنتائج تحقيق قضائي بدأ منذ حوالي أسبوع دون ظهور أي نتائج حتى الآن. بيان النيابة العامة في محكمة الاستئناف في تطوان، حدد الخطوط العريضة للتحقيق في تبين صدقية الصور والأشرطة التي توثق لمعاملة قاسية لشبان وقاصرين من لدن القوات العمومية ومسؤولين في السلطة المحلية، وكذلك البحث عن خلفيات نشر هذه الصور. منذ اليوم الأول، كانت بعض النتائج محسومة، حول صحة الصور والفيديوهات، وكذلك حول المصورين. ماذا تبقى إذن؟ الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي كُلفت بالتحقيق أكملت الجزء الأول من التحقيقات حول الصور والفيديوهات، ولقد حصلت على بيانات هوية كل أولئك الذين ظهروا في الصور والأشرطة من عناصر القوات المساعدة، ورجال السلطة، لكن يتعين إثبات صلة كل شخص بالأفعال التي شكلت صدمة بالمغرب.
في عمالة المضيق الفنيدق، لا تبدي السلطات التي أقرت بصحة غالبية الصور والأشرطة، انزعاجا واضحا إزاء الانتقادات التي تطال أفرادها ومسؤوليها. الخميس الفائت، مضت في حفل تنصيب رجال سلطة جدد كان مقررا، ولقد ألقى خلاله، عامل هذه العمالة، ياسين جاري، خطابا يثني على المشاريع التي تتبناها السلطة في المنطقة سعيا إلى إطلاق الأنشطة الاقتصادية بعد أربع سنوات من الركود.
لم تكن هذه الكلمات سوى الجزء الأقل إثارة للاهتمام في هذا الحفل. فالسلطة مضت أيضا في تنصيب الباشا الجديد لمدينة الفنيدق. هذا المسؤول يثير الجدل من حوله بعد ظهوره في أشرطة فيديو داخل مكان في معبر باب سبتة خُصص لجمع الشبان والقاصرين الذين يلقى عليهم القبض خلال محاولة الهجرة، وقد جردوا من ملابسهم. بُث الشريط الذي يظهر هذا المسؤول بوضوح بعد فترة وجيدة من بدء التحقيق القضائي الثلاثاء الفائت. كان هذا المسؤول قد حصل على ترقية من قائد في بلدة المضيق المجاورة، إلى باشا الفنيدق. لم يمنع ظهوره في ذلك الشريط مضي السلطات في تنصيبه.
لنتذكر أن سلفه في هذا المنصب، الباشا السابق، جرى تعليق مهامه في 28 غشت في أوج محاولة للهجرة بحرا من شواطئ الفنيدق إلى سبتة. قامت مصالح وزارة الداخلية بهذه الخطوة في سعي لتحسين عملياتها في صد تلك المحاولات. في نهاية المطاف، جرى تلخيص هذه العمليات برمتها في مشاهد القسوة التي رأيناها جميعا.
حقوق الإنسان
تدخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الأحداث التي وقعت في الفنيدق خلال نهاية الأسبوع الماضي، حيث جرت محاولة عبور آلاف الأشخاص إلى سبتة.
على وجه الخصوص، سيعالج المجلس مسألة نشر صور لأشخاص يحملون إصابات على ظهورهم وهم جالسون ضد الحائط بعد اعتقالهم، وهي قضية تحقق فيها النيابة العامة. وأعلن المجلس أنه سيتابع جميع الحالات لضمان احترام حقوق الإنسان.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان علنًا متابعته لهذه القضايا المتعلقة بما حدث خلال محاولة العبور في عمالة المضيق-الفنيدق، داعيًا الأشخاص الذين « ربما تعرضت حقوقهم للانتهاك » للتواصل مع المجلس للاستماع إليهم.
في بيان، دعا المجلس « جميع الأشخاص، سواء كانوا بالغين أو أطفالًا، أو أولياء أمورهم الشرعيين، الذين قد يكونون قد تعرضوا لانتهاك أحد حقوقهم، للتواصل مع المجلس للاستماع إليهم في إطار التحقيقات التي يقوم بها على المستوى المركزي أو الإقليمي، باعتباره آلية لتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان ».
وأعلن المجلس دعمه للفريق الشامل للجنة الجهوية لحقوق الإنسان في طنجة-تطوان-الحسيمة لمراقبة الإجراءات القضائية للأشخاص الذين تم تقديمهم أمام النيابة العامة.
كما يستمر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مراقبة الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، سواء كان ذلك نتيجة لمحاولات عبور سابقة، أو دعوات جديدة لمحاولات أخرى، لا سيما بالنظر إلى الكم الكبير من المعلومات المتداولة، حيث قد يكون بعضها صحيحًا وبعضها الآخر غير دقيق أو زائف أو مضلل.
وأشار المجلس إلى أنه يتابع عن كثب الدعوات ومحاولات العبور التي تحدث في عمالة المضيق-الفنيدق، وكذلك جميع الجوانب والمشاكل المتعلقة أو الناتجة عنها.
مع: (إل فارو دي سوتا)، (سوتا أكتيليداد) و(سوتا أل ديا)
و: المراسلون
كلمات دلالية المغرب سبتة لاجئون هجرةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: المغرب سبتة لاجئون هجرة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان فی 15 سبتمبر إلى سبتة حدث فی ما حدث
إقرأ أيضاً:
البحث عن مفقودين خلال محاولة العبور سباحة إلى سبتة خلال العاصفة
عمر، شاب يتراوح عمره بين 16 و17 عامًا، ويعيش في قرية بليونش شمال المغرب. في مساء الخميس، حاول الدخول إلى مدينة سبتة بإلقاء نفسه في البحر مع مجموعة من المراهقين الآخرين الذين يعيشون في هذا النقطة الحدودية.
منذ ذلك الحين، لم يتلقَ أهله وأصدقاؤه أي أخبار عنه، مما زاد من مخاوفهم بشأن احتمال كونه الشخص الذي اختفى عن الأنظار في البحر الهائج، وسط العاصفة كونراد، والتي جعلت من المستحيل تحديد موقعه.
عائلة عمر وأصدقاؤه يناشدون أي شخص يمكنه تقديم معلومات قد تخفف من قلقهم المتزايد منذ اختفائه، حيث لم يتمكنوا من التواصل معه منذ ذلك الحين.
عندما قفز عمر إلى البحر، كان يرتدي قميصًا أزرق اللون، لكنه ربما فقده أثناء السباحة. حاول، مع مجموعة من شباب بليونش، استغلال غياب الرقابة لعبور البحر سباحة عبر حاجز بنزو البحري.
وبسبب سوء الأحوال الجوية، لم تتمكن زوارق الحرس المدني من الإبحار، مما جعل البحر يبدو كمساحة مفتوحة للعبور، لكنه كان مليئًا بالمخاطر القاتلة.
في ذلك المساء، أنقذ الحرس المدني الإسباني حوالي 30 شخصًا، لكن عمر لم يكن بينهم.
وتوجد تقارير عن شخص آخر حاول الوصول إلى الشاطئ دون جدوى قبل أن تجرفه الأمواج، لكن لم يتم تأكيد ما إذا كان هذا الشخص هو عمر أم شخص آخر. ومع ذلك، فقد حدثت الحالتان في نفس الإطار الزمني والمكاني.
حتى يوم الجمعة، لم يتم العثور على الشخص المفقود، وتظل تيارات البحر القوية تجعل من المستحيل تحديد مكانه.
ويقوم الأمن الإسباني بمراقبة مستمرة في منطقتي بنزو (بيليونيش) وتراخال (معبر باب سبتة)، مستخدمين وحدات الخدمة البحرية وفريق الغواصين GEAS، بالإضافة إلى الاستعانة بكاميرات المراقبة لتحديد مواقع المهاجرين.
في مساء الخميس، رغم الظروف الصعبة، ألقى العديد من الشباب بأنفسهم في البحر، مما تسبب في مواقف خطرة للغاية. وقد ساعدت فرق الإنقاذ العديد من السباحين على الوصول إلى الشاطئ.
عندما وصلوا إلى الشاطئ، كان معظمهم منهكين تمامًا، وبعضهم انهار بسبب التعب الشديد والبرد القارس. وقام الأمن الإسباني بتوفير البطانيات والملابس الجافة لهم، ثم تم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة الجمركية، تمهيدًا لإعادتهم إلى المغرب وفقًا للإجراءات المعمول بها.
محمد البوطي.. اختفاء آخرمحاولات العبور إلى سبتة تتزايد في الظروف الجوية العاصفة، حيث يعتقد البعض أن المراقبة ستكون أقل صرامة، لكن ذلك يعرضهم لخطر الغرق.
إلى جانب عمر، تم الإبلاغ أيضًا عن اختفاء محمد البوطي، وهو شاب مغربي يبلغ من العمر 16 عامًا، لم يسمع عنه شيء منذ يوم الأحد الماضي.
محمد، من مدينة القصر الكبير، حاول العبور سباحة مع صديق له من بليونش، لكن عائلته لا تعرف نوع الملابس التي كان يرتديها عندما قفز إلى البحر.
محاولته كانت منذ حوالي أسبوع، وعائلته تناشد المواطنين للحصول على أي معلومات حول مكانه. صديقه الذي كان معه في هذه الرحلة نجح في الوصول إلى سبتة، وأبلغ عائلة محمد بأنه فقده أثناء السباحة.
ولا تزال عمليات البحث جارية عن كليهما.
كلمات دلالية المغرب سبتة لاجئون مهاجرون هجرة