صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-05@18:44:46 GMT

عندما تتبرج الحقيقة تقشعرّ الأبدان

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

عندما تتبرج الحقيقة تقشعرّ الأبدان

خالد فضل 

(1)

ليرحم الله عمّنا الحاج مضوي محمد أحمد، الذي نال عضوية مؤتمر الخريجين بشهادة الوعي التي هي أرفع من شهادات المدارس! سأله محرر في صحيفة الرأي الآخر ذات يوم على أخريات السنوات في القرن الماضي عن رأيه في جلطة؛ مما كانت تفعله (الحكومة) آنذاك؛ حكومة الإنقاذ طبعا. فأجاب بسؤال للمحرر: يا ولدي لو كان ما تصف هي (حكومة) بالله عليك كدي وريني (العصابة) تكون شنو؟ سؤال الحاج مضوي لخّص الحقيقة المرّة، وهي تقدل عارية لا يستر جسدها مزعة من لباس، ولأنها أنثى، تبرز مفاتنها، تقشعرّ أبدان من جبلوا على (المغتغت ده) تاني وين تلقا.

فالغطاء الكثيف الذي يستر جسد الحقيقة هو القشرة التي تمثل الحمى الذي دونه فرط القتاد، ولمظفر النواب الشاعر العراقي الثائر _ توفي مايو 2022_ أبيات مشهورة تعبر عن ذلك:

القدس عروس عروبتكم، أهلا

فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟

ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها

وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفا

وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض

فما أشرفكم!

أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟

(2) 

د. عائشة البصري، التي عملت ناطقة رسمية باسم البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للسلام في دارفور (يوناميد)، أشارت في مقابلة مؤخرا مع راديو دبنقا إلى حقيقة جوهرية وعارية تماما، وهي أنّ الأزمة في السودان؛ كما في عدة بلدان عربية أخرى، ليست في وقف العنف، وإنما في بناء الدولة نفسه، المشكلة هي فشل دول ما بعد الاستقلال في بناء الدولة الوطنية، إذ لا توجد دولة مؤسسات تقوم على المواطنة، وتحترم تعدد الإثنيات والأديان والثقافات، دولة تقوم على احترام وسيادة حكم القانون، ودولة مدنية طبعا.

هذا هو الجوهر الذي تحوم حوله عصبية بعض كبار من يوسمون بالمثقفين السودانيين، ولا ينفذون إليه عندما يبررون موقفهم من الحرب الطاحنة الدائرة في بلادنا منذ الاستقلال في الحقيقة؛ وما حرب 15 أبريل 2023 سوى تجلي للأزمة التاريخية، لهذا فإن النظر إليها بمعزل عن تأسيسها السابق يعتبر من خطل الرأي في تقديري.

مثلا، هلا تمعنّا ببصيرة في مداولات الجمعية التأسيسية في أواخر الستينات عندما تم طرح دستور الدولة الإسلامية لأول مرّة في واحدة من أهم مؤسسات الدولة الحديثة (البرلمان) عندما سأل العضو المرحوم فيليب عباس غبوش عن إمكانية تولي غير المسلم للرئاسة في ظل الدستور المقترح، وكانت إجابة الراحل د. حسن عبدالله الترابي _الفقيه الدستوري البارع_ (لا) فصيحة.

ما المرجو لبناء الدولة إذا كانت بعض وظائفها، بل أهمها وهو رأسها مما لا يجوز تقلده لبعض مواطني تلك الدولة بحجة أن دستورها يخص بالوظائف أصحاب دين معين؟ لم يبق أمام المعتقدين في الأديان الأخرى سوى سبيلين اثنين، إمّا الخنوع والرضا بالدرجة الدنيا من حقوق المواطنة في وطنهم المفترض، أو جمع الوليدات ولملمة (البقج) والسياحة في أرض الله الواسعة بحثا عن وطن بديل!! وفي كلتا الحالتين ينهار بناء الدولة.

(3)

وهو ما حدث في السودان فعلا لا قولا، لدرجة وصول الحال بمؤسسات الدولة _التي يجب أن تحترم سيادة حكم القانون_ ترفض الانصياع لقرارات المحكمة حارسة (القانون) والمفتي الرسمي فيه، النموذج قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين للبرلمان في الستينيات من القرن الماضي.

أمّا مؤسسة الحداثة التي يطوف حول معبدها بعض من يسمون مثقفين؛ وأعني (الجيش)، فإن قائده الراحل برتبة الفريق إبراهيم عبود، تجاوز حدود المؤسسية، وطوى القانون تحت جزمته (البوت)، ورضي أن يكون خارقا للدستور عوضا عن مهمته (حاميا) له، ومن 17 نوفمبر 1958 وحتى تاريخ كتابتي لهذه الكلمة ما يزال المعبد كما هو قائم خارق لكل عهد، يذيع أحد منسوبيه بيانا مهما وهو في حالة زهو، ومع كل بيان من بين شفتين ولسان فوقهما (طربوش) تتناثر طويبات بناء الدولة الحديثة، ويقتلع ساسها ومع ذلك ما تزال ثلة من الذين تخرجوا في المدارس يطوفون حول الهيكل الخاوي، بل ينشرون غيّهم على بقية الشعب؛ وفيهم من لم يتعلم أو تعلم، لكن لم يفلح القلم في إزالة العلم كما تقول حكمة سائدة! يريدون من الناس أن تواصل الطواف حول المؤسسة الضالة باعتبارها مؤسسة حداثوية، فتأمل في شقاء الحداثة! ولك تصور رد قائد الجيش الأمريكي على طلب ترامب بالتدخل وفرض هيبة الدولة؛ لأن سجالا ديمقراطيا مدنيا سلميا قد دار بين المرشحين، وخسر فيه صاحبنا. أو لك تخيل بالإنجليزي (مستر توم) ينعق من على منصة أمام بوابات 10 داوون ستريت، يا شارلمان يبيع البيان؛ وشارلمان هذا اسم مفترض لقائد الجيش الإنجليزي، فيأخذ الشارلمان الإذن من نائبه مستر (جيفيرتي) ممول المنصات تلك وغيرها من جيوب وحسابات وعمارات، ثم يزيين البيان. هذه هي الحداثة في أبهى حللها!!

والدكتورة بت البصري؛ حياها الغمام تشير إلى الحقيقة، بناء الدولة لا يكون إلا مدنيا، ديمقراطيا، يقوم على أسس المواطنة، وسيادة حكم القانون، وكفالة وصيانة حقوق الإنسان فما الذي يطرحه كل داعية للحرب من مؤيدي جيش البرهان أو جيش نائبه حميدتي!! وما المرجو من تشكيل حكومة في بورتسودان من التيار الإسلامي العريض بقيادة الشيخ علي كرتي قدّس الله سره، وتنسيقية القوى الوطنية (تقوم)؛ بناء دولة حداثوية أليس ذلك كذلك!! مثلما ما المرجو من حكومة يكونها الأشاوس _ وهي الصفة التي أطلقتها أخوات نسيبة على عناصر مليشيا الدعم السريع عندما كانت اليد التي يبطش بها نظام الإسلاميين الغابر، وحماية الرئيس المخلوع البشير _ الأشاوس هؤلاء ما هي قصة السلطة التي سيؤسسون حال دان لهم الأمر؟ دولة مؤسسات مدنية؟ أم دولة (الفزع /الغنيمة)، والمقدمات تشير إلى النتائج على كل حال!

(4)

الدولة المدنية القائمة على المؤسسية وسيادة واحترام حكم القانون وأساسها المواطنة؛ هكذا مجردة من أي صفة لاحقة أو سابقة، لا تكون إلا علمانية عدييل، بمعنى أنّ مرجعيتها القانونية هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقات والعهود الدولية المعززة لهذه الحقوق في مختلف أوجه النشاط البشري، فلا مجال للمراوغة باسم قوانين العقوبات التلمودية _مع فائق الاحترام والتقديس المستحق لجميع الأديان والمعتقدات_ بيد أنّ بناء الدولة الوطنية التي توفر الأديان والمعتقدات يتطلب وضعها في مكانها الصحيح، كشؤون خاصة بمعتنقيها فقط، وليس من اختصاص هياكل ومؤسسات الدولة _ وساعتئذ فقط تصبح لهذه المقدسات حرمتها وقداستها، أما المتاجرة باسم الدين، واستغلاله في بناء الدولة الوطنية، فهذا عبث لا طائل من ورائه، ولن يورث البلد سوى التفتيت والعنف والانهيار، وتجربة السودانيين الحاضرة تؤكد الحقيقة العارية التي تقشعر لها الأبدان.

ومع اقشعرار الأبدان المرجو تحريك العقول قليلا لتجاوز الغلالة التي تحجب الرؤية عن جوهر الحقيقة عوضا عن محاولة لف غلالة جديدة لمزيد من الغتغتة والدسديس؛ كما يقول ثوار ديسمبر! ومن الدلالات الروغان بأن الجماعات الإسلامية لا تمثل الإسلام، من الذي يمثله يا فالح إذا؟ بالنسبة لي الإجابة واضحة وضوح الحقيقة العارية، دولة المواطنة والمؤسسية القائمة على هدى ومبادئ حقوق الإنسان كما في العهود الدولية.

في الدنمارك مثلا، كانت زوجة رئيس الوزراء تعمل مدرسة في إحدى المدارس الحكومية طبعا _ التعليم العام هناك حق إلزامي ومجاني_ قرر مدير المدرسة أنّها يجب أن تخضع لمجلس تحقيق مهني لشكوك حول قدراتها في المهنة، من حقها إحضار أي شخص تختاره ليكون حاضرا وشاهدا لسير عملية التحقيق الإداري، بالطبع كان الشخص هو زوجها، فلم تفرش له البسط الحمراء، ولم يستقبله وزير التربية والتعليم بحسب البرتكول؛ لأنه لم يكن في مهمة رسمية، بل مهمة شخصية. بنهاية التحقيق المحضور والمشهود من جانب زوجها؛ وليس رئيس الوزراء في هذه الحالة، تقرر فصلها من الخدمة، ذهبت إلى تربيتها في مكتب المعلمين لجمع حاجاتها، وودعت زميلاتها وزملاءها، وخرجت إلى غير رجعة. هذه هي روح الدين وتعاليمه الجوهرية لا تحتاج إلى تأسيس مليشيات تدافع عنه بقتل الناس وقصفهم وذبحهم (شخ) من الأضان للأضان كما قال صديقنا محمد محمد خير الشاعر الرقيق _ رد الله غربته_ ولذلك ليس غريبا أن تكون الدنمارك في المرتبة الأولى في تطبيق معايير إسلامية الدول بدون أن تهتف جحافل البراء (فليعد للدين مجده، أو ترق كل الدماء)، المسألة في تقديري سهلة وميسورة، تجاهل كل من يزعم تديين الدولة، وجعله وحيدا يتلفت حتى يثوب إلى رشده، أو يرتكب جناية تأخذه الشرطة إلى التحقيق ليجد هناك معايير حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، فيعرف أن ما كان يهرف به مجرد أوهام، أما الحقيقة فهنا.

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل حقوق الإنسان بناء الدولة حکم القانون

إقرأ أيضاً:

القانون الدبلوماسي الدولي بين النظرية والتطبيق

 

 

د. عبدالله الأشعل **

نُعالج هذا الموضوع على أساس أن الاتفاقيات المشكلة للقانون الدبلوماسي الدولي وأولها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961،هي تقنين لسلوك الدول في المجال الدبلوماسي، لكنَّ المُمارسات الدولية خلقت هوة بين هذه النصوص وبين العمل الدولي بحيث إن بعضها تحول إلى منازعات حسمتها محكمة العدل الدولية وبعضها الآخر ظل يُثير الجدل في العمل الدولي بين دول العالم، والحل هو عرض النزاع على المحكمة الدولية وكذلك تعديل هذه النصوص في مؤتمرات دوليةٍ لاحقًا.

ولذلك نعرض ثلاثة موضوعات: الموضوع الأول هو اتفاقيات فيينا، المشكلة لجسد القانون الدولي الدبلوماسي، والموضوع الثاني هو المفاصل الأساسية والقضايا التي أثارت جدلا في العمل الدولي، أما الموضوع الثالث فهو موقف محكمة العدل الدولية من المنازعات الدبلوماسية التي عرضت عليها.

الموضوع الأول

يتكون القانون الدولي الدبلوماسي من عدد كبير من الاتفاقيات؛ الاتفاقية الأولى خاصة بالعلاقات الدبلوماسية عام 1961، والاتفاقية الثانية عام 1963 حول العلاقات القنصلية، والاتفاقية الثالثة خاصة بقانون المعاهدات عام 1969، والاتفاقية الرابعة خاصة بحصانة الدولة عام 1975، والاتفاقية الخامسة خاصة بوضع ممثلي الدول لدى المنظمات الدولية العالمية يقصد بها الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، والاتفاقية السادسة خاصة بالحصانات والامتيازات المقررة لموظفي الأمم المتحدة تطبيقاً للمادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة والمصدر السابع هي مجموعة اتفاقيات المقر التي أبرمت بين الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة التابعة لها وكذلك المنظمات الإقليمية وبين دول المقر، وكلها على نسق واحد، يضاف إلى ذلك أنَّه عقدت بين المُنظمات الإقليمية ودولة المقر اتفاقية خاصة بالحصانات والامتيازات المقررة لممثلي الدول الأعضاء وكذلك لموظفي المنظمة الدولية العالمية والإقليمية، ومعنى ذلك أنَّ لدينا اتفاقات مقر لعدد من المنظمات الدولية مع الدول التي استضافات هذا المقر وهي علي وجه التحديد الولايات المتحدة وكينيا وبلجيكا ومصر وأديس أبابا وكولومبيا في أمريكا اللاتينية مقر منظمة الدول الأمريكية وكذلك المنظمات الإقليمية الآسيوية ولولا أن هذه الاتفاقيات يحكمها نسق واحد لكنا قد أفردنا لكل حالة دراسة خاصة.

ولا يفوتنا اتفاقية حصانة الدولة واتفاقية التوارث الدولي وخاصة في مسائل المعاهدات.

الموضوع الثاني

مفاصل المنازعات الدبلوماسية والجدل بين الدول التي كشف عنها العمل الدولي، أهمها ما يلي:

1-     السلطة المطلقة للدولة المرسلة والدولة المستقبلة.

2-     الالتباس بين الوظائف والحصانات الدبلوماسية للبعثة وبين الوظائف والحصانات للبعثة القنصلية وكذلك ممثلي الدول لدى المنظمات الدولية.

3-     المركز القانوني لبعثة رعاية المصالح عند قطع العلاقات الدبلوماسية (يستكمل البحث الذى نشرته مجلة الحقوق التابعة لكلية الحقوق جامعة الكويت عام 1984).

4-     الالتباس بين حماية المصالح ورعاية المصالح والالتباس بين التمثيل الثنائي والمتعدد ونظرا لأن العمل الدولي لم يكن التمثيل المتعدد كاشفا فيه للدروس فانه بحاجة إلى مزيد من الدراسة.

5-     التقارير التي ترسلها البعثة الدبلوماسية والبعثة القنصلية عن الأوضاع الداخلية والمسافة الفاصلة بين الطرق المشروعة وغير المشروعة في الحصول علي المعلومات في العمل الدولي.

6-     حصانة مقر البعثة والجدل حول اشتراط موافقة رئيس البعثة علي دخول المقر عند نشوب حريق وقد تكررت المشاكل باضطراد حدوث الكوارث الطبيعية واصبحت بحاجة إلى مراجعتها.

7-     حامل الحقيبة الدبلوماسية والحقيبة غير المصحوبة وتفتيشها عند الشك فيها.

8-     إبعاد الدبلوماسي في الأوضاع المختلفة.

9-     العلاقات الثنائية وعلاقات الدول الأعضاء مع المنظمة الدولية.

10-    الدبلوماسية الإلكترونية.

الموضوع الثالث

 المنازعات الدبلوماسية أمام محكمة العدل الدولية وكيف حكمت المحكمة بين الأطراف المتنازعة ودلالة هذه الأحكام بالنسبة للقانون الدبلوماسي. ونذكر في هذا المقام عددا من القضايا ذات الصلة التي تفيد في إثراء موضوعنا.

أولًا: قضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس هذه القضية رفعتها دولة فلسطين ضد الولايات المتحدة عام 2018، وطلبت فلسطين من المحكمة الحكم بأن التصرف الأمريكي يخالف اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية من حيث إن المادة الثالثة تؤكد أن التزامات الدولة المضيفة وقيام البعثة الدبلوماسية بوظائفها على إقليم الدولة المضيفة لصالح الدولة المرسلة تتم على نفس إقليم الدولة المضيفة فلا بُد أن يكون الإقليم قد اكتسب اكتسابا صحيحا.

ثم إن نقل السفارة يتناقض مع قرار التقسيم كما يخالف قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن خاصة القرار 478 الصادر في 20 أغسطس 1980 والذي أبطل القانون الإسرائيلي القاضي باعتبار القدس عاصمة أبدية ودائمة لإسرائيل.

ونحن نضيف الحقيقة الآتية وهي أن الدولة المضيفة من حقها أن تختار عاصمتها بإرادتها بشرط ألا تخالف بذلك القانون الدولي، كما ألزم البعثات الدبلوماسية بالإقامة بالعاصمة ولكن مادامت هذه العاصمة عليها إشكال قانوني، ثم إن قرار مجلس الأمن المذكور أبطل التشريع الإسرائيلي فإنَّ البعثات الدبلوماسية ملتزمة بعدم الإقامة في القدس ولذلك طلبت فلسطين من المحكمة إبطال قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة خاصة وأن هذا القرار تنفيذ للقانون الصادر من الكونجرس عام 2002 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. معنى ذلك أن المحكمة مطالبة بالحكم بأن قرار النقل ينتهك التزامات الولايات المتحدة في القانون الدولي. ولا تزال القضية محل نظر المحكمة.

ثانيًا: قضية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بنيويورك عام 1988. فقد صدر قرار وزير العدل بإغلاق المكتب بناءً على قانون صدر من الكونجرس بأن المنظمة كيان إرهابي. فطلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تفتيها فيما إذا كان هذا ينتهك التزامات الولايات المتحدة في اتفاقية المقر وأفادت المحكمة بالتفصيل مدى هذا الانتهاك ولكنها لم تطلب من الحكومة الأمريكية طريقة مُعينة لتصحيح الخطأ القانوني وبناءً على ذلك سعى الأمين العام لدى وزارة الخارجية الأمريكية لإعادة فتح مكتب المنظمة لأنَّ إغلاقه يُعتبر اعتداءً على الأمم المتحدة.

ثالثًا: قضية مندوب الدومينيكان الدائم لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف؛ حيث رفعت الدومينكان دعوى في المحكمة ضد سويسرا عام 2006،لأنها انتهكت اتفاقية المقر بينها وبين الأمم المتحدة حيث رفضت تعيين الدومنيكان لأحد رجال الأعمال مندوبا دائما لها بجنيف ولكن الدومنيكان سحبت القضية واختارت التسوية الودية مع سويسرا.

رابعًا: قضية الرهائن الأمريكيين في طهران في نوفمبر79 رفعت الولايات المتحدة دعوى ضد إيران بسبب احتلال السفارة والقنصلية الأمريكية في طهران واحتجاز كل العاملين فيها لمدة 444 يوما بحجة اخفاء واشنطن وثائق سرية تخص الأمن القومي الإيراني وتساعد علي الكشف عن أعداء الشعب الإيراني وقد اتهمت أمريكا إيران بانتهاك اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والعلاقات القنصلية وقد اصدرت المحكمة بناءً على طلب أمريكا مجموعة من الإجراءات المؤقتة هدفها اعادة السفارة والقنصلية إلى أمريكا واطلاق سراح الرهائن وأصدرت المحكمة حكما في 24/5/1980 بهذا المعنى وأكدت أن سلوك الدولة الإيرانية ينتهك القانون الدولي العام لكن الولايات المتحدة سحبت القضية من المحكمة واتجهت إلى محادثات سرية مع إيران توسطت فيها الجزائر وتم إبرام الصفقة في محادثات غير مباشرة في يناير 1981 (للتفاصيل انظر مقالا لنا في هذا الموضوع في المجلة المصرية للقانون الدولي عام 1982) وهكذا فضلت أمريكا التفاهم مع إيران بدلا من انتظار تنفيذ الحكم أو تنفيذه بعملية عسكرية.

خامسًا: قضية باراجواي ضد أمريكا عام 1998 وقد اتهمت باراجواي الولايات المتحدة انتهاك اتفاقية العلاقات القنصلية ولكن باراجواي فضلت التفاهم مع أمريكا وسحبت القضية ويبدو أن الإدارة الأمريكية تدخلت لدى القضاء الأمريكي لعدم تنفيذ أحكام الاعدام في عدد من رعايا باراجواي في الولايات المتحدة.

سادسًا: هندوراس ضد البرازيل عام 2009 اتهمت فيها هندوراس البرازيل بانتهاك التزاماتها وفق المادة 2 فقرة 7 من الميثاق وكذلك احكام اتفاقية فيينا وكانت القضية تتحصل بأن بعثة البرازيل الدبلوماسية في هندوراس لجأ إليها رئيس هندوراس كما لجأ إلى البعثة بعض المواطنين من هندوراس المقيميين في البرازيل ولكن هندوراس فضلت التسوية الودية للقضية عام 2010 وسحبت الدعوى ولكن صدر حكم القضاء في هندوراس باتهام الرئيس بالخيانة العظمى لأنه يريد تعديل الدستور للفوز بولاية جديدة متجاوزا نص الدستور فلجأ الرئيس أمام محاولات القبض عليه إلى سفارة البرازيل وطلب اللجوء السياسي وعلي كل حال تم تسوية القضية وديا بين البلدين.

سابعًا: دعوى ألمانيا ضد ايطاليا عام 2008 وأصدرت المحكمة حكما في الموضوع عام 2014 وكانت القضية تتعلق باتفاقية حصانة الدولة واتيح للمحكمة أن تفسر حدود حصانة الدولة القضائية وهي تختلف تماما عن الحصانة الدبلوماسية.

ثامنًا: رفعت المكسيك دعوى عام 2003 ضد أمريكا بتهمة انتهاك التزاماتها في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية حيث قررت المحاكم الأمريكية الاعدام بحق 54 من مواطني المكسيك وطلبت المكسيك أن تصدر المحكمة أمرا بعدم تنفيذ احكام الاعدام بحق ثلاثة فقط من المتهمين لحين الفصل في النزاع وقد استجابت المحكمة لذلك كما طلبت المكسيك من المحكمة أن تأمر أمريكا بعدد من الإجراءات لتنفيذ هذا الأمر وأن تحكم المحكمة بأن واشنطن لم تف بالتزاماتها في اتفاقية فيينا حيث لم تبلغ المكسيك بالمعلومات فور التأكد أن المقبوض عليهم من المكسيك وغيرها من الاجراءات التي تضمنتها الاتفاقية لصالح المتهمين وطالبت المكسيك بأن تحكم المحكمة بسبب هذه المخالفات بأبطال أحكام الاعدام ولكن المحكمة أكدت أن ذلك خارج عن اختصاصها.

تاسعًا: قضية الكونغو ضد بلجيكا عام 2000 حيث أصدر قاضى التحقيق البلجيكي أمرا دوليا بالقبض علي وزير خارجية الكونغو وتسليمه إلى بلجيكا لمحاكمته بارتكاب انتهاكات خطيرة داخل الكونغو للقانون الدولي الإنساني وابلغ القرار إلى جميع الدول بما فيها الكونغو يوليو 2000 وطلبت الكونغو من المحكمة الحكم بصفة عاجلة بإلغاء هذا الأمر ولكن المحكمة رفضت فطلبت الكونغو أن تحكم المحكمة بأن بلجيكا انتهكت حصانة وزراء الخارجية من الاجراءات الجنائية وطلبت الغاء أمر القبض وتقديم تعويض علي اضراراه. وأكدت المحكمة أن حصانة الوزير مطلقة وأن اساسها الوظيفة ويتمتع بهذه الحصانة عن كل افعاله الرسمية والشخصية مادام في المنصب حتى لو كانت اتهامات بجرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية واكدت المحكمة أنه ليس هناك استثناء علي هذه الحصانة وميزت المحكمة بين الحصانة القضائية والمسؤولية الجنائية وأكدت أن الحصانة القضائية تمنع المحاكمة لفترة زمنية وعلي جرائم معينة ومجرد صدور حكم القبض يشكل انتهاكا من بلجيكا اتجاه الكونجو وأن بلجيكا فشلت في احترام حصانة الوزير الكونغولي كما أن بلجيكا اخطأت في انها وزعت القرار علي الدول واعتبرت المحكمة أن قرارها يعتبر ترضية للكونغو عما اصابها من ضرر ولكن المحكمة تركت لبلجيكا أن تلغى الأمر بالقبض علي الوزير بالطريقة التي تريدها.

عاشرًا: في عام 1982 طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي من المحكمة رأيا استشاريا عاجلا حول مدى تمتع مقرر اللجنة الفرعية حول الاقليات في لجنة حقوق الانسان بالحصانات والامتيازات المقررة باتفاقية الأمم المتحدة وكان هذا المقرر قد مرض ولم يحضر جلسة اللجنة ولم يقدم التقرير وانتهت مهمته دون أن يعفي من المهمة وقامت السلطات الرومانية (وهو من رعاياها) برفض منحه تصريحا للسفر واشتكى المقرر للأمم المتحدة واتصل الأمين العام المساعد بناءً علي طلب اللجنة بالسلطات الرومانية التي ادعت أن اتفاقية الأمم المتحدة لا تسوى بين المقررين ومهمتهم موسمية وأن الامتيازات والحصانات وظيفية لا تسرى إلا خلال المهمة الرسمية وأصدرت المحكمة رأيها في 15/12/1989 رفضت دفع رومانيا بأن المحكمة غير مختصة وخلصت المحكمة إلى أن الاتفاقية تنطبق علي الخبراء غير موظفي الأمم المتحدة حتى لو لم يسافروا وهذا يسرى في دولة الجنسية أو الاقامة ما لم تكن الدولة تحفظت على ذلك.

حادي عشر: قضية إيران ضد كندا 2023 حول اتفاقية حصانة الدولة.

ثاني عشر: دعوى الكونغو ضد فرنسا؛ حيث صدر حكم قضائي فرنسي ضد رئيس الكونغو وعدد من الشخصيات الأمنية والعسكرية بتهمة جرائم ضد الانسانية في الكونغو، ولكن المدعي طلب رفض الدعوى. وتمت تسوية النزاع وديًا.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • واشنطن قادرة على المساهمة في بناء سوريا الجديدة.. كيف ذلك؟
  • الأثر الطيب / تكريم الأستاذة القدوة سعيدة مسعودي في أجواء تقشعر لها الأبدان
  • عاجل | أكسيوس عن مسؤولين أميركيين: باكستان اعتقلت أحد كبار قادة تنظيم الدولة بناء على معلومات استخبارية من سي آي أيه
  • نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • هل الأرز أفضل من الخبز؟: مختص يكشف الحقيقة الصحية التي ستغير نظامك الغذائي
  • نيابة عن رئيس الدولة .. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • القانون الدبلوماسي الدولي بين النظرية والتطبيق
  • خبير سياسات دولية: القمة العربية تحمل رسائل أبرزها بناء قطاع غزة ورفض تهجير الفلسطينيين
  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • يزبك: منفتحون على كل حوار داخلي بناء