ماذا يعني ضرب لبنان ضمن الاستراتيجية الصهيونية الشاملة؟
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
لا يمكن وضع العدوان الإسرائيلي على لبنان في إطار الرد على هجمات حزب الله منذ السابع من أكتوبر الماضي فقط، ولكن فهم هذا العدوان يتطلب قراءته ضمن الاستراتيجية الصهيونية الشاملة في المنطقة.
إن فهم العدوان ضمن الاستراتيجية الصهيونية الشاملة أمر ضروري لاستيعاب طبيعة الصراع في المنطقة، كما أنه يعفينا من الجدل في التفصيلات الصغيرة التي تملأ سطح النقاشات في الساحة العربية، كما تملأ الفقاعات سطح المياه الراكدة، مثل النقاش حول مسؤولية حزب الله عن جر لبنان إلى الحرب، أو حول الاحتفاء بجرائم الاحتلال في لبنان والشماتة بضحاياها، وغيرها من المعارك "غير الثقافية" التي تهرب من العمق وتطفو على "سطح" مسألة العدوان وأسبابه الحقيقية.
الجدار الحديدي الصهيوني
وضع مؤسس "الصهيونية التعديلية" (Revisionist Zionism) اليمينية المتطرفة زئيف جابوتنسكي، نظرية "الجدار الحديدي" للتعامل مع الفلسطينيين والعرب عموما أثناء فترة الاستيطان التي سبقت النكبة وإنشاء دولة الاحتلال. تقوم هذه النظرية على أن الفلسطينيين والعرب لا يمكن أن يقبلوا الاستيطان الصهيوني في فلسطين طواعية، ولذلك فإن من النفاق محاولة التوصل معهم إلى تسوية بهذا الخصوص، وأن ما يجب فعله بدلا من ذلك إقامة "جدار حديدي" بين اليهود والعرب، والمقصود بهذا الجدار هو "القوة العسكرية" التي سترتطم به رؤوس العرب ويضطرون بعد ذلك لقبول أي تسوية مع الصهاينة بسبب عدم قدرتهم على مواجهة "الجدار الحديدي".
طبيعة وحجم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تؤكد أن الهدف الحقيقي له يتجاوز الأهداف التكتيكية المعلنة مثل القضاء على حماس والإفراج عن الأسرى في غزة، وإنما هو هدف استراتيجي وامتداد لهدف الحركة الصهيونية التعديلية سابقا والليكود لاحقا بإعادة فرض "الجدار الحديدي" على الفلسطينيين، بعد أن كسر -إذا لم نقل انهدم- في السابع من أكتوبر
كان رموز "الصهيونية التعديلية" وراء تأسيس حزب الليكود الذي وصل إلى الحكم في دولة الاحتلال عام 1977، وقاد منذ ذلك الوقت معظم حكومات الاحتلال، ويرأسه منذ منتصف التسعينيات بنيامين نتنياهو الذي كان والده مستشارا لدى "جابوتنسكي".
وبحسب المؤرخ اليهودي العراق "آفي شاليم"، فإن السياسيين الإسرائيليين وقعوا في "غرام" الجزء الأول من النظرية، وهو "بناء الجدار الحديدي" ولكنهم تنازلوا عن الجزء الثاني وهو عقد تسويات مع العرب. نلاحظ هذا النهج في سياسات نتنياهو المعلنة منذ سنوات، حيث بنى سمعته السياسية على أنه قادر على تحقيق التطبيع مع الدول العربية والتعاون معها دون تسوية مع الفلسطينيين "بفضل" القوة الإسرائيلية الخشنة و"الناعمة".
7 أكتوبر.. خرق الجدار الحديدي
في عز قدرة الاحتلال على فرض "جداره الحديدي" على الدول العربية، وبعد سنوات قليلة من تسارع الهرولة العربية الرسمية نحو التطبيع المجاني مع نتنياهو عبر اتفاقيات "أبراهام"، جاءت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، لتهدم الجدار الحديدي. لقد رأى صانع القرار الإسرائيلي أن هذه العملية هي كسر للمعادلة التي استطاع أن يفرضها منذ عقود، والتي قامت على عدة عناصر: أولها هو اكتفاء فصائل المقاومة في غزة بتحسين الأوضاع المعيشية في القطاع والامتناع عن استخدام أسلحتها ضد الاحتلال خوفا من جدار ردعه الحديدي، وثانيها هو استمرار السلطة الفلسطينية بالاستجداء لأي تسوية مع استمرارها بالتنسيق مع الاحتلال وإعلانها المسبق رفضها للمقاومة، وثالثها هو رضوخ حزب الله وتمسكه باللعب ضمن قواعد اشتباك فرضها الاحتلال عبر "جداره الحديدي" منذ حرب تموز/ يوليو 2006، ورابعها هو اضطرار عدد أكبر من الدول العربية للتطبيع مع هذا الغول الذي استطاع فرض قوته وردعه على الجميع.
إن طبيعة وحجم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تؤكد أن الهدف الحقيقي له يتجاوز الأهداف التكتيكية المعلنة مثل القضاء على حماس والإفراج عن الأسرى في غزة، وإنما هو هدف استراتيجي وامتداد لهدف الحركة الصهيونية التعديلية سابقا والليكود لاحقا بإعادة فرض "الجدار الحديدي" على الفلسطينيين، بعد أن كسر -إذا لم نقل انهدم- في السابع من أكتوبر. إن المطلوب إسرائيليا من العدوان على غزة هو إجبار الفلسطيني -أي فلسطيني وليس حركة حماس- على الخضوع التام للسياسية الصهيونية، وعدم الجرأة على مجرد التفكير بمقاومة هذه السياسات، والقبول بما يقدمه الاحتلال من فتات يحقق أهدافه بالهدوء واستمرار الاستيطان والسيادة على الأرض والإنسان الفلسطيني.
لبنان ضمن الاستراتيجية الصهيونية الشاملة
منذ بداية العدوان على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، أصدر قادة وسياسيو وإعلاميو الاحتلال تهديدات ضد حزب الله. كانت التهديدات في البداية تتركز على ضرورة امتناع الحزب عن المشاركة في الحرب لإسناد غزة، ثم تحولت تدريجيا لوضع مطلب جديد على الطاولة وهو منع قوات الحزب من التواجد شمال نهر الليطاني، قبل أن يبدأ التلويح بتحويل لبنان إلى "غزة ثانية".
توقيت توسيع العدوان الإسرائيلي على لبنان يرتبط فقط بتقدير جيش الاحتلال أنه قد أنهى أو أوشك على إنهاء المهمة في غزة، ولذلك فإن لديه القدرة العسكرية للتوجه إلى لبنان والتفرغ له كما استفرد في غزة لمدة عام تقريبا، ولذلك فإن الهجوم على لبنان بهذا المعنى كان حتميا، بغض النظر عن طبيعة سلوك الحزب
إن تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وتغيير مضامينها مع الوقت، يؤكد أن الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي هو تأكيد فرض "الجدار الحديدي" على لبنان باعتباره البلد الوحيد في المنطقة العربية الذي لا يزال يحاول خرق هذا الجدار. من هنا يمكن فهم سر توقيت توسيع العدوان الإسرائيلي على لبنان ابتداء من جريمة "البيجر" الإرهابية وما تلاها من عمليات في الضاحية الجنوبية وكافة الأراضي اللبنانية، بالرغم من أن حزب الله لم يوسع ضرباته والتزم تقريبا "بقواعد الاشتباك" حتى بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر في شهر تموز/ يوليو الماضي.
إن توقيت توسيع العدوان الإسرائيلي على لبنان يرتبط فقط بتقدير جيش الاحتلال أنه قد أنهى أو أوشك على إنهاء المهمة في غزة، ولذلك فإن لديه القدرة العسكرية للتوجه إلى لبنان والتفرغ له كما استفرد في غزة لمدة عام تقريبا، ولذلك فإن الهجوم على لبنان بهذا المعنى كان حتميا، بغض النظر عن طبيعة سلوك الحزب تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، لأن المقصود هو إنهاء قوة الحزب وقدرته "الكامنة" على مواجهة جدار الصهيونية الحديدي، وليس الرد على مساهمته في دعم المقاومة في غزة.
إذا أدركنا معنى العدوان على لبنان ضمن هذه الاستراتيجية الصهيونية الشاملة، فإن هذا يجب أن يعفينا من النقاشات السطحية التي ذكرناها في مقدمة المقال، لأن الاحتلال إذا استطاع أن يفرض جداره الحديدي على لبنان وغزة، فسيكون كل عربي مهددا، ولن يختلف في ذلك من كان معاديا للاحتلال أو ساعيا للتطبيع معه، ومن كان غاضبا من العدوان على لبنان وحزب الله أو مبتهجا به.
إذا حقق الاحتلال أهدافه الاستراتيجية في غزة ولبنان، عليك أن تتلفت حولك أيها العربي، فقد تجد "إسرائيل" في غرفة نومك!
x.com/ferasabuhelal
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي لبنان حزب الله غزة لبنان إسرائيل غزة حزب الله تصعيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدوان الإسرائیلی على لبنان فی السابع من أکتوبر الجدار الحدیدی العدوان على حزب الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 47 ألفا و354 شهيدًا
أعلنت مصادر طبية فلسطينية، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 47 ألفا و354 شهيدًا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بَدْء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023.
لقطات للجنة المصرية خلال تنظيمها مرور المركبات والسكان في غزة.. فيديو عائدون إلى شمال غزة: "لن نستسلم ولو عشنا في الشوارع لسنين" (فيديو)وأضافت المصادر - حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 111 ألفا و563 جريحًا، منذ بَدْء العدوان، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.
وأشارت المصادر إلى أن 48 شهيدًا وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة، منهم 37 شهيدًا انُتشلت جثامينهم، كما وصلت 80 إصابة إلى المستشفيات، نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الساعات الـ48 الماضية.
وأوضحت المصادر أن عددا من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تزال طواقم الإنقاذ غير قادرة على الوصول إليهم.
الخارجية الفلسطينية تدين جرائم الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنازل ودور العبادة في الضفة الغربيةأدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، جرائم هدم المنازل والمنشآت ودور العبادة، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتجريف الأشجار والأراضي الزراعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما في القدس وجنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، ومسافر يطا، والأغوار، وفي تقوع وغيرها.
واستنكرت الوزارة - في بيان اليوم /الثلاثاء/، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - حملات الاحتلال المستمرة في توزيع المزيد من إخطارات الهدم كما هو حاصل في سلوان وقرية النعمان شرق بيت لحم وفروش بيت دجن شرق نابلس وغيرها، معتبرة أن جرائم الهدم بالضفة من صور الدمار الهائل الذي ارتكبته قوات الاحتلال في قطاع غزة، وهي جريمة تطهير عرقي بامتياز ترتقي إلى مستوى جريمة حرب وضد الإنسانية، وتهدف إلى ضرب مرتكزات الوجود الوطني والإنساني للشعب الفلسطيني على أرضه وفي وطنه، لدفعه بعدة أشكال إلى الهجرة بالقوة عنه.
وحمّلت الوزارة، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج استمرارها في ارتكاب تلك الجرائم، خاصة تداعياتها على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، وكذلك حملت المجتمع الدولي المسؤولية عن صمته تجاه جرائم الهدم والتهجير المركبة والمتداخلة.
وطالبت الخارجية الفلسطينية بتدخل دولي عاجل لوقف جرائم الهدم وحماية الشعب الفلسطيني ولجم الاحتلال ومستوطنيه، والشروع الفوري في ترتيبات دولية ملزمة لفتح مسار سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ضمن سقف زمني محدد، كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية .