محو الأمية التكنولوجية أول خطوة فى مواجهة التطرف الفكري.. كيف يمكن فعلها؟
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
بهدف تعزيز الهوية الوطنية ورفع الوعى المجتمعي، أطلقت «الوطن» عدة حملات لمواجهة الانحراف والتطرف الاجتماعي والفكري والديني تحت شعار «مجتمع صحى آمن.. أوله وعى وأوسطه بناء وآخره تنمية، من بينها حملة تعزيز قيم الهوية الوطنية» التي تم إطلاقها تحت شعار «اختر طريقك.. في الوطن النجاة والأمان»، لمواجهة التطرف بكل أشكاله، التي لقيت قبولاً واسعا بين الخبراء والمختصين، من ضمنهم تقى النجار، باحث أول ببرنامج الأمن والدفاع أحد برامج المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وأكدت «النجار» أن التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، في عالمنا الرقمى المتسارع، وأضافت أنه مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في جميع المجالات أصبح من الضرورى تمكين الأفراد بمهارات تكنولوجية أساسية، وتتعدى أهمية محو الأمية التكنولوجية مجرد القدرة على استخدام الأجهزة، بل تمتد لتشمل القدرة على التفكير النقدي، والتحقق من المعلومات، وهى مهارات حيوية في مواجهة التطرف الفكرى.
وأوضحت «النجار» أن التطرف الفكرى يشكل تهديداً خطيراً للمجتمعات، ويسعى إلى زرع الكراهية والعنف، وفى ظل التطور التكنولوجي الهائل وجد التطرف منبراً جديداً له عبر الإنترنت إذ ينشر المتطرفون أفكارهم وأيديولوجياتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت المختلفة، مستهدفين فئات معينة، لاسيما الشباب وأضافت أن أهمية محو الأمية التكنولوجية في مواجهة التطرف الفكرى تتمثل في تمكين الأفراد وتزويدهم بالمهارات التكنولوجية اللازمة للوصول إلى المعلومات من مصادر موثوقة، وتقييمها بشكل نقدى، وهذا الأمر يجعلهم أقل عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة التي تنتشر عبر الإنترنت، كما أن المهارات التكنولوجية تساعد الأفراد في المشاركة الفعالة في المجتمع، والتعبير عن آرائهم بحرية وبالتالى بناء علاقات اجتماعية إيجابية، كل ذلك يساهم في تقوية النسيج الاجتماعي، ويضعف من جاذبية الأفكار المتطرفة، كما يسهم محو الأمية التكنولوجية في مكافحة الشائعات والأخبار الزائفة، إذ يعد التفكير النقدى والتحقق من المعلومات من أهم المهارات التي يجب أن يتمتع بها الأفراد في عصر المعلومات، فهذه المهارات تساعدهم فى تمييز الأخبار الحقيقية عن الشائعات والأخبار الزائفة التي ينشرها المتطرفون.
محو الأمية التكنولوجيةوأشارت «النجار» إلى بعض الآليات والطرق التي يمكن من خلالها محو الأمية التكنولوجية لدى كثيرين، ومساعدتهم فى مواجهة التطرف الفكري بشكل كبير، منها تنفيذ برامج تعليمية تكنولوجية تشمل جميع الفئات العمرية، مع التركيز على المهارات الأساسية، مثل استخدام الإنترنت والبريد الإلكتروني وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وأيضاً تدريب المعلمين وتجهيزهم بالمهارات اللازمة لتدريس التكنولوجيا، وتزويدهم بأحدث الأدوات والبرامج، وأضافت أنه من المهم أيضاً التعاون مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، باعتبار أن لهم دوراً كبيراً في نشر الوعي بأهمية محو الأمية التكنولوجية، وعدم الانسياق وراء الشائعات والأفكار المتطرفة، وتقديم الدعم المادى والتقنى للمبادرات في هذا المجال، كما يمكن محو الأمية التكنولوجية من خلال تطوير المحتوى الرقمي ليكون جذاباً ومفيداً، يعزز القيم الإيجابية ويواجه الأفكار المتطرفة.
تقنيات الذكاء الاصطناعيكما أكدت الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أن تقنيات الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، إذ تحمل العديد من الإيجابيات على المستويات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، لكنها في الوقت ذاته يمكن توظفيها كأداة في يد التنظيمات المتطرفة، ما يتطلب ضرورة التنسيق بين المنصات والشركات المنتجة لتقنيات الذكاء الاصطناعي والمجتمع المدنى والأوساط الأكاديمية والحكومات وجميع الأطراف ذات الصلة، من أجل الحد من التوظيفات الضارة لتلك التكنولوجيا من جهة، وتقديم حلول استباقية للتعامل مع هذا النوع من التهديدات من جهة أخرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محو الأمية محو الأمية التكنولوجية الأمية التكنولوجية التطرف الفكري الذكاء الاصطناعي مواجهة التطرف
إقرأ أيضاً:
محمود محمد طه بين التجديد والاتهام- قراءة موضوعية في الجدل الفكري السوداني
لم يعرف المجتمع السوداني طيلة تاريخه الحديث طرحًا فكريًا وإصلاحياً تجاوز رؤية الإمام المهدي، الذي أعاد صياغة الواقع الديني والاجتماعي في السودان وفق تصوره الإسلامي القائم على المهدوية. لكن في القرن العشرين، برزت محاولات فكرية عديدة حاولت تقديم قراءات جديدة للإسلام، مثل أفكار محمود محمد طه، التي أثارت جدلاً واسعاً بين من يعتبرها تجديداً ومن يراها هدماً للثوابت الإسلامية.
جاءني أحدهم بمجموعة من التساؤلات حول فكر محمود محمد طه، ومن بينها:
هل يمكن اعتبار فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم أنه فكر هدمي؟
هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز الأحكام الفقهية أم تجاوز كلام الله سبحانه وتعالى؟
ما هي الأخلاق التي دعا إليها محمود محمد طه، وهل كانت مجرد ارتهان للثقافة الغربية؟
على مستوى العالم الإسلامي، شهدت الحركات الفكرية الإسلامية تنوعًا في الطرح الإصلاحي، بدءًا من محمد عبده ورشيد رضا، مرورًا بأبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ووصولاً إلى مالك بن نبي، وعبد الله دراز، وفضل الرحمن، وعلال الفاسي. كل هؤلاء المفكرين قدموا اجتهادات متنوعة في فهم الإسلام وتطبيقه في الواقع الحديث، لكن بدرجات متفاوتة من القبول والرفض. في السودان، بقي الجدل محصورًا حول طرح محمود محمد طه، الذي حاول تجاوز الأحكام الفقهية التقليدية نحو ما أسماه "الرسالة الثانية من الإسلام"، وهو طرح واجه معارضة حادة، سواء من المؤسسة الدينية الرسمية أو التيارات الإسلامية المختلفة.
هل كان فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم هدماً؟
إن تصنيف الفكر الإصلاحي يختلف باختلاف زاوية النظر إليه. يرى أنصاره أنه قدم اجتهادًا يتماشى مع متطلبات العصر، بينما يراه معارضوه خروجًا صريحًا عن تعاليم الإسلام. لقد قام طه بتقسيم الإسلام إلى "رسالة أولى" تتجسد في الأحكام الفقهية التي نزلت في المدينة، و"رسالة ثانية" تعود إلى المبادئ الأخلاقية والروحية للإسلام المكي. من هذا المنطلق، دعا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية وفقاً لمقاصد الشريعة الكبرى وليس وفق الأحكام الفقهية التقليدية.
لكن المشكلة الأساسية في طروحاته أنه لم يتوقف عند نقد اجتهادات الفقهاء، بل تجاوز ذلك إلى رفض بعض الأحكام القطعية، مما جعله عرضة لاتهامات بالخروج عن الإسلام. إن طرحه يختلف جذريًا عن الاجتهادات الإصلاحية التي قدمها مفكرون آخرون، مثل محمد عبده أو مالك بن نبي، الذين سعوا إلى التوفيق بين النصوص الدينية ومتطلبات العصر دون التخلي عن الأصول القطعية.
هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز كلام الله؟
يُتهم محمود محمد طه بأنه تجاوز كلام الله واستبدله بتفسيرات بشرية خاضعة للظروف الاجتماعية. لكن من وجهة نظر أنصاره، لم يكن يدعو إلى تجاوز النصوص بقدر ما كان يسعى إلى إعادة تأويلها وفق رؤيته، مستندًا إلى فكرة أن الأحكام الفقهية هي اجتهادات بشرية تتغير بتغير الزمان والمكان.
غير أن هذا التفسير واجه اعتراضات قوية، لأن بعض ما دعا إليه محمود محمد طه كان يتعلق بأحكام قطعية، مثل الحدود، التي اعتبرها صالحة لعصر معين وليست جزءًا ثابتًا من الشريعة. وهذا ما جعل الكثيرين يرون في فكره خروجًا عن الثوابت الإسلامية، في حين يرى آخرون أنه اجتهاد يمكن مناقشته من داخل المنظومة الإسلامية وليس بالضرورة رفضه كليًا.
هل كان محمود محمد طه مرتهنًا إلى الثقافة الغربية؟
من الانتقادات الموجهة إلى طه أنه تأثر بالطرح الليبرالي الغربي أكثر من تأثره بالفكر الإسلامي التقليدي. فقد ركز على مفاهيم الحرية والمساواة بأسلوب يجعله أقرب إلى الفكر الغربي الحداثي منه إلى الرؤية الإسلامية الكلاسيكية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مشروعه نشأ في سياق سوداني محض، وكان يهدف إلى التعامل مع الإشكالات التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان طه أول من تأثر بهذه الأفكار؟ بالطبع لا، فقد سبقه العديد من المفكرين الإسلاميين الذين سعوا إلى إعادة تفسير الإسلام بطرق تتماشى مع العصر، مثل محمد إقبال في الهند، وفضل الرحمن في باكستان، وعلال الفاسي في المغرب. الفرق أن طه ذهب إلى مدى أبعد في رؤيته، مما جعله عرضة للنقد العنيف.
سواء اتفقنا مع محمود محمد طه أم اختلفنا معه، لا يمكن إنكار أنه يمثل تيارًا فكريًا حاول إعادة قراءة النصوص الإسلامية وفق رؤية جديدة. المشكلة لم تكن في طرح الأسئلة، بل في طبيعة الأجوبة التي قدمها، والتي جعلته في صدام مع المؤسسة الدينية التقليدية. لكن هذا لا يعني أن النقد الفكري له يجب أن يكون من باب الاتهام المطلق، بل يجب أن يكون مبنيًا على التحليل الموضوعي، تمامًا كما تعامل الفكر الإسلامي مع العديد من المفكرين السابقين الذين أثاروا الجدل قبل أن يتم تقييمهم لاحقًا في سياقاتهم التاريخية والفكرية.
zuhair.osman@aol.com