لجريدة عمان:
2025-03-15@07:56:01 GMT

خطة زيلينسكي للسلام التي لا بد أن يدعمها بايدن

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

في وقت سابق من الأسبوع الماضي، بدأت رحلة بطول ثلاثة آلاف كيلومتر على مدى يومين راجعًا من طرف أوروبا الآخر، حيث شهدت صمود أوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية في مدينة خاركوف المحاصرة. قالت لي محاضرة جامعية إنها كانت ترى فعليا -من شرفة الطابق الثاني عشر في الضاحية الثالثة عشرة- أضواء الصواريخ عند إطلاقها من المنصات في الجهة الأخرى من الحدود في مدينة بيلجورود الروسية.

بوسع صاروخ إس-300 أن يصل إلى خاركيف من بيلجورود في غضون ثلاثين ثانية، وإذن فلا وقت للاختباء. وإن لم يكن صاروخا، فقنبلة انزلاقية تطلقها طائرة حربية روسية، وهكذا، يوما بعد يوم ينهمر الموت على المدينة دونما مبالاة.

بعد أكثر من تسعمائة يوم في أطول حرب تشهدها أوروبا منذ عام 1945، تقترب أوكرانيا من لحظة حقيقة خطرة. فداود الأوكراني لديه الشجاعة والإبداع، لكن جالوت الروسي لديه القسوة والحشود. في موقع تحت الأرض في خاركيف، رأيت استعمالات عسكرية مبتكرة وشديدة الذكاء لتكنولوجيا المعلومات والمسيّرات. فقد طورت أوكرانيا بابتكاراتها ذات الطابع القوزاقي مائتي نوع مختلف من المسيرات.

حتى أن ثمة طرفة عن ناشطين أوكرانيين التقيا:

«كيف حال شركتك لإنتاج المسيرات؟»

«عظيمة، شكرا على السؤال. لكن كيف عرفت أن عندي شركة».

«وكيف لا يكون عندك شركة؟».

أجد شجاعة الجنود الأوكرانيين داعيًا دائمًا لأن يتواضع المرء أمامها، ولكنهم ينسحقون أمام حجم الهجوم الروسي وعزم الكرملين على استعمال مواطنيه أنفسهم وقودا للمدافع. فقد أمر فلاديمير بوتين للتو بزيادة عدد الجيش الروسي العامل إلى مليون ونصف المليون. و«الأمر كله يتعلق بالأرقام» مثلما قال لي ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية. ولقد تسبب غزو أوكرانيا الجسور لمنطقة كورسك الروسية دفعة نفسية كبيرة، لكن الآراء منقسمة انقساما حادا إزاء جدواه الإستراتيجية.

في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا، ثمة خطر حقيقي من حدوث فتح روسي في حال استيلاء قوات بوتين على مركز بوكروفسك اللوجستي. والأوكرانيون منهكون. والإحساس بالصدمة كامن تحت السطح مباشرة. ولقد رأيت مرات عديدة أعين الجنود الأشداء تغيم حينما يذكرون من سقط من رفاقهم. وقد تعرض أكثر من نصف بنية البلد الأساسية للدمار. وسوف يكون الشتاء قاسيا. وفي الوقت نفسه، يواصل الغرب تردده وتراجعه، خائفًا من التصعيد، بقيادة من رئيس الولايات المتحدة جو بايدن (لو صح استعمال كلمة القيادة في هذا السياق).

في ضوء هذا كله، يقدم القادة الأوكرانيون على القيام بخطوة جديدة. فبعد سنتين من الحديث عن النصر الكامل، وهو استعادة جميع الأراضي الأوكرانية وفقا لحدود عام 1991، ومنها شبه جزيرة القرم ومنطقة الدونباس، يتكلمون الآن عن التوصل إلى موقف يمكِّن الأوكرانيين من التفاوض من موضع قوة. غير أنهم ـ خلافا للكثيرين في الغرب ـ يفهمون أن السبيل الوحيد إلى تحقيق ذلك هو قلب المسار في ساحة القتال: بتوجيه ضرب مبرح إلى جالوت في كعبيه، إن لم يكن في مؤخرته. وهي رؤية بالغة الأهمية. فقد وجه محاور غربي سؤلا لأحد زعماء آسيا الوسطى ممن يعرفون بوتين جيدا عما لو أن الرئيس الروسي سوف يتفاوض. فجاءت إجابته القاطعة بنعم «عندما يقول له الجنرالات إنه يخسر».

وهذا هو ما كان الرئيس فلوديمير زيلينسكي يفكر فيه حينما قال أمام مؤتمر يالطا للإستراتيجية الأوروبية في كييف الأسبوع الماضي إننا بحاجة إلى «ما يغير قواعد اللعبة لنحمل روسيا على السلام». وفيما تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سوف يقدم زيلينسكي شخصيًا خطته لبايدن. ويأتي على رأس القائمة الحصول على إذن أمريكي باستعمال الصواريخ الغربية ـ ومنها صواريخ (شادو ستورم) البريطانية المزودة بتكنولوجيا استهداف أمريكية ـ لضرب المواقع التي تخرج منها الهجمات في روسيا. ولقد كان يمكن إنقاذ حياة الكثير من الأنفس لو حدث هذا من قبل. إذ قال لي رئيس بلدية إقليمية في خاركيف إنه في غضون أشهر قليلة من سماح بايدن أخيرًا - وفي مواجهة هجوم روسي جديد على خاركيف في مايو الماضي - بشن ضربات محدودة على أهداف عبر الحدود القريبة، انخفض عدد هجمات صواريخ إس-300 على ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا. (وإن لم تتم حتى الآن إعاقة القنابل الانزلاقية التي يتم إطلاقها من الجو)

لا نعرف جميع تفاصيل خطة زيلينسكي، لكن بجانب هذه الهجمات العميقة يحتمل أنها سوف تحتوي طلبا بتمويل مستدام، بعد التأخير الشديد هذا العام في تصويت الكونجرس الأمريكي على واحد وستين مليار دولار، وتشديد العقوبات على روسيا ومساعديها في الصين والهند، إضافة إلى استعمال الأصول الروسية المجمدة في الغرب لإعادة إعمار أوكرانيا، ومحاولة جريئة لمنح درع من الناتو كالذي يقدم للأعضاء يغطي تقريبا أربعة أخماس الأراضي الخاضعة للسيادة الأوكرانية التي تسيطر عليها كييف فعليا.

ثمة مشكلتان تعترضان هذه الخطة. أولاهما أن سجل بايدن كله يوحي بأنه لا يرجح أن يمنح زيلينسكي إلا نتفة مما يطلبه. فثمة خلاف حاد داخل إدارته حول الضربات العميقة. والتمويل المستقبلي يتوقف على الكونجرس. وزيلينسكي لم يحصل بالطبع على التزام من الناتو كالتزامه تجاه أعضائه بشأن أي جزء من أوكرانيا. لقد كان التدرج خوفا من التصعيد هو السمة المميزة لمجمل تعامل هذا الرئيس ومستشاره للأمن الوطني جاك سوليفان مع الحرب. ومثلما قال لي صديق أوكراني في رقة: إن «الأوكرانيين يشعرون بانزعاج من إدارة سوليفان للتصعيد». فما احتمالات أن يغير الرجل الهرم نهجه بشكل كبير الآن في الهزيع الأخيرة من رئاسته؟

والثانية أنه حتى لو فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذا كله، فهل من شأنه أن يؤدي إلى الأثر الذي يجعل بوتين يسمع من جنرالاته أنه يخسر؟ وكيف بالضبط يمكن أن يتحقق ذلك؟ ربما باستهداف بنية روسيا الأساسية في مجال الطاقة؟ مفهوم أن يحجم المسؤولون الأوكرانيون عن الإفصاح عن دقائق خططهم العسكرية، ولكن خبيرًا عليمًا بالدفاع يتساءل عن كم ما يمكنهم تنفيذه واقعيا في الأشهر القادمة. ففي مؤتمر يالطا تحدث العقيد بافلو باليسا قائد فيلق النخبة الثالث والتسعين الأوكراني عن «طغيان الوقت». فعلى الجبهة يلزم التحرك بسرعة فائقة لضرب خمسة أهداف أساسية للعدو فور ظهورها، ولكن مع حلول الوقت الذي تتوافر فيه الأسلحة والتصريحات اللازمة، يكون الأوان قد فات، ويكون «هناك خمسون هدفًا». وبالوتيرة التي يتحرك بها الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يلعب الوقت لصالح روسيا. ومن نافلة القول أن بوتين ينتظر إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر.

وهذا سبب إضافي يدعو نائبة الرئيس كامالا هاريس التي سترث تحديه الجيوسياسي الرئيسي في حال توليها الرئاسة، ويدعو جميع الحلفاء الأوروبيين ممن يفهمون مدى خطورة الوضع، إلى حث بايدن على القفز قفزة كبيرة واتخاذ الخطوات التي من شأنها تغيير قواعد اللعبة الآن. فقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتمكين أوكرانيا من تحقيق شيء يصح وصفه بالنصر، وهذا هو الشرط المسبق لتحقيق سلام دائم. وإلا ستضطر كييف على الأرجح إلى رفع دعوى لوقف الأعمال العدائية في وقت ما من العام المقبل، والتفاوض من موقف الضعف. ولن يكون هذا سلاما، وإنما سيكون محض توقف قبل جولة أخرى من الحرب. وسنرى في أوكرانيا يأسا وغضبا، وفي الكرملين ابتهاجا، وفي بقية العالم ـ وهذا هو الأخطر ـ ازدراء متزايدا لضعف الغرب.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

واشنطن تشدد العقوبات على روسيا وتعتزم تزويد أوكرانيا بـ«قنابل» بعيدة المدى

ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن “إدارة ترامب ستفرض مزيدا من القيود على قطاعات النفط والغاز والبنوك في روسيا، من خلال زيادة تقييد الوصول إلى أنظمة الدفع الأمريكية”.

ونقلت وكالة “سي بي إس نيوز” عن أربعة أشخاص وصفتهم بالمطلعين، أن “وزارة الخزانة سمحت، يوم الأربعاء، بإنهاء إعفاء مدته 60 يوما تم وضعه من قبل إدارة بايدن في يناير، سمح باستمرار معاملات محددة في مجال الطاقة تشمل بنوكا روسية خاضعة للعقوبات”.

ومن خلال السماح بإنهاء هذا الإعفاء، “قد لا تتمكن البنوك من الوصول إلى أنظمة الدفع الأمريكية لإجراء معاملات رئيسية في مجال الطاقة”.

وشملت المؤسسات المالية الروسية التي كانت معفاة من العقوبات، “فنيشيكونوم بنك”، ومصرف “أوكريتيه” المالي، و”سوفكوم بنك”، و”سبير بنك”، ومصرف “في تي بي”، ومصرف “ألفا”، و”روس بنك”، ومصرف “زينيت”، ومصرف “سان بطرسبورغ”، والبنك المركزي الروسي.

ويجعل قرار تقييد الوصول إلى الأنظمة المصرفية الأمريكية بشكل أكبر “من الصعب على الدول الأخرى شراء النفط الروسي، مما يحد من العرض العالمي”.

وقد يؤدي ذلك إلى “ارتفاع الأسعار بما يصل إلى 5 دولارات للبرميل”، وهي قفزة ملحوظة بعد انخفاض الأسعار في الأسابيع الأخيرة.

وسبق أن صرح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، بأن “الولايات المتحدة لن تتردد في زيادة ضغط العقوبات المفروضة على روسيا إلى أعلى مستوى ممكن”.

واشنطن تعتزم استئناف تزويد أوكرانيا بقنابل “GLSDB” بعيدة المدى

بدورها، أفادت وكالة “رويترز” بأن “الولايات المتحدة تخطط لاستئناف إمداد أوكرانيا بقنابل “GLSDB” الفائقة الدقة والبعيدة المدى في الأيام القليلة القادمة”.

وذكرت الوكالة نقلا عن مصادر، أن “القنابل ستصل إلى أوكرانيا قريبا “ومن المتوقع استخدامها في ساحة المعركة في الأيام القليلة القادمة، حيث إن الإمدادات موجودة بالفعل في أوروبا”، مشيرة إلى أن “آخر مرة استخدمت فيها أوكرانيا هذه القنابل كانت منذ عدة أشهر”.

وأشارت الوكالة إلى أن “هذه الإمدادات تأتي في وقت تشير فيه التقارير إلى أن مخزونات صواريخ “ATACMS” ذات المدى المشابه قد نفدت في أوكرانيا”.

وفي الأسبوع الماضي، أفادت وسائل إعلام غربية بأن “الولايات المتحدة أوقفت تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا”، وهو ما أكده مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، جون راتكليف. كما قامت واشنطن “بحظر مشاركة بيانات الاستخبارات مع كييف وحتى مع حلفائها”.

بالإضافة إلى ذلك، علقت الولايات المتحدة جميع أنواع المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وسيستمر التعليق حتى يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن “نظام كييف يظهر التزاما بالمفاوضات السلمية”، وفقا لما ذكرته شبكة “فوكس نيوز”.

يذكر أن قنابل “GLSDB” هي تصميم مشترك بين شركتي “بوينغ” الأمريكية و”سآب” السويدية، اللتين أضافتا إلى القنبلة الجوية محركا صاروخيا وتم تكييفها بحيث يمكن إطلاقها من راجمات الصواريخ، وأعلنت شركة “سآب” السويدية أن “مدى عمل الصاروخ يصل إلى 150 كلم”.

وتخصص قنابل “GLSDB” لتدمير أهداف برية محصنة، بينها الأهداف الخرسانية التي لا يمكن إصابتها بوسائل أخرى.

مقالات مشابهة

  • ترامب يتوقع أخبارا جيدة من روسيا وستارمر يشكك في جدية بوتين
  • الأمم المتحدة تتهم روسيا بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في أوكرانيا
  • واشنطن تشدد العقوبات على روسيا وتعتزم تزويد أوكرانيا بـ«قنابل» بعيدة المدى
  • زيلينسكي يتهم بوتين بالتحضير لرفض أي اقتراح يتعلق بوقف إطلاق النار في أوكرانيا
  • روسيا ترسم مسارًا طويل الأمد للأزمة الأوكرانية.. رفض خطط ترامب وتفكيك كييف كشرط للسلام
  • روسيا: مستعدون لمحادثات مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا
  • خطة ترامب في أوكرانيا.. وثيقة "سرية" تكشف نية روسيا
  • ترامب يعترف بأن حلف “الناتو” يخوض حربا ضد روسيا في أوكرانيا
  • ترامب يعترف: حلف الناتو يخوض حربا ضد روسيا في أوكرانيا
  • لافروف: روسيا لن تقبل بأي وجود لقوات الناتو في أوكرانيا تحت أي ظرف