ترجمة: بدر بن خميس الظفري

عندما هاجمت ميليشيا الجانجويد قرية مريم سليمان فـي منطقة دارفور بالسودان العام الماضي، واصطف الرجال والفتيان لارتكاب مذبحة فـيهم. كان المسلحون صريحين بشأن هدفهم.

قال أحد زعماء الميليشيات: «لا نريد أن نرى أي شخص أسود»، وأضاف ساخراً: «لا نريد حتى أن نرى أكياس قمامة سوداء». ولكي يؤكد وجهة نظره، قالت مريم إنه أطلق النار على حمار لأنه أسود.

قالت مريم إن أفراد الميليشيا أعدموا بعد ذلك رجالاً وأولاداً ينتمون إلى مجموعات عرقية أفريقية سوداء. وأخبرتني مريم كيف نجا شقيقها الأصغر من الرصاصة الأولى فناداها مستغيثاً، ثم ما لبث حتى أطلق عليه أحد أفراد الميليشيا النار فـي رأسه، وسألها بسخرية عن رأيها بشأن ذلك. قالت مريم: «لقد أطلقوا النار على إخوتي الخمسة، واحدًا تلو الآخر».

وأضافت مريم أن الميليشيا حاولت بشكل منهجي قتل جميع الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات، كما قتلت بعض الأطفال الأصغر سنا، وأن طفلا عمره يوم واحد ألقي على الأرض وقُتل، كما ألقي طفل رضيع فـي بركة ليغرق.

وأضافت أن المسلحين جمعوا النساء والفتيات فـي حظيرة لاغتصابهن. وقالت: «لقد اغتصبوا العديد من الفتيات». وأن أحد الرجال حاول اغتصاب مريم، وعندما رفضت ضربها. وكانت حاملاً فسقط جنينها.

قال لها أحد أفراد الميليشيا: «أنتم عبيد، ولا مكان لكم أيها السود فـي السودان». لذا فرت مريم إلى تشاد المجاورة، وهي واحدة من أكثر من عشرة ملايين سوداني نزحوا قسراً منذ اندلاع الحرب الأهلية العام الماضي فـي البلاد، والتي أشعلت أعمال عنف ضد الجماعات العرقية الأفريقية السوداء مثلها.

إن الفظائع التي تجري هناك هي صدى للإبادة الجماعية التي شهدتها دارفور قبل عقدين من الزمان، مع وجود مشكلة إضافـيّة وهي المجاعة. ولكن هناك فرق كبير، ففـي ذلك الوقت، احتج زعماء العالم والمشاهير وطلاب الجامعات بقوة على المذبحة، ووحّدوا قواهم لإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح. أما اليوم، وعلى النقيض من ذلك، فإن العالم مشتت وصامت. وعلى هذا فإن إفلات هؤلاء المجرمين من العقاب يسمح للعنف بالاستمرار دون رادع، وهو ما يؤدي بدوره إلى إنتاج ما قد يصبح أسوأ مجاعة منذ نصف قرن أو أكثر.

قالت لي سيندي ماكين، المديرة التنفـيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة: «إن الوضع يفوق كل ما رأيناه من قبل. إنه كارثي ما لم نتمكن من إنجاز مهمتنا».

يجتمع زعماء العالم فـي نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنهم غير مبالين إلى حد كبير بالسودان، ومن غير المرجح أن يتمكنوا من اتخاذ قرار حاسم. إن ما نحتاج إليه هو ضغوط أكبر لإنهاء الحرب الأهلية بين القوات المسلحة السودانية والميليشيات المنافسة، وضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية. إن كل الأطراف فـي الحرب تتصرف بشكل غير مسؤول، لذلك أصبح أكثر من نصف سكان السودان البالغ عددهم 25 مليون شخص يعانون من سوء التغذية الحاد بالفعل، كما تم الإعلان رسمياً عن المجاعة فـي إحدى مناطق السودان فـي الصيف.

أخبرني، تيمو جاسبيك، وهو خبير فـي الكوارث وضع نموذجاً للأزمة السودانية فـي معهد أبحاث فـي هولندا، أخرني أنه يتوقع موت 13 مليون إنسان جوعا فـي السودان بحلول أكتوبر 2025، بهامش خطأ يبلغ مليونين. وهذا يعني أن هذه المجاعة هي الأسوأ فـي تاريخ العالم، والأسوأ منذ المجاعة الكبرى التي ضربت الصين قبل 65 عاما. أما المجاعة الشهيرة التي ضربت أوكرانيا فـي ثلاثينيات القرن العشرين قتلت ربما أربعة ملايين إنسان، وإن كانت التقديرات متباينة.

لا أستطيع أن أؤكد أن كارثة بهذا المستوى على وشك الحدوث، فقد منعتني الأطراف المتحاربة من دخول المناطق السودانية التي تسيطر عليها، لذا فقد قمت بتغطية الأحداث على طول الحدود بين تشاد والسودان، وقد وصف اللاجئون الوافدون المجاعة، لكنهم لم يصفوا الوفـيات الجماعية بسبب سوء التغذية.

كل ما أستطيع قوله هو أنه سواء كانت المجاعة الكارثية محتملة أم لا، فهي تشكل خطراً كبيراً، ومن بين المعرضين للخطر أشخاص مثل ثريا محمد، وهي فتاة يتيمة تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، أخبرتني كيف تحطمت حياتها عندما هاجمت قوات الدعم السريع، وهي المجموعة نفسها التي قتلت إخوة مريم الخمسة، هاجمت قريتها وبدأت فـي حرق المنازل وإطلاق النار على الرجال والفتيان.

قالت لي: «لقد قُتل الكثير من الرجال، مثل حبات الرمل».

قامت قوات الدعم السريع بعد ذبح الرجال فـي قرية ثريا باغتصاب العديد من النساء والفتيات. وأضافت أن ابنة عم ثريا، وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا، كانت من بين المختطفـين على يد الميليشيات ولم يرها أحد منذ ذلك الحين.

قتل والد ثريا على يد الميليشيات، وتوفـيت والدتها فـي وقت سابق، لذا أصبحت هي الآن ربة الأسرة فـي السادسة عشرة من عمرها. قادت شقيقها الأصغر وشقيقتيها الأصغر سناً إلى بر الأمان سيرًا على الأقدام إلى مدينة أدري الحدودية التشادية. حاول مسلحون سرقتهم عدة مرات، لكن العائلة لم يعد لديها ما يُسْرق.

الآن، فـي مخيم للاجئين فـي تشاد، تعمل ثريا لإطعام أشقائها. ومثلها كمثل اللاجئين الآخرين، تحصل على حصة غذائية شهرية من برنامج الغذاء العالمي، وهي حصة تساعدها ولكنها غير كافـية. وهي تدعم أسرتها من خلال البحث عن وظائف يومية فـي غسل الملابس أو تنظيف المنازل مقابل نحو 25 سنتاً فـي اليوم. وعندما تجد عملاً، فإنها تأكل هي وأشقاؤها؛ وإذا لم تجد عملاً، فإنهم ينامون جائعين.

عندما مررت بكوخهم، لم تتمكن ثريا من العثور على عمل فـي ذلك اليوم. أعطاها أحد الجيران الطيبين كوبًا من القهوة، لكنها لم تأكل أي شيء منذ اليوم السابق، ولم يكن هناك أي أمل فـي تناول العشاء أيضًا. أخبرتني ثريا، وهي تبكي، ،أنه إذا لم يكن هناك طعام، فإنها تقدم الماء لإخوتها بدلاً من العشاء.

ثريا تبكي من شدة الجوع. لقد كانت الدموع تنهمر بصمت على خديها خجلاً من عجزها عن إطعام أخيها وأخواتها.

قالت لي: «عندما لا يكون هناك ما يكفـي من الطعام، أعطيه لأخواتي وأخي. إنني أظل جائعة إلا إذا استدعاني جيراني لتناول الطعام معهم». شقيقتها الصغرى فاطمة أكدت ما تقوله ثريّا.

قالت :»أفضّل أن تأكل شقيقاتي وأخي، فهم يبكون عندما يشعرون بالجوع، وأنا لا أستطيع أن أتحمل سماع بكائهم».

تقاوم فاطمة الجوع وتحاول أن تعيد لأختها بعض الطعام. لكن ثريا ترفض تناوله وتخرج، وتطلب من أخيها وأخواتها أن يأكلوا بينما تبحث هي عن شيء لنفسها. وهم جميعًا يعرفون أنها لن تجد شيئًا فـي مخيم اللاجئين الذي يضم حوالي 200 ألف جائع.

آمل أن تلهم شجاعة ثريا الرئيس بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، إلى جانب زعماء العالم المجتمعين فـي الأمم المتحدة، لاستحضار عزم مماثل لمعالجة المذابح والمجاعة فـي السودان. لقد ساهمت الدول المانحة بأقل من نصف المبلغ الذي تحتاجه وكالات الأمم المتحدة لتخفـيف أزمة الغذاء فـي السودان، ولم تضغط بقوة لضمان وصول المساعدات الإنسانيّة أو وقف تدفق الأسلحة التي تدعم الحرب.

بايدن، الذي انتقد الرئيس جورج دبليو بوش قبل عشرين عاماً لعدم بذله ما يكفـي من الجهود لوقف الإبادة الجماعية فـي دارفور، قدم المساعدات وعين مبعوثاً خاصاً للدفع باتجاه محادثات السلام، ولكنه لم يتكلم كثيراً عن الأزمة الحالية. كما أن هناك دولا أخرى معروفة شريكة للولايات المتحدة تزود الميليشيات بالأسلحة، ولكن بايدن لم يطالبها علناً بقطع هذا الدعم عن القتلة والمغتصبين.

وتكمن النتيجة المترتبة على هذا الإهمال فـي خطر حدوث مجاعة مروعة، وأيضا فـي خطر اندلاع حرب لا نهاية لها، وتفتيت السودان، وتدفقات اللاجئين الهائلة، وعدم الاستقرار فـي جميع أنحاء المنطقة.

وبينما يستمتع زعماء العالم فـي الجمعية العامة للأمم المتحدة بمآدب فخمة للاحتفال بإنسانيتهم، أرجو أن يتذكروا حالَ فتاة يتيمة من دارفور، تتجاهل جوعها وتقسم فتات الخبز بين إخوتها وأخواتها.

يا ثريا. ليس هناك أي سبب للشعور بالخجل من أن إخوتك جوعى؛ فالعار يقع على عاتق من يملكون السلطة، أولئك المتخمين من الطعام، العميان عما أنتم فـيه من جوع وخوف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: زعماء العالم فـی السودان

إقرأ أيضاً:

محكمة العدل الدولية تنُظر في قضية تورط الإمارات في الحرب ودعمها الإبادة الجماعية في دارفور

(سونا) تنظر محكمة العدل الدولية يوم الخميس العاشر من أبريل في الشكوى المقدمة من السودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، بضلوعها في جرائم مليشيا الدعم السريع بالسودان لا سيما جريمة الإبادة تجاه مجموعة المساليت والإنتهاكات المرصودة في وسط السودان ودارفور.

ويمثل بدء النظر في قضية السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، لحظة محورية في الاستجابة الدولية للحرب في السودان، ولحظة مهمة للكشف عن الدور الاماراتي بالمشاركة في الحرب من خلال أدلة وثقتها تقارير دولية صحفية تثبت تورطها، من خلال العثور على اسلحة ووثائق ثبوتية اماراتية فى مواقع بالخرطوم، حيث يعد سلوك الإمارات وتدخلها في الحرب بالسودان إنتهاكا للالتزامات المنصوص عليها بموجب إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها

تورط الامارات :

‏ويتهم السودان رسميا الإمارات العربية المتحدة بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال دعم مليشيا الدعم السريع التي ارتكبت فظائع وتسببت في نزوح واسع النطاق.

‏ويسلط هذا الإجراء القانوني الضوء على مجموعة متزايدة من الأدلة، بما في ذلك تقارير تحقيقية مفصلة وبيانات الأقمار الصناعية، والتي تشير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دورا رئيسيا في تأجيج الصراع.

‏ولا تمثل هذه الإجراءات اختبارًا للمساءلة الدولية فحسب، بل إنها تسلط الضوء أيضًا على التأثيرات والتدخل السالب للامارات المتسبب في تفاقم الأزمة الانسانية في السودان.

وتشير العديد من الادلة التي تم تقديمها الى تورط الامارات في حرب السودان واستمرارها.

تهم الابادة :

وطلب السودان المقدم امام محكمة العدل الدولية يتعلق "بأفعال ارتكبتها" مليشيا الدعم السريع تشمل، الإبادة الجماعية، والقتل، وسرقة الممتلكات، والاغتصاب والتهجير القسري، والتعدي على ممتلكات الغير، وتخريب الممتلكات العامة وانتهاك حقوق الإنسان.

وتقول الحكومة أن كل هذه الأفعال تم ارتكابها من خلال الدعم المباشر المقدم لمليشيا الدعم السريع المتمردة من قبل الإمارات، وان الإمارات اشتركت في جريمة الإبادة الجماعية ضد المساليت من خلال توجيهها وتقديمها دعما ماليا وسياسيا وعسكريا واسع النطاق لميليشيا الدعم السريع المتمردة.

شحنات سرية :

وتشير العديد من الأدلة التي نشرت فى مواقع إعلامية وعلى شبكة الإنترنت إلى تورط الإمارات من خلال اثباتات تناولتها تقارير استقصائية ومقالات تؤكد ضلوع الإمارات في حرب السودان، من خلال تقديم كل العون اللوجستي والميداني للمليشيا تحت غطاء المساعدات الإنسانية، حيث تم رصد حركة شحنات الأسلحة المتخفية في صورة مساعدات قامت الإمارات بنقلها لمليشيا الدعم السريع تحت غطاء المساعدات الإنسانية. وتشير التقارير إلى أن طائرات شحن إماراتية نقلت أسلحةً إلى مطار أم جرس في تشاد، إذ تحدثت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مشاركة الإمارات في تقديم الدعم للمليشيا وجاء ذلك تحت عنوان (الحرب الأهلية في السودان تغذيها شحنات أسلحة سرية من حلفاء أجانب)، ونُشرت في 15 أكتوبر 2024.

واوردت وكالة رويترز فى تقرير نُشر في 12 ديسمبر 2024 بأن مشرعون أمريكيون يجدون أن الإمارات تزود مليشيا الدعم السريع بالأسلحة، وفي ذات السياق نشر موقع مراقب الشرق الأوسط تقريرا عن العثور على أسلحة إماراتية وصلت لمتمردي الدعم السريع.

‏كما أورد موقع منتدى الدفاع الأفريقي أخبارا تشير الى ان الأدلة على إمداد الإمارات العربية المتحدة لمليشيا الدعم السريع تتزايد.

وثائق إماراتية :

‏تتضمن الوثائق المقدمة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صورًا لجوازات سفر إماراتية عُثر عليها لدى مليشيا الدعم السريع في السودان. تشير هذه الجوازات إلى وجود صلة مباشرة بين الإمارات العربية المتحدة وأفراد من مليشيا الدعم السريع، مما يُشير إلى تورط إماراتي ميداني.

‏وتشير أدلة دامغة إلى تورط الإمارات في الحرب الأهلية في السودان، وذلك وفقا لتقرير نشره موقع ‏عين الشرق الأوسط في 25 يوليو 2024، وأشار الموقع الى أن جوازات سفر إماراتية عُثر عليها في السودان تُشير إلى وجود قوات إماراتية على الأرض.

وكذلك يشير تقرير نُشر في 27 أغسطس 2024 لموقع منتدى الدفاع الأفريقي إلى اكتشافات في أم درمان تؤكد دعم الإمارات السري لمليشيا الدعم السريع.

أسلحة إماراتية :

ويؤكد ذلك توفير المعدات العسكرية المتقدمة حيث ‏ظهرت لقطات تُظهر متمردى مليشيا الدعم السريع وهم يمتلكون أسلحة متطورة، مثل صواريخ كورنيت المضادة للدبابات وناقلات جند مدرعة. وتشير تقارير أن بعض هذه المعدات مصدرها الإمارات العربية المتحدة، مما يشير إلى سلسلة توريد أسلحة للمليشيا.

ويُورد المجلس الأطلسي في تقرير له نُشر في 17 ديسمبر 2024 ان السودان عالقٌ في شباك التدخل الخارجي. فلماذا لا يزال الرد الدولي غائبًا؟ في إشارة الى التورط والدور الاماراتي في السودان.  

مقالات مشابهة

  • السودان لمحكمة العدل الدولية: الإمارات تؤجج الإبادة الجماعية في دارفور
  • الأمم المتحدة: الآلاف مهددون بالموت في السودان إذا تعذر الوصول الإنساني وتوفير الموارد
  • محكمة العدل الدولية: حيثيات السودان كافية للسير في الدعوى وتحفظات الإمارات عمومية
  • العدل الدولية تبدأ نظر شكوى السودان ضد الإمارات
  • العدل الدولية تعلق على شكوى السودان ضد الإمارات
  • تحذير أممي من التداعيات الإنسانية في دارفور
  • الأمم المتحدة تحذر من التداعيات الإنسانية في دارفور وسط تصاعد العنف ونزوح آلاف المدنيين
  • (مدير المخابرات المصرية في بورتسودان).. ماذا هناك؟؟!!
  • محكمة العدل الدولية تنُظر في قضية تورط الإمارات في الحرب ودعمها الإبادة الجماعية في دارفور
  • السودان.. توقعات حالة الطقس الاسبوعية في الفترة من (07-14) ابريل 2025 م