لجريدة عمان:
2024-11-19@23:16:48 GMT

الدقم.. والحياة العمانية المنشودة

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

30 أغسطس حتى 5 سبتمبر 2024م.. أسبوع كامل استغرقت رحلتنا الأسرية سياحةً فـي الربوع العمانية، وأنا من الذين تنشرح صدورهم للسياحة فـي الوطن أكثر من السفر للسياحة خارجه، ويكاد أولادي قد زاروا كل بقعة عمانية. وهذه المرة.. قررنا الذهاب إلى محافظة ظفار عبر الطريق الساحلي. هذا المسار.. ليس أول مرة أسلكه؛ فقد سلكته من قبل، وكتبت حوله مقالاً بعنوان «طريق عمان السياحي الكبير»، نشرتْه جريدة «عمان» بتاريخ 20 سبتمبر 2022م، قلت فـيه: (السياحة.

. من قريات حتى صلالة، تجتذب الإنسان بما يحويه الساحل من مشاهد خلابة تسرح فـيه الأنظار استمتاعاً والنفوس ابتهاجاً، لتثير فـي الذهن حركة دائبة من الآمال التي يرجو العماني أن تتحقق على أرض بلاده. هذا الساحل يشكّل خاصرة عمان المكتنزة بالجمال والعطاء). دعوت فـي المقال.. إلى اعتبار هذا الشريط الطويل؛ المدخل السياحي لعمان. إنه طريق لا يمل سالكه، وبخلاف طريق أدم/ صلالة الصحراوي؛ شديد الحرارة صيفاً، ذي الخدمات المتباعدة؛ فإن الطريق الساحلي؛ درجات حرارته ما بين 23-28مْ، وهو مأهول بالتجمعات السكنية، ولا يكاد تختفـي عنك الخدمات الضرورية، فتوجيه الحكومة نظرها إلى استثماره يشكّل أهمية داعية لتطوير البلاد وفتح فرص العمل للشباب العماني، ولأن الدقم إحدى محطاته فالعناية به رافد مهم لتطورها.

المقال.. يؤكد على الاهتمام بالدقم بكونها منطقة واعدة، ولأفهم توجهات الحكومة حولها تصفحت موقع «الدقم.. المنطقة الاقتصادية الخاصة»، بتاريخ 20 سبتمبر 2024م، عبر الرابط: https://www.duqm.gov.om. والذي أرجو إخراجه بشكل أفضل للتعريف بالدقم ومنطقتها الاقتصادية، حتى يسهم فـي الجذب الاستثماري والسياحي. جاء فـيه: (تحتوي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم على عدة مناطق تطوير اقتصادي وسياحي وخدمي من أبرزها ميناء متعدد الأغراض، وحوض جاف لإصلاح السفن، وميناء للصيد، ومطار إقليمي، ومناطق سياحية وصناعية ولوجستية). فهي ليست منطقة اقتصادية؛ صناعية ولوجستية فحسب.. بل كذلك هي سياحية، ما يلزم تطويرها بحيث تأخذ الطابع الجمالي الجاذب.

وأما (الرؤية.. فهي أن تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة فـي الدقم بحلول ۲۰۳۰م الوجهة المفضلة للأنشطة الاقتصادية المتنوعة والعمليات اللوجستية، والحياة العصرية فـي دول مجلس التعاون الخليجي). الرؤية.. تنص بأن الدقم ستكون عام 2030م الجهة المفضلة «للحياة العصرية» بالخليج، ولا يفصلنا عن هذا العام إلا خمس سنوات فقط، وبنظري.. الوقت لم يفت، فالحياة مستمرة، ويوجد الكثير مما يمكن عمله؛ فسلطنة عمان لا زالت ناشئة سياحياً.

زيارتي للدقم.. لم تكن الأولى، فقد زرتها مرات؛ وسجلت انطباعي عنها فـي المقال آنف الذكر؛ قائلاً: (وأما الدقم.. فهي ميناء عالمي ناشئ، شرعت الدولة فـي استثمارها، لكن ما لاحظته هو ضعف البنية الجاذبة للاستقرار فـيها، فالميناء العالمي ليس ورشة عمل.. بل مدينة متكاملة الأركان، والاستثمار للمستقبل يبدأ بتنفـيذ بُنية أساسية قوية، بحيث يخرجها من الشحوب الذي تصطبغ به، بتشجير الطرقات وإيجاد حدائق، وبناء كافة المرافق كالمستشفى المرجعي، والفنادق ذات الدرجات المختلفة، وتوفـير المدارس والمعاهد وسائر المؤسسات الخدمية، وتطوير المطار بحيث يكون نموذجاً للمطارات السياحية الدولية، بتذاكر سفر منخفضة التكلفة، ورصف شارع متعدد السكك يربط الدقم بمراكز المحافظات؛ وفـي مقدمتها مسقط وصلالة).

لا أتكلم عن البُنية الاقتصادية والمنشآت الصناعية والخدمات اللوجستية؛ فهذه تعود لواضعي الخطط الاستثمارية ومنفذيها، كما أنها فـيما يبدو تشهد نهوضاً اقتصادياً واعداً، وإنما حديثي عن الجانب الإنساني الذي ينبغي أن تتمتع به الدقم. فانطلاقاً من الرؤية التي حُددت للمنطقة وحَدِّها الزمني لتتحول إلى «الحياة العصرية» والجذب السياحي، فحتى الآن.. لا تستبين العين تقدماً واضحاً، باستثناء شبكة الطرق ذات السكك المزدوجة والتقاطعات العديدة التي تتحكم بها إشارات المرور، وحتى هذه الشبكة الرائعة التي عملت للمستقبل عارية من اللباس الجميل، فلم تَزْدَهِ دواراتها بالتحف الفنية، ولم تكتسِ مناكبها بالثوب الأخضر، اللهم إلا شارع يتيم يظلله عاضد نخيل مسافةً قصيرة.

إن الدقم إذا ما حللتها اصطبغت عيناك بلون الورس؛ لكنه عديم الرائحة، فالصحراء والمنشآت التي غرست فـيها تفتقر إلى الإبداع الهندسي وإبهار الطيف العمراني. ومن المعروف اليوم.. أن التصميم الأنيق ينبغي أن ينال كل المنشآت؛ بما فـيها الشركات ومصانعها. أما مباني الدقم فهي قطع من الخرسانات الإسمنتية والأعمدة الحديدية؛ كأنما هي منتجات ضخمة تنتظر الحاويات البحرية لتصديرها. كنا قد حجزنا فندقاً، وفـي بالنا نجده مبنىً آسراً بمرافقه الأنيقة وحديقته الخلابة، ففوجئنا بأنه مبنى غُرِس فـي صحراء شاحبة فنبت بلونها، رغم أنه نظيف فـي غرفه، لطيف فـي خدمته، معتدل فـي أسعاره.

اليوم.. فـي تشييد المدن؛ أول ما تتجه إليه أنظار المهندسين هو التصميم الذكي، الذي يجذب النفوس قبل أن تضع عن كاهلها حقائب السفر. ولأن الدقم منطقة اقتصادية وصناعية؛ فـينبغي التركيز على إضفاء الذائقة الجمالية عليها أكثر من غيرها، بكسو المنطقة رداءً قشيباً، حتى يخفف عن الناس ثقل العمل المضني ورتابة منظر الهياكل الصناعية. لقد أصبح التوجه عالمياً لبناء «مدن مؤنسنة»، وبالحقيقة.. «أنسنة البلدان» ليست أمراً مستحدثاً.. بل واقع أزلي لكل مكان يعمره الإنسان، إلا أنه تُخلِّي عنه بسبب التوسع العمراني السريع، وإنشاء مدن لا يلتفت مهندسوها إلا إلى الدخل السريع، حتى إن أدى الوضع إلى مشاكل نفسية وصحية للناس.

الدقم.. ما زالت مثلاً تفتقر من المستشفـيات التخصصية والمرجعية، فكيف لمنطقة يراد لها أن تكون وجهة عالمية لا تحظى بالعناية الصحية على أعلى المستويات؛ لاسيما أن العاملين فـيها لطبيعة عملهم معرضون بكثرة للإصابات والأمراض.. بل إن مرائب إصلاح السيارات شحيحة فـيها، وقس عليها كثيراً من الخدمات الأساسية.

إن الأمل الذي عقده العماني على مستقبل بلاده هو أن يرى الدقم منطقة تبنى من أول يوم على أحدث تصاميم الأنسنة، وأفضل الخدمات المقدمة، وأن تكون نموذجاً لحياتنا المستقبلية. أننا نطمح أن نرى الذكاء الاصطناعي ناطقاً بأحدث تطبيقاته فـي بناء مدينة عالمية؛ تفخر بها سلطنة عمان.. بل الطموح أن تقام فـيها جامعة للذكاء الاصطناعي، تفتح المجال للطلبة العمانيين أن يسهموا فـي تطوير لغة العصر، فضلاً أن يديروا بأنفسهم المنطقة بهذه اللغة التي ستحوّل العالم بحلول 2030م من عالم قديم إلى عالم جديد، حيث ستعتبر البشرية شيئاً فشيئاً كل ما كان قبل هذا العام منتهي الصلاحية، وسيحيله الذكاء الاصطناعي إلى مادة متحفـية رقمية.

عمان.. بلد حضاري، ومن القيم التي نصت عليها «رؤية عمان 2040» الحفاظ على الهُوية العمانية، ولأن الدقم يراد لها أن تكون مركزاً عالمياً؛ يأوي إليه الناس من كل فج عميق؛ اقتصاداً واجتماعاً، فـينبغي أن يواكب ذلك وضع استراتيجية ثقافـية؛ خصيصةً لهذه المنطقة، تعمل على رسوخ الثقافة العمانية فـيها، ومن دونها فإنها ستتحول إلى مكان هجين؛ عرضة للانسلاخ من ثقافتنا العمانية. هذا إن لم يستتبعها مشكلات سياسية، فهناك بلدان تعرضت لتغيير هُويتها، ثم عانت كثيراً من أوضاعها.

ولترسيخ هُويتنا العمانية وإظهار ثقافتنا للعالم.. فأقترح إنشاء مركز ثقافـي عالمي بالدقم، يقوم على أحدث التقنيات الرقمية، مركز.. ليس من نوع المراكز التقليدية، وإنما ثورة رقمية لإبراز الثقافة، ينسخ كل عنصر ثقافـي فـي «كتاب ذكي» يحكي جانباً من القصة العمانية الخالدة. مركز.. لا يحتاج أن تَرِدَه بنفسك، وإنما هو يأتي إليك قبل أن يرتد إليك طرفك.

ختاماً.. هناك ما لا يحصى من أفكار تنهض بثقافتنا، ونقلها إلى العالمية عبر منطقة الدقم، ومشاريع تخلق فرص عمل للشباب العماني، ويبقى الأمل معقوداً على الجهات المسئولة عن الثقافة بالسلطنة، وعلى المؤسسات العاملة فـي الدقم التي نرى فـيها الحياة العمانية المنشودة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

الرعيض: أتطلع لأن يكون وجود أخي جبريل الرعيض بمجلس مصراتة البلدي دافعًا لتحقيق الأهداف المنشودة

ليبيا – تقدم عضو مجلس النواب المقاطع عن مدينة مصراتة ورئيس الاتحاد العام لغرفة التجارة والصناعة، محمد الرعيض، بالتهنئة إلى جميع أبناء مدينة مصراتة وقائمة “مشروع إعمار” التي حظيت بثقة الناخبين، على حد قوله.

وقال الرعيض، في منشور عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك“: “أتقدم بالتهاني والتبريكات إلى جميع أبناء مدينتي الغالية مصراتة، مدينة التاريخ والأصالة والشموخ. وأهنئ قائمة إعمار التي حظيت بثقة الناخب المصراتي، وهي تواصل العمل على مشروع نُعول عليه جميعًا لتحقيق مستقبل أفضل للمدينة ولليبيا”.

وأضاف: “كما أهنئ أخي جبريل الرعيض، متطلعًا لأن يكون وجوده في المجلس البلدي دافعًا أساسيًا لتحقيق الأهداف المنشودة وتطوير مستوى الخدمات في مصراتة”.

وتابع: “لقد أُذن للإعمار اليوم أن يستمر في مصراتة، وهذه فرصة لمواصلة العمل على ترسيخ الاستقرار وإعلاء شعار العمل والتطوير، وإعادة الحياة لمختلف القطاعات بالتكامل مع جهود حكومة الوحدة الوطنية المبذولة في هذا الإطار”.

وختم الرعيض منشوره قائلًا: “كل التقدير والاحترام لكل من شارك اليوم في الحفل الانتخابي، الذي أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مصراتة نموذج يُحتذى به في ترسيخ قيم الديمقراطية”، متمنيًا كل التوفيق للمجلس البلدي المنتخب.

مقالات مشابهة

  • الرحبي يؤكد على عمق العلاقات المصرية العمانية ودعم القضية الفلسطينية والتعاون الدولي
  • أردوغان: سنواصل النضال ضد الفوضى التي تثيرها سياسات الاحتلال
  • الوزير المشاري: التعاون بين قطاعات بلدية الكويت للارتقاء بالعمل وتحقيق الأهداف المنشودة
  • الدقم مركز حيوي لاستقطاب المشروعات الضخمة وبيئة محفزة للأعمال
  • "الإحصائي الخليجي" يسلط الضوء على المنجزات العمانية لتعزيز التنمية المستدامة
  • السفير البحريني: العلاقات العمانية البحرينية مثالا للتجارب الناجحة ونموذجا يحتذى به
  • "اقتصادية الدقم" تعزز مهارات طلبة المدارس في الذكاء الاصطناعي
  • الرعيض: أتطلع لأن يكون وجود أخي جبريل الرعيض بمجلس مصراتة البلدي دافعًا لتحقيق الأهداف المنشودة
  • رئيس وزراء العراق يؤكد أهمية وضع حد للحرب التي تستهدف غزة ولبنان
  • السوداني يؤكد للسفير البريطاني على ضرورة وضع حد للحرب التي تستهدف غزة ولبنان