بيروت– أجبرت الغارات الإسرائيلية الكثيفة والواسعة التي طالت مناطق للمرة الأولى آلاف اللبنانيين في جنوب البلاد على النزوح من قراهم وبلداتهم، بعد استهداف المنازل السكنية الآمنة وبعض الطرقات، وسقوط 274 شهيدا وأكثر من 1024 جريحا، حسب وزارة الصحة اللبنانية، ناهيك عن الأضرار المادية في الممتلكات والمنازل والسيارات.

وتعتبر هذه الموجة من النزوح الأكبر، إذ شملت مناطق بعيدة عن خطوط المواجهة الأمامية على طول الشريط الحدودي الذي نزح عنه المواطنون بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله جبهة الجنوب كإسناد لغزة منذ اليوم التالي.

هذه الموجة غير المسبوقة من النزوح شملت قرى وبلدات في الخطوط الثانية أو الخلفية للمواجهة، ومنها أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، والنبطية وصور والزهراني، وصولا إلى البلدات المحيطة بمدينة صيدا التي تعتبر بوابة العبور إلى الجنوب.

وتهدف إسرائيل من هذه الغارات، بحسب محللين، إلى جعل الجنوب أرضا محروقة وإجبار المواطنين على النزوح للضغط على حزب الله للقبول بوقف إطلاق النار على جبهة الجنوب وفك الارتباط مع غزة، وفقا لما قرره مجلس الوزراء الإسرائيلي بجعل عودة المستوطنين من مستعمرات الشمال إلى منازلهم واحدا من أهداف الحرب على غزة.

كما تهدف من خلال التسبب بموجة النزوح إلى الضغط على الحكومة اللبنانية وإرباكها في استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، بالإضافة إلى تأليب الرأي العام، بما فيه الشعبي، للضغط على حزب الله، الذي يؤكد أن المواجهة مفتوحة مع إسرائيل، ولن تنجح في إعادة المستوطنين إلى الشمال أو فك الارتباط مع غزة.

بالمقابل، فعّلت الحكومة اللبنانية خطة الطوارئ التي أعدتها لمواجهة أي تصعيد عسكري محتمل أو اندلاع حرب، وبدأت في استيعاب التداعيات السلبية من خلال فتح مراكز إيواء ومدارس، بعد نجاح القطاع الصحي في احتواء تداعيات تفجيرات أجهزة الاتصالات "البيجر" واللاسلكي، وسقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.

موجة غير مسبوقة من النزوح شملت قرى وبلدات في الخطوط الخلفية للمواجهة بين حزب الله وإسرائيل (الجزيرة) ذعر وإرباك

أكد رئيس لجنة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات ساحل الزهراني سلام بدر الدين، للجزيرة نت، أن إسرائيل مهدت للغارات الكثيفة ببث حالة من الذعر في صفوف المواطنين، حيث أرسلت رسائل نصية واتصالات هاتفية تطالبهم بمغادرة منازلهم وقراهم في مناطق الجنوب، إلا أن الأهالي رفضوا المغادرة حتى بدأت الغارات التي استهدفت منازلهم.

وأوضح بدر الدين أن الغارات العنيفة التي شنها الجيش الإسرائيلي أجبرت العديد من الأهالي على النزوح، وأكد استعداد منطقة الزهراني لاستقبال النازحين وفق خطة الطوارئ، مشيرا إلى أن حالة الإرباك ما زالت سائدة بين المواطنين، حيث لم يقرر الكثير منهم وجهتهم النهائية، سواء إلى الزهراني أو صيدا أو جبل لبنان أو بيروت.

وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير العسكري الدكتور علي حمية، في حديث للجزيرة نت، أن النزوح الجماعي للعائلات من الجنوب والمناطق المستهدفة هو نتيجة طبيعية لتوسع دائرة العدوان الإسرائيلي والغارات الكثيفة التي استهدفت القرى والبلدات، إلا أن عددا كبيرا من المواطنين اختاروا البقاء والصمود، مؤكدا أنه أحد هؤلاء الذين قرروا عدم مغادرة منازلهم.

وأضاف أن إسرائيل لجأت إلى بث الرعب بين الأهالي عبر غاراتها الجوية المتواصلة باستخدام الطائرات الحربية والمسيرات.

فشل أمني

وأشار حمية إلى أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة في عدوانها، حيث ارتكبت مجازر مماثلة لتفجير أجهزة الاتصالات مثل "البيجر" واللاسلكية. واتهم الولايات المتحدة الأميركية بدعم إسرائيل في عدوانها ومجازرها، معتبرا أن المواقف السياسية الأميركية المناقضة لهذا الدعم لا تتعدى التصريحات الإعلامية.

وأكد أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى الضغط على المقاومة لفك ارتباطها بجبهة غزة، وإعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم.

ورأى حمية أن تكثيف الغارات الإسرائيلية جاء نتيجة فشلها في تحقيق أهدافها السابقة، وأبرزها محاولة اغتيال 4 آلاف عنصر من حزب الله بضربة واحدة، وبالتالي إفراغ المنطقة من القيادة الميدانية، ومع ذلك، شدد على أن إسرائيل فشلت في عدوانها الأمني، وانتقلت إلى التصعيد العسكري، على أمل تحقيق ما عجزت عنه في السابق.

وأضاف أن معظم الضربات الإسرائيلية عشوائية، تستهدف المباني السكنية تحت ذريعة استهداف حزب الله، إلا أن البنية العسكرية للحزب ما زالت قوية، والدليل على ذلك هو قدرته على إطلاق الصواريخ واستهداف العمق الإسرائيلي، واستبعد حمية حدوث أي اقتحام بري إسرائيلي، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ستكون نهايتها كارثية على إسرائيل.

استهدفت إسرائيل مناطق في جنوب لبنان لأول مرة بالغارات ما أجبر العديد من السكان على النزوح شمالا (الفرنسية) حساب مفتوح

يرى الأستاذ في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر في حديثه للجزيرة نت، أن الرد الأنسب الذي يمكن أن يتبعه حزب الله، إلى جانب الردود العسكرية، هو التأكيد على عدم تركه غزة وعدم التخلي عن جبهة فلسطين، مهما كانت النتائج والتكاليف.

ويضيف مطر أنه لا شك في أن إسرائيل بدأت الآن بالضغط على حزب الله من خلال الضغط على لبنان واللبنانيين، وبشكل خاص على بيئة حزب الله في الجنوب والبقاع، في محاولة منها لتحقيق أهدافها بالقوة، حيث لم تستطع إسرائيل إيقاف هذه الجبهة أو دفع حزب الله إلى المفاوضات.

ويؤكد مطر أن إسرائيل معروفة بجرائمها، وما يحدث اليوم يأتي في سياق الجرائم المرتكبة من غزة إلى لبنان، كما أن مشروعها واضح، وهو تهجير بيئة المقاومة، لكن هذه البيئة لا تزال صامدة وتدعم المقاومة.

ويوضح أن ما تقوم به إسرائيل هو سيناريو واضح بدأته بعرض مشاهد وفيديوهات تدعي أن حزب الله يملك صواريخ بين المدنيين، وهو أمر كاذب، لأن هذه الصواريخ كبيرة وثقيلة، ولا يمكن إطلاقها من بين المدنيين دون تدمير المباني، ويعتبر أن هذا السيناريو الكاذب يأتي كوسيلة لزيادة الضغط على الحزب وقصف المدنيين، مشيرا إلى المجزرة التي حدثت اليوم.

واعتبر مطر أن المرحلة الحالية هي مرحلة تصعيد كبرى، متوقعا أن حزب الله لن يوقف الجبهة، بل بالعكس، ستكون هناك ردود أكبر وحساب مفتوح بين حزب الله وإسرائيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أن إسرائیل على النزوح الضغط على حزب الله من خلال

إقرأ أيضاً:

تصعيد إسرائيلي في لبنان والجيش يدعوه للانسحاب من المناطق التي يحتلّها

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن “مقتل سوريين اثنين في غارة إسرائيلية على طريق الدردارة الخيام جنوبي البلاد”، كما “أصيب شخص إثر غارة من مسيرة إسرائيلية استهدفت سيارته في بلدة بيت ليف جنوب لبنان”.

وشنت مسيرة إسرائيلية “غارة على تلة الكنيسة بين الطيبة ورب ثلاثين جنوب لبنان مستخدمة قنابل صوتية، في وقت لوحظ تحليق مكثف للمسيرات الإسرائيلية من نوع هرمز 900 مسلحة في أجواء قرى قضاء صور، على مستوى منخفض جدا”.

قائد الجيش اللبناني: انسحاب الجيش الإسرائيلي يجب أن يتم اليوم قبل الغد من المناطق التي يحتلها

قال قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إن “انسحاب الجيش الإسرائيلي يجب أن يتم اليوم قبل الغد من المناطق التي يحتلها”.

وأضاف قائد الجيش اللبناني خلال استقباله نقيب محرري الصحافة جوزيف القصيفي في مكتبه في اليرزة، “أن الانسحاب يؤدي إلى الاستقرار ويوطد حضور الدولة الفاعل في كل المناطق اللبنانية”.

ووفق ما نقله جوزيف القصيفي، أكد العماد رودولف هيكل، “أن الجيش اللبناني ملتزم بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 وقرار وقف النار الصادر عن هذا المجلس”.

وصرح بأن “الجيش منتشر في منطقة جنوب الليطاني ويقوم بمهماته من دون إبطاء أو معوقات، بالتعاون الكامل مع المجتمع الجنوبي في تلك المنطقة”.

‌‏الرئيس اللبناني: سحب سلاح “حزب الله” يتم عبر الحوار

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، إن ‌ “سحب سلاح “حزب الله” يتم عبر الحوار”، مشيرا إلى “العمل سيبدأ قريبا على صياغة استراتيجية الأمن الوطني، التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني”.‌‏

وأكد الرئيس اللبناني، أن “لبنان ملتزم بتنفيذ الإصلاحات وبالقرار 1701 بشكل كامل، معتبرا أن بقاء إسرائيل في النقاط الخمس التي أحتلتها لن يكون مفيدا للبنان ويعقد الوضع أكثر”.

وقال: “نطالب واشنطن بالضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس التي احتلتها في جنوب لبنان”.

وشدد عون، على أن “الإصلاحات وسحب السلاح مطلبان لبنانيان ونحن ملتزمون بالعمل من أجل تحقيقهما”.

وقال الرئيس اللبناني إن “القوى الأمنية اللبنانية فككت 6 تجمعات كانت تحت سيطرة مجموعات فلسطينية خارج المخيمات، وصادرت أو دمرت الأسلحة فيها”.

وأكد عون أن “الأولوية هي لتخفيف حدة التوتر في الجنوب، والإرادة موجودة لذلك”، لافتا إلى أن “لبنان بحاجة إلى الوقت والمساحة لحل الأمور بروية”.

وقال عون إن الحكومة، قبل ثلاثة أسابيع، “وافقت على تجنيد 4500 جنديا بالجيش اللبناني لزيادة استعدادنا في الجنوب”.

وفي شأن “حزب الله”، قال عون، “بالنسبة لطريقة سحب سلاح “حزب الله”، هناك أهمية للجوء إلى الحوار، وكما  قلت في خطاب القسم، لا يوجد مكان لأي أسلحة، أو أي مجموعات مسلحة، إلا ضمن إطار الدولة”.

وأضاف: “المسائل تحل بالتواصل والحوار ففي نهاية المطاف، “حزب الله” هو مكون لبناني.. سنبدأ قريبا في العمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني، التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني”.

وأكد الرئيس عون أن “الموقف اللبناني موحد، وجميعنا ملتزم العمل باتجاه الهدف عينه. أحيانا يكون لدينا اختلاف في الرأي، وهذا أمر طبيعي وهو يشكل جوهر الديمقراطية، علينا أن نناقش ونتحاور. وفي النهاية، هدفنا واحد”.

مقالات مشابهة

  • إعلام لبناني: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة عيتا الشعب جنوبي لبنان
  • تصعيد مضاعف في الجنوب الأمامي فما الذي تريده إسرائيل مجدداً؟
  • جنوب لبنان.. إسرائيل تقصف المنازل المهددة (فيديو)
  • أمر أساسي أبقى إسرائيل في لبنان.. معهد في تل أبيب يكشف
  • غارة إسرائيلية على محيط المدرسة الرسمية في بلدة رامية جنوب لبنان
  • بالصورة.. غارات إسرائيلية على البقاع وبعلبك
  • الرئيس اللبناني: خرق إسرائيل اتفاق وقف النار يهدد الاستقرار جنوب لبنان
  • تجدد النزوح في غزة.. آلاف الفلسطينيين يفرون جنوبا تحت القصف
  • عشرات القتلى بغارات أمريكية.. «الحوثي» يردّ باستهداف إسرائيل وقطع حربية أمريكية  
  • تصعيد إسرائيلي في لبنان والجيش يدعوه للانسحاب من المناطق التي يحتلّها