سلطنة عُمان تؤكد: السلام والأمن الدوليين ركيزتان أساسيتان لاستقرار العالم

◄ يجب التخلص من "عقلية الحرب الباردة" القائمة على "الألعاب الصفرية" وتكريس الانقسامات

 

نيويورك- العُمانية

 

بناءً على التكليف السَّامي لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه اللهُ ورعاه- ترأس معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية وفد سلطنة عُمان في قمة المستقبل التي عُقدت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأكّد معاليه في كلمة سلطنة عُمان في افتتاح أعمال القمة على التزامها الراسخ بالعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي باعتباره السبيل لتحقيق الأهداف المشتركة التي تسعى إليها قمة المستقبل، وأن الحوار، والواقعية، والاحترام المتبادل هي المبادئ الأساسية التي تنتهجها سلطنة عُمان في سياستها الخارجية، مشيرًا إلى أنّ هذه القيم هي الأساس الضروري لمعالجة الأزمات العالمية المعقدة والمتشابكة التي يشهدها عالم اليوم. وأضاف معاليه أنّ التحدّيات التي نواجهها لا يمكن معالجتها بالأساليب التقليدية وحدها؛ بل تتطلب منهجيات ترتكز على مفاهيم التنمية المستدامة؛ لذا يجب علينا أن نعمل بحكمة وبصيرة، ونبدأ في تنفيذ سياسات تضع الأجيال القادمة في محور الاهتمام، وما يهيئ لهم مستقبلًا أفضل وأكثر استدامة.

وأشار معاليه إلى أنّ السلام والأمن الدوليين هما الركيزتان الأساسيتان لاستقرار العالم، مؤكدًا على أهمية الدبلوماسية الوقائية من منظور أنها الأداة الأنجع في منع النزاعات وحلها، داعيًا إلى تعزيز أساليب الحوار والوساطة الدولية وضرورة الالتزام الكامل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لضمان تحقيق العدالة والسلام والاستقرار للجميع. وذكر معاليه أنّ التكنولوجيا الحديثة والتعاون الرقمي يشكلان عاملًا حاسمًا في التصدي للتحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها. وأكّد معاليه أنّ سلطنة عُمان تولي أهمية كبيرة لدور الشباب؛ فهم القوة المحركة لبناء المستقبل، وأساس التنمية ومحورها، وقد أطلقت العديد من المبادرات وحاضنات الابتكار في مختلف المجالات العلمية والصناعية والثقافية والرياضية؛ هادفة من ذلك إلى تمكين الشباب، وتنمية قدراتهم الإبداعية، وتهيئة بيئة تلبي تطلعاتهم وطموحاتهم وتدفع بهم نحو الإبداع والنمو المستدام.

من جانب آخر شارك معالي السيّد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في جلسة حوارية بعنوان "الحلول متعددة الأطراف من أجل غدٍ أفضل"، أشار خلالها إلى أنّ منصات الحوار الشاملة - مثل الأمم المتحدة - تؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز تلك القيم. ودعا معاليه إلى ضرورة الانتباه إلى التحدّيات الراهنة في ظل استمرار الحرب في غزّة، والتي تُبرز هشاشة الوضعين الإقليمي والدولي، وأنّ تصاعد العنف ومعاناة المدنيين وفشل جهود السلام تُمثِّل تهديدًا لمبادئ التعددية وسيادة القانون، مؤكدًا أنّ الفشل المستمر في التعلم من الماضي وفهم الحاضر- خاصةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية- يُعرقل جهود تحقيق السلام الدائم.

ولفت معاليه إلى ضرورة التخلص من التفكير بعقلية الحرب الباردة التي تكرس الانقسامات الثنائية وتُبنَى على مفاهيم الألعاب الصفرية، مشيرًا إلى أنّ تعزيز فاعلية المؤسسات الدولية في حل النزاعات يعتمد بشكل كبير على تبنّي تفكير أكثر انفتاحًا وواقعية، يتناسب مع واقع العالم متعدد الأقطاب اليوم. وأكّد معاليه أنّ القضايا في الشرق الأوسط لن تُحل إلا إذا تمّ فتح قنوات للحوار والتواصل مع كافة الأطراف، بما في ذلك من وصفهم بعض أعضاء المجتمع الدولي بـ"الأعداء".

وأضاف معاليه أنّ الحل المستدام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال معالجة الجذور الأساسية للنزاع، مشيرًا إلى أنّ الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي منذ إنشاء المشروع الصهيوني قد جعلت المنطقة أقل أمانًا، وأنّ الحل العادل والدائم يجب أن يقوم على أساس مبدأ حل الدولتين.

وتطرّق معاليه إلى الدور المحوري للتكنولوجيا والتعاون الرقمي في التصدي للتحدّيات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى أهمية العلم في تحسين كفاءة استخدام الموارد البيئية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عندما تستضيف جامعة ييل بن غفير فقل على القانون السلام

لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، ولكنها تملك كذلك قوة لا تقل أهمية عن هذه القوى، وهي قوتها الناعمة. ومفهوم القوة الناعمة Soft Power صاغهُ جوزيف ناي - وهو أستاذ أمريكي للعلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كيندي الحكومية في جامعة هارفارد Harvard University، الذي تولى عدة مناصب رسمية منها، مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بيل كلينتون، ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني - لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع. وصاغ جوزيف ناي هذا المصطلح في كتابه الصادر عام ١٩٩٠م بعنوان «مُقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية». وقام لاحقا بتطوير هذا المفهوم في كتابه الصادر عام ٢٠٠٤م بعنوان «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية». وتعني القوة الناعمة، أن يكون للدولة قوة معنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال كذلك الدعم في مجالات عدة، منها حقوق الإنسان والثقافة والعلوم والبحوث العلمية والفنون، وكذلك البنية التحتية، ما يؤدي بالآخرين إلى الإعجاب والتأثر بهذه العناصر في هذه الدولة والانجذاب لها. ومن أهم عناصر القوة الناعمة الأمريكية التي تفوقت بها على دول العالم الأخرى هي مؤسسات التعليم العالي. حيث تعد الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أهم عناصر القوة الاستراتيجية الناعمة لأمريكا، فمن بين أفضل ١٠٠ جامعة في العالم تستحوذ الولايات المتحدة على أكثر من ٧٠٪ منها. ومن هذه الجامعات، جامعة هارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، وجامعة ييل، وجامعة كولومبيا، وجامعة ستانفورد، وغيرها من الجامعات. وكما هو معروف يعد مجال القانون من أعرق التخصصات الأكاديمية في الولايات المتحدة والعالم. وتعد جامعة ييل Yale University التي تأسست عام ١٧٠١م، وتحديدا كلية القانون في الجامعة، والتي تأسست عام ١٨٢٤م من أكثر كليات القانون نخبوية وصعوبة في القبول في الولايات المتحدة والعالم. حيث تبوأت -حسب بعض مؤسسات التقييم في مرحلة من المراحل- المركز الأول في دراسة القانون على مستوى كل الجامعات الأمريكية. وأخرجت هذه الكلية للعالم عدد كبير من أساتذة القانون الدستوري والقانون الدولي والقضاء، وكذلك عدد كبير من كبار الساسة في العالم، كرؤساء دول -كالرئيس جيرالد فورد والرئيس جورج بوش الأب والرئيس بيل كلينتون- ورؤساء حكومات ووزراء ورؤساء جامعات وغيرهم. حتى أصبح يشار لخريجي كلية القانون من جامعة ييل بالبنان. لكن، عندما استضافت هذه الجامعة العريقة بتاريخ ٢٣ إبريل الحالي شخصية مجرمة عنصرية منبوذة دوليا، كإيتمار بن غفير، الذي يشغل منصب وزير الأمن القومي في الكيان الصهيوني الفاشي منذ ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٢م حتى تاريخه - تخللتها فترة إستقالة قصيرة -، وهو زعيم حزب عوتزما يهوديت «القوة اليهودية»، وهو حزب كاهاني عنصري متطرف معادٍ للعرب والفلسطينيين والمسلمين، ويعمل بكل تطرف على طرد الفلسطينيين من أراضيهم. وواقع وتاريخ بن غفير وحزبه المتطرف اختزلته صحيفة هاآرتس العبرية، عندما علقت على نجاحه في انتخابات الكنيست التي جرت في نوفمبر ٢٠٢٢م، بـ «اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل». وقد اكتسب بن غفير سمعته السيئة هذه، عندما هدد في المظاهرات التي سبقت اغتيال إسحاق رابين عام ١٩٩٥م بتصفيته. وأسس بعدها مع باروخ مارزيل لجنة يمينية عنصرية، دعت لإطلاق سراح ليغآل عامير قاتل رابين. وبحلول شهر فبراير من عام ٢٠٠٩م تم توجيه ٤٦ لائحة اتهام ضد بن غفير -أُدين بـ ٨ منها-، منها: الشغب، وتخريب الممتلكات، وعرقلة عمل ضباط الشرطة، وحيازة مواد دعائية للمنظمات الإرهابية، والتحريض على العنصرية، ودعم منظمة إرهابية. وبعد ٦ سنوات تم توجيه ٧ لوائح اتهام أخرى ضده، بمجموع ٥٣ لائحة اتهام. وقبل ذلك رفض الجيش الصهيوني - الذي يعد أسوأ جيوش العالم أخلاقيا - تجنيد بن غفير عندما بلغ سن ١٨ عاما، بسبب سجله الجنائي السيئ. ويشرف بن غفير بنفسه على مسالخ التعذيب في السجون والمعتقلات الصهيونية بحق ١١ ألفا من المعتقليين الفلسطينيين في هذه السجون والمعتقلات سيئة السمعة والتي تقوم بشتى أنواع التعذيب وإنتهاك الكرامة، بحق هؤلاء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين. ويعد حاليا بن غفير من أكثر الشخصيات السياسية في الكيان الصهيوني احتقارا للقانون، وتحديدا القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وهو دائم التحريض -وبشكل علني- على قتل الفلسطينيين المدنيين العزل في قطاع غزة وهدم ممتلكاتهم وتهجيرهم وتجويعهم حتى الموت - حيث بلغ عدد الشهداء فيه حتى الآن ما يقارب ٥٢ ألف شهيد و ١١٢ ألف جريح-، ويكيل الشتائم بشكل دائم للمحكمة الجنائية الدولية، ولكل الشخصيات السياسية والمؤسسات الحقوقية في العالم، التي تنتقد قيام الكيان الصهيوني بخرق اتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩م -القانون الدولي الإنساني-، والإبادة الجماعية، والجرائم التي يتعرض لها سكان غزة والتي بدأت تطال بشكل آخر سكان الضفة الغربية.

وأنا هنا أتساءل؟ كيف سيبرر كبار أساتذة القانون لطلبتهم في جامعة ييل مكانة وسيادة القانون؟ وهم يرون أن هذه الجامعة العريقة تستضيف مجرما متطرفا عنصريا خارجا عن القانون كـ بن غفير؟ الذي يُجمع حتى الداخل الإسرائيلي على تطرفه وعنصريته وإجرامه. إن مثل هذه التصرفات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية وبعض المؤسسات التعليمية الأمريكية العريقة، من تعصب أعمى للكيان الصهيوني، واستخدام كل الوسائل لتكميم الأفواه وتجريم كل من ينتقد هذا الكيان -الذي لا يخفي إجرامه واحتقاره للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني- يعد بمثابة هدم متعمد لقوة ناعمة أمريكية عظيمة. وهي قوة إستقلالية هذه المؤسسات التعليمية ورقيها وتحضرها واحترامها لحقوق الإنسان، والذي كشفت أزمة غزة حقيقتها. وأنها مجرد شعارات ليس لها واقع على الأرض عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني المحتل المجرم.

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

مقالات مشابهة

  • مسؤول أممي ينتقد عجز مجلس الأمن والاستهانة بالقانون الدولي الإنساني
  • وزير الإعلام يوقع مذكرة تفاهم مع سلطنة بروناي دار السلام لتعزيز التعاون الثنائي
  • "تشريعية الشورى" تناقش مشروع قانون السجل العقاري
  • «اتحاد التأمين» يستضيف تجمعا دوليا لدعم الشمول التأميني في أفريقيا والشرق الأوسط
  • سلطنة عُمان وبروناي دار السلام توقعان على مذكرة تفاهم في المجال الإعلامي
  • وزير الخارجية ونظيره الإيراني يستعرضان مستجدات المحادثات التي ترعاها سلطنة عمان
  • وسامٌ سامٍ للمتبرعين بأعضائهم في سلطنة عمان
  • ولي عهد لوكسمبورج يشكر الحكومة السعودية على دعم “رسل السلام”
  • عندما تستضيف جامعة ييل بن غفير فقل على القانون السلام
  • سوريا تدعو مجلس الأمن الدولي إلى الضغط على إسرائيل لتنسحب من أراضيها