الرائحة بين عقلانية الفلاسفة وعاطفة الأدباء
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
أثناء البحث فـي موضوع العطر فـي الأدب قادتني غواية المطالعة إلى قراءة بعض المصادر والمراجع التي اهتمّت بموضوع العطر والرائحة وكيف تعامل معها الإنسان وخاصة نخبة المجتمع، إذ اختلفت نظرة الفلاسفة إلى الروائح عن نظرة الأدباء والفنانين على امتداد التاريخ، وهذه الأحكام جاء من يعارضها من المدارس الفلسفـية لاحقا، ولكن فـي بداية الأمر لم يتسامح أفلاطون مثلا تجاه الروائح فقد «حمل حملة على العطور واعتبرها من اللذة الجسدية فـي زمن كان استعمال المعطرات وقفًا على بائعات الهوى» (بيت فرون، الرائحة: أبجدية الإغواء الغامضة، 2010)، لم يكتف أفلاطون بذلك بل دعا الفضلاء «ألا يهتموا بغير تنمية الخير فـي نفوسهم بالاستماع إلى الموسيقى وتعلم الرياضيات، فما الجسد إلا بكل روائحه إلا مجرد قبر للروح».
أحدثَ علم الكيمياء ثورة فـي صناعة العطور فـي أوروبا التي تفتقر أراضيها إلى الأشجار العطرية التي تزخر بها أسيا وإفريقيا. وهذا ما جعل البعض يطلق فرضية أن الأوروبيين لا يعرفون العطور والروائح الزكية إلا بعد احتكاكهم مع الشرق، وتعرُّفهم على الأديان السماوية التي أعلت من شأن الروائح والطيب، إذ اقترن تصاعد الدخان برفع الدعوات إلى الرب «إن دخان البخور المتصاعد إلى السماء يمثل فـي المسيحية، صورة مجازية دالة على طرد الشر وتسامي الروح مثل الصلاة والدعاء وهي الصورة التي نجدها فـي الآية: لتكن صلاتي كالبخور قدامك. ورفع كفـي كتقدمة السماء» وهذا ما ذكره رضا الأبيض فـي كتابه (كتابة الرائحة: فـي نماذج من الرواية العربية، 2020).
إذا كانت بعض كتابات الفلاسفة قد قللت من شأن الرائحة، فإن الأدباء قد اعتنوا واحتفوا بالحواس والروائح والعطور. وخاصة كتّاب الرواية، ففـي منصة معنى الإلكترونية للكاتب السعودي طامي السميري نجد نماذج لأهم الروايات العالمية والعربية التي وظّفت الرائحة والعطر على وجه التحديد فـي سردياتها، فمثلا مارسيل بروست صاحب الرواية الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود» يذكر فـيها العطر بقوله «وغاصت فـي عطرٍ من عطور الزعرور» وأيضا «إنها زهرة ذابلة لا عطر لها، فاح شذا دوّار الشمس، وغمرها بهذا العطر الدافئ، معطر برائحة الفانيلا». وفـي رواية «حفلة التيس» للبيروفـي ماريو بارغاس يوسا «راح يعطّر الجوّ، فتعرَّف هو على ذلك العطر الرخيص المُسمَّى «نايس»، الذي يعلنون عنه فـي الإذاعات»، إن توصيف العطور الرخيصة فـي الرواية لا يدلل على القيمة المادية للعطر وإنما إلى تبدل روائحها إلى روائح كريهة. أما الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز فقد وظَّف رائحة الكولونيا فـي وصف عادات شخصية بطل رواية «الحب فـي زمن الكوليرا»، «بعد ذلك يستحمّ، ويشذّب لحيته، ويصمغ شاربـه بـمستحضـرٍ مـشبـع بـكـولونيا فارينا غيغينير الأصلية». بالمناسبة تذكر دراسة علمية أن الكولونيا عطر عجيب ومثير لدى النساء أكثر من الرجال.
إن استعراض قيمة الروائح لدى الإنسان وتباين وجهات النظر وتطورها بتطور مراحل الحضارة يتبيّن لنا صراع العقل والقلب فـي تقييم الجمال والرفع من شأن الأذواق والحكم عليها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من شأن
إقرأ أيضاً:
بيريز يكشف عن الدول التي لم تصوت لفينيسيوس
عقد نادي ريال مدريد صباح يومه الأحد، الجمع العام السنوي، وفيه تحدث الرئيس فلورنتينو بيريز بشكل مُطول، منتقدا "اليويفا"، وأيضا أشار إلى أن الكرة الذهبية، كان يجب أن يفوز بها أحد لاعبي الريال.
وقال بيريز: "أول شيء، يجب أن يعلم رودري، أننا لا نقلل من فوزه بالجائزة، إنه يستحقها. لكن كان يجب أن يفوز بالكرة الذهبية، أحد لاعبي ريال مدريد. اليويفا أكد أن دخوله لم يكن له أي تأثير على نظام التصويت. حسنًا، سأخبركم بشيء، لقد قاموا بتغيير نظام التصويت، بالإضافة إلى عدد النقاط".
وأضاف: "من المثير للدهشة، أن الصحفيين من البلدان التي يبلغ عدد سكانها نفس عدد سكان الهند لا يصوتون، بينما بلدان أخرى يقل عدد سكانها عن مليون نسمة، فإنهم يشاركون في التصويت، والأكثر من ذلك أنه لا أحد يعرفهم! لولا ناميبيا وأوغندا وألبانيا وفنلندا، لكان فينيسيوس قد فاز بالكرة الذهبية، وفوق كل ذلك، لم تمنح هذه الدول أي صوت لفينيسيوس (يضحك). على الأقل الصحفي الفنلندي قدم استقالته".
واختتم حديثه: "رسالتي لفرانس فوتبول وليكيب، يجب أن تكون الكرة الذهبية بمثابة جائزة مستقلة، ويتم التصويت عليها من قبل أشخاص معترف بهم".