القدس المحتلة- بعد تعثر الشروع به لسنوات أطلق الاحتلال العمل في القدس مشروع "المصعد الكهربائي" على بعد 200 متر من حائط البراق، الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وذلك لتسهيل وصول اليهود الذين يعانون من إعاقات حركية إلى ساحة البراق، وبالتالي تسهيل اقتحام الأقصى لمن يرغب بذلك منهم.

وحذرت أوساط مقدسية من استمرار الاحتلال في تغيير معالم القدس وتنفيذ حفريات تستهدف آثار القدس، وخاصة الإسلامية منها.

وتبلغ تكلفة المشروع 55 مليون شيكل (نحو 15 مليون دولار أميركي) ويشمل بالإضافة إلى المصعد، ممرات تحت الأرض وشارعا يضم حوانيت تجارية، وغرفا وقاعات في طابق علوي سيضاف لاحقا.

ويصل عمق المصعد إلى 26 مترا، وسيربط بين ما يطلق عليه الاحتلال "الحي اليهودي" وساحة البراق، وسيوصل إلى نفق للمشاة يبلغ طوله 65 مترا بتنفيذ "جمعية تطوير الحي اليهودي" التابعة لوزارة الإسكان الإسرائيلية.

خطير⚠️
بميزانية 50 مليون شيكل.. الاحتلال يبدأ بتشييد مصعد كهربائي لتسهيل وصول المستوطنين المعاقين حركيا إلى حائط البراق المحتل غربي المسجد الأقصى.

التفاصيل كاملة مع "القدس البوصلة".#القدس_البوصلة pic.twitter.com/lFdeahvihf

— القدس البوصلة (@alqudsalbawsala) September 22, 2024

مكتشفات أثرية

وتزعم الجمعية من خلال إنشاء هذا المصعد أنها تهدف إلى توفير بديل لذوي الإعاقة الحركية، لأنه في الوضع الطبيعي يجبر من يريد التنقل بين "الحي اليهودي" وساحة البراق على صعود ونزول 150 درجة.

ووفقا لموقع "عولام كتان" أي (عالم صغير) الإسرائيلي فإن هذا المشروع الذي يطلق عليه اسم "مصعد كوتيل" تم اقتراحه للمرة الأولى عام 2001، وفي 2008 قُدمت تبرعات أولية من أجل إقامته بقيمة 10 ملايين شيكل.

وفي احتفالية الاحتلال بما يسميه "يوم توحيد القدس" عام 2017 -الذي صادف مرور 50 عاما على احتلال شرقي المدينة- صدر قرار حكومي بإنجاز المشروع في عام 2020، وتم توقيع اتفاقية بين البلدية و"جمعية تطوير الحي اليهودي" من أجل إتمامه.

وقال هرتزل بن آري المدير التنفيذي للجمعية في تصريحات صحفية مع انطلاق العمل بالمشروع "هذه لحظة حاسمة بالنسبة للشعب اليهودي، فبعد ألفي عام من الشوق سنتمكن أخيرا من السماح لكل يهودي، بغض النظر عن عمره أو حالته الجسدية، للتواصل مع جذوره ولمس قلب تاريخنا"، حسب زعمه.

ويقر بن آري أنه باكتشاف آثار، زاعما أن بينها الـ"ميكفاه" (بِركة الطهارة اليهودية) من فترة الهيكل الثاني في الموقع خلال أعمال الحفر، كما عثر على بركة مياه بناها جنود الفيلق الروماني العاشر الذي حكم القدس بعد التدمير.

وقال في تصريحات نقلتها مواقع إلكترونية إسرائيلية إن "كل متر من الحفريات بمثابة رحلة عبر الزمن.. لقد اكتشفنا عوالم بأكملها: الميكفاه القديمة، وبقايا المنازل والشوارع التي لم تر ضوء النهار منذ آلاف السنين، كل حجر وكل قطعة من السفينة أخبرتنا قصة عن أسلافنا الذين ساروا هنا".

ومن المتوقع أن يستمر العمل في مشروع هذا المصعد وما يضمه من قاعات ومسارات ومحال تجارية نحو عامين.

????الاحتلال يبدأ ببناء مشروع "مصعد البراق" التهويدي بارتفاع 26مترا، وبناء نفق تحت الأرض بطول 70مترا، بهدف تكثيف الوجود الصهيوني بالقدس المحتلة، وتسريع الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك. pic.twitter.com/5N5hOR9t8T

— قدس بلس (@PlusQuds) March 9, 2022

تشويه وطمس التاريخ

وسيضاف المشروع التهويدي إلى سلسلة مشاريع أقيمت بقوة الاحتلال في ساحة البراق ومحيطها بعد هدم حارة المغاربة التي كانت تعيش فيها 150 عائلة تتجاهل السلطات الإسرائيلية وجودها التاريخي في المكان، وتحاول أن تربط ما يتم اكتشافه في حفرياتها الأثرية بفترتي الهيكل الأول والثاني، "فقط عبر التزوير وتشويه التاريخ"، وفق الباحث المختص في الآثار الإسلامية في فلسطين الدكتور عبد الرازق متاني.

وأضاف متاني، في حديثه للجزيرة نت، أن المؤسسة الإسرائيلية تجاوزت مرحلة التنقيب والبحث عن الآثار إلى "عمليات طمس وتدمير للآثار العربية والإسلامية في القدس".

وقال: "لا تجرى في القدس عمليات تنقيب لأن المؤسسة الإسرائيلية اليوم تقوم بإعادة تشكيل وبناء وتصميم الحيز المكاني بما يخدم الأجندة والرواية الصهيونية التوراتية عن المدينة المقدسة، وتضرب الجهات القائمة على الحفريات بعرض الحائط كافة أسس البحث العلمي والتنقيب المهني وتنتهك القانون الدولي الذي يؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع القائم بالمدينة لأنها أرض محتلة".

وقال الباحث المقدسي إن كل أعمال التنقيب التي تجرى هي "فاقدة للمصداقية والقيمة، حيث تسعى الأذرع المنفذة لها لتهويد المدينة".

وتابع: "نشهد تسارعا في هذه الأعمال التي باتت تقصي كل ما هو إسلامي في المدينة خاصة في الحفريات التي تتم في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وهذا يثير امتعاض بعض الباحثين الإسرائيليين أنفسهم، لأن ذلك يعتبر جريمة بحق الآثار الإسلامية والمسيحية، وبحق المدينة ذاتها التي تتمتع بإرث عالمي يجب المحافظة عليه".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحی الیهودی

إقرأ أيضاً:

خبراء يستعرضون تجارب توثيق الذاكرة الجماعية بين التاريخ الشفوي والمكتوب • تجارب عربية ودولية تُبرز دور الرواية الشفوية في الحفاظ على الهوية الثقافية د.حمد الضوياني: التاريخ الشفوي أضحى مصدرًا من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة د. بثينة شعبان: توثيق ال

تتواصل لليوم الثاني على التوالي فعاليات المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي "المفهوم والتجربة عربياً" والذي تستضيفه سلطنة عمان ممثلة بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ويستمر حتى الغد بالتعاون مع مؤسسة وثيقة وطن بالجمهورية العربية السورية في قاعة كريستال بفندق جراند ميلينيوم بمشاركة مراكز التأريخ الشفوي من مختلف دول العالم لمناقشة أحداث الماضي ومجريات الحاضر وتطلعات المستقبل عبر ثلاثة محاور الأول "المحور النظري" ويناقش مفهوم التاريخ الشفوي عربيا، و"المحور العملي" ويناقش التجارب العربية الإقليمية والعالمية (المنهج والمنتج)، و"المحور المستقبلي" الذي يناقش آفاق التجربة العربية في التأريخ الشفوي، ويهدف المؤتمر إلى دراسة إشكالية وتحديات التأريخ الشفوي ضمن خصوصية المجتمعات العربية، وتعميق الوعي بأهمية الوثيقة الشفوية في الكتابة التاريخية العربية المعاصرة، والاطلاع على تجارب التأريخ الشفوي في العالم العربي وبحث سبل التعاون وتفعيل العمل المشترك في المشاريع والدراسات المتخصصة، وبحث إمكانيات استثمار منهجية التأريخ الشفوي ضمن المناهج الدراسية، وبحث سبل تطوير التجربة العربية في التأريخ الشفوي.

وتقام غدا جلسة نقاشية ضمن المحور العملي بعنوان "تجارب عربية وعربية إقليمية وعالمية"، برئاسة الدكتور محمد الطاغوس، حيث ستتناول عدة تجارب بارزة في مجال التاريخ الشفوي. من بين هذه التجارب، سيتم استعراض تجربة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عمان، بالإضافة إلى تجربة مؤسسة وثيقة وطن في الجمهورية العربية السورية، وتجربة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية في توثيق الرواية التاريخية الليبية. كما سيتم عرض تجربة الشهادات الشفوية بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، وتجربة الأمانة السورية للتنمية، إلى جانب دور مركز التاريخ الشفوي والتراث الفلسطيني في الجامعة الإسلامية بغزة. في الجلسة الثانية التي يترأسها الأستاذ الدكتور مأمون وجيه، سيتم استعراض تجارب دولية وإقليمية هامة. من ضمنها تجربة قسم التاريخ الشفوي في جامعة لومونوسوف الحكومية في روسيا، وتجربة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عمان في جمع وتوثيق التاريخ المروي، إضافة إلى تجربة وزارة الثقافة السورية. كما سيتم تسليط الضوء على تجربة جمعية التاريخ الشفوي الإيرانية بجامعة أصفهان، وتجربة مركز التاريخ الشفوي بجامعة الاتصالات الصينية، وأخيراً تجربة وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال التاريخ الشفوي.

توثيق التجربة الإنسانية العمانية

انطلقت فعاليات المؤتمر الدولي للتاريخ الشفوي "المفهوم والتجربة عربياً" بحفل افتتاحي رعاه معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي، محافظ مسقط. وفي كلمته خلال الحفل، قال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أن "الهيئة":دأبت في التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والفكريةِ لسلطنة عُمان وتاريخها التليد الذي أنجزه الإنسان العُماني على مر العصور والدهور وأضحى سجلاً حافلاً قائماً على تجربة إنسانية عُمانية امتدت إلى الأجيال الحاضرة التي يتوجب استمرارها من خلال بناء أجيال متعاقبة من أبناء عُمان يتسلحون بالعلم والمعرفة ومواكبة التقدم العلمي والحضاري ليبقى الأثر المشرف للعطاء متواصلاً ، والإسهامات العلمية تمضي نحو تحقيق مزيدٍ من الإنجازات العلمية والفكرية والتقنية وغيرها من العلوم ، وإن إدراكنا بأهمية الوثائق بكافة أنواعها تؤول في حفظ ذاكرة الوطن والدفاع عن حقوقه وإبراز إنتاج وإبداع المواطنين في ضمان استمرارية مؤسسات المجتمع ، وتمكين أفراده من الوقوف والتعرف على كيانات ومقدرات الوطن من خلال ما تقدمه الوثائق من معلومات ومعارف متعددة حول الأنماط المعيشية والأوضاع الاجتماعية والإنجازات الاقتصادية والسياسية وغيرها وما يحفظ منها سيمكن الأجيال من قراءة الواقع الراهن واستغلال الوثائق في تشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري في كافة المعارف العلمية والإنسانية ولهذا يقودنا الحديث إلى جانب مهم من جوانب التوثيق التاريخي ، إنها الوثيقة الشفوية فقد أضحى التاريخ الشفوي يعتمد عليه في كتابة التاريخ ومصدراً من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة من بين مصادر المؤرخ وزادت خصوصيته في زمننا الراهن لإسهامه في تفسير التاريخ المباشر بوصفه تاريخاً عاشه المؤرخ أو شهوده الرئيسين التي يجب أن تخضع إلى تقنين صارم في النقد التاريخي وإجراء الحوارات وتسجيلها وتدوينها وكتابتها في إطار استعمالها من قبل المؤرخين والباحثين تتبعاً لمسارات التاريخ والتوثيق الذي استند إلى أقوال الشاهدين مما جعل المؤرخين يعتمدون على الرواة والمشاهد العينية للأحداث ومن خلال الرحلات والملاحظات الشخصية والوصفية للأحداث التي عاصروها فضلاً عن الاعتماد على مذكراتهم الشخصية ، ومع مرور الزمن شكلت الوثائق المكتوبة مصدراً مهماً وأصبح الاعتماد عليها أساساً في كتابة التاريخ وأضحت تشكل جدلاً قائماً بين المؤرخين حول قيمة التاريخ الشفوي ومدى استيعابه لمنجزات البحث العلمي الدقيق وتراكماته وبنظرة خاصة نجد أن المؤرخين في القرون الماضية اعتمدوا بشكل واسع على المادة الشفوية بل أن جزءاً من التراث العربي المدون في ميادين عديدة كان تراثاً شفوياً قوامه التداول والرواية الشفوية واعتد به مؤرخون كبار في البلاد الإسلامية حيث استفادوا من المصادر الشفوية مثل البلاذري والطبري والمسعودي وابن خلدون وهؤلاء من أوائل المؤرخين الذين اعتمدوا اعتماداً كبيراً على الروايات الشفوية عند تأليف كتبهم وقد وضعوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات حتى أصبحت تلك القواعد بعدئذ مستقلة .

وأوضح "الضوياني" في ختام كلمته: أن الوثائق، سواء المكتوبة أو الشفوية، تلعب دوراً محورياً في حفظ ذاكرة الوطن والدفاع عن حقوقه، مشيراً إلى أن التعاون بين هيئة الوثائق ومؤسسة "وثيقة وطن" بالجمهورية العربية السورية جاء لتعزيز الجهود في هذا المجال.

توثيق الذاكرة السورية الحية

من جانبها ألقت الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية، كلمة استهلتها بالترحيب بالحضور وأكدت على أهمية المؤتمر في توثيق الذاكرة الحية للشعوب. وأشارت إلى أن المشاركة السورية تأتي من خلال وفد يضم باحثين من وزارة الثقافة وجامعة دمشق ووزارة الإعلام، ما يعكس اهتمام الجمهورية العربية السورية بتوثيق التجارب الشفوية وتأريخها.

وتحدثت الدكتورة بثينة شعبان عن أهمية التاريخ الشفوي منذ العصور القديمة، مشيرة إلى أن هذا النهج بدأ في أوروبا وأمريكا في القرن العشرين، حيث انتشرت مراكز التأريخ الشفوي، وأكدت على ضرورة تعزيز الاهتمام بالتاريخ الشفوي في العالم العربي، حيث لم يُستكشف بعد كل إمكانات هذا النوع من التوثيق بشكل مؤسساتي شامل. وأوضحت أن بعض البلدان العربية مثل فلسطين وليبيا وسلطنة عمان بدأت جهودها في هذا المجال، ولكن ما زال هناك حاجة لتطوير هذا العمل.

كما تناولت تجربتها في تأسيس مؤسسة "وثيقة وطن" في عام 2016، التي تهدف إلى توثيق الذاكرة السورية الحية، وخاصة في ظل ما شهدته البلاد من حرب إرهابية استهدفت التراث والهوية الوطنية. وأشارت إلى أن المؤسسة عملت على توثيق قصص السوريين الذين عاشوا فصول الحرب، بالإضافة إلى مشاريع أخرى مثل توثيق دور المرأة في زمن الحرب، ودور الفن في الصمود، وأهمية التراث الثقافي مثل المونة السورية والحرف اليدوية.

وأكدت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية أن "وثيقة وطن" تسعى لنشر ثقافة التأريخ الشفوي وتمكين الباحثين والمهتمين بهذا المجال عبر تدريب فرق بحثية مدربة. وأعربت عن تقديرها للتعاون المثمر بين هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عمان و"وثيقة وطن"، والذي تم توقيعه في مذكرة تفاهم عام 2023، مشيرة إلى أن هذا التعاون يسعى لتعزيز التجربة العربية في مجال التأريخ الشفوي.

واختتمت كلمتها بالتأكيد على أهمية توثيق التاريخ بأيدٍ عربية لحماية الهوية الوطنية من التشويه والتحريف، وأشادت بالتعاون مع تجارب عالمية مثل الصين وروسيا وإيران لتعزيز المقاربة العربية في هذا المجال.

حول التأريخ الشفوي عربياً

وكان قد انطلقت الجلسة بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين من مختلف دول العالم العربي، الذين تناولوا محاور متعددة تتعلق بمفهوم التأريخ الشفوي وأهميته في توثيق الذاكرة الجماعية للمجتمعات. افتتح المؤتمر بمحور حول التأريخ الشفوي عربياً، حيث ركز المشاركون على تقديم دراسات وأبحاث علمية شاملة عن تاريخ هذا المجال في الثقافة العربية، وقد ترأس الجلسة الدكتور طالب بن سيف الخضوري. وفي البداية وحول "التأريخ اللغوي بين الرواية الشفهية والتدوين" قدم الأستاذ الدكتور مأمون وجيه* الأستاذ المتفرغ بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم جمهورية مصر العربية ورقة تناول فيها تطور نقل المعرفة اللغوية من الرواية الشفهية إلى التدوين. أوضح فيها أن المجتمعات العربية اعتمدت في بداياتها على القصص والروايات الشفهية لحفظ تراثها اللغوي، قبل أن تنتقل إلى الكتابة والتدوين، مما ساهم في حفظ التراث بشكل أدق واستمراري. وناقش أهمية توثيق هذه التحولات في ظل خصوصية المجتمعات العربية، مشدداً على دور العلماء العرب في توثيق التراث الشفهي.

من جانبه تحدث الدكتور سامي مبيّض (كاتب ومؤرخ، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق بالجمهورية العربية السورية) في ورقته بعنوان "محاولات تدوين التاريخ الشفهي في سورية" تطرق فيها إلى محاولات تدوين التاريخ الشفهي في سورية من خلال تجربتين منفصلتين: تجربة الفنان مصطفى هلال عام 1948، الذي وثّق التراث الموسيقي الشفهي، وتجربة المؤرخ يوسف أبيش في الجامعة الأمريكية ببيروت في ستينيات القرن العشرين. حيث أشار "مبيّض" إلى التحديات التي واجهت هذه المحاولات، مثل الصعوبات في توثيق الأغنيات بلهجات مختلفة، والمقاومة من المؤرخين التقليديين.

وحول "خصوصية الثقافة الشفوية في التاريخ العربي في ظل مفهوم التأريخ الشفوي المعاصر ـ دراسة تاريخية تحليلة" تناول فيها الاستاذ الدكتور حسين المناصيري (دكتور طرائق تدريس التاريخ بكلية التربية بجامعة القادسية بجمهورية العراق) خصوصية الثقافة الشفوية في التاريخ العربي، مسلطاً الضوء على دور النقل الشفاهي في حفظ التراث العربي عبر الأجيال، حيث "أشار" إلى أن التاريخ العربي اعتمد بشكل كبير على الذاكرة الجماعية والروايات المنقولة شفهياً. وناقشت الورقة أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الثقافة الشفوية ومفهوم التأريخ الشفوي المعاصر، وكيف ساهم العرب المسلمون في نشر هذه الثقافة.

وحول "التأريخ الشفوي في الهيستوريوغرافيا العربية: رهانات نقل المعرفة وتوطينها" قدم الأستاذ الدكتور مأمون وجيه أستاذ متفرغ بكلية دار العلوم، جامعة الفيوم، بجمهورية مصر العربية أوضح في ورقته أن التأريخ الشفوي في العالم العربي ما زال يواجه تحديات في مجال الكتابة التاريخية، مقارنة بالتجارب الأوروبية. تناولت الورقة كيفية نقل المعرفة الشفهية في السياق العربي، وأهمية التوفيق بين السرد الشفوي والتدوين التاريخي العربي المعاصر.

وأختتمت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضو مجلس الدولة الجلسة برقتها حول "الاستثمار في التراث الثقافي" ركزت دراستها على أهمية استثمار التراث الثقافي والتأريخ الشفوي في التنمية الثقافية، مستعرضة تجارب عُمانية في مجال الاستثمار في التراث. وأوضحت "الدرمكية" أن التراث الشفوي يشكل أساساً مهماً للحفاظ على الهوية الثقافية، ومصدراً للإبداع في الصناعات الثقافية والإبداعية.

وفي الختام ناقش المتداخلين بأسئلتهم وأفكارهم الباحثين المشاركين في الجلسة حول دور التأريخ الشفوي في حفظ التراث العربي وتوثيقه، مع تسليط الضوء على التحديات والفرص في هذا المجال، بما يساهم في تعميق الفهم التاريخي وتوثيق الذاكرة العربية.

تجدر الإشارة إلى ان التأريخ الشفوي في العالم العربي لا يزال في طور النمو ولم يصل بعد إلى مستوى التكامل مع الدراسات التاريخية والاجتماعية للمجتمعات العربية. فعلى الرغم من دوره الحيوي، لا تزال الشهادات الشفوية مهملة إلى حد كبير في الأوساط الأكاديمية والبحثية. ورغم وجود مبادرات واعدة في هذا المجال، إلا أن تأثيرها ما زال محدودًا ولم يتم تعميمها بالشكل المطلوب. هذه المبادرات، رغم أهميتها، بحاجة إلى مزيد من الدعم والتطوير لترسيخ التأريخ الشفوي كجزء أساسي من الذاكرة الجماعية. إن تعميق الوعي حول هذا المجال وتعزيز مساهمات المجتمع في توثيق التاريخ غير الرسمي، إلى جانب تطوير أساليب علمية موثوقة لجمع الشهادات وتوثيقها، يعتبر ضرورياً لإدماجه في المناهج الأكاديمية والبحثية. هذه الجهود ستسهم في إثراء الدراسات التاريخية والاجتماعية بالمنطقة والحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • مرصد الأزهر يحذر من إقامة مصعد كهربائي في المسجد الأقصى
  • خبراء يستعرضون تجارب توثيق الذاكرة الجماعية بين التاريخ الشفوي والمكتوب • تجارب عربية ودولية تُبرز دور الرواية الشفوية في الحفاظ على الهوية الثقافية د.حمد الضوياني: التاريخ الشفوي أضحى مصدرًا من مصادر الذاكرة التي تحظى بمنزلة خاصة د. بثينة شعبان: توثيق ال
  • ناصر الدين يحذر من تصاعد اقتحامات المستوطنين للأقصى في الأعياد المقبلة
  • عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وسط قيود مشددة
  • أكثر من 48 ألف مستوطن اقتحموا الأقصى منذ 7 أكتوبر
  • مصعد كهربائي في المسجد الأقصى لتسهيل اقتحامات المستوطنين
  • العريف حسن إغديرلي آخر حارس عثماني للمسجد الأقصى
  • جمال عبدالرحيم: مشروع التحول الرقمي سيذكره التاريخ وسيُضاف لإنجازات المجلس الحالي
  • مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية الاحتلال