صبرا جميلا.. راية المقاومة لا تزال مرفوعة
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
الحرب سجال "يوم لنا ويوم علينا"؛ هذا ما ردده أبو سفيان مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم. وما حدث خلال الأيام الأخيرة يعكس ذلك بوضوح، فالضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله، بدأ من عمليتي تلغيم هواتف الاتصال، وصولا إلى اغتيال عدد من قادته، تعد انتصارا مؤقتا لحكومة نتنياهو، رغم أن تل أبيب لم تتمتع طويلا بطعم هذا الانتصار، بسبب الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له مناطق الشمال والذي شمل لأول مرة مدينة حيفا.
هناك عوامل عديدة شجعت إسرائيل على محاولة تحييد الجبهة الشمالية من خلال السعي لتحجيم القوة العسكرية لحزب الله باستعمال كل الوسائل، ومن بين هذه العوامل القرار الإيراني بعدم الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران. فهذا القرار شجع الإسرائيليين على استهداف حزب الله ومحاولة الانفراد به وإضعافه، من خلال استعمال مخابراتها المغروسة داخل لبنان وخارجه. ويمكنها عامل ثان يفسر ما حدث هو رغبة جميع العواصم في عدم توسيع دائرة الحرب، بما في ذلك القيادة الروحية والسياسية الإيرانية. هذا الفيتو الجماعي يضغط بقوة على حزب الله، ويحد من حركته، ويعطي فرصة لحكومة نتنياهو لإجبار الحزب على التخلي عن سياسة الإسناد التي يقدمها للمقاومة الفلسطينية. لكن نتيجة الضربات القاسية التي تلقاها مؤخرا، جعلت حسن نصر الله أكثر إصرارا على رد الفعل بشكل أقوىفي هذا السياق الاعتماد مرة أخرى على حليفتها الولايات المتحدة التي تعتبر حزب الله "جماعة إرهابية"، لهذا السبب تم اتخاذ القرار ونفذ على عجل، مما أثار دهشة الجميع وكاد أن يخلط الأوراق، وجعل البعض وفي مقدمتهم نتنياهو يعتقدون بأن الحزب سيستوعب الدرس، وينكمش عسكريا ويتحول فقط إلى تنظيم سياسي يتحرك داخل الدائرة اللبنانية.
هناك عامل ثان يفسر ما حدث هو رغبة جميع العواصم في عدم توسيع دائرة الحرب، بما في ذلك القيادة الروحية والسياسية الإيرانية. هذا الفيتو الجماعي يضغط بقوة على حزب الله، ويحد من حركته، ويعطي فرصة لحكومة نتنياهو لإجبار الحزب على التخلي عن سياسة الإسناد التي يقدمها للمقاومة الفلسطينية. لكن نتيجة الضربات القاسية التي تلقاها مؤخرا، جعلت حسن نصر الله أكثر إصرارا على رد الفعل بشكل أقوى، واضعا شرطا وحيدا وعلنيا لوقف الحرب هو إنهاء العدوان على غزة. وهي لعبة معقدة ودقيقة من شأنها أن تجعل الحرب مستمرة دون أن تتوسع وتتحول إلى حرب إقليمية.
هكذا تستمر سياسة عض الأصابع بين مختلف الأطراف الشريكة في المشهد الحربي الدائر حاليا. ولا شك في أن الجميع ينتظرون النتيجة التي ستسفر عنها الانتخابات الأمريكية التي ستشهد تغيير القيادة والإدارة، فإذا ما صمدت المقاومة، واستمرت على جميع الجبهات، وتمكن الديمقراطيون من الاحتفاظ بالبيت الأبيض وتمكنت كامالا هاريس من هزيمة ترامب، فإن ذلك من شأنه أن يشكل معطى هاما في المعادلة الدولية والإقليمية. صحيح السياسة الأمريكية لن تشهد تغييرا جوهريا تجاه فلسطين والشرق الأوسط، لكن الإدارة الجديدة مضطرة لإجراء بعض التعديلات، والأخذ بعين الاعتبار تضاريس المشهد الذي خلفته حرب استمرت حتى الآن سنة كاملة دون توقف.
الصمود هو شعار المرحلة، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تستمر المقاومة إلى النهاية، وذلك رغم كثرة خسائرها واتساع دائرة شهدائها. وهو السيناريو الذي يحاول نتنياهو إفشاله بكل الوسائل والطرق، فهو يعمل على الوصول إلى مشهد تكون فيها غزة ركاما من الحجارة المبعثرة
بناء على ما سبق، يعتبر الصمود هو شعار المرحلة، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تستمر المقاومة إلى النهاية، وذلك رغم كثرة خسائرها واتساع دائرة شهدائها. وهو السيناريو الذي يحاول نتنياهو إفشاله بكل الوسائل والطرق، فهو يعمل على الوصول إلى مشهد تكون فيها غزة ركاما من الحجارة المبعثرة، وخالية تماما من مقاتليها ونخبها، عندها يعلن انتصاره السياسي، ويعتبر نفسه "بطلا قوميا" لليهود.
لكن رغم ضخامة الدوي الذي أحدثه الموساد بعد نجاحها في طهران وجنوب لبنان خلال الشهرين الأخيرين، لا تزال صفة مجرم حرب تلاحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولا يزال الاضطراب والانقسام يخيمان داخل الكيان الصهيوني، ولا يزال جانب هام من الإسرائيليين يعيشون بعيدا عن بيوتهم ويهرعون من حين إلى آخر نحو الملاجئ بحثا عن مكان آمن.
المعركة مستمرة، والحرب مفتوحة على أكثر من سيناريو، والراية لم تسقط رغم الدسائس والمناورات، والذين فرحوا بما حدث وعبّروا عن شماتة عليهم أن يصبروا قليلا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله نتنياهو إسرائيل غزة المقاومة إسرائيل غزة نتنياهو حزب الله المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله ما حدث
إقرأ أيضاً:
هذه الأثمان الباهظة التي يدفعها الاحتلال بسبب استمرار الحرب في غزة
أسئلة عديدة يطرحها الاسرائيليون على أنفسهم بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرا على العدوان المستمر على غزة، فيما المقاومة تواصل تصديها لقوات الاحتلال، ومن هذه الأسئلة التي لا يجدون عنها إجابة: ما الذي يمكنهم أن يفعلونه، ولم يفعلونه حتى الآن تجاه المقاومة، لاسيما وأن الحرب التي لا تنتهي تضر بهم أيضا، مما يجعل من وقفها مصلحة عليا لهم، خاصة وأن أمنيتهم التي لا يخفونها باستسلام المقاومة لن تتحقق.
وأكد بن درور يميني الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن "قادة إسرائيل لاسيما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حين يهددون بأن الحرب ستستمر حتى بعد إنجاز صفقة تبادل أسرى، فهم لا يهددون حماس، بل يخدمونها، لأن الحركة تعيش منذ أشهر عديدة مرحلة وصفها بقوة الضعف، وليس لديها ما تخسره".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، أن "حماس ما زالت تمثل صورة الضحية، وتجسّد الهوية الوطنية الفلسطينية، وفي السياق الاستراتيجي، تعتبر التضحية الورقة الرابحة للفلسطينيين، وتمنحهم القوة الدولية، وتُخرج مئات الآلاف للشوارع في كل المدن والجامعات الغربية".
وأوضح يميني، أنه "كلما صعّد الاحتلال مظاهر الإيذاء بحق الفلسطينيين صعدوا هم إلى آفاق جديدة، فيما أصبح وضعه هو أسوأ، وبالتالي ما الذي يمكن له أن يفعله بالضبط في هذه المرحلة، هل يقتل عشرة مقاومين آخرين من حماس كل يوم، أم يدمّر عشرة مباني أخرى، أم يمنع مرور شاحنات الغذاء، مع أنه في نهاية المطاف لن يجدي كل ذلك مع حماس، لأنها ستستخدم كل هذه السياسات الاسرائيلية في تسويق روايتها عما ينفذه الاحتلال من الإبادة الجماعية والمجاعة والتطهير العرقي والاستعمار".
وأكد يميني، أنه "لابد من الإشارة أن مثل هذه الرواية الفلسطينية التي تشمل هذه المفردات تشكّل لاعباً رئيسياً على رقعة الشطرنج الاستراتيجية، وفي الوقت الذي فشلت فيه استراتيجية نتنياهو قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر، فقد فشلت أيضاً منذ ذلك الهجوم، لأنها تعني استراتيجية الحرب بلا توقف، فيما الثمن الداخلي والدولي الذي يدفعه الاحتلال يتزايد: داخلياً وخارجيا".
وشرح يميني قائلا إن "الثمن الإسرائيلي الداخلي لاستمرار حرب غزة يتمثل في ارتفاع معدلات الهجرة العكسية للإسرائيليين الى الخارج، ومزيد من الاستقطاب والانقسام في صفوفهم، والإحباط المتزايد بسبب تخلي الحكومة عن المختطفين، والتزامها المتضائل تجاه جنود الاحتياط، والدمار الاقتصادي نتيجة زيادة ميزانيات الحريديم، وميزانيات أقل فأقل للجنود الذين يتحملون عبء هذه الحرب".
وأشار الكاتب إلى أن "الأثمان التي يدفعها الاسرائيليون على المستوى الدولي بسبب استمرار حرب غزة يتمثل بحلول إسرائيل محلّ جنوب أفريقيا كدولة تمثل نموذج الفصل العنصري، ولا يقتصر الأمر على حظر الأسلحة الذي تفرضه العديد من الدول الغربية عليها، بل يصل الى المقاطعة الصامتة المتمثلة في وقف التعاون في مجالات البحث الأكاديمي والعلمي، وانخفاض الاستثمار فيها، والمزيد من الأحداث المعادية لليهود حول العالم، ومزيد من الانتصارات للحملات المناهضة لها".
وأردف، أنه "رغم كل ذلك، فما زال نتنياهو يهدد حماس بمزيد من القتال على أمل أن يخيفها، لكن ما يحصل في النهاية هو المزيد من نفس الشيء، لأنه في نهاية المطاف، كل يوم يمر يُنظر فيه لإسرائيل باعتبارها المعتدية، وهو بمثابة انتصار صغير آخر بالنسبة للحملة العالمية ضدها، صحيح أن حماس تعيش مرحلة ضعف، لكن إسرائيل تعيش هي الأخرى مرحلة ضعف مماثلة، صحيح أن أغلبية سكان الدول الغربية ليسوا كارهين لإسرائيل، لكن المشكلة تكمن في النخب المسيطرة على الإعلام والأوساط الأكاديمية والثقافية، التي تتمتع بنفوذ كبير، وتقف موقفاً عدائياً من الاحتلال الاسرائيلي".
وختم قائلا، إن "الاحتلال اليوم، وبعد 457 يوما من القصف على غزة، والقضاء على معظم قادة حماس، فإن وقف الحرب مصلحة إسرائيلية عليا، لأن الضرر يجب أن يقلّ، وكل يوم يمرّ دون وقف لإطلاق النار سيؤدي لزيادة الأضرار عليها، فضلا عن كون وقف الحرب سيؤدي لاتفاق تطبيع استراتيجي مع السعودية، مما يعني تحسّن الوضع الإسرائيلي الذي يمرّ الآن بخسارات متزايدة، حيث يتم قتل الجنود، والمختطفون يموتون، والدولة أصبحت مصابة بالجذام أكثر فأكثر".