حذار من تفاؤل مبالغ فيه!
رغم تحسن مؤشرات النمو وانخفاض التضخم، أرى تبني هذه التنبؤات المتفائلة الآن بأنه أمر متسرع بعض الشيء، وينقصه الحكمة.
من الحكمة التخطيط لطريق وعر في المستقبل. فقط ضع في اعتبارك بعض العوامل التي تعرقل التحسن الذي يبدو أنه يحدث.
هل سيشهد النصف الثاني من 2023 انحساراً واضحاً لغيوم عدم اليقين التي كانت تغطي بشكل خطِر الاقتصاد والأسواق العالمية؟
تنبؤات متفائلة مترافقة مع مجموعة من النتائج الإيجابية على طول الطريق، من معدلات نمو مرتفعة، إلى مستويات تضخم منخفضة، مروراً بأداء استثمار جيد.
هل ينضم بنك إنجلترا إلى البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي في التقارب إلى 25 نقطة أساس لزيادة سعر الفائدة بعد مجموعة واسعة من النتائج في يونيو؟
بينما يسابق المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الزمن لمكافحة التضخم، سيواجهان مقايضات بين تحقيق هدف التضخم بنسبة 2% وتأمين الاستقرار المالي والاقتصادي.
يُرجح أن يضرب التأثير التراكمي لارتفاع أسعار الفائدة الأنشطة ذات الرافعة المالية الضخمة وشركات الزومبي التي تتطلب جدواها المالية إعادة هيكلة مالية أو تخفيضات الديون.
يجب بذل الجهد لخفض جاذبية روايات التحسن المطمئنة وإلا فهو استهتار واسترخاء سابق لأوانه لما تبقى من تحديات اقتصادية راهنة، بل سيغدو الوضع أسوأ لدى علاج مشاكل هيكلية مستقبلية.
* * *
شهد النصف الأول من 2023 تشتتاً اقتصادياً ومالياً مذهلاً داخل البلدان وخارجها. ومع عكس بعض هذا التشتت في يوليو/تموز الماضي، ازدادت التنبؤات أكثر بحدوث تحسن في الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.
تنبؤات مترافقة مع مجموعة من النتائج الإيجابية على طول الطريق، من معدلات نمو مرتفعة، إلى أخرى منخفضة تخص التضخم، مروراً بأداء استثمار جيد. لكن مع ذلك، أرى تبني هكذا تنبؤات الآن بأنه أمر متسرع بعض الشيء، وينقصه الحكمة.
نعم، إن علامات التحسن الواضحة في المجالين الاقتصادي والمالي تتضاعف، وأمثلة ذلك كثيرة.
فبعد أن تأخرت لفترة طويلة في خفض معدل التضخم بشكل كبير، فاجأت المملكة المتحدة الجميع ببيانات إيجابية عن تراجع معدل التضخم الأساسي لديها في يوليو، ما عزز الآمال بأنها تتماشى بسرعة نسبية مع معدلات التضخم المنخفضة السائدة في اقتصادات مجموعة السبع الأخرى.
ومع الإجراءات السياسية المتوقع اتخاذها على نطاق واسع من قبل الهيئة المنظمة للسلوك المالي في بريطانيا لاحقا هذا الأسبوع، قد ينضم بنك إنجلترا إلى البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي في التقارب إلى 25 نقطة أساس لزيادة سعر الفائدة بعد مجموعة واسعة من النتائج في يونيو.
وشملت هذه زيادة بمقدار 50 نقطة أساس في بنك إنجلترا، وزيادة بمقدار 25 نقطة أساس للبنك المركزي الأوروبي، ونسبة ثابتة لبنك الاحتياطي الفيدرالي.
في غضون ذلك، وبعد انزلاقه بشكل كبير خلف مؤشر «ناسداك» الصاعد للتكنولوجيا، عدّل مؤشر «داو جونز» للشركات الصناعية والاستهلاكية التقليدية موقفه إيجابياً في الأسابيع الأخيرة.
أما على الصعيد الدولي، ورغم أداء أقل من المتوقع سابقاً مقارنة بنظيراتها في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، تفوقت الأسهم الصينية على الجميع في يوليو.
وما اعتبره البعض حديثاً مقلقاً عن «الفصل» بين الصين والولايات المتحدة قد أفسح المجال لمفهوم أكثر راحة على ما يبدو وهو «عدم المخاطرة» الذي لن يعرقل مسار النمو والتجارة، كما لن يتسبب بقدر كبير من عدم الاستقرار المالي.
إن هذا الحديث المتزايد عن «انخفاض» التشتت الاقتصادي والمالي وحدوث تحسن أكبر، يغذي بطبيعة الحال التفاؤل في الاقتصاد والأسواق. وبالفعل، كلما طالت مدة ذلك، قلت حالة عدم اليقين وخفّت التقلبات داخل البلدان وعبرها.
في المقابل، سيؤدي ذلك إلى تحسين احتمالات الهبوط السلس على المستويين الوطني والعالمي، وبالتالي، تخفيف معدلات الفائدة وضغوط العملة المتزايدة، وتمكين الخطوة التالية في أسعار الأصول من أن تقودها الأوراق المالية ذات التقييمات الأقل تضخما.
وأيضاً، مع احتمال وجود مجموعة من الانطباعات وردود الفعل الإيجابية لاحقاً، من المغري الاعتقاد بأن النصف الثاني من العام سيشهد انحساراً واضحاً لغيوم عدم اليقين التي كانت تغطي بشكل خطِر الاقتصاد والأسواق العالمية.
لكن، بقدر ما نأمل أن يتحقق كل هذا، سيكون من الحكمة التخطيط لطريق وعر في المستقبل. فقط ضع في اعتبارك بعض العوامل التي تعقد التحسن الذي يبدو أنه يحدث.
ففي ظل غياب مساهمة أكبر من تدابير تعزيز العرض، لا يزال أمام بنك إنجلترا عقبات لاجتيازها في معركته مع التضخم. وبينما يسابق البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الزمن في مهمتهما لمكافحة التضخم، سيواجه كلاهما مقايضات بين تحقيق هدف التضخم المشترك بنسبة 2%، والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي داخل منطقتهما.
في السياق، تمتد تحديات البنوك المركزية إلى ما هو أبعد من ذلك. فخلال الأشهر المقبلة، سيواجه بنك اليابان مهمة دقيقة متمثلة في إجراء أكثر من تعديل على نظام سياسته المشوهة بشكل متزايد، وتحديداً التحكم في منحنى العائد على سندات الخزانة.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يضرب التأثير التراكمي لارتفاع أسعار الفائدة في أماكن أخرى بقوة أكبر مجموعة كبيرة من الأنشطة ذات الرافعة المالية الضخمة وشركات الزومبي التي تتطلب جدواها المالية إما إعادة هيكلة مالية أو تخفيضات قسرية في الديون.
وفي عالم يتعرض فيه التصنيع للضغط ويتم استنزاف فائض المدخرات، فإن الدعم الأساسي لمكاسب الأسعار على مستوى السوق سيفتقر إلى إمكانات مجموعة صغيرة من الأسهم التي تركب موجة علمانية ضخمة، أي تلك التي يرجح أن تحافظ على قيمتها، حتى أثناء الركود أو الانكماش الاقتصادي.
وبالنظر إلى أن تحديات النمو في الصين «دورية وعلمانية» على حد سواء، فإن استراتيجية الحكومة التقليدية المتمثلة في شحن الأسواق من خلال التحفيز المالي والنقدي ستثبت أنها أقل فاعلية وأكثر تشويهاً، مما يحبط التقارب السريع في السوق.
كما أنه ولأسباب موضحة سابقاً، من الصعب جداً على الولايات المتحدة التخلص من مخاطر الصين دون درجة كبيرة من الفصل.
وعليه، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لتخفيف جاذبية روايات التحسن المطمئنة. وعدم القيام بذلك، لن يترجم فقط على أنه استهتار واسترخاء سابق لأوانه لما تبقى من تحديات اقتصادية قصيرة الأجل، بل سنصبح في وضع أسوأ من حيث التعامل مع مشاكل هيكلية التي تواجه جيلنا وأولادنا وأحفادنا.
*د. محمد العريان خبير اقتصادي وكبير الاقتصاديين بمجموعة أليانز
المصدر | فاينانشيال تايمزالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تفاؤل تنبؤات تحسن تضخم استثمار ركود انكماش مخاطرة عدم اليقين معدلات النمو أسعار الفائدة الاستقرار المالي المرکزی الأوروبی بنک إنجلترا من النتائج نقطة أساس
إقرأ أيضاً:
بنوك مصر تخفض أسعار الفائدة على بعض أوعيتها الادخارية
اتجهت عدد من البنوك العاملة بالقطاع المصرفي المصري نحو تخفيض أسعار الفائدة على بعض أوعيتها الادخارية في وقت يواصل خلاله البنك المركزي برفع عوائد أذون الخزانة، بالرغم من إعلانه الإبقاء على المعدلات ثابتة في الأسبوع الماضي.
كشف البنك المركزي اليوم عن ارتفاع متوسط سعر عائد أذون الخزانة بأجل 6 أشهر بمعدل 45 نقطة إلى 28.1%، أيضًا زاد عائد أذون الخزانة بأجل 12 شهرا حتى 25.5%
وتخطى متوسط سعر العائد على أذون الخزانة بالجنيه بأجل 91 يوما حاجز 29% هذا الأسبوع ليسجل 29.19%، وفقاً لنتائج العطاءات المعلن عنها من جهة البنك المركزي.
فضل صناع السياسة النقدية لدى البنك المركزي بنهاية الأسبوع الماضي، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند مستويات 27.25% للإيداع و28.25% للاقراض، للاجتماع السابع على التوالي منذ يونيو 2024.
بنك مصر
وسط الترقب والإعلان، اتجهت بنوك نحو التبكير بخفض الفائدة، حيث قررت لجان «الأليكو» المشكلة في بنك مصر، النزول بعوائد وديعة فليكس بنسبة 6.5% إلى 15.5% على الوديعة بأجل 6 أشهر، والتي يصرف عائدها بنهاية المدة، خفض الفائدة على الوديعة بأجل 9 أشهر حتى 14.25%، على أن يصرف عائدها شهريا.
وفي الوقت نفسه، خفضت اللجنة عوائد حساب سوبر كاش توفير الشهري في بنك مصر إلى 22.5% من 23%، وعلى حساب سوبر كاش جاري ذو العائد اليومي لـ 21.75%، مع طرح شهادة ادخار جديدة «يومياتي ذات العائد اليومي المتغير» تحت سعر فائدة 27% بأجل يمتد لـ 3 سنوات.
البنوك وخفض الفائدة
وخفض البنك المصري الخليجي سعر الفائدة على شهادات ادخار «البريميم» الثلاثية إلى 20% بنسبة 1.5%، بالإضافة إلى تخفيض عوائد شهادات ميجا توفير بنسبة 2% إلى عائد شهري 23% خلال السنة الأولى، و20% بالسنة الثانية، 17% السنة الثالثة.
كذلك خفض بنك QNB مصر الفائدة على شهادة ادخار «فرست بلس» بنسبة 0.5% إلى 20%، وبنسبة 0.5% على شهادة ادخار «Exclusive» إلى 19.50%
واتجه بنك التنمية الصناعية نحو تخفيض سعر الفائدة على شهادات ادخار «إختيارك» بنسبة 3.5% إلى 21.50% في دورية صرف العائد السنوي بدلاً من 25%، تقليص عوائد باقي دوريات الصرف.
بالإضافة إلى ذلك، يعتزم البنك العربي الأفريقي الدولي تخفيض أسعار الفائدة على حساب توفير E-Golden Saving بنسب بين 0.25% و2.25%، في مطلع شهر مارس المقبل.
وفي الصدد، خفض البنك التجاري الدولي CIB سعر الفائدة على شهادات الادخار الثلاثية بعائد ثابت نسبة 3%، لتصل إلى 17% على شهادات «بريميم»، وشهادات ادخار «بلس» لـ 16%، وشهادات ادخار «برايم» حتى نسبة 15%
موعد اجتماع البنك المركزي القادم
يحل موعد اجتماع البنك المركزي المصري القادم في 17 أبريل 2025، وسط ترقب من الجميع بالإعلان عن التيسير النقدي أو التلميح على الأقل لموعد إجرائه.
اقرأ أيضاًالبنك الأهلي الكويتي مصر يحقق صافي أرباح 6.6 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2024
في البنك المركزي.. الدولار يتوقف عند 50.59 جنيه بنهاية الأسبوع
بعائد 22%.. حساب «الأهلي اليومي» في البنك الأهلي المصري